المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الموصوفون بما ذكر من النعوت {يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ} أي: يعطون ثوابهم - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢١

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: الموصوفون بما ذكر من النعوت {يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ} أي: يعطون ثوابهم

الموصوفون بما ذكر من النعوت {يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ} أي: يعطون ثوابهم في الآخرة {مَرَّتَيْنِ} مرة على إيمانهم بكتابهم، ومرة على إيمانهم بالقرآن، أو بإيمانهم بنبينهم أولًا، وبإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو بإيمانهم بمحمد قبل بعثته وبعد بعثته. والباء في قوله:{بِمَا صَبَرُوا} للسببية أي: بسبب صبرهم وثباتهم على الإيمانين، والعمل بالشريعتين.

وفي "التأويلات النجمية"(1): على مخالفة هواهم، وموافقة أوامر الشرع ونواهيه، وفي الحديث:"ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين، رجل كانت له جارية، فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن تأديبها، ثم تزوجها فله أجره مرتين، وعبد أدى حق الله وحق مواليه، ورجل آمن بالكتاب الأول، ثم آمن بالقرآن، فله أجره مرتين" متفق عليه.

{وَيَدْرَءُونَ} ؛ أي: يدفعون {بـ} ـالخصلة {الْحَسَنَةِ} وبالطاعة الخصلة {السَّيِّئَةَ} ؛ أي: القبيحة والمعصية، أو بالقول الحسن القول القبيح، أو بالاحتمال والصفح ما يلاقونه من الأذى. وقيل بالتوبة والاستغفار الذنوبَ. وقيل: بشهادة أن لا إله إلا الله الشركَ.

{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} ؛ أي: وينفقدن مما أعطاهم الله من فضله من المال الحلال النفقات الواجبة لأهلهم، وذوي قرباهم، ويؤدون الزكاة المفروضة عليهم، ويساعدون البائسين وذوي الخصاصة المعوزين.

‌55

- ثم مدحهم سبحانه بإعراضهم عن اللغو فقال: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ} ؛ أي: ما لا ينفع في دين ودنيا {أَعْرَضُوا عَنْهُ} ؛ أي: عن اللغو {وَقَالُوا} لِلَّاغين {لَنَا أَعْمَالُنَا} من الحلم والصفح ونحوهما {وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} من اللغو والسفاهة وغيرهما، فكل مطالب بعمله، فلا يلحقنا من ضرر كفركم شيء، ولا يلحقكم من نفع إيماننا شيء {سَلَامٌ} وأمنة منا، وبراءة من ضررنا عليكم، فلا نقابلكم بمثل ما فعلتم بنا، ولا نجازيكم عليه، لأن المراد بالسلام هنا سلام متاركة وإعراض عن

(1) روح البيان.

ص: 216

سوءهم، لا سلام تحية وإكرام.

{لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} ؛ أي: لا نطلب صحبتهم، ولا نريد مخالطتهم ومخاطبتهم، والتخلق بأخلاقهم، ولا نجازيهم بالباطل على باطلهم، فإن المشركين كانوا يسبون مؤمني أهل الكتاب، ويقولون: تبًا لكم تركتم دينكم، فيُعرضون، ولا يردون عليهم، قال الزجاج: وهذا قبل الأمر بالقتال، وقال صاحب "الروح": وحكم الآية وإن كان منسوخًا بآية السيف إلا أنَّ فيها حثًا على مكارم الأخلاق.

وفي الحديث: "ثلاث من لم يكنَّ فيه فلا يعتد بعلمه، حلم يرد به جهل جاهل، وورع يحجز عن معاصي الله، وحسن خلق يعيش به في الناس". وما أحسن قول بعضهم:

إِذَا رَأَيْتَ أَثِيْمَا

كُنْ سَاتِرًا وَحَلِيْمَا

يَا مَنْ يُقَبِّحُ لَغْوِيْ

لِمْ لَا تَمُرُّ كَرِيْمَا

والمعنى (1): أي وإذا سمعوا ما لا ينفع في دين ولا دنيا من السب والشتائم، وتكذيب الرسول .. أعرضوا عن قائليه، ولم يخالطوهم، وإذا سفه عليهم سفيه، وكلمهم بما لا ينبغي رده من القول .. لم يقابلوه بمثله، إذ لا يصدر منهم إلا طيب الكلام، وقالوا: لنا أعمالنا، لا تثابون على شيء منها، ولا تعاقبون، ولكم أعمالكم لا نطالب بشيء منها، فنحن لا نشغل أنفسنا بالرد عليكم، سلام عليهم، سلام متاركة وتوديع، فإنا لا نريد طريق الجاهلين، ومثل الآية، قوله تعالى:{وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} .

روى محمد بن إسحاق أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة عشرون رجلًا أو يزيدون من نصارى الحبشة، حين بلغهم خبره، فوجدوه في المسجد، فجلسوا إليه، وكلموه وسألوه، ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة، فلما فرغوا من مساءلته عما أرادوا دعاهم إلى الله، وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوه فاضت

(1) المراغي.

ص: 217

أعينهم من الدمع، ثم استجابوا لله، وآمنوا به وصدقوه، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره، فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش، فقالوا لهم: خيبكم الله من ركب، بعثكم من ورائكم من أهل دينكم ترتادون لهم، لتأتوهم بخبر الرجل، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم، وصدقتموه فيما قال، ما رأينا ركبًا أحمق منكم، فقالوا لهم: سلام عليكم لا نجاهلكم لنا ما نحن عليه، ولكم ما أنتم عليه.

واعلم: أن اللغو عند أهل المعرفة كل ما يشغلك عن العبادة وذكر الحق، وكل كلام بغير خطاب الحال والواقعة، وطلب ما سوى الله سبحانه وتعالى.

الإعراب

{قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35)} .

{قَالَ} : فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على الله، والجملة مستأنفة، {سَنَشُدّ} {السين}: حرف استقبال لتأكيد معنى الفعل، {نشد}: فعل وفاعل مستتر، {عَضُدَكَ}: مفعول به، {بِأَخِيكَ} متعلق بـ {نشد} ، والجملة الفعلية في محل النصب مقول {قَالَ} . {وَنَجْعَلُ} فعل مضارع، وفاعل مستتر معطوف على {نشد} ، {لَكُمَا} جار ومجرور في محل المفعول الثاني لـ {جعل} ، {سُلْطَانًا}: مفعول أول له، {فَلَا} {الفاء}: عاطفة، {لا}: نافية، {يَصِلُونَ}: فعل وفاعل معطوت على {نجعل} ، {إِلَيْكُمَا}: جار ومجرور متعلق بـ {يَصِلُونَ} ، {بِآيَاتِنَا}: إما متعلق بـ {نجعل} ، أو بـ {يَصِلُونَ} ، أو بمحذوف، تقديره: اذهبا، أو بسلطاننا؛ أي: نسلطكما بآياتنا، أو بمحذوف حال، أو من لغو القسم، ولا أرى موجبًا لترجيح بعضهم على بعض. فاختر منها ما ترى ترجيحه. {أَنْتُمَا}: مبتدأ، {وَمَنِ}: اسم موصول في محل الرفع معطوف على {أَنْتُمَا} ، {اتَّبَعَكُمَا}: فعل وفاعل مستتر، ومفعول به صلة {مَن} الموصولة، {الْغَالِبُونَ}: خبر {أَنْتُمَا} وما عطف عليه، والجملة الاسمية في محل النصب مقول {قَالَ} .

ص: 218

{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (36) وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37)} .

{فَلَمَّا} {الفاء} : عاطفة على محذوف معلوم من السياق، تقديره: فجاءهم موسى بآياتنا فلما جاءهم قال إلخ، {لما}: حرف شرط غير جازم، {جَاءَهُمْ مُوسَى}: فعل ومفعول وفاعل، والجملة الفعلية فعل شرط لـ {لما} لا محل لها من الإعراب، {بِآيَاتِنَا}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {جاء} ، أو بمحذوف حال من {مُوسَى} ، {بَيِّنَاتٍ}: حال من {آياتنا} . {قَالُوا} : فعل وفاعل، والجملة جواب {لما} لا محل لها من الإعراب، وجملة {لما} معطوفة على الجملة المحذوفة. {مَا} نافية، {هَذَا}: مبتدأ، {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ، {سِحْرٌ}: خبر المبتدأ، {مُفْتَرًى}: صفة {سِحْرٌ} ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول {قَالُوا}. {وَمَا} {الواو}: عاطفة، {ما}: نافية، {سَمِعْنَا}: فعل وفاعل، {بِهَذَا} متعلق بـ {سَمِعْنَا} ، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة الاسمية في قوله:{مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ} ، {فِي آبَائِنَا}: جار ومجرور حال من {هَذَا} ؛ أي: حال كونه كائنًا في آبائنا، {الْأَوَّلِينَ} صفة لـ {آبَائِنَا}. {وَقَالَ مُوسَى}: فعل وفاعل، معطوف على {قَالُوا} ، {رَبِّي أَعْلَمُ}: مبتدأ وخبر، {بِمَنْ}: جار ومجرور متعلق بـ {أَعْلَمُ} ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول (قَالَ)، {جَاءَ}: فعل ماض وفاعل مستتر، {بِالْهُدَى}: متعلق بـ {جَاءَ} ، والجملة صلة {من} الموصولة، {مِنْ عِنْدِهِ}: جار ومجرور حال من {الهدى} ، {وَمَنْ} اسم موصول في محل الجر معطوف على {من} الأولى، {تَكُونُ}: فعل مضارع ناقص، {لَهُ}: خبر مقدم لـ {تَكُونُ} ، {عَاقِبَةُ الدَّارِ}: اسمها مؤخر، وجملة {تَكُونُ} صلة {مَن} الموصولة، {إِنَّهُ}: ناصب واسمه، وجملة {لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} خبره، وجملة {إنَّ} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها، على كونها مقول {قَالَ} .

{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى

ص: 219

الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)}.

{وَقَالَ} {الواو} : عاطفة على محذوف، تقديره: وجمع فرعون السحرة وقال، {قَالَ فِرْعَوْنُ}: فعل وفاعل، معطوف على تلك الجملة المحذوفة، {يا}: حرف نداء، {أي}: منادى نكرة مقصودة، {ها}: حرف تنبيه زائد، {الْمَلَأُ}: بدل من {أي} ، أو عطف بيان منه، وجملة النداء في محل النصب مقول {قَالَ} ، {ما}: نافية، {عَلِمْتُ}: فعل وفاعل، {لَكُمْ}: حال من {إِلَهٍ} ، لأنه صفة نكرة قدمت عليها، {مِنْ}: زائدة، {إِلَهٍ}: مفعول به، {غَيْرِي}: صفة لـ {إِلَهٍ} ، والجملة الفعلية في محل النصب مقول {قَالَ}: على كونها جواب النداء. {فَأَوْقِدْ} {الفاء} : عاطفة، {أوقد}: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على {هَامَانُ}. {لِي}: متعلق به، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة قوله:{مَا عَلِمْتُ} ، {يَا هَامَانُ}: منادى مفرد العلم، وجملة النداء في محل النصب مقول {قَالَ} ، {فَاجْعَلْ} {الفاء}: عاطفة، {اجعل}: فعل أمر، وفاعل مستتر معطوف على {أوقد} ، {عَلَى الطِّينِ}: متعلق بـ {أَوْقِدْ} ، {لِي}: جار ومجرور في محل النصب مفعول ثان لـ {اجعل} ، {صَرْحًا}: مفعول أول له. {لَعَلِّي} : ناصب واسمه، {أَطَّلِعُ}: فعل مضارع وفاعل مستتر، والجملة في محل الرفع خبر {لعل} ، وجملة {لعل} في محل النصب مقول {قَالَ} ، {إِلَى إِلَهِ مُوسَى}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {أَطَّلِعُ} ؛ {وَإِنِّي} {الواو} : عاطفة، {إني} ناصب واسمه، {لَأَظُنُّهُ} {اللام}: حرف ابتداء، {أظنه}: فعل مضارع، وفاعل مستتر ومفعول أول، {مِنَ الْكَاذِبِينَ}: جار ومجرور في محل المفعول الثاني، وجملة {أظن} في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن} في محل النصب معطوفة على جملة {لعل} .

{وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39) {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40)} .

{وَاسْتَكْبَرَ} {الواو} : عاطفة، {استكبر}: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود

ص: 220

على {فرعون} ، والجملة معطوفة على جملة {وقال فرعون} ، {هو}: تأكيد لضمير الفاعل المستتر في {اسستكبر} يعطف عليه ما بعده، {وَجُنُودَهُ}: معطوف على الفاعل المستتر {فِي الْأَرْضِ} : متعلق بـ {استكبر} ، {بِغَيْرِ الْحَقِّ}: جار ومجرور ومضاف إليه حال من فاعل {استكبر} وما عطف عليه؛ أي: متلبسين بغير الحق. {وَظَنُّوا} : فعل وفاعل معطوف على {استكبر} ، {أَنَّهُمْ}: ناصب واسمه، {إِلَيْنَا} متعلق بـ {يُرْجَعُونَ} ، وجملة {لَا يُرْجَعُونَ} في محل الرفع خبر {أن} ، وجملة {أن} في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي {ظن} ، تقديره: وظنوا عدم رجوعهم إلينا. {فَأَخَذْنَاهُ} {الفاء} : عاطفة، {أخذناه}: فعل وفاعل ومفعول به، معطوف على {استكبر} ، {وَجُنُودَهُ}: معطوف على مفعول {أخذنا} ، {فَنَبَذْنَاهُمْ}: فعل وفاعل، ومفعول به معطوف على {أخذناه} ، {فِي الْيَمِّ} متعلق بـ {نبذناهم} ، {فَانْظُرْ} {الفاء}: فاء الفصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره إذا عرفت ما ذكرته لك، وأردت التعجب من شأنهم فأقول لك انظر، {انظر}: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد، أو على أي مخاطب، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {كَيْفَ}: اسم استفهام للتعجب في محل النصب خبر مقدم لـ {كَانَ} ، {عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}: اسمها ومضاف إليه، وجملة {كَانَ} في محل النصب ساد مسد مفعول {انظر} ؛ لأن الاستفهام علقه عن العمل فيما بعده.

{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)} .

{وَجَعَلْنَاهُمْ} {الواو} : عاطفة، {جعلناهم أئمة}: فعل وفاعل ومفعولان، معطوف على {نبذناهم}؛ {يَدْعُونَ}: فعل وفاعل، {إِلَى النَّارِ}: متعلق به، والجملة الفعلية في محل النصب صفة لـ {أَئِمَّةً} ، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} {الواو}: عاطفة، {يوم القيامة}: متعلق بـ {يُنْصَرُونَ} ، وجملة {لَا يُنْصَرُونَ} في محل النصب معطوفة على جملة {يَدْعُونَ}. {وَأَتْبَعْنَاهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول أول، معطوف على قوله:{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً} {فِي هَذِهِ} : جار ومجرور حال من

ص: 221

ضمير المفعول، {الدُّنْيَا} بدل من اسم الإشارة، {لَعْنَةً}: مفعول ثان، {وَيَوْمَ}:{الواو} : عاطفة، {يَوْمَ الْقِيَامَةِ}: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ {الْمَقْبُوحِينَ} إن قلنا: إن أل فيه معرفة، أو بمحذوف دل عليه قوله:{الْمَقْبُوحِينَ} إن قلنا: إن أل فيه موصولة، تقديره: وقبحوا يوم القيامة، وإنما قدرنا محذوفًا لأن تعلقه بـ {الْمَقْبُوحِينَ} - وهو الظاهر - يمنع منه وجود أن الموصولة فيه، لأن ما بعد الموصول لا يعمل فيما قبله، على أنهم قد اتسعوا في الظروف والمجرورات {هم}: مبتدأ، {مِنَ الْمَقْبُوحِينَ}: جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة معطوفة على جملة {وَأَتْبَعْنَاهُمْ} .

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43)} .

{وَلَقَدْ} {الواو} : استئنافية، {لقد} {اللام}: موطئة للقسم، {قد}: حرف تحقيق، {آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ}: فعل وفاعل ومفعولان، لأن {أتى} هنا بمعنى أعطى يتعدى إلى مفعولين، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مستأنفة، {مِنْ بَعْدِ}: جار ومجرور متعلق بـ {آتَيْنَا} ، {مَا}: مصدرية، {أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ}: فعل وفاعل ومفعول به، {الْأُولَى}: صفة لـ {الْقُرُونَ} ، والجملة الفعلية صلة {مَا} المصدرية، {مَا} مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بإضافة الظرف إليه، تقديره: من بعد إهلاكنا القرون الأولى، {بَصَائِرَ}: حال من {الْكِتَابَ} ، ولكنه على تقدير مضاف؛ أي: ذا بصائر، أو جعله نفس البصائر مبالغة، أو مفعول لأجله، {لَلنَاسِ}: جار ومجرور نعت لـ {بصائر} ، {وَهُدًى وَرَحْمَةً}: معطوفان على {بَصَائِرَ} ، {لَعَلَّهُمْ}: ناصب واسمه، وجملة {يَتَذَكَّرُونَ} خبره، وجملة {لعل} مستأنفة مسوقة لتعليل الإيتاء.

{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44)} .

{وَمَا} {الواو} : استئنافية، {ما}: نافية، {كُنْتَ}: فعل ناقص واسمه، {بِجَانِبِ}: جار ومجرور خبر كان، {الْغَرْبِيِّ}: مضاف إليه، وهو على حذف

ص: 222

الموصوف وإقامة الصفة مقامه؛ أي: بجانب الجبل الغربي، حيث ناجى موسى ربه، فتخبر الناس تلك القصة، وجملة {كان} مستأنفة، {إِذْ}: ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الجار والمجرور قبله، {قَضَيْنَا}: فعل وفاعل، {إِلَى مُوسَى} متعلق بـ {قَضَيْنَا} ، {الْأَمْرَ}: مفعول به، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ {إذ} ، {وَمَا} {الواو}: عاطفة، {ما}: نافية، {كُنْتَ}: فعل ناقص واسمه، {مِنَ الشَّاهِدِينَ} خبره، والجملة معطوفة على جملة {كان} الأولى، والأمر المقضي هو الوحي الذي أوحي إليه.

{وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46)} .

{وَلَكِنَّا} {الواو} : عاطفة، {لكنا}: ناصب واسمه، {أَنْشَأْنَا}: فعل وفاعل، {قُرُونًا}: مفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {لكن} ، وجملة {لكن} معطوفة على جملة قوله:{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} ، {فَتَطَاوَلَ} {الفاء}: عاطفة، {تطاول}: فعل ماض، {عَلَيْهِمُ}: متعلق بـ {تطاول} ، {الْعُمُرُ}: فاعل، والجملة معطوفة على جملة {أَنْشَأْنَا}. {وَمَا} {الواو}: عاطفة، {ما}: نافية، {كُنْتَ ثَاوِيًا}: فعل ناقص واسمه وخبره، {فِي أَهْلِ مَدْيَنَ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {ثَاوِيًا} ، و {مَدْيَنَ} ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي، والجملة معطوفة على جملة {كان} الأولى، {تَتْلُو}: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على محمد، {عَلَيْهِمْ} متعلق بـ {تَتْلُو} ، {آيَاتِنَا}: مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب حال من الضمير المستكن في {ثَاوِيًا} ، أو خبر ثان لـ {كان}. {وَلَكِنَّا} {الواو}: عاطفة، {لكِنَّا}: ناصب واسمه، {كُنَّا}: فعل ناقص واسمه، {مُرْسِلِينَ}: خبره، وجملة {كان} في محل الرفع خبر {لكن} ، وجملة {لكن} معطوفة على جملة قوله:{وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا} . {وَمَا} {الواو} : عاطفة، {كُنْتَ}: فعل ناقص واسمه، {بِجَانِبِ الطُّورِ}: جار ومجرور ومضاف إليه خبر {كان} ، وجملة

ص: 223

{كان} معطوفة على جملة {كان} الأولى، {إِذْ}: ظرف لما مضى متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الجار والمجرور قبله، {نَادَيْنَا}: فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه، {وَلَكِنْ} {الواو}: عاطفة، {لكن}: حرف استدراك مهمل؛ لأنها مخففة، {رَحْمَةً}: مفعول لأجله لفعل محذوف، تقديره: ولكن أرسلناك رحمة، {مِنْ رَبِّكَ}: جار ومجرور صفة لـ {رَحْمَةً} ، والجملة الاستدراكية معطوفة على الجملة التي قبلها، {لِتُنْذِرَ} {اللام}: حرف جر وتعليل، {تنذر}: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل، وفاعله ضمير يعود على محمد، {قَوْمًا}: مفعول به، وجملة {تنذر} مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: ولكن أرسلناك لإنذارك قومًا، وإنما جر باللام لاختلاف الفاعل، {مَا}: نافية، {أَتَاهُمْ}: فعل ومفعول به، {مِنْ نَذِيرٍ} {مِن}: زائدة، {نَذِيرٍ}: فاعل، {مِنْ قَبْلِكَ}: صفة {نَذِيرٍ} ، {لَعَلَّهُمْ}: ناصب واسمه، وجملة {يَتَذَكَّرُونَ} خبره، وجملة {لعل} مستأنفة مسوقة لتعليل الإنذار.

{وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)} .

{وَلَوْلَا} {الواو} : استئنافية، أو عاطفة، {لولا}: حرف امتناع لوجود، {أَنْ}: حرف مصدر، {تُصِيبَهُمْ}: فعل مضارع ومفعول به منصوب بـ {أن} المصدرية، {مُصِيبَةٌ}: فاعل، والجملة الفعلية مع {أَن} المصدرية في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء، والخبر محذوف وجوبًا، تقديره: ولولا إصابة المصيبة إياهم موجود، وجواب {لَوْلَا} محذوف أيضًا، تقديره: لما أرسلناك رسولًا، وجملة {لَوْلَا} مع جوابها مستأنفة لا محل لها من الإعراب، أو معطوفة على ما قبلها، {بِمَا}: جار ومجرور متعلق بـ {تُصِيبَهُمْ} ، {قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: بما قدمته أيديهم. {فَيَقُولُوا} {الفاء} : عاطفة، {يقولوا}: فعل وفاعل معطوف على {تُصِيبَهُمْ} : منصوب بحذف النون، {رَبَّنَا}: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب

ص: 224

مقول لـ {يقولوا} ، {لَوْلَا}: حرف تحضيض بمعنى هلا، {أَرْسَلْتَ}: فعل وفاعل، {إِلَيْنَا}: متعلق به، {رَسُولًا}: مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لـ {يقولوا} على كونها جواب النداء {فَنَتَّبِعَ} {الفاء}: عاطفة سببية، {نتبع}: فعل مضارع وفاعل مستتر، منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب التحضيض، {آيَاتِكَ}: مفعول به ومضاف إليه، {وَنَكُونَ}: فعل مضارع ناقص، معطوف على {نتبع} ، واسمها ضمير مستتر يعود على المتكلمين، {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}: خبر {نكون} ، وجملة {نكون} معطوف على جملة {نتبع} ، وجملة {نتبع} صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها، من غير سابك لإصلاح المعنى، تقديره: هلا إرسالك إلينا رسولًا، فاتباعنا آياتك، فكوننا من المؤمنين.

{فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48)} .

{فَلَمَّا} {الفاء} : عاطفة على محذوف، تقديره: فجاءهم الحق من عندنا فلما جاءهم الحق، {لمّا}: حرف شرط غير جازم، {جَاءَهُمُ الْحَقُّ}: فعل ومفعول وفاعل، {مِنْ عِنْدِنَا}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {جاء} ، أو حال من {الْحَقُّ} ، والجملة الفعلية فعل شرط لـ {لما} لا محل لها من الإعراب. {قَالُوا}: فعل وفاعل، والجملة جواب {لما} لا محل لها من الإعراب، وجملة {لما} معطوفة على تلك المحذوفة، {لَوْلَا}: حرف تحضيض بمعنى هلا، {أُوتِيَ}: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير مستتر يعود علي محمد، {مِثْلَ}: مفعول ثان لـ {أُوتِيَ} ، وهو مضاف، و {مَا}: اسم موصول في محل الجر مضاف إليه، والجملة الفعلية في محل النصب مقول {قَالُوا} ، {أُوتِيَ مُوسَى}: فعل ونائب فاعل، والجملة صلة لـ {ما} الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: مثل ما أوتيه موسى. {أَوَلَمْ} {الهمزة} : للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف، والواو عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أيقول أهل مكة ذلك، {لم}: حرف جزم ونفي، {يَكْفُرُوا}: فعل وفاعل مجزوم بـ {لم} ،

ص: 225

{بِمَا} : جار ومجرور متعلق به، والجملة معطوفة على تلك المحذوفة، {أُوتِيَ مُوسَى}: فعل ونائب فاعل، والجملة صلة لـ {ما} الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: بما أوتيه موسى، {مِنْ قَبْلُ}: جار ومجرور متعلق بـ {أُوتِيَ} . {قَالُوا} : فعل وفاعل، والجملة الفعلية جملة مفسرة لكفرهم لا محل لها من الإعراب، {سِحْرَانِ}: خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هما؛ أي: التوراة والقرآن، أو موسى ومحمد عليهما السلام سحران، والجملة الاسمية في محل النصب مقول {قَالُوا} ، {تَظَاهَرَا}: فعل وفاعل، والجملة في محل الرفع صفة لـ {سِحْرَانِ}. {وَقَالُوا}: فعل وفاعل معطوف على {قَالُوا} الأول، {إِنَّا}: ناصب واسمه، {بِكُلٍّ}: متعلق بـ {كَافِرُونَ} ، و {كَافِرُونَ}: خبر {إن} ، وجملة {إن} في محل النصب مقول {قَالُوا} .

{قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)} .

{قُلْ} : فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة مستأنفة. {فَأْتُوا} {الفاء}: فاء الفصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا قلتم هذان سحران تظاهرا، وأردتم بيان ما هو اللازم لكم فأقول لكم ائتوا، {أئتوا}: فعل أمر وفاعل مبني على حذف النون، {بِكِتَابٍ} متعلق به، {مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه صفة لـ {كتاب} ؛ أي: بكتاب كائن من عند الله تعالى، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة في محل النصب مقول لـ {قُلْ}. {هُوَ أَهْدَى}: مبتدأ وخبر، {مِنْهُمَا}: متعلق بـ {أَهْدَى} ، والجملة الاسمية في محل الجر صفة ثانية لـ {كتاب} ، {أَتَّبِعْهُ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر، ومفعول به، مجزوم بالطلب السابق، والجملة الفعلية جملة جوابية لا محل لها من الإعراب، {إن}: حرف شرط، {كُنْتُمْ}: فعل ناقص واسمه، في محل الجزم بإن، الشرطية على كونه فعل شرط لها، {صَادِقِينَ}: خبر {كان} ، وجواب إن الشرطية معلوم مما قبلها،

ص: 226

تقديره: إن كنتم صادقين فاتوا بكتاب من عند الله، وجملة {إن} الشرطية في محل النصب مقول {قُلْ}. {فَإنِ} {الفاء}: عاطفة على محذوف معلوم من السياق، تقديره: فإن أجابوا لك إلى ما طلبته منهم، ولن يجيبوا فالأمر واضح، {إن} حرف شرط، {لَمْ}: حرف جزم، {يَسْتَجِيبُوا}: فعل مضارع وفاعل مجزوم بـ {لم} ، وعلامة جزمه حذف النون، {لَكَ}: متعلق به، {فَاعْلَمْ} {الفاء}: رابطة لجواب إن الشرطية وجوبًا، {اعلم}: فعل أمر وفاعل مستتر، والجملة في محل الجزم بـ {إن} على كونها جوابًا لها، وجملة {إن} الشرطية معطوفة على الجملة المحذوفة، {أَنَّمَا} {أن}: حرف نصب ومصدر، ولكنها كفت عن العمل فيما بعدها بـ {ما} الزائدة، {ما}: كافة لكفِّها ما قبلها عن العمل فيما بعدها، أو يقال: أنما أداة حصر، {يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة الفعلية سادة مسد مفعولي {اعلم}. {وَمَنْ} {الواو}: عاطفة، {مَن}: اسم استفهام للاستفهام الإنكاري في محل الرفع مبتدأ، {أَضَلُّ}: خبره، {مِمَّنِ}: جار ومجرور متعلق بـ {أَضَلُّ} ، والجملة الاسمية معطوفة على الجملة الشرطية، أو مستأنفة، {اتَّبَعَ هَوَاهُ}: فعل ماض وفاعل مستتر ومفعول به ومضاف إليه، والجملة صلة {مِنَ} الموصولة، {بِغَيْرِ هُدًى}: جار ومجرور ومضاف إليه حال من فاعل {اتَّبَعَ} ، أو من مفعوله، {مِنَ اللَّهِ}: صفة لـ {هُدًى} ، {إِنَّ اللَّهَ}: ناصب واسمه، وجملة {لَا يَهْدِي الْقَوْمَ} خبره، {الظَّالِمِينَ}: صفة لـ {الْقَوْمَ} ، وجملة {إنَّ} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54)} .

{وَلَقَدْ} {الواو} : استئنافية، و {اللام}: موطئة للقسم، {قد}: حرف تحقيق، {وَصَّلْنَا}: فعل وفاعل، {لَهُمُ}: متعلق بـ {وَصَّلْنَا} ، {الْقَوْلَ}: مفعول به، والجملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مستأنفة،

ص: 227

{لَعَلَّهُمْ} : ناصب واسمه، وجملة {يَتَذَكَّرُونَ} خبره، وجملة {لعل}: مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها. {الَّذِينَ} : مبتدأ أول، {آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ}: فعل وفاعل ومفعولان، والجملة صلة الموصول، {مِنْ قَبْلِهِ}: حال من {الْكِتَابَ} ، أو متعلق بـ {آتَيْنَاهُمُ} {هُمْ}: مبتدأ ثان، {بِهِ}: متعلق بما بعده، وجملة {يُؤْمِنُونَ} في محل الرفع خبر المبتدأ الثاني، وجملة الثاني مع خبره: خبر للأول، وجملة الأولى مع خبره مستأنفة. {وَإِذَا} {الواو}: عاطفة، {إذا}: ظرف لما يستقبل من الزمان، {يُتْلَى}: فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على القرآن، {عَلَيْهِمْ}: متعلق بـ {يُتْلَى} ، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ {إذا} على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي، {قَالُوا}: فعل وفاعل، والجملة جواب {إذا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إذا} معطوفة على جملة قوله:{هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} على كونها خبر المبتدأ، {آمَنَّا} فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول {قَالُوا} ، {بِهِ}: متعلق بـ {آمَنَّا} ، {إِنَّهُ الْحَقُّ}: ناصب واسمه وخبره، {مِنْ رَبِّنَا}: جار ومجرور حال من {الْحَقُّ} ، وجملة {إن} مستأنفة، مسوقة لتعليل الإيمان به، {إِنَّا}: ناصب واسمه، {كُنَّا}: فعل ناقص واسمه، {مِنْ قَبْلِهِ}: حال من {مُسْلِمِينَ} ، {مُسْلِمِينَ}: خبر {كان} ، وجملة {كان} في محل الرفع خبر {إِنَّا} ، وجملة {إن} مستأنفة مسوقة لبيان أن إيمانهم ليس بدعًا ولا مستحدثًا، وإنما هو أمر متقادم العهد. {أُولَئِكَ}: مبتدأ، {يُؤْتَوْنَ}: فعل ونائب فاعل، {أَجْرَهُمْ}: مفعول ثان لأتى، لأنه بمعنى أعطى، {مَرَّتَيْنِ}: منصوب على المصدرية؛ أي: إيتاءين، أو على الظرفية؛ أي: في وقتين، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، {بِمَا} {الباء}: حرف جر وسبب، {ما}: مصدرية، {صَبَرُوا}: فعل وفاعل، والجملة صلة {ما} المصدرية؛ أي: بسبب صبرهم الجار والمجرور متعلق بـ {يُؤْتَوْنَ} . {وَيَدْرَءُونَ} : فعل وفاعل، {بِالْحَسَنَةِ}: متعلق بـ {وَيَدْرَءُونَ} ، {السَّيِّئَةَ}: مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على جملة {يُؤْتَوْنَ} ، {وَمِمَّا} {الواو}: عاطفة، {مما}: متعلق بـ {يُنْفِقُونَ} ، {رَزَقْنَاهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول به، صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: مما

ص: 228

رزقناهموه، {يُنْفِقُونَ}: فعل وفاعل، معطوف على {يَدْرَءُونَ} .

{وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)} .

{وَإِذَا} {الواو} : عاطفة، {إذا}: ظرف لما يستقبل من الزمان، {سَمِعُوا اللَّغْوَ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {إذا} على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي، {أَعْرَضُوا}: فعل وفاعل، {عَنْهُ}: متعلق به، والجملة جواب {إذا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إذا} في محل الرفع معطوفة على جملة {يُؤْتَوْنَ} على كونها خبر المبتدأ. {وَقَالُوا}: فعل وفاعل، معطوف على {أَعْرَضُوا} ، {لَنَا}: خبر مقدم، {أَعْمَالُنَا}: مبتدأ مؤخر، والجملة في محل النصب مقول {قَالُوا} ، {وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ}: خبر مقدم ومبتدأ مؤخر، معطوف على ما قبله، {سَلَامٌ}: مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة كونه في الأصل دعاء، أو وصفه بمحذوف، تقديره: منا، {عَلَيْكُمْ}: خبره، والجملة في محل النصب مقول {قَالُوا} ، {لَا}: نافية، {نَبْتَغِي}: فعل مضارع وفاعل مستتر، {الْجَاهِلِينَ}: مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب حال من ضمير المتكلمين في قوله:{لَنَا أَعْمَالُنَا} ؛ أي: لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، أو سلام منا عليكم، حالة كوننا لا نطلب صحبة الجاهلين ومعاشرتهم.

التصريف ومفردات اللغة

{سَنَشُدُّ عَضُدَكَ} العضد ما بين المرفق والكتف، وفي "إعراب القرآن": العَضُد بفتح العين وضم الضاد، وبالضم وبالكسر: غليظ الذراع، وهو من المرفق إلى الكتف، جمعه أعضاد وأعضد، وهو قوام اليد، وبشدته تشتد اليد، والمراد بشد العضد التقوية والإعانة، {سُلْطَانًا} والسلطان: التسلط والغلبة، {مُفْتَرًى}؛ أي: مختلق لم يفعل قبل هذا الوقت مثله، أو تعلمته ثم افتريته على الله، اهـ "أبو السعود".

{عَلَى الطِّينِ} والطين هو التراب والماء المختلط؛ أي: أوقد لي على الطين

ص: 229

بعد جعله لبنًا فتكون آجرًا، {أَطَّلِعُ}؛ أي: أصعد وأرتقي، والطلوع والاطلاع الصعود، يقال: طلع الجبل واطلع بمعنى، وان نفسك لطلعة إلى هذا الأمر، وإنها لتطلع إليه؛ أي: تُنازع.

{وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ} والاستكبار إظهار الكبر باطلًا، بخلاف التكبر، فإنه أعم، والكبر ظن الإنسان أنه أكبر من غيره، {لَا يُرْجَعُونَ}؛ أي: لا يُردون بالبعث للجزاء، من رُجع رجعًا، إذا رُد وصُرف، {فَنَبَذْنَاهُمْ}؛ أي: فطرحناهم، قال الراغب: النبذ إلقاء الشيء وطرحه، لقلة الاعتداد به، {أَئِمَّةً}؛ أي: قدوة يقتدي بهم أهل الضلال، فيكون عليهم وزرهم وزر من تبعهم، {لَعْنَةً}؛ أي: طردًا من الرحمة.

{مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} جمع مقبوح، والمقبوح المطرود؛ أي: من المخزيين، يقال: قبَّحه الله إذا طرده ونحاه من كل خير، وفي "المصباح": قبح الشيء قبحًا فهو قبيح، من باب قرب، وهو خلاف حسن، {هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ}؛ أي: من المبعدين عن الفوز، والتثقيل مبالغة، وقبَّح عليه فعله تقبيحًا، وقال أبو زيد: قبح الله فلانًا قُبْحًا وقُبوحًا: أبعده من كل خير، وقال أبو عمرو: قبحت وجهه بالتخفيف بمعنى قبَّحْتُ بالتشديد، ومثله قول الشاعر:

ألَا قَبَحَ الله الْبَرَاجِمَ كُلَّهَا

وَقَبَحَ يَرْبُوْعًا وَقَبَحَ دَارِمَا

{مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى} قال الراغب: الهلاك الموت، لم يذكره الله سبحانه حيث يُفقد الذمُّ إلا في قوله:{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} ، وقوله:{وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} ، وقوله:{حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا} ، والقرون جمع قرن، وهو القوم المقترنون في زمان واحد.

{بَصَائِرَ لِلنَّاسِ} والبصائر جمع بصيرة، وهي نور القلب الذي به يُستبصر، كما أن البصر نور العين الذي به تبصر، والبصيرة العقل والفطنة والعبرة والشاهد والحجة، يقال: جوارحه بصيرة عليه؛ أي: شهود، وفراسة ذات بصيرة؛ أي: صادقة، والجمع بصائر، وقوله:{بَصَائِرَ لِلنَّاسِ} ؛ أي: أنوارًا لقلوبهم تبصر بها

ص: 230

الحقائق، وتميز بها بين الحق والباطل، بعد أن كانت عُميًا عن الفهم والإدراك بالكلية.

{فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ} والعُمْر والعُمُر بالفتح والضم وبضمتين: الحياة، قال الراغب: العمر اسم لمدة عمارة البدن بالحياة؛ أي: طال عليهم الحياة وتمادى الأمد، {ثَاوِيًا}؛ أي: مقيمًا، يقال: ثوى يثوى - من باب ضرب - ثواءً وثويًا، فهو ثاو المكان وفيه وبه أقام، وثوى الرجل إذا مات. قال عُبيد بن الأبرص في مطلع معلَّقته:

آذَنَتْنَا بَبَيْنِهَا أَسْمَاءُ

رُبَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثُّوَاءُ

{وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ} والمصيبة العقوبة، قال الراغب: أصلها في الرمية ثم اختص بالمعاقبة، {تَظَاهَرَا}؛ أي: تعاونا وتناصرا، والتظاهر التعاون.

{وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ} والتوصيل مبالغة في الوصل، وحقيقة الوصل رفع الحائل بين الشيئين، والتوصيل ضم قطع الحبل بعضها إلى بعض، قال شاعرهم:

فَقُلْ لِبَنِيْ مَرْوَانَ مَا بَالُ ذِمَّتِيْ

بِحَبْلٍ ضَعِيْفٍ مَا يَزَالُ يُوَصَّلُ

والمراد به هنا إنزال القرآن منجمًا مفرقًا يتصل بعضه ببعض.

{اللَّغْوَ} اللغو الساقط من الكلام، وكل ما حقه أن يُلغى ويُترك من العبث وسخف القول، {لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} الابتغاء الطلب، والجهل معرفة الشىء على خلاف ما هو عليه؛ أي: لا نطلب صحبتهم ولا مخالطتهم.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: المجاز المرسل في قوله: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} على طريق إطلاق السبب وإرادة المسبب، بمرتبتين تتبع إحداهما ثانيتهما، فإن شدة العضد سبب مستلزم لشدة اليد، وشدة اليد مستلزمة لقوة الشخص في المرتبة الثانية،

ص: 231

واختار الشهاب في "حاشيته على البيضاوي" أن يكون كناية تلويحية، قال: الشد التقوية، فهو إما كناية تلويحية عن تقويته، لأن اليد تشد بشد العضد، والجملة تشد بشد اليد، أو استعارة تمثيلية شبه حال موسى في تقويته بأخيه بحال اليد في تقويتها بالعضد.

ومنها: الإطناب البديع في قوله: {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ} ولم يقل اطبخ لي الآجر، لأنه تركيبه مع سهولة لفظه ليس بفصيح، وذلك أمر يقرره الذوق وحده، فعبر عن الآجر بالوقود على الطين، فإن هذه العبارة أحسن مطابقة لفصاحة القرآن وعلو طبقته.

ومنها: التشبيه البليغ في قوله: {بَصَائِرَ لِلنَّاسِ} ؛ أي: أعطيناه التوراة كأنها أنوار لقلوب الناس، حُذف أداة الشبه ووجه الشبه، فأصبح بليغًا. قال في "حاشية البيضاوي": أي: مشبهًا بأنوار القلوب، من حيث إن القلوب لو كانت خالية عن أنوار التوراة وعلومها لكانت عمياء، لا تستبصر، ولا تعرف حقًا من باطل.

ومنها: المجاز العقلي في قوله: {أَنْشَأْنَا قُرُونًا} ؛ أي: أهل قرون، لأن المراد به الأمم، لأنهم يُخلقون في تلك الأزمنة، فنُسبوا إلى القرون بطريق المجاز العقلي.

ومنها: جناس التحريف في قوله: {وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} وهو ما يفوق فيه بين الكلمتين، أو بعضهما بضبط الشكل، مثاله في الشعر قول أبي العلاء المعري:

وَالْحُسْنُ يَظْهَرُ فِيْ شَيْئَيْنِ رَوْنَقُهُ

بَيْتٍ مِنَ الشِّعْرِ أوْ بَيْتِ مِنَ الشَّعْرِ

ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ} .

ومنها: المجاز المرسل في قوله: {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} فإن المراد بما كسبوا، وهو من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، قال الزمخشري: ولما كانت أكثر الأعمال تزاول بالأيدي جُعل كل عمل معبرًا عنه باجتراح الأيدي.

ص: 232

ومنها: حذف الجواب لدلالة السياق عليه في قوله: {وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ} حُذف منه الجواب، تقديره: ما أرسلناك يا محمد رسولًا إليهم ، وهو من باب الإيجاز بالحذف.

ومنها: التحضيض في قوله: {لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} ؛ أي: هلا أوتي، فهي للتحضيض، وليست حرف امتناع لوجود.

ومنها: تكرار حرف الاستدراك بقوله: {وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا} ، وبقوله:{وَلَكِنَّا كُنَّا} ، وبقوله:{وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} .

ومنها: تكرار لولا بقوله: {وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ} وبقوله: {لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا} وبقوله: {قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ} ، ولكن الأولى حرف امتناع لوجود، والأخيرتان حرفا تحضيض.

ومنها: الجناس المغاير في قوله: {لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا} .

ومنها: تكرار {أُوتِيَ} ثلاث مرات.

ومنها: الطباق في قوله: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} .

ومنها: التعجيز في قوله: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ} فالأمر خرج فيه عن حقيقته إلى معنى التعجيز.

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 233

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59) وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60) أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62) قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (64) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (66) فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (69) وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74) وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (75)} .

المناسبة

قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ

}

ص: 234

الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بين (1) فيما سلف أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى آمنوا به، وجاؤوا إليه زرافات ووحدانًا من كل فج عميق، وجابوا الفيافي، وقطعوا البحار للإيمان به، بعد أن سمعوا أخباره، وترامت لهم فضائله وشمائله، وقد كان في هذا مقنع لقومه أن يؤمنوا به، وأن تُحدِّثه نفسه الشريفة بالطمع في إيمانهم، ودخول الهدى في قلوبهم، والانتفاع بما آتاه الله من العرفان، فتكون لهم به السعادة في الدنيا والآخرة .. أردف ذلك الآية الأولى تسلية له صلى الله عليه وسلم، إذ لم ينجع في قومه الذين يُحبهم ويحرص عليهم أشد الحرص إنذاره وإبلاغه، فيقبلوا ما جاء به، بل أصروا على ما هم عليه، وقالوا:{لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} ، فكانوا على عكس قوم هم أجانب عنه آمنوا بما جاء به، وقالوا:{إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا} .

قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (2) أن التمتع بزينة الدنيا وزخرفها دون طاعة الله وعظيم شكره على نعمه يكون وبالًا على الكافر يوم القيامة حين يحضر للعذاب .. أردف ذلك بيان ما يحصل في هذا اليوم من الإهانة والتقريع للمشركين، حين يسألهم سؤالات يحارون في الجواب عنها، ويشتد عليهم الخطب حين لا يجدون مخلصًا، ومعذرة تُبرِّر لهم ما كانوا يقترفون، فيسألهم أولًا عن الآلهة التي كانوا يعبدونها في الدنيا، من أصنام وأوثان، هل ينصرونهم أو ينتصرون، ثم يأمرهم بدعوتهم فلا يجدون منهم ردًا، ثم يسألهم عما أجابوا به الرسل حين دعوهم إلى الإيمان بربهم، فتخفى عليهم الحجج التي تُنجيهم من العذاب الذي لا مفر لهم منه، ولا يستطيع بعضهم أن يسأل بعضًا عما يلقنه من حجة لهول الموقف، واشتداد الخطب، ثم ذكر بعدئذٍ حال المؤمنين بربهم الذين عملوا صالح الأعمال، وبيَّن أنهم يلقون الفوز والظفر بالمراد فضلًا من ربهم ورحمة.

(1) المراغي.

(2)

المراغي.

ص: 235

قوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما وبخهم (1) فيما سلف على اتخاذهم الشركاء، وذكر أنه يسألهم عنهم يوم القيامة تهكمًا بهم، وتقريعًا لهم .. أردف ذلك بتجهيلهم على اختيار ما أشركوه، واصطفائهم إياه للعبادة، وأبان لهم أن تمييز بعض المخلوقات عن بعض واصطفاءه على غيره من حق الله، لا من حقكم أنتم، والله لم يصطف شركاءكم الذين اصطفيتموهم للعبادة والشفاعة، فما أنتم إلا جهال ضلال.

قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر أنه المستحق للحمد على ما أولاه من النعم، وتفضل به من المنن .. أردف هذا تفصيل ما يجب أن يُحمد عليه منها، ولا يقدر عليه سواه.

قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (2) وبَّخ المشركين أولًا على فساد رأيهم في اتخاذ الشركاء لله، ثم ذكر التوحيد ودلائله .. عاد إلى تقريعهم وتبكيتهم ثانيًا، ببيان أن إشراكهم لم يكن عن دليل صحيح، بل كان عن محض الهوى، كما يُرشد إلى ذلك قوله:{قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} .

أسباب النزول

قوله تعالى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ

} الآية، سبب نزولها: ما أخرجه (3) مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة أتاه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:"يا عماه قل: لا إله إلا الله، أشهد لك بها عند الله يوم القيامة"، فقال: لولا أن تعيِّرني قريش، يقولون: ما حمله على ذلك إلا

(1) المراغي.

(2)

المراغي.

(3)

لباب النقول.

ص: 236