الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيضاح
(وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) أي وإذا طلقتم النساء فقار بن إتمام العدة، فاعزموا أحد الأمرين، إما إمساك المرأة بالمراجعة، أو إطلاق سبيلها بالمعروف الذي شرع لكم في الآية:«الطَّلاقُ مَرَّتانِ» .
وإنما فسرنا بلوغ الأجل بقرب إتمام العدة، لأن الأجل إذا انقضى حقيقة لم يكن للزوج حق إمساكها بالمعروف، إذ هى غير زوجة له، وفي غير عدة منه.
ثم أكد الأمر بالإمساك بالمعروف ووضح معناه بقوله:
(وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا) أي ولا تراجعوهن مريدين مضارتهن وإيذاءهن بالحبس وتطويل العدة لتلجئوهن إلى افتداء أنفسهن كما كانوا يتعاطونه في الجاهلية، روى ابن جرير عن ابن عباس قال: كان الرجل يطلق امرأته، ثم يراجعها قبل انقضاء عدتها، ثم يطلقها، ثم يفعل ذلك ليضارّها ويعضلها فأنزل الله هذه الآية.
وعن السدى قال: نزلت في رجل من الأنصار يدعى ثابت بن يسار طلق امرأته حتى انقضت عدتها إلا يومين أو ثلاثة، ثم راجعها ثم طلقها مضارة لها فأنزل الله تعالى:(وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا) .
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) أي ومن يفعل ذلك الإمساك المؤدى إلى الظلم فقد ظلم نفسه في الدنيا بسلوك طريق الشر وإقلاق راحة الضمير بالاعتداء، وبمناصبة المرأة وأسرتها العداء فيتألبون عليه وينفرون منه حتى يوشك ألا يصاهره أحد، كما ظلم نفسه في الآخرة بمخالفة أمر الله وتعرضه لسخطه.
(وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً) أي ولا تتهاونوا بحدود الله التي شرعها لكم في دينه جريا على سنن الجاهلية، فإن التهاون بعد هذا البيان والتأكيد يعدّ استهزاء بها.
وفي هذا وعيد شديد وتهديد لمن يتعدى هذه الحدود، وفيه حث للمسلمين على
احترام صلة الزوجية والبعد عما كانوا يفعلونه في الجاهلية، إذ كانوا يتخذون هذه الصلة لعبا ويعبثون بطلاقهن ويمسكونهن عبثا
فقد أخرج ابن مردويه عن أبي الدرداء قال: كان الرجل يطلق ثم يقول لعبت ويعتق، ثم يقول لعبت فأنزل الله (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً) فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال «ثلاث جدّهن جد وهزلهنّ جدّ: الطلاق والنكاح والرجعة» .
(وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ) أي وتذكّروا ما أنعم به عليكم من الرحمة التي جعلها بين الزوجين، وبها امتنّ علينا في قوله:
«وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً» ومن جعل النكاح والطلاق والرجعة بأيدينا، وعدم التضييق في عدد النساء كما ضيق على من سبقنا إذ أحل لهم امرأة واحدة ولم يحلّ لهم بعد موت المرأة زواج أخرى، وبما أنزل به عليكم من آيات أحكام الزوجية التي تجعلكم في هناء في الدنيا وسعادة في الآخرة، ومن الحكمة في سنّ تشريع الأحكام وبيان ما فيها من منافع ومصالح، إذ معرفة التشريع مع حكمته هى التي تحدث العبرة والعظة الباعثة على الامتثال.
وقد ذكّرنا سبحانه بنعمته علينا أن ممكننا من إقامة الصلة الزوجية على أتمّ نظام، وأن هدانا بهذا الدين القويم وحدّ لنا الحدود ووضع الأحكام مبينا حكمها وأسرارها، وأيدها بالمواعظ التي تهدى إلى اتباعها.
بيد أن الناس قد أعرضوا عن هذه النعم ففسدت بينهم تلك المودة والرحمة، وحجبهم عن الموعظة بالحكمة غرورهم بالقوة وطغيانهم بالغنى، وكفر النساء نعمة الرجال وتمادين في ذمهم والتبرم بهم، وقلد الناس بعضهم بعضا في ذلك.
(وَاتَّقُوا اللَّهَ) بامتثال أمره ونهيه في أمر النساء وتوثيق الصلة الزوجية، وترك ما ألف الناس من عدم المبالاة بعقد الزوجية الذي كانوا يرونه كعقد الرق والإجارة في المتاع الخسيس، بل كانوا يرونه دون ذلك، إذ كانوا يطلقون المرأة لأتفه سبب، ثم يعودون إليها، يفعلون ذلك المرة بعد المرة للضرار والإهانة.