الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيضاح
(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) أي إن الرجال الذين يموتون ويتركون زوجات يردن الزواج، لا يحل لزوجاتهم أن يتعرضن لخطبة ولا زواج ولا خروج من المنزل إلا لعذر شرعى مدة أربعة أشهر وعشرة أيام.
وخلاصة المعنى- إن عدة النساء اللاتي يموت أزواجهن أربعة أشهر وعشرة أيام لا يتعرضن فيها للزواج بزينة ولا خروج من المنزل إلا للأعذار المبيحة لذلك، ولا يواعدن الرجال بالزواج، اهتماما بحقوق الزوجية وتعظيما لشأنها.
وقد حرمت السنة الحداد على غير الزوج أكثر من ثلاثة أيام.
وهذا الحكم خاص بغير الحوامل، فإن الحامل التي يموت زوجها تنقضى عدتها بوضع الحمل ولو بعد الموت بساعة كما قال تعالى:«وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» سواء كن مطلقات أو متوفى عنهن أزواجهن.
روي أبو داود حديث سبيعة الأسلمية قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم أفتاها بأنها حلّت حين وضعت حملها، وكانت ولدت بعد موت زوجها بنصف شهر.
ولا نبحث عن الحكمة في تحديد هذه المدة فهى كأعداد الركعات ومقدار الواجب فى الزكاة، وقال بعضهم في بيانها: إن تعرف براءة الرحم احتاجت إلى ثلاثة قروء أو ستين يوما، فبراءة النفس من الحزن والكآبة تحتاج إلى مدة أطول من هذه لعظم الكارثة وفداحة الخطب، إلى أن التعجيل بالزواج مما يسىء أهل الزوج ويفضى إلى الخوض في شأن المرأة، إذ يقولون إنها لم تكن على ما ينبغى من الوفاء للزوج والحزن عليه إلى أنه كان من المعروف عند العرب أن المرأة تصبر على البعد عن الرجل أربعة أشهر بلا حرج ولا مشقة وتتوق إليه بعد ذلك، حتى إن عمر أمر ألا يغيب المجاهدون عن أزواجهم أكثر من أربعة أشهر بعد أن سأل أهل بيته.
وإذا صح أن هذا أصل في المسألة تكون الزيادة الاحتياطية عشرة أيام.
وهذا التحديد لعدة الوفاة يشمل الصغيرة والكبيرة والحرة والأمة وذات الحيض واليائسة.
(فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أي فإذا أتممن عدتهن وانتهت مدة التربص والانتظار فلا إثم عليكم أيها المسلمون أن تفعل المرأة ما كان محظورا عليها قبل ذلك من التزين والتعرض للخطّاب والخروج من المنزل على الوجه المعروف شرعا وعرفا.
فإن فعلن شيئا من ذلك قبل انقضاء الأجل كن قد أتين بمنكر فيجب على أوليائهن وخيار المسلمين أن يمنعوهن، فإن لم يستطيعوا ذلك استعانوا بالحاكم لإزالة هذا المنكر.
وقد بينت السنة والأخبار الصحيحة ما يحظر على المرأة أن تفعله، فقد روى الشيخان من
حديث حميد بن نافع عن زينب بنت أم سلمة قالت: دخلت على أم حبيبة حين توفى أبو سفيان (والدها) فدعت بطيب فيه صفرة خلوق وغيره، فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها، ثم قالت والله ما بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول:«لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا» .
وقالت زينب: سمعت أمّى أمّ سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفى زوجها وقد اشتكت عينها، أفنكحلها؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) مرتين أو ثلاثا- كل ذلك يقول (لا) ثم قال:
إنما هى أربعة أشهر وعشر.
وقد كانت المرأة في الجاهلية تحدّ على زوجها شر حداد وأقبحه، فكانت تمكث سنة كاملة لا تمسّ طيبا ولا زينة، ولا تبدو للناس في مجتمعهم، ثم تخرج بعد ذلك، وكان لهم في ذلك عادات سخيفة وخرافات شائنة.
إلى أن جاء الإسلام فأصلح من ذلك، فجعل العدة على نحو الثلث مما كانت عليه، ولم يحرم فيها إلا الزينة والطيب والتعرض لأنظار الخاطبين من مريدى الزواج، وما منع النظافة ولا الجلوس في كل مكان في البيت مع النساء والمحارم من الرجال، والكحل الذي منعه النبي صلى الله عليه وسلم هو كحل الزينة لا كحل التداوى بدليل
حديث الموطأ عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار» .
والمسلمات اليوم لا يسرن على طريق واحدة في الحداد، فمنهن من يغلون في الحداد ويغرقن في النّوح والندب والخروج من مألوف العادات في المعيشة، حتى يزدن على ما كان عليه نساء الجاهلية، ولا يخصصن الزوج بما خصه به الشرع، بل ربما حددن على الولد السنة والسنتين، وربما تركن الحداد على الزوج بعد الأربعين.
فالخير كل الخير للمسلمين أن يصلحوا هذه العادات الرديئة في الحداد، إذ لا فائدة فيها إلا إفناء المال في تغيير اللباس والأثاث والرياش والماعون، وفساد آداب المعاشرة والشقاء في أحوال المعيشة، وما ينجم عن ذلك من الأمراض، ولا سيما لدى ضعفاء الأمزجة.
ولا سبيل إلى ذلك إلا بالعودة إلى أحكام الشرع من الحداد ثلاثة أيام على القريب وأربعة أشهر وعشرا على الزوج، وجعل الحداد مقصورا على ترك الزينة والطيب وعدم الخروج من المنزل إلا لضرورة.
(وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فهو محيط بدقائق أعمالكم لا يخفى عليه شىء منها، فإذا جعلتم نساءكم تسير على نهج الشرع وحدوده صلحت أحوالكم، وسعدتم في دنياكم، وأحسن الله جزاءكم في أخراكم، وإن أسأتم السيرة وحدتم عن السّنن السوىّ أخذكم أخذ عزيز مقتدر.
(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ، أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ)
أي ولا إثم ولا حرج على الرجل أن يعرّض للمرأة ويلوّح لها في أثناء عدة الزواج، أو عدة الطلاق البائن بأمر الزواج، لا في أثناء عدة الطلاق الرجعى، لأنها لا تزال فى عصمة زوجها.
وللناس في كل عصر كنايات يستعملونها في مثل هذا، كأن يقول: إني أحب امرأة من صفتها كيت وكيت، أو يقول وددت لو أن الله وفّقنى لامرأة صالحة مثلك أو يقول: إنى حسن الخلق، كثير الإنفاق، جميل العشرة، محسن إلى النساء، إلى نحو ذلك.
كذلك لا حرج عليه فيما يكتمه في نفسه ويعزم عليه من الزواج بها بعد انتهاء أجل العدة، لأن مثل هذا مما يتعسر الاحتراز منه، ومن ثم ذكره الله تعالى على وجه الترخيص بقوله:
(عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ) فى أنفسكم ويشق عليكم أن تكتموا رغبتكم وتصبروا عن أن تبوحوا لهن بما انطوت عليه جوانحكم، ومن ثم رخص لكم في التعريض دون التصريح، فعليكم أن تقفوا عند حدّ الرخصة ولا تتجاوزوها.
(وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) أي ولكن لا تواعدوهن على الزواج في السر، فإن المواعدة على هذه الحال مدرجة للفتنة، ومظنّة للقيل والقال، بخلاف التعريض فإنه يكون على ملأ من الناس، فلا عار فيه ولا عيب، ولا يكون وسيلة إلى ما لا تحمد عقباه.
وذهب جمهرة العلماء إلى أن السر هنا يراد به النكاح، أي لا تتّعدوا معهن وعدا صريحا على التزوّج بهن.
(إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً) أي لا تواعدوهن بالمستهجن، ولكن واعدوهن بقول معروف لا يستحيا منه في الجهر، كذكر حسن العشرة وسعة الصدر للزوجات إلى نحو ذلك.
والخلاصة- إنه لا يجوز للرجال أن يتحدثوا مع النساء المعتدات عدة الوفاة في امر