المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

التفصيلية، مع اشتماله على بيان قواعد اللغة الكلية، وهكذا كل - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢١

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: التفصيلية، مع اشتماله على بيان قواعد اللغة الكلية، وهكذا كل

التفصيلية، مع اشتماله على بيان قواعد اللغة الكلية، وهكذا كل علم من العلوم التي لها مزيد نفع في فهم كتاب الله وسُنة رسوله، فإنه قد نادى على نفسه بأرفع صوت بأنه جاهل مجادل بالباطل، طاعن في العلوم الشرعية، مستحق لأن تنزل به قارعة من قوارع العقوبة التي تزجره عن جهله وضلاله وطعنه على ما لا يعرفه ولا يعلم به، ولا يحيط بكنهه، حتى يصير عبرة لغيره، وموعظة يتعظ بها أمثاله من ضعاف العقول، وركاك الأديان، ورعاع المتلبسين بالعلم زورًا وكذبًا.

{أم} في قوله: {أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} هي المنقطعة، وقرأ أبو حيوة {أماذا} بتخفيف الميم، أدخل همزة الاستفهام على اسم الاستفهام على سبيل التوكيد والمعنى: بل أي شيء كنتم تعملون حتى شغلكم ذلك عن النظر فيها، والتفكر من معانيها، وهذا الاستفهام على طريق التبكيت لهم. يعني (1): لم يكن لهم عمل غير الجهل والتكذيب، والكفر والمعاصي، كأنهم لم يُخلقوا إلا لها، مع أنهم ما خُلقوا إلا للعلم والتصديق والإيمان والطاعة، يخاطبون بذلك تبكيتًا، فلا يقدرون أن يقولوا: فعلنا غير ذلك.

‌85

- ثم يكبون في النار، وذلك قوله تعالى:{وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ} ؛ أي: حل بهم العذاب الذي هو مدلول القول الناطق بحلوله ونزوله {بِمَا ظَلَمُوا} ؛ أي: بسبب ظلمهم الذي هو التكذيب بآيات الله {فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ} باعتذار لشغلهم بالعذاب، أو لختم أفواههم.

والمعنى (2): أي وحل بأولئك المكذبين بآيات الله السخط والغضب والعذاب بسبب تكذيبهم بها، فهم لا ينطقون بحجة، ولا معذرة يدفعون بها عن أنفسهم عظيم ما حل بهم من العذاب الأليم.

ونحو الآية قوله: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36)}

‌86

- وبعد أن خوَّفهم من أهوال يوم القيامة ذكر الدليل على التوحيد والحشر والنبوة، فقال:

(1) روح البيان.

(2)

المراغي.

ص: 59

{أَلَمْ يَرَوْا} (1) من رؤية القلب، وهو العلم، لا من رؤية البصر؛ لأن نفس الليل والنهار وإن كانا من المبصرات لكن جعلهما كما ذكر من قبيل المعقولات، والاستفهام فيه للتوبيخ المضمن للإنكار؛ أي: ألم يعلم هؤلاء المكذبون بآياتنا {أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ} مظلمًا {لِيَسْكُنُوا فِيهِ} ؛ أي: ليستريحوا فيه بالنوم والقرار، ففيه حذف مظلمًا يدل عليه قوله:{وَ} جعلنا {النَّهَارَ مُبْصِرًا} ؛ أي: مضيئًا ليتحركوا فيه، وينتشروا لطلب معاشهم، ففيه حذف ليتحركوا دل عليه قوله:{لِيَسْكُنُوا} ففي الكلام احتباك كما سيأتي في مبحث البلاغة؛ أي: ألم يتفكر أهل مكة، ولم يعلموا أنا جعلنا الليل مظلمًا ليستريحوا فيه بالقرار والنوم، والنهار مضيئًا لينتشروا فيه ويطلبوا معايشهم.

{إِنَّ فِي ذَلِكَ} ؛ أي: إن في جعل الليل والنهار، كما ذكر {لَآيَاتٍ}؛ أي: لدلالات ظاهوة على التوحيد والبعث والنبوة {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ؛ أي: يصدقون بها، فيعتبرون. خصوا بالذكر؛ لأنهم المنتفعون بها دون الكافرين.

وحاصل معنى الآية (2): أي ألم ير هؤلاء المكذبون بآياتنا تصريفنا الليل والنهار، ومخالفتنا بينهما بجعل ذاك سكنًا لم يسكنون فيه، ويهدؤون راحة لأبدانهم من تعب التصرف، والتقلب نهارًا، وجعل هذا مضيئًا يبصرون في الأشياء، ويعاينونها، فيتقلبون فيه لمعايشهم، فيتفكرون في ذلك، ويتدبرون، ويعلمون أن مصرِّف ذلك كذلك هو الإله الذي لا يُعجزه شيء، ولا يتعذر عليه إماتة الأحياء، وإحياء الأموات بعد الممات.

وفي ذلك أيضًا دليل على النبوة؛ لأنه كما يُقلِّب الليل والنار لمنافع المكلفين، ففي بعثة الأنبياء منافع عظيمة للناس في دنياهم ودينهم. فما المانع إذًا من بعثهم إليهم، بل الحاجة إلى ذلك أمس.

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ؛ أي: إن فيما ذُكر لدلالة على قدرته على

(1) أبو السعود.

(2)

المراغي.

ص: 60