الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عرضة لبغى المختلفين وإيذائهم، وإن كانوا يريدون الخير لهم، حثّ المؤمنين هنا على الثبات والمصابرة في تحمل المشاقّ التي تصيبهم من الكفار، كما لقى الأنبياء ومن معهم من أمثالهم من الشدائد ومقاساة الهموم، وكان عاقبة أمرهم الفلج والنصر عليهم.
روى أن الآية نزلت في غزوة أحد حين غلب المشركون المؤمنين، وشجوا رأس النبي صلى الله عليه وسلم، وكسروا رباعيته
، وقيل نزلت في غزوة الأحزاب حين اجتمع المشركون مع أهل الكتاب وتحالفوا على الإيقاع بالمسلمين، وأصاب المؤمنين يومئذ جهد وشدة وجوع وضروب من الأذى، وأبدى المنافقون صفحة العداوة والبغضاء للمؤمنين الصادقين وقالوا كما قال الذين في قلوبهم مرض «ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً» وقال صادقو الإيمان على قلتهم وضعفهم وجوعهم وعريهم:«هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً»
الإيضاح
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) هذا خطاب للذين هداهم الله إلى السلم والخروج من ظلمة الخلاف إلى نور الوفاق باتباعهم هدى الكتاب زمن التنزيل، وهم أهل الصدر الأول من المسلمين، وفيه العبرة لمن يأتي بعدهم ويظنون أن في انتسابهم إلى الإسلام الكفاية في دخول الجنة، جهلا منهم بسنة الله في أهل الهدى منذ أن خلقهم أن يتحملوا الشدائد والإيذاء في طريق الحقّ وهداية الخلق.
والخلاصة- إنه قد خلت من قبلكم أمم أوتوا الكتاب ودعوا إلى الحق فآذاهم الناس في ذلك فصبروا وثبتوا، أفتصبرون مثلهم على المكاره وتثبتون على الشدائد كما ثبتوا، أم حسبتم أن تدخلوا الجنة وتنالوا رضوان الله من غير أن تفتنوا في سبيل الحق، فتصبروا على ألم الفتنة، وتؤذوا في الله، فتصبروا على الإيذاء كما هى سنة الله في أنصار الحق وأهل الهداية في كل زمان؟
ثم بين ما أصاب الأمم قبلهم من الشدائد فقال:
(مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ؟) أي إن أولئك السابقين كانوا إذا أصابهم البؤس والضر ووقعوا في حال من الاضطراب والزلزلة من شدة الهول، وقد أحاط بهم أعداء الحق من كل جانب اعتقدوا أن النصر الذي وعد الله به من ينصره قد أبطأ فاستعجلوه بقولهم:
(مَتى نَصْرُ اللَّهِ؟) .
فأجابهم الله بقوله:
(أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) فهو سينصركم على عدوكم، ويكفيكم شرّ أهل البغي ويؤيد دعوتكم، ويجعل كلمتكم العليا، وكلمة الذين كفروا هى السفلى.
ونحو الآية قوله تعالى: «حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ، وقوله:
والمسلمون لم يصلوا في الشدة إلى مثل الحال التي نال فيها أولئك الرسل ما نالوا، فقد قتل بعض النبيين وأصابهم ضروب من الإيذاء حتى قيل إن منهم من نشر بالمنشار وهو حىّ، وأحرق بعض بالنار كما فعل أصحاب الأخدود الذين أحرقوا المؤمنين فيه بالنار «وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» .
فليتأمل المسلمون وليعتبروا بما خوطب به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم موضع التجلة والاحترام، وكيف عوتبوا هذا العتاب الشديد على ظنهم أنهم يدخلون الجنة وهم لم يقاسوا من البأساء والضرّاء واحتمال الشدائد في سبيل نصرة الدين، مثل ما قاسى الذين سبقوهم بالإيمان حتى استحقوا الجنة، فكيف لا يعاتب المسلم نفسه (وهو يعلم