الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسعود: {وما أن تهتدي} بزيادة {أن} بعد {ما} ، وتهتدي، وتهتدي مضارع اهتدى، {العمي} بالرفع، والمعنى: ليس في وسعك إدخال الهدى في قلب من عمي عن الحق، ولم ينظر إليه بعين قلبه؛ أي: أنت أيها الرسول لا تستطيع أن تصرف العمي عن ضلالتهم، وتهديهم إلى الطريق السوي. والمراد: إنك لا تهدي من أعماهم الله عن الهدى والرشاد، فجعل على أبصارهم غشاوة تمنعهم عن النظر فيما جئت به نظرًا يوصلهم إلى معرفة الحق، وسلوك سبيله.
ثم زاد ذلك توكيدًا فقال: {إِن تسُمِعُ} ؛ أي: ما تُسمع دعوتك سماعًا نافعًا للسامع، {إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا} التنزيلية، ويصدق بها، وهي القرآن، لا من يكفر بها؛ أي: لا تُسمع إلا من سبق في علمنا إيمانه بآياتنا وتصديقه بكتابنا، ولما كان طريق الهداية هو إسماع الآيات التنزيلية قال:{إِنْ تُسْمِعُ} ، دون إن تهدي، مع قرب ذكر الهداية، وجملة قوله:{فَهُمْ مُسْلِمُونَ} تعليل لإيمانهم بها، كأنه قيل يؤمنون بآياتنا لكونهم منقادين للحق، مخلصين في إيمانهم.
والمعنى (1): أي إنما يستجيب لك من هو نافذ البصيرة، خاضع لربه متبتل إليه، مجيب لدعوة رسله.
والخلاصة: أنك لا تقدر أن تُفهم الحق وتسمعه إلا من يصدقون بآياتنا وحججنا، فإنهم هم الذين يسمعون منك ما تقول، ويتدبرونه، ويعملون به، إذ هم ينقادون للحق في كل حين.
واعلم (2): أن الأصل هو العناية الأزلية، وما سبق في علم الله سبحانه من السعادة الأبدية، فالسعيد من سعد بقضاء الله، والشقي من شقي بقضاء الله سبحانه وتعالى، وإنما الأعمال بالخواتيم، اللهم اجعلنا بجزيل فضلك ووسيع كرمك من السعداء، ولا تجعلنا من الأشقياء.
82
- ثم هدد العباد بذكر طرق من أشراط الساعة وأهوالها، فقال:{وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ} ؛ أي: وإذا وجب وثبت، وحل على الناس أجل ما قلنا في القرآن،
(1) المراغي.
(2)
روح البيان.
ووعدناهم فيه، والمراد بالقول (1): ما نطق به القرآن من مجيء الساعة وما فيها من فنون الأهوال التي كان يستعجل بها المشركون، والمراد بالوقوع: الدنوُّ والاقتراب، كما في قوله تعالى:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} .
والمعنى: إذا دنا واقترب قيام الساعة التي ذكرناها وبئناها في القرآن، قيل: اقترابها بموت العلماء، وذهاب العلم، وقيل: برفع القرآن، وقيل: إذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر.
{أَخْرَجْنَا لَهُمْ} ؛ أي: للناس {دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ} ؛ أي: من جبل الصفا بمكة وهي فصيل ناقة صالح عليه السلام، فإنه لما عُقرت أمه هرب، فانفتح له حجر فدخل في جوفه، ثم انطبق عليه الحجر، فهو فيه حتى يخرج بإذن الله تعالى في آخر الزمان.
وعن علي رضي الله عنه أنها تخرج في ثلاثة أيام، والناس ينظرون إليها، فلا يخرج كل يوم إلا ثلثها، وعن الحسن: لا يتم خروجها إلا بعد ثلاثة أيام، وفي الحديث:"إن طولها ستون ذراعًا بذراع آدم عليه السلام، لا يُدركها طالب، ولا يفوتها هارب"، وقيل: اسم الدابة الجسَّاسة لتجسُّسها الأخبار للدجال؛ لأن الدجال كان موثقًا في دير في جزيرة بحر الشام، وكانت الجسَّاسة في تلك الجزيرة، كما في حديث المشارق في الباب الثامن.
وروى (2) البغوي بإسناده عن الثعلبي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة، قلت: يا رسول الله من أين تخرج؟ قال: "من أعظم المساجد حرمة على الله، فبينما عيسى عليه السلام يطوف بالبيت ومعه المسلمون .. إذ تضطرب الأرض، وينشق الصفا مما يلي المسعى، وتخرج الدابة من الصفا أول ما يخرج منها رأسها، ملمعة ذات وبر وريش، لن يدركها الطالب، ولن يفوتها هارب، تسِمُ الناس مؤمنًا وكافرًا، فأما المؤمن: فتترك وجهه كأنه كوكب دري، وتكتب بين عينيه مؤمن. وأما الكافر: فتنكت بين عينيه نكتة
(1) الشوكاني.
(2)
الخازن.
سوداء، وتكتب بين عينيه كافر".
وروي عن ابن عباس أنه قرع الصفا بعصاه وهو محرم، وقال: إن الدابة لتسمع قرع عصاي هذه، وعن ابن عمر، قال: تخرج الدابة ليلة جمع، والناس يسيرون إلى منى، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"بئس الشعب شعب أجياد"، مرتين أو ثلاثًا، قيل: ولم ذاك يا رسول الله؛ قال: "تخرج منه الدابة، تصرخ ثلاث صرخات يسمعها من بين الخافقين".
وروي عن ابن الزبير، أنه وصف الدابة، فقال: رأسها رأس ثور، وعينها عين خنزير، وأذنها أذن فيل، وقرنها قرن أيل، وصدرها صدر أسد، ولونها لون نمر، وخاصرتها خاصرة هر، وذنبها ذنب كبش، وقوائمها قوائم بعير، بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعًا.
وعن عبد الله بن عمرو: تخرج الدابة من شعب أجياد، فتمس رأسها السحاب ورجلاها في الأرض، وروي عن علي، قال: ليست بدابة لها ذنب، ولكن لها لحية، وقال وهب: وجهها وجه رجل، وسائر خلقها كخلق الطير، فتُخبر من رآها أن أهل مكة كانوا بمحمد والقرآن لا يوقنون.
قال القرطبي (1): قد رفع الإشكال في هذه الدابة ما ذكرناه من حديث حذيفة، فليعتمد عليه.
واختلف في أي موضع تخرج؟ فقال عبد الله بن عمر: تخرج من الصفا، وروي عن قتادة: أنها تخرج في تهامة، وروي أنها تخرج من مسجد الكوفة من حيث فار تنُّور نوح عليه السلام، وقيل: من أرض الطائف، قال أبو قبيل: ضرب عبد الله بن عمرو أرض الطائف برجله، وقال: من هنا تخرج الدابة التي تكلم الناس، وقيل غير ذلك مما لا طائل تحته.
وما جاء (2) في وصف الدابة، والمبالغة في طولها وعرضها وزمانها
(1) القرطبي.
(2)
المراغي.
ومكانها مما لا يُركن إليه، فإن أمور الغيب لا يجب التصديق بها إلا إذا ثبتت بالدليل القاطع عن الرسول المعصوم صلى الله عليه وسلم.
وجملة قوله: {تُكَلِّمُهُمْ} صفة للدابة؛ أي: تكلم تلك الدابة الناس المعاصرين لخروجها، وتخبرهم {أَنَّ النَّاسَ} العصريين والمكلفين الموجودين الآن {كَانُوا بِآيَاتِنَا}؛ أي: بآيات ربنا، ودلائل قدرته التي منها خروجي الدال على قرب الساعة {لَا يُؤْمِنُونَ}؛ أي: لا يصدقون بها؛ أي: تكلم تلك الدابة من وُجد وقت خروجها على العموم الكفرة وغيرهم باللسان العربي الفصيح، أو تُكلِّم العرب بالعربي، والعجم بالعجمي، وتُخبرهم بأن الناس كانوا لا يؤمنون بآيات الله الناطقة بمجيء الساعة، وقربها كخروجي.
وقال الشوكاني: والمراد بالناس في الآية: هم الناس على العموم فيدخل في ذلك كل مكلف، وقيل: المراد بهم الكفار خاصة، وقيل: كفار مكة. والأول أولى. اهـ.
قال أبو حيان: والظاهر (1) أن قوله: {تُكَلِّمُهُمْ} بالتشديد، وهي قراءة الجمهور من الكلام، ويؤيده قراءة أبي {تُنَبِّئُهُمْ} ، وفي بعض القراءات {تحدثهم} وهي قراءة يحيى بن سلام، وقرأ عبد الله وأبو عمران الجوني {تكلمهم بأن الناس} قال السدي: تكلمهم ببطلان سائر الأديان سوى الإِسلام، وقيل: تخاطبهم فتقول للمؤمن هذا مؤمن، وللكافر هذا كافر، وقيل: معنى تكلمهم تجرحهم من الكلم والتشديد للتكثير، ويؤيده قراءة ابن عباس ومجاهد وابن جُبير وأبي زرعة والجحدري وأبي حيوة وابن أبي عبلة:{تكلمهم} بفتح التاء وسكون الكاف مخفف اللام، وقراءة من قرأ {تجرحهم} مكان تكلمهم، وسأل أبو الحوراء ابن عباس تُكلِّم أو تَكْلِم؟ فقال: كل ذلك تفعل، تُكلِّم المؤمن وتَكْلِمُ الكافر. انتهى، وروي أنها تسم الكافر في جبهته وتربده، وتمسح على وجه المؤمن فتبيضه.
(1) البحر المحيط.