المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إنا منجوه وأهله إلا امرأته، ثم ننزل عليهم من السماء - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢١

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: إنا منجوه وأهله إلا امرأته، ثم ننزل عليهم من السماء

إنا منجوه وأهله إلا امرأته، ثم ننزل عليهم من السماء عذابًا بما اجترحوا من السيئات، واجترموا من الذنوب والآثام، ثم ندعهم عبرةً وآيةً بينةً لقوم يعقلون.

قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما أسلف أنه أهلك من أشرك به بعاجل العقاب، وسيعذبه بشديد العذاب، ولا ينفعه في الدارين معبوده، ولا يجديه ركوعه وسجوده .. أردف هذا بتمثيل حال من اتخذ معبودًا دون الله بحال العنكبوت، وقد اتخذت لها بيتًا لا يريحها إذا هي أوت، ولا يجيرها من حر وبرد إذا هي ثوت، ثم زاد الإنكار توكيدًا، فذكر أن ما يدعونه ليس بشيء، فكيف يتسنى للعاقل أن يترك القادر الحكيم ويشتغل بعبادة من ليس بشيء، ثم أردف هذا ببيان فائدة ضرب الأمثال للناس، وأنه لا يُدرك مغزاها إلا ذوو الألباب الذين يفهمون خبىء الكلام، وظاهره وسره وعلانيته.

ثم ذكر أنه لم يخلق السموات والأرض إلا لحكمة يعلمها المؤمنون، ويدركها المستبصرون، وهي ما أرشد إليها بقوله:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} وبعد أن أمر سبحانه عباده بما تقدم بيانه، وأظهر الحق ببرهانه، ولم يهتد بذلك المشركون، سلَّى رسوله بأمره بتلاوة كتابه وعبادته تعالى طرفي النهار وزلفًا من الليل، وإرشاده إلى أن الله عليم بما يصنع عباده، وسيجازيهم كفاء ما يعملون من خير وشر.

التفسير وأوجه القراءة

‌24

- قوله: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ

} إلخ، رجوع (1) إلى خطاب إبراهيم بعد الاعتراض، بما تقدم من خطاب محمد صلى الله عليه وسلم على قول من قال إن قوله:{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم، وأما على قول من قال: إنه خطاب لإبراهيم عليه السلام، فالكلام في سياقه سابقًا ولاحقًا؛ أي: قال إبراهيم عليه السلام لقومه: اعبدوا الله واتقوه، فما كان جواب قومه آخر الأمر، وهو بالنصب على أنه خبر

(1) الشوكاني.

ص: 393

كان، واسمها قوله:{إِلَّا أَنْ قَالُوا} ؛ أي: إلا قول بعضهم لبعض عند المشاورة بينهم: لا تجيبوا إبرايم عن براهينه الثلاثة، الدالة على التوحيد والنبوة والحشر.

{اقْتُلُوهُ} ؛ أي: اقتلوا إبراهيم بسيف أو نحوه، فتستريحوا منه عاجلًا {أَوْ حَرِّقُوهُ}؛ أي: حرقوا إبراهيم بالنار، فإما أن يرجع إلى دينكم إذا أوجعته النار، وإما أن يموت بها إذا أصر على دينه، وفيه (1) تسفيه لهم، حيث أجابوا من احتج عليهم بأن يُقتل أو يحرق، وهكذا ديدن كل محجوج مغلوب، وإنما أجابوه بذلك لعدم قدرتهم على الجواب الصحيح، كما قاله الرازي.

والفاء في قوله: {فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ} بجعلها بردًا، عاطفة على محذوف، تقديره: فألقوه في النار فانجاه الله سبحانه من أذاها، بأن جعلها عليه بردًا وسلامًا.

رُوي أنه لم ينتفع أحد بالنار يومئذ في موضع أصلًا، وذلك لذهاب حرها؛ أي: تشاوروا فيما بينهم، وقالوا: افعلوا بإبراهيم أحد الأمرين المذكورين، ثم اتفقوا على تحريقه فأضرموا نارًا عظيمة، فألقوه فيها، فأنجاه الله سبحانه منها.

{إِنَّ فِي ذَلِكَ} الإنجاء؛ أي: في إنجاء الله تعالى إبراهيم من تلك النار {لَآيَاتٍ} ؛ أي: لدلالات عجيبة، وآيات واضحة، وعلامات ظاهرة، وبراهين ساطعة على عظيم قدرة الله، وبديع صنعه، حيث أضرموا تلك النار العظيمة وألقوه فيها ولم تحرقه ولا أثرت فيه أثرًا إلا ما أحرقت من وثاقه، بل صارت إلى حالة مخالفة لما هو شأن عنصرها من الحرارة والإحراق.

{لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي: يصدقون بوجود الله وكمال قدرته، حيث أخمدها في زمن يسير، وأنشأ في مكانها روضًا زاهرًا، وبستانًا فاخرًا وأنيسًا بارًا على ما قيل، وإنما خص المؤمنين بالذكر؛ لأنهم المنتفعون بآيات الله سبحانه بالتفحص عنها، والتأمل فيها، وأما الكافرون فمحرومون من الفوز بمغانم آثارها، وغافلون عن التفكر في حقائقها.

(1) روح البيان.

ص: 394