الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكل من مس فراشها يغسل ثيابه بماء ويستحم ويكون نجسا إلى المساء، وكل من مسّ متاعا تجلس عليه يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجسا إلى المساء، وإن اضطجع معها رجل فكان طمثها عليه يكون نجسا سبعة أيام، وكل فراش يضطجع عليه يكون نجسا- إلى نحو ذلك من الأحكام وللرجل الذي يسيل منه دم نحو هذه الأحكام.
وكان العرب في الجاهلية لا يساكنون الحيّض، ولا يؤاكلونهنّ كما كانت تفعل اليهود والمجوس.
وكانت النصارى تتهاون في أمور الحيض، وكانوا مخالطين للعرب في كثير من المواطن، وقد جرت العادة أن الناس لا يتأثمون في أمور الدين إذا كانت تتعلق بلذاتهم وشهواتهم، وفيها منفعة لهم، وقلما يقفون عند حدود الشرائع، فكان هذا الاختلاف الذي يرونه بين أهل الأديان مدعاة للسؤال عن حكم المحيض في هذه الشريعة
الإيضاح
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) أي ويسألونك عن حكم مخالطة النساء زمن الحيض.
(قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) أي أجبهم وقل لهم: هو ضرر وأذى، فاتركوا غشيانهنّ في هذه المدة، والسرّ في هذا التأكيد كبح جماح الرغبة في ملابسة النساء ولو وصلت إلى حد الإيذاء، وقد كان بعض الناس يظن أن الاعتزال ترك القرب الحقيقي، لكن السنة بينت أن المحرّم إنما هو الوقاع فحسب،
فعن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها فى البيوت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله عز وجل:
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً) الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«اصنعوا كل شىء إلا الجماع» رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن.
وعن حزام بن حكيم عن عمه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحلّ لى من امرأتي وهى حائض؟ قال: «لك ما فوق الإزار» أي ما فوق السرّة، رواه أبو داود.
وقد جاءت الآية ببيان سبب المنع أوّلا، ثم رتبت عليه الحكم وهو المنع، ليؤخذ بالتسليم والقبول، وليعلم أن الأحكام لم تشرع إلا للمصلحة لا للتعبد كما يرى اليهود.
والخلاصة- إنه يجب ترك غشيان النساء مدة الحيض، لأنه سبب للأذى والضرر، وقد أثبت ذلك الطب الحديث، فقالوا: إن الوقاع في زمن الحيض يحدث الأضرار الآتية:
(1)
آلام أعضاء التناسل في الأنثى، وربما أحدث التهابات في الرحم فى المبيضين أو في الحوض تضرّ صحتها ضررا بليغا، وربما أدى ذلك إلى تلف المبيضين وأحدث العقم.
(2)
أن دخول مواد الحيض في عضو التناسل عند الرجل، قد تحدث التهابا صديديا يشبه السيلان، وربما امتدّ ذلك إلى الخصتين فآذاهما، ونشأ من ذلك عقم الرجل، وقد يصاب الرجل (بالزهرى) إذا كانت جراثيمه في دم المرأة.
وعلى الجملة فقربانها في هذه المدة قد يحدث العقم في الذكر أو في الأنثى، ويؤدى إلى التهاب أعضاء التناسل فتضعف صحتها، وكفى بهذا ضررا، ومن ثمّ أجمع الأطباء المحدثون في بقاع المعمورة على وجوب الابتعاد عن المرأة في هذه المدة كما نطق بذلك القرآن الكريم المنزل من لدن حكيم خبير.
(فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) أي فإذا اغتسلن من دم الحيض فأتوهن من المأتي الذي جبلت النفوس على الميل إليه، ومضت سنة الله بحفظ النوع به، وهو موضع النسل.
وفي هذا إيماء إلى أن الشريعة طلبت التزوج وحرّمت الرهبانية، فليس لمسلم أن يترك الزواج على نية العبادة والتقرّب إلى الله تعالى، لأنه سبحانه قد امتنّ علينا بالزواج
بقوله: «وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً» وطلب إلينا أن ندعوه بالتوفيق للسرور بالزوجة الصالحة والولد البارّ فقال: «رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ» .
فالزواج الشرعي وقربان المرأة ابتغاء النسل من أعظم القرب، وتركه مع القدرة عليه وعدم المانع مخالف لناموس الفطرة وسنته تعالى في شريعته.
وحين
قال عليه الصلاة والسلام: «وفي بضع أحدكم صدقة» قالوا يا رسول الله:
يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وزر» ؟
وقصاري ذلك- إن الإسلام لم يجعل العبادة في تعذيب النفس ومخالفة سنة الفطرة بترك ما أحلّ الله من لذات الدنيا، توهما بأن ذلك مما يرضى الخالق جلّ وعلا.
(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) أي إن الله يحب الذين يرجعون إليه تائبين غير مصرّين على سيئ أفعالهم، بتغليب سلطان الشهوة على سنة الفطرة حين أتوا نساءهم في المحيض أو في غير المأتي الذي أمر الله به.
(وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) أي وإنه تعالى يحب كل من نزّه نفسه عن الأقذار، وابتعد عن ارتكاب المنكرات، وهؤلاء أحبّ إلى الله ممن فرطت منهم الزلة ووقعوا في الدنس ثم تابوا (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) أي لا حرج عليكم في إتيان نسائكم بأى كيفية شئتم ما دمتم تقصدون الاستيلاد في الموضع الطبيعي، فالشارع لا يقصد إلى إعناتكم وحظر اللذة عليكم، بل يريد لكم الخير والمنفعة، ولا يريد المفسدة بوضع الأشياء فى غير مواضعها.
وقد جاءت هذه الآية عقب سابقتها، كالبيان لها شارحة وجه الحكمة التي لأجلها شرع غشيان النساء، وهو حفظ بقاء النوع البشرى بالاستيلاد، كما يحفظ النبات بالزرع والحرث، لا لذة المباشرة لذاتها، ومن ثمّ لا يحل لكم أن تأتوا النساء في زمن الحيض
حيث لا استعداد لقبول الزرع، ولا في غير المأتى الذي يتحقق به الاستيلاد (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ) ما يقدّم للنفس هو ما ينفعها في مستأنف حياتها، ولا شىء أنفع للإنسان في مستقبله من ولد بارّ ينفعه في دينه ودنياه كما
جاء في الحديث «إن الولد الصالح من عمل المرء الذي ينفعه بعد موته»
ولا يكون الولد كذلك إلا إذا أحسن والداه تربيته وهذباه وجعلاه ذا خلق عظيم.
وهذا يدعو إلى اختيار المرأة الودود الولود، التي تعين الرجل على تربية ولده بحسن خلقها وعملها، وتكون قدوة حسنة له، إذ ينشأ وهو يرى فضائلها وجلائل أعمالها فتنطبع صورتها في نفسه، فيشبّ وهو كامل الأخلاق حميد الصفات، كما يختار الزارع الأرض الصالحة التي تؤتي جيد الغلة.
وقوله: (وَاتَّقُوا اللَّهَ) أي واحذروه بأن تخرجوا النساء عن كونهنّ حرثا بإضاعة مادة النسل في الحيض، أو بوضعها في غير موضع الحرث، أو بأن تختاروا المرأة السيئة الأخلاق التي تفسد تربية الأولاد بإهمالها، وسوء القدوة في معاشرتها.
ثم أوعد من يخالفون أمره فقال:
(وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) أي واعلموا أنكم ستلاقون ربكم في الآخرة، فيجازيكم على عصيانه ومخالفة أمره، وتتجرّعون من جراء ذلك العذاب الأليم.
(وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) أي وبشر المؤمنين الذين يقفون عند حدود دينهم، ويتبعون هدى ربهم في أمر النساء والأولاد، فيسعدون بنعيم الدنيا والآخرة فمن يختر لنفسه الزوجة الصالحة، ويحسن تربية ما رزقه الله من الأولاد، يكن قرير العين سعيدا بما يرى من حسن حاله وحال أهله وولده.
أما من تطغى عليه شهواته، فيخرج عن السنن التي شرعها الله لعباده، فإنه لا يسلم من المنغصات في هذه الحياة، وهو في الآخرة أتعس حالا وأضلّ سبيلا.
فالسعادة كل السعادة في تكميل النفس بصادق الإيمان وفاضل الأخلاق، واطمئنان