الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة البقرة (2) : آية 186]
وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)
المعنى الجملي
لما طالب الله عباده في الآية السابقة بصوم الشهر وإكمال العدّة، وحثهم على التكبير ليعدّوا أنفسهم للشكر، عقب بهذه الآية للدلالة على أنه خبير بأحوالهم، سميع لأقوالهم، فيجيب دعوة الداعين ويجازيهم بأعمالهم، وفي هذا حثّ لهم على الدعاء،
وقد روى أن سبب نزول الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع المسلمين يدعون الله بصوت رفيع فى غزوة خيبر فقال لهم: «أيها الناس اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم» .
ويستفاد من هذه الآية أنه لا ينبغى رفع الصوت في العبادات إلا بالمقدار الذي حدده الشرع في الصلاة الجهرية، وهو أن يسمعه من بالقرب منه، فمن تعمد المبالغة في الصياح حين الدعاء، كان مخالفا لأمر ربه وأمر نبيه.
(وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) قرب الله من عباده إحاطة علمه بكل شىء، فهو يسمع أقوالهم ويرى أعمالهم، أي ذكّر أيها الرسول عبادى بما يجب أن يراعوه في هذه العبادة وغيرها من الطاعة والإخلاص والتوجه إلىّ وحدي بالدعاء، وأخبرهم بأني قريب منهم ليس بينى وبينهم حجاب، ولا ولىّ ولا شفيع يبلغنى دعاءهم وعبادتهم، أو يشاركنى في إجابتهم وإثابتهم، وأجيب دعوة من يدعونى بلا وساطة أحد إذا هو توجه إلىّ وحدي في طلب حاجته، لأننى أنا الذي خلقته وأعلم ما توسوس به نفسه والعارف بالشريعة وبسنن الله في خلقه، لا يقصد بدعائه إلا هدايته إلى الأسباب التي توصله إلى تحصيل رغباته ونيل مقاصده، فهو إذا سأل الله أن يزيد في رزقه، فهو لا يقصد أن تمطر له السماء ذهبا وفضة، وإذا سأله شفاء مريضه الذي أعياه علاجه، فإنه
لا يريد أن يخرق العادات، بل يريد توفيقه إلى العلاج الذي يكون سبب الشفاء، ومن ترك السعى والكسب وطلب أن يؤتي مالا فهو غير داع بل جاهل، وكذا المريض الذي لا يراعى الحمية ولا يتخذ الدواء ويطلب الشفاء والعافية، لأن مثل هذين يطلبان إبطال السنن التي سنها الله في الخليقة.
والدعاء المطلوب هو الدعاء بالقول مع التوجه إلى الله بالقلب، وذلك أثر الشعور بالحاجة إليه، والمذكّر بعظمته وجلاله، ومن ثم
سماه النبي صلى الله عليه وسلم مخّ العبادة،
وإجابة الدعاء: تقبّله ممن أخلص له وفزع إليه، سواء وصل إليه ما طلبه في ظاهر الأمر أم لم يصل، ونحو الآية قوله في سورة ق:«وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ» وعلى هذا فلا داعى لرفع الصوت في الدعاء، ولا إلى الوساطة بينهم وبينه في طلب الحاجات كما كان يفعله المشركون من التوسل بالشفعاء والوسطاء.
(فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي) الاستجابة الإجابة بعناية واستعداد، أي وإذ كنت قريبا منهم مجيبا دعوة من دعانى، فليستجيبوا لى بالقيام بعمل ما أمرتهم به من الإيمان والعبادات النافعة لهم كالصيام والصلاة والزكاة وغيرها مما أدعوهم إليه، كما أجيب دعوتهم بقبول عبادتهم.
(لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) الرشد والرشاد ضد الغىّ والفساد: أي إن الأعمال إذا صدرت بروح الإيمان يرجى أن يكون صاحبها راشدا مهتديا، أما إذا صدرت اتباعا للعادة وموافقة المعاشرين فلا تعدّ للرشاد والتقوى، بل ربما زادت فاعلها ضراوة في الشهوات، وفسادا في الأخلاق، كما يشاهد ذلك لدى الصائمين الذين يصومون تقليدا لآبائهم وعشيرتهم لا بإخلاص لربهم وابتغاء لمثوبته.