الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفطام لأنه يفصل الولد من أمه، ويفصلها منه فيكون مستقلا في غذائه دونها، والتشاور والمشاورة والمشورة استخراج الرأى من المستشارين، ولا جناح عليهما أي لا حرج، واسترضعت المرأة الطفل أي اتخذتها مرضعا له، ما آتيتم أي ما ضمنتم والتزمتم، بالمعروف أي على الوجه المتعارف المستحسن شرعا وعادة.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه أحكام الطلاق في الآيات السالفة، وبين حرمة العضل على الأولياء- ذكر هنا أحكام الرضاعة وكيفية التعامل بين الأزواج من المعاشرة بالمعروف، وتربية الأطفال والعناية بشئونهم بطريق التشاور والتراضي بين الوالدين.
الإيضاح
(وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) أي على جميع الوالدات مطلقات كن أو غير مطلقات أن يرضعن أولادهن مدى حولين كاملين لا زيادة عليهما، وقد تنقص المدة إذا رأى الوالدان أن في ذلك مصلحة، والأمر موكول إلى اجتهادهما.
وإنما وجب ذلك على الأم لأن لبنها أفضل لبن باتفاق الأطباء، فالولد قد تكوّن من دمها وهو في أحشائها، فلما برز إلى الوجود تحول الدم إلى لبن يتغذى منه وهو منفصل منها، فهو الذي يلائمه في التغذية وهو سائر معه بحسب سنه، ولا يخشى على الولد منه من علة بدنية أو خلقية تكون فيه، فما أخذه وهو في الرحم فاللبن لا يزيده شيئا، فإذا أرضعته مرضع لضرورة وجب التدقيق في صحتها ومعرفة أخلاقها وبذل الجهد فى اختيارها، لأن لبنها يؤثر في جسم الطفل وأخلاقه وآدابه، إذ هو يخرج من دمها ويمتصه الولد، فيكون دما له ينمو به اللحم وينشز العظم، فيؤثر فيه جسميا وخلقيا، وقد لوحظ أن تأثير انفعالاتها النفسية والعقلية في الرضيع أشد من تأثير صفاتها البدنية فيه حتى لقد يؤثر صوتها في صوته، فما بالك بآثار عقلها وشعورها وملكاتها النفسية،
وقد فطن علماء التربية والتهذيب في الأمم الراقية، حتى كانت قيصرة روسيا ترضع أولادها وتحرم عليهم المراضع.
فأين هذا مما نراه اليوم من التهاون في رضاعة الأولاد وسائر شئونهم، فقد رغب نساء الأغنياء عنها ترفعا وطمعا في بقاء الجمال وحفظ الصحة وسرعة الحمل، وكل هذا مقاوم لسنة الفطرة ومفسد لتربية الأولاد.
وقد كان للمسلمين من دينهم وازع أيما وازع، فقد هداهم إلى ما فيه المصلحة في تربية الطفل وتهذيبه، ولم نردينا تعرّض لمحاسن تربية النشء ومساويها مثل ما تعرض له الدين الإسلامى، فاللهم وفق المسلمين إلى الاهتداء بهديه، والتحلي بآدابه.
ويرى جمع من العلماء أنه يجمل بالأم أن ترضع ولا يجب عليها ذلك إلا إذا تعينت للإرضاع بأن كان الولد لا يقبل غير ثديها كما يشاهد ذلك من بعض الأطفال، أو كان الأب عاجزا عن استئجار ظئر ترضعه، أو كان قادرا ولم يجد من ترضع.
وقوله كاملين تأكيد لذلك إذ قد جرت العادة أن يتسامح في مثل هذا فيقال:
أقمت عند فلان حولين بمكان كذا، ويكون قد أقام حولا وبعض الحول.
والحكمة في تحديد هذه المدة في الرضاع العناية بشئون الطفل، فإن اللبن هو الغذاء الموافق له في هذه السن، إلى أنه محتاج إلى شفقة وعناية تامة لا تتوافران عند غير الأم، إلا إذا رأى الوالدان المصلحة في أقل من ذلك، فهما اللذان يراعيان صحة الطفل فمن الولدان من يستغنى عن اللبن بالطعام اللطيف قبل تمام الحولين.
وقد استنبط العلماء من هذه الآية ومن قوله: «وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً» أقل مدة الحمل، فإنه إذا أسقطت مدة الرضاع من ثلاثين شهرا يكون الباقي ستة أشهر وهى أقل المدة.
وقد روى هذا عن على وابن عباس رضى الله عنهما.
(وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أي وعلى الوالد كفاية المرضع من طعام وكسوة لتقوم بخدمته حق القيام، وتحفظه من عاديات الأيام.
وإنما عبر بالمولود له، ولم يعبر بالوالد للإشارة إلى أن الأولاد لآبائهم، فإليهم ينسبون، وبهم يدعون، والأمهات مستودعات لهم كما قال المأمون:
لا تزرين بفتى من أن يكون له
…
أمّ من الروم أو سوداء دهجاء
فإنما أمهات الناس أوعية
…
مستودعات وللأبناء آباء
والخلاصة- إن الوالدات قد حملن للوالد، وأرضعن له، فعليه أن ينفق عليهن ما فيه الكفاية من طعام وشراب وكسوة ليقمن بخدمته، ويحفظنه ويرعين شئونه، وأن يكون ذلك الإنفاق بحسب المعروف اللائق بحال المرأة في البيئة التي تعيش فيها، ولا تلحقها بها غضاضة في نوعه، ولا في طرق أدائه.
(لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها) أي لا تلزم نفس إلا بما تتسع له قدرتها بحيث لا ينتهى إلى الضيق، وقد فسر هذا في سورة الطلاق بقوله:«لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ، وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها، سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً» .
ثم بين العلة في تشريع الأحكام السابقة بقوله:
(لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) أي إن العلة في تشريع ما تقدم منع الضرار من الجانبين بإعطاء كل ذى حق حقه بالمعروف، فيحرم أن يأتى من أحد الوالدين إضرار بالآخر بسبب الوالد، فلا ينبغى أن تمتنع الأم من إرضاعه تعجيزا للوالد بالتماس الظئر، أو تكلفه من النفقة فوق وسعه، أو تقصّر في تربية الولد تربية بدنية أو خلقية أو عقلية لتغيظ الرجل، كذلك لا يليق به أن يمنعها من إرضاع ولدها، وهى له أرأم، وبه أرأف، وعليه أحنى وأعطف، أو يضيّق عليها في النفقة مع الإرضاع، أو يمنعها من رؤيته ولو بعد مدة الرضاع والحضانة.
(وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ) أي وعلى وارث الصبى وهو قريبه الذي لا يجوز له أن
يتزوجه على تقدير أن يكون أحدهما ذكرا والثاني أنثى، مثل ما وجب على الأب من الرزق والكسوة وأجرة الرضاع.
وقيل المراد بالوارث وارث الصبى من الوالدين أي إذا مات أحد الوالدين فيجب على الآخر ما كان يجب عليه من إرضاعه والنفقة عليه.
(فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) أي: فإن للوالدين صاحبى الحق المشترك في الولد، الراغبين في تربيته تربية قويمة في جسمه وعقله- أن يفطماه قبل الحولين الكاملين أو بعدهما إذا اتفق رأيهما على ذلك بعد التشاور والتراضي بينهما، لأن هذا التحديد إنما هو للمصلحة ودفع الضرر، فمتى رأيا الفائدة في الأقل أو في الأكثر فعلاه، أما إذا أقدم أحدهما على ما يضر بالولد كأن ملّت الأم الإرضاع، أو بخل الأب بإعطاء الأجرة بقية الأجل المضروب فلا حق له في ذلك، وإنما اعتبر رضا الأم مع أن ولىّ الولد هو الأب وصلاحه منوط بنظره، مراعاة لمصلحة الطفل، إذ هى لكمال شفقتها عليه لا تفكر إلا فيما له فيه خير وفائدة.
وهأنت ذا ترى إرشاد القرآن إلى استعمال المشورة في أدنى الأعمال لتربية الولد، ولم يبح لأحد الوالدين الاستبداد بذلك دون الآخر- فما بالك بأجلّ الأعمال خطرا وأعظمها فائدة، فهل بعد هذا من شك في حاجة الملوك والأمراء إليها في تربية الأمم وتدبير شئونها؟ ومن ثم طلبها القرآن الكريم من الرسول صلوات الله عليه بقوله:
«وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ» ومدح المؤمنين بقوله تعالى: «وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ» .
(وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ) أي وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم المراضع الأجنبيات فلا ضير في ذلك إذا أعطيتم لهن الأجور المتعارفة لأمثالهن، لما في ذلك من مصلحة للمرضع ومصلحة للولد والوالد، فإن المرضع إذا لم تعامل معاملة حسنة ترضيها بأن تأخذ أجرها كاملا غير منقوص، وتمنح الهبات والعطايا- لا تهتم بالطفل ولا تعنى بإرضاعه، ولا بنظافته ولا بسائر