المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وجُعلا اسمًا واحدًا بنت على الفتح كبعلبك. وقرأ السلمي (1): {إيان} - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢١

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: وجُعلا اسمًا واحدًا بنت على الفتح كبعلبك. وقرأ السلمي (1): {إيان}

وجُعلا اسمًا واحدًا بنت على الفتح كبعلبك.

وقرأ السلمي (1): {إيان} بكسر الهمزة، وهي لغة قبيلته بني سليم، وهي منصوبة بـ {يبعثون} ، ومعلقة ليشعرون، فتكون وما بعدها في محل نصب بنزع الخافض؛ أي: وما يشعرون بوقت بعثهم، ومعنى أيان معنى متى.

‌66

- ثم أكد (2) جهلهم بهذا اليوم بقوله: {بَلِ ادَّارَكَ} ؛ أي: بل انتهى وانقطع وانعدم {عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ} ؛ أي: علمهم بالآخرة، فـ {فِي} بمعنى الباء، والضمير للكفرة؛ أي: انعدم علمهم بالآخرة، وتبين عجزهم عن معرفة وقتها، فلم يكن لهم علم بشيء مما سيكون فيها قطعًا، مع توافر أسباب العلم من الأدلة العقلية والنقلية، وليس المراد أنه كان لهم علم بوقتها على الحقيقة، فانتفى شيئًا فشيئًا، بل المراد أن أسباب العلم ومبادئه من الدلائل العقلية والنقلية ضعفت في اعتبارهم وفكرهم شيئًا فشيئًا كلما تأملوا فيها، حتى لم يعد لها قيمة وكأن لم تكن.

ثم انتقل من وصفهم بالجهل بميقاتها إلى الحيرة في الآخرة نفسها، أتكون أولًا تكون، فقال:{بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا} ؛ أي: بل هم اليوم في الدنيا في حيرة عظيمة من تحققها ووجودها، أكائنة هي أم غير كائنة، كمن يحار في الأمر لا يجد عليه دليلًا، فضلًا عن تصديق ما سيحدث فيها من شؤون أخبرت عنها الكتب السماواية، كالثواب والعقاب والنعيم والعذاب والأهوال التي لا يُدرك كنهها العقل.

ثم ارتقى من وصفهم بالشك في أمرها إلى وصفهم بالعمى واختلال البصيرة، بحيث لا يدركون الدلائل التي تدل على أنها كائنة لا محالة، فقال:{بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} ؛ أي: بل هم في عماية وجهل عظيم من أمرها، وعن كل ما يوصلهم إلى الحق في شأنها، والنظر في دلائلها، فلا يُدركون شيئًا من دلائلها لاختلال بصائرهم التي يكون بها الإدراك.

(1) الشوكاني.

(2)

المراغي.

ص: 22

وقيل: معنى {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ} (1) اجتمع علمهم واتفق على أن الآخرة لا تكون {بَلْ هُمْ} ؛ أي: الكفرة {فِي شَكٍّ مِنْهَا} ؛ أي: من قيام الساعة {بَلْ هُمْ مِنْهَا} ؛ أي: من قيام الساعة {عَمُونَ} عمي لا يبصرون.

وقرأ الجمهور (2): {بَلِ ادَّارَكَ} أصله تدارك فادغمت التاء في الدال فسكنت، فاجتلبت همزة الوصل ليمكن الابتداء بالساكن، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر وحُميد وأهل مكة:{بل أدارك} على وزن أفعل، بمعنى تفاعل، ورُويت هذه القراءة عن أبي بكر عن عاصم، وقرأ أبي:{أم تدارك} على الأصل، وجعل {أم} بدل {بل} وقرأ سليمان بن يسار وأخوه عطاء بن يسار والأعمش:{بل ادارك} بنقل الهمزة إلى اللام وشد الدال، بناء على أن وزنه افتعل، فأُدغم الدال، وهي فاء الكلمة في التاء بعد قلبها دالًا فصار قلب الثاني للأول، لقولهم: اتَّرَدَ، وأصله اشتَرَدَ من الشَّرْد، والهمزة المحذوفة المنقول حركتها إلى اللام هي همزة الاستفهام، أُدخلت على ألف الوصل، فانحذفت ألف الوصل، ثم انحذفت هي، وألقيت حركتها على لام بل.

وقرأ أبو رجاء والأعرج وشيبة وطلحة وتوبة العنبري وابن عباس والأعمش وعاصم: {بل إدارك} بكسر لام بل وإثبات الياء بعدها وبهمزة قطع.

وقرأ عبد الله في رواية وابن عباس في رواية، وابن أبي جمرة وغيره عنه والحسن وقتادة وابن محيصن:{بل آدرك} بمدة بعد همزة الاستفهام، أصله أأدرك، فقلبت الثانية ألفا تخفيفًا كراهة الجمع بين همزتين، وأنكر أبو عمرو ابن العلاء هذه القراءة، ووجهها، وقال أبو حاتم: لا يجوز الاستفهام بعد بل؛ لأن بل إيجاب والاستفهام في هذا الموضع إنكار، بمعنى لم يكن، فلا يصح وقوعهما معًا للتنافي الذي بين الإيجاب والإنكار انتهى.

وقرأ مجاهد: {أم أدرك} جعل {أم} بدل {بل} وأدرك على وزن أفعل، وقرأ ابن عباس أيضًا:{بل ادارك} بهمزة داخلة على أدَّارك، فيسقط

(1) تنوير المقياس.

(2)

البحر المحيط.

ص: 23

همزة الوصل المجتلبة لأجل الإدغام والنطق بالساكن، وقرأ ابن مسعود أيضًا:{بل أأدرك} بهمزتين، همزة الاستفهام وهمزة أفعل، وقرأ الحسن أيضًا والأعرج:{بل ادّرك} بهمزة وإدغام فاء الكلمة، وهي الدال في تاء افتعل بعد صيرورة التاء دالًا، وقرأ ورش في رواية:{بل ادرك} بحذف همزة ادرك، ونقل حركتها إلى اللام، وقرأ ابن عباس أيضًا:{بلى ادرك} بحرف الإيجاب الذي يوجب به المستفهم المنفي، وقرىء:{بل أأدرك} بألف بين الهمزتين.

فأما قراءة من قرأ بالاستفهام فقال ابن عباس: هو للتقريع بمعنى لم يُدرك علمهم على الإنكار عليهم، وقال الزمخشري: هو استفهام على وجه الإنكار لإدراك علمهم، وكذلك قراءة من قرأ {أم أدرك} و {أم تدارك} ؛ لأنها أم التي بمعنى بل والهمزة، وأما قراءة من قرأ على الخبر فقال ابن عباس: المعنى بل تدارك علمهم ماجهلوه في الدنيا؛ أي: علموه في الآخرة، بمعنى: تكمل علمهم في الآخرة، بأن كل ما وُعدوا به حق، وهذا حقيقة إثبات العلم لهم، لمشاهدتهم عيانًا في الآخرة ما وُعدوا به في الدنيا غيبًا، وكونه بمعنى المضي، ومعناه الاستقبال؛ لأن الإخبار به صدق، فكأنه قد وقع.

قال الزمخشري (1): فإن قلت: هذه الإضرابات الثلاث ما معناها؟

قلت: ما هي إلا تنزيل لأحوالهم، وصفهم أولًا بأنهم لا يشعرون وقت البعث، ثم بأنهم لا يعلمون أن القيامة كائنة، ثم بأنهم يتحنبطون في شك ومرية، فلا يزيلونه، والإزالة مستطاعة، وقد جعل الآخرة مبدأ عماهم ومنشأه فلذلك عدَّاه بمن دون عن؛ لأن العاقبة والجزاء هو الذي جعلهم كالبهائم لا يتدبرون ولا يبصرون، انتهى.

فائدة: قال سهل بن عبد الله التستري رحمه الله (2): ما عصى الله أحد بمعصية أشد من الجهل، قيل: يا أبا محمد هل تعرفُ شيئًا أشد من الجهل؟ قال: نعم الجهل بالجهل، فالجهل جهلان: جهل بسيط، هو سلب العلم، وجهل

(1) الكشاف.

(2)

روح البيان.

ص: 24