الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيضاح
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا) أي إن الذين يخفون ما أنزل الله من وحيه على رسله، أو يؤولونه ويحرفونه ويضعونه في غير موضعه برأيهم واجتهادهم، فى مقابل الثمن القليل من حطام الدنيا كالرشوة على ذلك أو الجعل (الأجر) على الفتاوى الباطلة أو نحو ذلك مما يستفيده الرؤساء من المرءوسين، وسمى قليلا لأن كل عوض عن الحق فهو قليل في جنب ما يفوت آخذه من سعادة الحق الدائمة بدوام المحافظة عليه، والمبطل وإن تمتع بثمن الباطل فذاك إلى أمد الحياة القصير كما قال:«فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ» .
(أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ) أي إن أولئك الكاتمين لكتاب الله المتّجرين به، ما يأكلون في بطونهم من ثمنه إلا ما يكون سببا لدخول النار، وانتهاء مطامعهم بعذابها، وقد يكون المعنى: إنه لا تملأ بطونهم إلا النار أي لا يشبع جشعهم إلا النار التي يصيرون إليها على نحو ما
جاء في الحديث «ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب»
وهذا الحكم عامّ يصدق على المسلمين كما يصدق على غيرهم، فسنة الله مطردة في تأييد أنصار الحق وخذلان أهل الباطل.
(وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي إن الله يعرض عنهم ويغضب عليهم، وقد جرت عادة الملوك إذا غضبوا أعرضوا عن المغضوب عليهم ولم يكلموهم، كما أنهم حين الرضا يلاطفون من يرضون عنه، ويقابلونه بالبشاشة والبشر.
(وَلا يُزَكِّيهِمْ) أي ولا يطهرهم من دنس الذنوب بالمغفرة والصفح عنهم إذا ماتوا وهم مصرّون على كفرهم.
(وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي ولهم عذاب شديد الألم موجع.
(أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) أي إن أولئك الذين جزاؤهم ما تقدم، هم الذين تركوا الهدى الواضح البين الذي لا خلاف فيه، وهو ما جاء به الرسل
عن ربهم، واتبعوا آراء الناس في الدين وهى لا ضابط لها، وهى مشتبه الأعلام يضلّ بها الفهم، ومن ثم كان أهلها في خلاف وشقاق.
(وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ) أي إن متبع الضلال استحق العذاب بدل المغفرة، وهو باختياره إياه بعد قيام الحجة قد اشترى العذاب بالمغفرة، وكان هو الجاني على نفسه حين اغترّ بالعاجل واستهان بالآجل.
(فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) أي إنّ انهماكهم في العمل الذي يوصلهم إلى النار المبين فى الآيتين السالفتين هو مثار العجب، فسيرهم في الطريق التي يجرهم إليها، وعدم مبالاتهم بمآل أعمالهم، دليل على أنهم يطيقون الصبر عليها، وتلك حال تستحق العجب أشد العجب، وأعجب من ذلك أن يرضاها عاقل لنفسه ومثل هذا الأسلوب ما يقال لمن يتعرض لما يوجب غضب ملك من الملوك:
ما أصبرك على القيد والسجن! أي إنه لا يتعرض لمثل هذا إلا من هو شديد الصبر على العذاب.
(ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ) أي ذلك العذاب الذي تقرّر لهم بسبب أن الكتاب جاء بالحق، والحق لا يغالب، فمن غالبه غلب.
(وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) أي وإن الذين اختلفوا فى الكتاب الذي نزله الله لجمع الكلمة على اتباع الحق وإزالة الاختلاف، لفى شقاق بعيد عن سبيل الحق، فلا يهتدون إليه، إذ كل منهم يخالف الآخر بما ابتدعه من رأى ومذهب، وينأى بجانبه عن الآخر، فيكون الشقاق بينهما بعيدا.
وهذا وعيد آخر بعد الوعيد الأول على كتمان الحق، فالمختلفون لا يسلكون سبيلا واحدة كما يدعو إلى ذلك القرآن «وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ» فلا يجوز أهل الكتاب الإلهى أن يكونوا شيعا ومذاهب شتى كما قال:«إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ» .