المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وهذه القصة تمثيل لقريش، وتذكير لحال أبيهم إبراهيم، من رفض - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢١

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: وهذه القصة تمثيل لقريش، وتذكير لحال أبيهم إبراهيم، من رفض

وهذه القصة تمثيل لقريش، وتذكير لحال أبيهم إبراهيم، من رفض الأصنام، والدعوى إلى عبادة الله سبحانه؛ أي: واذكر يا محمد لقومك قصة إبراهيم إذ قال: {لِقَوْمِهِ} أهل بابل، ومنهم نمرود، وكان نمرود وأهل مدينته عباد أصنام، {اعْبُدُوا اللَّهَ} وحده ولا تشركوا به شيئًا {وَاتَّقُوهُ} أي: خافوا عقابه بامتثال أوامره وأجتناب نواهيه، فقوله (1):{اعْبُدُوا اللَّهَ} إشارة إلى إثبات الإله الواحد، وقوله:{وَاتَّقُوهُ} إشارة إلى نفي غيره. وقيل: فاعبدوا الله، إشارة إلى الإتيان بالواجبات، فيدخل فيه الاعتراف بالله، واتقوه: إشارة إلى الامتناع من المحرمات، فيدخل فيه الامتناع من الشرك.

{ذَلِكُمْ} المذكور من عبادة الله وتقواه {خَيْرٌ لَكُمْ} ؛ أي: أفضل لكم مما أنتم عليه من الشرك والمعاصي، ومعنى التفضيل مع أنه لا خير قطعًا باعتبار زعمهم الباطل {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} الخير والشر، وتميزون أحدهما عن الآخر، أو كنتم تنظرون في الأمور بنظر الحلم دون نظر الجهل، أو إن كان لكم علم بما هو خير لكم، مما هو شر لكم فاعبدوه واتقوه.

ومعنى الآية (2): أي واذكر يا محمد لقومك قصص إبراهيم حين كمل عقله، وقدر على النظر والاستدلال، وترقى من مرتبة الكمال إلى مرتبة إرشاد الخلق، وتصدى للدعوة إلى طريق الحق، فدعا قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والإخلاص له في السر والعلن، واتقاء لسخطه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه.

ثم بين لهم فائدة ذلك، فقال:{ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ؛ أي: فذلك الذي آمركم به خير لكم مما أنتم عليه، إن كان لديكم ذرة من الإدراك والعلم، تميزون بها الخير من الشر، وتعلمون ما ينفعكم في مستأنف حياتكم الدنيوية والأخروية.

‌17

- ثم أرشدهم إلى فضل ما يدعوهم إليه، وفساد ما هم عليه بقوله: {إِنَّمَا

(1) المراح.

(2)

المراغي.

ص: 360

تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا}؛ أي: أحجارًا لا تستحق العبادة {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} ؛ أي: وتكذبون حيث تسمونها آلهة، وتدعون أنها شفعاؤكم؛ أي: ما تعبدون من دون الله إلا تماثيل هي مصنوعة بأيديكم لا تنفع ولا تضر، ولا تسمع ولا تبصر، وتفترون كذبًا حين تسمونها آلهة، وتدعون أنها تشفع لكم عند ربكم، والأوثان هي الأصنام.

وقال أبو عبيدة: الصنم ما يتخذ من ذهب أو فضة أو نحاس، والوثن ما يتخذ من جص أو حجارة، وقال الجوهري: الوثن الصنم، والجمع أوثان، وقال بعضهم (1): الصنم هو الذي يؤلف على صورة الإنسان سواء كانت من ذهب أو فضة أو حجر أو غيرها، والوثن هو ما يؤلف من حجر أو شجر على غير صورة الإنسان، يقال خلق واختلق؛ أي: افترى لسانًا أو يدًا كنحت الأصنام، كما في "كشف الأسرار". والإفك: أسوأ الكذب، والمعنى: وتكذبون كذبًا حيث تسمونها آلهة، وتدعون أنها شفعاؤكم عند الله، وهو استدلال على شرارة ما هم عليه، من حيث إنه زور وباطل.

وقرأ الجمهور (2): {وَتَخْلُقُونَ} مضارع خلق الثلاثي {إِفْكًا} بكسر الهمزة وسكون الفاء، وقرأ علي والسلمي وعون العقيلي وعبادة وابن أبي ليلى وزيد بن علي {تخلقون} بفتح التاء والخاء واللام مشددة، قال ابن مجاهد: رويت عن ابن الزبير، وأصله تتخلقون، بتاءين فحذفت إحداهما على الخلاف الذي في المحذوفة، وقرأ زيد بن علي فيما ذكر الأهوازي {تُخَلِّقون} من خلَّق المضعف، وقرأ ابن السميفع وأبو المتوكل:{تختلقون} بزيادة التاء، من اختلق من باب افتعل الخماسي، وقرأ ابن الزبير وفضيل بن زرقان {إِفْكًا} بفتح الهمزة وكسر الفاء، وهو مصدر مثل الكذب. قال ابن عباس: وتخلقون إفكا هو نحت الأصنام وخلقا، سماها إفكًا توسعًا من حيث يفترون بها الإفك في أنها آلهة.

(1) روح البيان.

(2)

البحر المحيط.

(3)

زاد المسير.

ص: 361