الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك الخير أو لكثرته التي تضرّ الورثة، وتقدر الكثرة باعتبار العرف ففى القرى غيرها فى الأمصار، فهى تقاس بحسب حال الشخص لدى الناس، وإنما يكون ذلك بعدم الزيادة على ثلث المتروك للوارثين، وخاف: أي علم، والجنف: الخطأ، والإثم: تعمّد الإجحاف والظلم.
المعنى الجملي
كان الكلام في الآية السابقة في القصاص في القتل، وهو ضرب من ضروب الموت، فناسب أن يذكر ما يطلب ممن يحضره الموت من الوصية، والخطاب عام موجه إلى الناس كلهم، بأن يوصوا بشىء من الخير، ولا سيما في حال حضور أسباب الموت وظهور أماراته، لتكون خاتمة أعمالهم خيرا، وقد تقدم أن قلنا إن الأمة متكافلة يخاطب المجموع منها بما يطلب من الأفراد، وقيام الأفراد بحقوق الشريعة لا يتمّ إلا بالتعاون والتكافل والائتمار بأوامرها والتناهى عن نواهيها، فإن لم يأتمر البعض وجب على الباقين حمله على ذلك.
الإيضاح
(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ) أي فرض عليكم معشر المؤمنين إذا حضرت أسباب الموت وعلله والأمراض المخوفة، وتركتم مالا كثيرا لورثتكم، أن توصوا للوالدين وذوى القربى بشىء من هذا الخير لا يعدّ في نظر الناس قليلا ولا كثيرا، وقد قدروه بعدم الزيادة على ثلث المتروك للوارثين، وجمهرة العلماء وأئمة السلف. وروى عن بعض الصحابة أن هذه الوصية إنما تكون لهم ما لم يكونوا وارثين
لقوله عليه الصلاة والسلام: «إن الله أعطى كل ذى حقّ حقه، ألا لا وصية لوارث» .
وجوّز بعض الأئمة الوصية للوارث، بأن يخص بها بعض من يراه أحوج من الورثة
كأن يكون بعضهم غنيا وبعضهم فقيرا عاجزا عن الكسب، فمن الخير والمصلحة ألا يسوّى بين الغنى والفقير، والقادر على الكسب ومن يعجز عنه.
وإذا أسلم الكافر وحضرته الوفاة ووالداه كافران فله أن يوصى لهما بما يؤلّف به قلوبهما، وقد أوصى الله بحسن معاملتهما وإن كانا كافرين، كما قال:«وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً، وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما» .
(حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) أي أوجب ذلك حقا على المتقين لى المؤمنين بكتابي.
(فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) أي فمن غيّر الإيصاء من شاهد ووصىّ، فإنما إثم التبديل على من بدّل، وقد برئت منه ذمة الموصى وثبت له الأجر عند ربه.
والتغيير إما بإنكار الوصية، أو بالنقص فيها بعد أن علمها حق العلم.
(إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي إنه سميع لأقوال المبدّلين والموصين، ويعلم نياتهم ويجازيهم وفقها.
ولا يخفى ما في هذا من شديد الوعيد للمبدّلين، والوعد بالخير للموصين.
وهذه الوصية واجبة عند بعض علماء السلف كما ترشد إلى ذلك هذه الآية
والحديث «ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شىء يريد أن يوصى به إلا ووصيته عند رأسه»
وعند جمهور العلماء مندوبة.
ثم استثنى من إثم التبديل حالة ما إذا كان للإصلاح وإزالة التنازع فقال:
(فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) أي إذا خرج الموصى في وصيته عن نهج الشرع والعدل خطأ أو عمدا، فتنازع الموصى لهم في المال أو تنازعوا مع الورثة، فتوسط بينهم من يعلم بذلك، وأصلح بتبديل هذا الجنف