المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الله سبحانه بنهيهم عنه من إتيان الذكور - إلا قول - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢١

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: الله سبحانه بنهيهم عنه من إتيان الذكور - إلا قول

الله سبحانه بنهيهم عنه من إتيان الذكور - إلا قول بعضهم لبعض: أخرجوا لوطًا وأهله من قريتنا، وقد عدوا سكناه بينهم منة ومكرمة عليه، إذ قالوا: من قريتكم، ثم عللوا هذا الإخراج بقولهم استهزاء بهم:{إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} أي: إنهم يتحرجون من فعل ما تفعلون، ومن إقراركم على ما تفعلون من صنيعكم، فأخرجوهم من بين أظهركم، فإنهم لا يصلحون لجواركم في بلدكم.

ولما وصلوا إلى هذا الحد من قبح الأفعال والأقوال دمر الله عليهم، وللكافرين أمثالها، وإلى هذا أشار بقوله:{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} أي: فأهلكناهم وأنجينا لوطًا وأهله، إلا امرأته جعلناها بتقديرنا وحكمتنا من الباقين في العذاب، لأنها كانت على طريقتهم راضية بقبيح أفعالهم، وكانت ترشد قومها إلى ضيفان لوط ليأتوا إليهم، لا أنها كانت تفعل الفواحش تكرمة لنبي الله عليه السلام لا كرامة لها.

ثم بين ما أهلكوا به، فقال: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ

} إلخ؛ أي: وأمطرنا عليهم مطرًا غير ما عُهد من نوعه، فقد كان حجارة من سجيل، فبئس ذلك المطر مطر الذين أنذرهم الله سبحانه عقابًا لهم على معصيتهم إياه، وخوَّفهم بأسه بإرسال الرسول إليهم.

‌59

- {قُلِ} يا محمد {الْحَمْدُ لِلَّهِ} سبحانه على جميع نعمه التي من جملتها إهلاك أعداء الأنبياء والمرسلين وأتباعهم الصديقين، فإنهم لما كانوا إخوانه عليه السلام كانت النعمة عليهم نعمة عليه، {وَسَلَامٌ}؛ أي: وسلامة ونجاة {عَلَى عِبَادِهِ} سبحانه وتعالى {الَّذِينَ} صفة لعباده {اصْطَفَى} ؛ أي: الذين اصطفاهم الله تعالى، وجعلهم صفوة خليقته في الأزل، وهداهم واجتباهم للنبوة والرسالة والولاية في الأبد، فهم الأنبياء والمرسلون وخواصهم المقربون الذين سلموا من الآفات، ونجوا من العقوبات مطلقًا.

وقرأ أبو السماك: {قل الحمد لله} وكذا {قل الحمد لله سيريكم} بفتح اللام، ذكره أبو حيان.

ص: 9

وفيه (1): رمز إلى هلاك أعدائه صلى الله عليه وسلم، ولو بعد حين، وإشعار له ولأصحابه بحصول السلامة والنجاة من أيديهم، وهكذا عادة الله تعالى مع الورثة الكمل وأعدائهم في كل زمان، هذا هو اللائح للبال في هذا المقال، وهو المناسب لسوابق الآيات العظام.

والحاصل (2): أن الله سبحانه أمر رسوله أن يحمده شكرًا له على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وأن يسلم على عباده الذين اصطفاهم لرسالته، وهم أنبياؤه الكرام ورسله الأخيار.

ومن تلك النعم النجاة والنصر والتأييد لأوليائه، وحلول الخزي والنكال باعدائه، ونحو الآية قوله تعالى:{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)} .

وفي هذا تعليم حسن وأدب جميل، وبعث على التيمُّن بالذِكْرين، والتبرك بهما، والاستظهار بمكانهما على قَبول ما يلقى إلى السامعين والإصغاء إليه، وإنزاله من قلوبهم المنزلة التي يبغيها المستمع، ولقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابرًا عن كابر هذا الأدب، فحمدوا الله، وصلوا على رسوله صلى الله عليه وسلم أمام كل علم مفاد، وقبل كل عظة، وفي مفتتح كل خطبة، وتبعهم المترسلون، فأجروا عليه أوائل كتبهم في الفتوح والتهاني، وغير ذلك من الحوادث التي لها شأن.

ثم شرع يوبخ المشركين، ويتهكم بهم، وينبههم إلى ضلالهم وجهلهم، إذ آثروا عبادة الأصنام على عبادة الواحد القهار، فقال:{آللَّهُ} (3) بالمد بمقدار الألفين، أصله (أألله) على أن الهمزة الأولى استفهام، والثانية وصل، فمدوا الأولى تخفيفًا، والمعنى: آللهُ الذي ذُكرت شؤونه العظيمة {خَيْرٌ} أي: أنفع لعابديه {أَمَّا} ؛ أي: أم الذي، فأم متصلة وما موصولة، {يُشْرِكُونَ} به من الأصنام؛ أي: أم الأصنام أنفع لعابديها، يعني: الله خير.

(1) روح البيان.

(2)

المراغي.

(3)

روح البيان.

ص: 10