الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) أي استعينوا على إقامة دينكم والدفاع عنه، وعلى سائر ما يشق عليكم من مصايب الحياة، بالصبر وتوطين النفس على احتمال المكاره، وبالصلاة التي تكبر بها الثقة بالله عزّ اسمه، وتصغر بمناجاته فيها كل المشاقّ.
وإنما خصّ الصبر والصلاة بالذكر، لأن الصبر أشد الأعمال الباطنة على البدن، والصلاة أشد الأعمال الظاهرة عليه، إذ فيها خضوع واستسلام لله، وتوجه بالقلب إليه، واستشعار لعظمة الخالق،
وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر «اشتدّ عليه» فزع إلى الصلاة وتلا هذه الآية.
(إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) أي إن الله ناصرهم ومجيب دعوتهم، ومن كان الله ناصره فلا غالب له، أما الجازع فقلبه لاه عن ذكر الله، والقلب اللاهي ممتلىء بهموم الدنيا وأكدارها، وإن حاز الدنيا بحذافيرها.
وقد جرت سنة الله أن الأعمال العظيمة لا تنجح إلا بالثبات والدأب عليها، ومدار ذلك كله الصبر، فمن صبر فهو على سنة الله والله معه، فيسهّل له العسير من أمره، ويجعل له فرجا من ضيقه، ومن لم يصبر فليس الله معه، لأنه تنكّب عن سنته، فلن يبلغ قصده وغايته.
(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) أي ولا تتحدثوا في شأنهم، فتقولوا: إنهم أموات، بل هم أحياء في عالم غير عالمكم، ولكن لا تشعرون بحياتهم، إذ ليست في عالم الحس الذي يدرك بالمشاعر، بل هى حياة غيبية تمتاز بها أرواح الشهداء على سائر أرواح الناس وبها يرزقون وينعمون، ولا نعرف حقيقة هذه الحياة ولا الرزق الذي يكون فيها، ولا نبحث عن ذلك لأنه من عالم الغيب، فنفوض أمره إلى الله، وقيل إنها حياة روحانية محضة لا ندرك سرها.
وقد أبان سبحانه في هذه الآية جزاء ما يلاقيه المؤمن في تأييد الدعوة إلى دينه مما يصل به أحيانا إلى القتل في التغلب على من يصدّ الناس عن الدعوة ويقاتل في الدفاع عن الباطل، فذكر ما أعد له من النعيم المقيم، والرزق المتواصل، والحياة التي لا يعرف كنهها إلا علام الغيوب، جزاء ما فعل لتأييد حجة الله البالغة، والجهر بالحق، والصدع بأمر ربه، فكان له ما كان مما لم تره عين، ولا سمعت به أذن، ولا خطر على قلب بشر.
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ) أي والله لنمتحننكم ببعض ضروب الخوف من الأعداء وبعض المصايب المعتادة في المعاش، كالجوع ونقص الثمار، إذ كان أحدهم يؤمن فيفصل من أهله وعشيرته ويخرج صفر اليدين، حتى لقد بلغ من جوعهم أن كانوا يتبلغون بتمرات يسيرات، ولا سيما في غزوتي الأحزاب وتبوك، وبنقص الأنفس بالقتل والموت من اجتواء المدينة، فقد كانت حين الهجرة بلد وباء وحمى ثم حسن مناخها.
وفي الآية إيماء إلى أن الانتساب إلى الإيمان لا يقتضى سعة الرزق وبسط النفوذ وانتفاء المخاوف، بل كل ذلك يجرى بحسب السنن التي سنها الله لخلقه، فتقع المصايب متى وجدت أسبابها، وكامل الإيمان يتأدب بمقاومة الشدائد، ويتهذّب بوقوع الكوارث.
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) أي وبشر الصابرين الذين يقولون هذه المقالة المعبرة عن الإيمان بالقضاء والقدر- بالظفر بحسن العاقبة في أمورهم كلها بحسب ما وضع من السنن في الكون. والصبر لا ينافى ما يحدث من الحزن حين حلول المصيبة، فإن ذلك من الرقة والرحمة الطبيعيين فى الإنسان،
وقد جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم بكى عند ما حضر ولده إبراهيم الموت، فقيل له: أليس قد نهيتنا عن ذلك؟ قال: إنها الرحمة، ثم قال: