الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى الدولتين الفارسية والرومية، وما كان لهما من مجد بازخ، وملك واسع كيف دالت دولتهما، وذهب ريحهما بظلم أهلهما، وتقسم ملكهما، ثم قامت بعدهما الدولة العربية، وعاشت ما شاء الله أن تعيش، ثم قام بعدها بنو عثمان، وملكوا أكثر مما كان بيد الأمة العربية ثم هرمت دولتهم، وشاخت، واستولت عليها ممالك أوروبا:{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)} .
7
- ولما ذكر الله سبحانه أنه سين على بني إسرائيل الذين استُضعفوا في الأرض .. أردف ذلك تفصيل بعض نعمه عليهم فقال: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} أي: ألهمنا أم موسى - يوحانذ بنت لاوي بن يعقوب - وفي "القرطبي": قال الثعلبي: كان اسم أم موسى لوخا بنت هاند بن لاوي بن يعقوب اهـ.
وقذفنا في قلبها {أَنْ أَرْضِعِيهِ} ؛ أي: أرضعيه ما أمكتك إخفاؤه عن عدوه وعدوك، وذلك أن أم موسى حبلت بموسى، فلم يظهر بها أثر الحبل من نشوء البطن، وتغير اللون، وظهور اللبن، وذلك شيء ستره الله لما أراد أن يمن به على بني إسرائيل، حتى ولدت موسى ليلة لا رقيب عليها ولا قابلة، ولم يطَّلع عليها أحد من القوابل الموكَّلة من جهة فرعون بحبالى بني إسرائيل، ولا من غيرهن إلا أخته مريم، فأوحى إليها أن أرضعيه، قيل: أرضعته ثمانية أشهر، وقيل: أربعة أشهر، وقيل ثلاثة، وكانت ترضعه وهو لا يبكي ولا يتحرك في حجرها.
وليس الوحي الذي أوحى الله إليها هو الوحي الذي يوحى إلى الرسل، بل إيحاء الله تعالى إليها إلهام، وقذف في القلب، قاله ابن عباس وقتادة، أو منام قاله قوم، أو إرسال ملك قاله قطرب وقوم، وهذا هو الظاهر لقوله تعالى:{إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} ، وأجمعوا على أنها لم تكن نبية، فإن كان الوحي بإرسال ملك كما هو الظاهر، فهو كإرساله للأقرع والأبرص والأعمى، كما في الحديث الثابت في الصحيحين وغيرهما.
وقد سلَّمت على عمران بن حصين الملائكة، كما في الحديث الثابت في الصحيح، فلم يكن بذلك نبيًا، والظاهر أن هذا الإيحاء هو بعد الولادة، فيكون
ثم جملة محذوفة؛ أي ووضعت موسى أمه في زمن الذبح، وخافت عليه، وأوحينا إليها أن أرضعيه، و {أَنْ} في {أَنْ أَرْضِعِيهِ} مفسرة؛ لأن في الوحي معنى القول، ويجوز أن تكون مصدرية؛ أي: بأن أرضعيه، وقرأ عمرو بن عبد الواحد وعمر بن عبد العزيز {أن أرضعيه} بكسر نون {أن} ووصل همزة {أَرْضِعِيهِ} ، فالكسر لالتقاء الساكنين، وحُذفت همزة الوصل على غير القياس؛ لأن القياس فيه نقل حركة الهمزة، وهي الفتحة إلى النون، كقراءة ورش.
{فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} ؛ أي: على موسى من جواسيس فرعون ونقبائه، الذين يقتلون أولاد بني إسرائيل اتباعًا لأمره، أو من الجيران أن ينمُّوا عليه إذا سمعوا صوته {فَأَلْقِيهِ}؛ أي: فألقي موسى {فِي الْيَمِّ} أي: في بحر النيل؛ أي: فاطرحيه في التابوت، والتابوت في البحر، وقد تقدم بيان الكيفية التي ألقته في اليم عليها في سورة طه، {وَلَا تَخَافِي}؛ أي: من غرقه وضياعه، ومن التقاطه فيُقتل {وَلَا تَحْزَنِي} لفراقه إياك.
رُوي: أن دارها كانت على الشاطىء، فاتخذت تابوتًا مطليًا بالقار، ومهَّدت فيه مهدًا، وألقته في النيل، وليس هناك من دليل على الزمن الذي قضته بين الولادة والإلقاء في اليم.
ثم وعدها سبحانه بما يسلِّيها، ويطمئن قلبها، ويملؤه غبطة وسرورًا، وهو رده إليها، وجعله رسولًا نبيًا، فقال:{إِنَّا رَادُّوهُ} ؛ أي: رادو ولدك {إِلَيْكِ} عن قريب، لتكوني أنت المرضعة له، {وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} إلى فرعون وقومه؛ أي: وباعثوه رسولًا إلى هذا الطاغية، وجاعلو هلاكه ونجاة بني إسرائيل مما هم فيه من البلاء على يديه.
وهذه الآية هي من معجزات الإيجاز، لأنها اشتملت على أمرين:{أَرْضِعِيهِ} {أَلْقِيهِ} ، ونهيين {وَلَا تَخَافِي} {وَلَا تَحْزَنِي} وخبرين، {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ} {وَجَاعِلُوهُ} وبشارتين في ضمن الخبرين، وهما الرد والجعل من المرسلين، حُكي عن الأصمعي قال: سمعت أعرابية تُنشد:
أَسْتَغْفِرُ اللهَ لِذَنْبِي كُلِّهِ
…
قَبَّلْتُ إِنْسَانًا بِغَيْرِ حِلِّهِ