الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهنا ذكر أن أهل الكتاب يكتمون بعض ما في كتبهم:
(1)
إما بعدم ذكر نصوصه للناس حين الحاجة إليه أو السؤال عنه كالبشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم وصفاته مع وجودها في سفر التثنية، فقد جاء فيه: وسوف أقيم لهم نبيّا مثلك من بنى إخوتهم، وأجعل كلامى في فمه، ويكلمهم بكل شىء آمره به. ولا شكّ أن بنى إخوتهم هم العرب أبناء إسماعيل، وكحكم رجم الزاني الذي ورد ذكره فى سورة المائدة.
(2)
وإما بتحريف الكلم عن مواضعه حين الترجمة، أو بحمله على غير معانيه بالتأويل اتباعا لأهوائهم.
وقد فضحهم الله بهذه الآيات، وسجل عليهم اللعنات الدائمات.
الإيضاح
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) أي إن أهل الكتاب الذين كتموا أمر الإسلام وأمر محمد صلى الله عليه وسلم وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل بينا واضحا، يستحقون الطرد والبعد من رحمة الله، ويستوجبون بأعمالهم الدعاء عليهم باللعن من الملائكة والناس أجمعين.
وحكم هذه الآية شامل لكل من كتم علما فرض الله بيانه للناس، كما
روى في الخبر أنه عليه السلام قال: «من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار» .
وروى أن أبا هريرة قال: لولا آية من كتاب الله ما حدثتكم، وتلا «إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا» الآية.
ومن هنا ترى أن الذي يرى حرمات الله تنتهك أمام عينيه، والدين يداس جهارا بين يديه، ويرى البدع تمحو السنن، والضلال يغشى الهدى، ثم هو لا ينتصر بيد
ولا لسان، يكون ممن يستحق وعيد الآية، وقد لعن الله الذين كفروا من بنى إسرائيل وبين سبب لعنهم بقوله:«كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ» فمنه ترى أن الأمة كلها قد لعنت لتركها التناهى عن المنكر، فيجب إذا أن تكون في الأمة جماعة تقوم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كما قال:«وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» .
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) أي إلا من أناب عن كتمانه، وراجع التوبة بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وأقر بنبوته، وصدّق ما جاء به من عند الله، وأصلح حال نفسه بالتقرّب إلى الله بصالح الأعمال، وبيّن ما علم من وحي الله إلى أنبيائه، وما عهد إليهم في كتبه، فلم يكتمه ولم يخفه، فهؤلاء يتوب الله عليهم ويفيض عليهم مغفرته تفضلا منه ورحمة، وهو الذي يرجع قلوب عباده المنصرفة عنه ويردها إليه بعد إدبارها عن طاعته، وهو الرّحيم بالمقبلين عليه يتغمدهم برحمته ويشملهم بعفوه، ويصفح عما كانوا اجترحوا من السيئات.
وفي الآية ترغيب للقلوب الواعية التي تخاف سخط الله وشديد عقابه، فى التوبة عما فرط من الذنوب، وطرد لليأس من رحمة الله مهما ثقلت الذنوب وكثرت الآثام كما قال:«يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً» .
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) بعد أن ذكر في الآية السالفة أن الكافرين الذين كتموا الحق يستحقون اللعن، ثم أخرج من بينهم جماعة التائبين، ذكر في هذه الآية وما بعدها أن اللعن الأبدىّ الذي يلزمه الخلود في دار الذل والهوان، لا يكون إلا إذا مات صاحبه على الكفر، وحينئذ تسجل عليه اللعنة من الله والملائكة والناس جميعا، ومن بينهم أهل مذهبه، فإنهم إذا