الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيضاح
(وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) أي أيها المؤمنون الذين يخشون أن يمنعهم كفار قريش حين زيارة البيت الحرام والاعتمار فيه، نكثا منهم للعهد، وفتنة لهم فى الدين، ويكرهون الدفاع عن أنفسهم بقتالهم في الإحرام والشهر الحرام، إني أذنت لكم في قتالهم إعزازا لدين الله وإعلاء لكلمته، لا لهوى النفس وشهواتها ولا حبّا فى سفك الدماء.
(وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) أي ولا تعتدوا بالقتال فتبدءوهم به، ولا فى القتال فتقتلوا من لا يقاتل من النساء والصبيان والشيوخ والمرضى، ولا من ألقى إليكم السلم وكفّ عن حربكم، ولا بغير ذلك من أنواع الاعتداء كالتخريب وقطع الأشجار، فإنّ الاعتداء من السيئات التي يكرهها الله تعالى، ولا سيما حين الإحرام وفي أرض الحرم وفي الأشهر الحرم.
(وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) أي إذا نشب القتال بينكم وبينهم فاقتلوهم أينما أدركتموهم، ولا يصدنكم عنهم وجودكم في أرض الحرم.
(وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) أي وأخرجوهم من المكان الذي أخرجوكم منه وهو مكة، فإن المشركين أخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها بما كانوا يفتنونهم في دينهم، وبعدئذ صدوهم عن دخولها للعبادة، فرضى النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون على شرط ألا يعارضوهم في دخولها العام القابل لأداء النسك والإقامة بها ثلاثة أيام ثم نقضوا العهد فكان من فضل الله ورحمته بالمؤمنين أن قوّى أمرهم وأذن لهم أن يعودوا إلى وطنهم ناسكين مسالمين، وأن يقاوموا من يصدهم عنه من أولئك المشركين الحانثين في عهودهم.
ثم ذكر العلة في الإذن بقتالهم فقال:
(وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) أي إن فتنتهم إياكم عن دينكم بالإيذاء والتعذيب
والإخراج من الوطن ومصادرة المال أشد قبحا من القتل فيه، إذ لا بلاء على الإنسان أشدّ من إيذائه واضطهاده وتعذيبه على اعتقاده الذي تمكن من عقله ونفسه، ورآه سعادة له في عاقبة أمره.
ثم استثنى من الأمر بقتل هؤلاء المحاربين في كل مكان أدركوا فيه المسجد الحرام فقال:
(وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ) أي إن من دخل منهم المسجد الحرام يكون آمنا إلا أن يقاتل هو فيه وينتهك حرمته، فلا أمان له حينئذ.
ولما كان القتل في المسجد الحرام أمرا عظيما يتحرّج منه، أكد الإذن فيه بشرطه السابق فقال:
(فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) ولا تستسلموا لهم، فالبادئ هو الظالم، والمدافع غير آثم.
(كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) أي إنه قد جرت سنة الله بأن يجازى الكافرين مثل هذا الجزاء، ويعذبهم مثل ذلك العذاب لأنهم قد تعرّضوا له بتعديهم الحدود التي شرعها، فهم الظالمون لأنفسهم، لأنهم قد بدءوا بالعدوان، فيلقون جزاء ما صنعوا.
(فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي فإن كفّوا عن القتال أو عن الكفر فإن الله يقبل منهم عملهم، فهو رحيم بعباده يغفر لهم ما سبق من زلاتهم، ويمحو خطيئاتهم إذا هم تابوا عما اقترفوا، وأحسنوا واتقوا:«إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ» .
(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) أي وقاتلوهم حتى لا تكون لهم قوّة يفتنونكم بها فى دينكم، ويؤذونكم في سبيله، ويمنعونكم من إظهاره والدعوة إليه.
وجملة وقاتلوا الأولى بينت بدء القتال، وقاتلوهم إلخ بينت الغاية منه، وهى ألا يوجد شىء من الفتنة في الدين.