الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقدم، لأنه صلى الله عليه وسلم يكون من المشركين بحال من الأحوال لكونه معصومًا، والمعنى: ولا تتركن الدعاء إلى ربك، وتبليغ المشركين رسالتك، فتكون ممن فعل فعل المشركين بمعصيته، ومخالفة أمره.
88
- ثم فسر هذا، وبينه بقوله:{وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} ؛ أي: ولا تعتمد على غير الله، ولا تتخذ غيره وكيلًا في أمورك، وهذا تعريض أيضًا لغيره من الأمة.
فإن قلت (1): النبي صلى الله عليه وسلم كان معصومًا من أن يدعو مع الله إلهًا آخر فما فائدة هذا النهي؟
قلت: الخطاب معه صلى الله عليه وسلم المراد به غيره، وقيل معناه لا تتخذ غيره وكيلًا على أمورك كلها ولا تعتمد غيره، كما مر آنفًا في حلِّنا.
{لَا إِلَهَ} ؛ أي: لا نافع ولا ضار ولا معطي ولا مانع {إِلَّا هُوَ} سبحانه وحده {كُلُّ شَيْءٍ} من الإنسان والحيوان والجن والشياطين والملك ونحوها {هَالِكٌ} ؛ أي: معدوم فان زائل في حد ذاته، فإن وجوده كلا وجود؛ لأن وجوده ليس ذاتيًا {إِلَّا وَجْهَهُ}؛ أي: ذاته سبحانه وتعالى، فإنه تعالى واجب الوجود وكل ما عداه ممكن في حد ذاته عرضة للهلاك والعدم، والوجه يعبر به عن الذات، وقال أبو العالية وسفيان (2): كل شيء فان إلا ما أريد به وجهه من الأعمال؛ أي: ما يقصد إليه بالقربة. قال الشاعر:
أَسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْبًا لَسْتُ مُحْصِيَهُ
…
رَبَّ الْعِبَادِ إِلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ
والمستثنى من الهلاك والفناء ثمانية أشياء نظمها السيوطي في قوله:
ثَمَانِيَةٌ حُكْمُ الْبَقَاءِ يَعُمُّهَا
…
مِنَ الْخَلْقِ وَالْبَاقُوْنَ فِيْ حَيِّزِ الْعَدَمْ
هِيَ الْعَرْشُ وَالْكُرْسِيُّ وَنَارٌ وَجَنَّةٌ
…
وَعَجْبٌ وَأَرْوَاحٌ كَذَا اللَّوْحُ وَالْقَلَمْ
{لَهُ} سبحانه لا لغيره {الْحُكْمُ} ؛ أي: القضاء النافذ في الخلق في
(1) الخازن.
(2)
القرطبي.
الأولى والآخرة {وَإِلَيْهِ} تعالى، لا إلى غيره {تُرْجَعُونَ}؛ أي: تردون أيها الخلائق عند البعث من القبور، وليجزى المحسن لإحسانه، والمسيء لإساءته.
وقرأ عيسى (1): {تُرْجَعُونَ} مبنيًا للفاعل. والجمهور مبنيًا للمفعول، ومعنى الآية:{وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} ؛ أي (2): ولا تعبد أيها الرسول مع الله - الذي له عبادة كل شيء - معبودًا آخر سواه.
ثم علل هذا بقوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} ؛ أي: لأنه لا معبود تصلح له العبادة إلا الله، ونحو الآية قوله:{رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9)} .
ثم بيَّن صفاته تعالى، فقال:
1 -
{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} ؛ أي: هو الدائم الباقي الحي القيوم الذي لا يموت إذا ماتت الخلائق، كما قال:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)} .
وقد ثبت في "الصحيح" عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "أصدق كلمة قالها لبيد":
ألَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ
…
وَكُلُّ نَعِيْمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ
2 -
{لَهُ الْحُكْمُ} ؛ أي: له الملك والتصرف والقضاء النافذ في الخلق.
3 -
{وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} يوم معادكم، فيجزيكم بأعمالكم إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.
الإعراب
{إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ} .
{إِنَّ} : حرف نصب، {قَارُونَ}: اسمها منصوب، ولم ينون لأنه إسم لا ينصرف للعلمية والعجمة، {كَانَ}: فعل ماض ناقص واسمه ضمير يعود على
(1) البحر المحيط.
(2)
المراغي.
{قَارُونَ} ، {مِنْ قَوْمِ مُوسَى}: جار ومجرور ومضاف إليه خبر {كَانَ} ، وجملة {كَانَ} في محل الرفع خبر {إنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة مسوقة لبيان قصة قارون وما تنطوي عليه من عظات وعبر. {فَبَغَى} {الفاء}: عاطفة، {بغى}: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على {قَارُونَ} ، والجملة الفعلية في محل الرفع معطوفة على جملة {كَانَ} ، {عَلَيْهِمْ}: متعلق بـ {بَغَى} ، {وَآتَيْنَاهُ} {الواو}: عاطفة، {آتَيْنَاهُ}: فعل وفاعل ومفعول أول، والجملة معطوفة على جملة {كَانَ} ، {مِنَ الْكُنُوزِ}: متعلق بـ {آتَيْنَاهُ} .
{مَا} : اسم موصول في محل النصب مفعول ثان لـ {آتَيْنَاهُ} ، {إنَّ}: حرف نصب، {مَفَاتِحَهُ}: اسمها، {لَتَنُوءُ}:{اللام} حرف ابتداء، {تَنُوءُ}: فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر يعود على المفاتح، {بِالْعُصْبَةِ} متعلق بـ {تَنُوءُ} ، {أُولِي الْقُوَّةِ}: صفة لـ {الْعُصْبَةِ} مجرور بالياء المحذوفة لالتقاء الساكنين لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، {الْقُوَّةِ}: مضاف إليه، وجملة {تَنُوءُ} في محل الرفع خبر {إنَّ} ، وجملة {إنَّ} صلة لـ {ما} الموصولة، والعائد ضمير {مَفَاتِحَهُ}. {إِذْ}: ظرف لما مضى من الزمان متعلق بـ {تَنُوءُ} ، وقيل: باذكر مقدرًا، وقال أبو البقاء: ظرف لآتيناه، ويجوز أن يكون ظرفًا لفعل محذوف دل عليه الكلام؛ أي: بغى، {قَالَ}: فعل ماض، {لَهُ}: متعلق بـ {قَالَ} ، {قَوْمُهُ}: فاعل، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ {إذ} ، {لَا}: ناهية جازمة، {تَفْرَحْ}: فدل مضارع مجزوم بلا الناهية، وفاعله ضمير يعود على {قَارُونَ} ، وجملة {لَا تَفْرَحْ} في محل النصب مقول {قَالَ} . {إِنَّ اللَّهَ} ناصب واسمه، {لَا}: نافية، {يُحِبُّ}: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على {اللَّهَ} ، {الْفَرِحِينَ}: مفعول به منصوب بالياء، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إنَّ} ، وجملة {إنَّ} في محل النصب مقول {قَالَ} مسوقة لتعليل ما قبلها.
{وَابْتَغِ} : فعل أمر وفاعل مستتر مجزوم بحذف حرف العلة، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة قوله:{لَا تَفْرَحْ} ، {فِيمَا} {في} حرف جر وسبب، {ما}: مصدرية أو موصولة في محل الجر بفي، {آتَاكَ اللَّهُ}: فعل ومفعول أول وفاعل، والمفعول الثاني محذوف تقديره: فيما آتاكه الله؛ {ابْتَغِ} : وابتغ بإنفاق ما أعطاك الله في سبيل الخير، الجار والمجرور متعلق بـ {ابْتَغِ} ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من فاعل {ابْتَغِ}؛ أي: متقلبًا فيما آتاك، {الدَّارَ}: مفعول {ابْتَغِ} ، {الْآخِرَةَ}: صفة له، {وَلَا} {الواو}: عاطفة، {لَا}: ناهية، {تَنْسَ}: فعل مضارع وفاعل مستتر، {نَصِيبَكَ}: مفعول به، والجملة معطوفة على جملة {لَا تَفْرَحْ} ، {مِنَ الدُّنْيَا}: جار ومجرور حال من {نَصِيبَكَ} . {وَأَحْسِنْ} : فعل أمر وفاعل مستتر معطوف على {وَابْتَغِ} ، {كَمَا} {الكاف}: حرف جر وتشبيه، {ما}: مصدرية، {أَحْسَنَ اللَّهُ} فعل وفاعل، {إِلَيْكَ} متعلق بـ {أَحْسِنْ} ، والجملة الفعلية صلة {ما} المصدرية، {ما} مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، الجار والمجرور صفة لمصدر محذوف، تقديره: وأحسن إحسانًا مثل الإحسان الذي أحسن الله به إليك. {وَلَا} {الواو} : عاطفة، {لَا}: ناهية، {تَبْغِ}: فعل مضارع وفاعل مستتر مجزوم بلا الناهية، {الْفَسَادَ}: مفعول به، {فِي الْأَرْضِ}: متعلق بتبغ أو بالفساد؛ لأنه بمعنى الإفساد، والجملة في محل النصب معطوفة على ما قبلها، {إِنَّ اللَّهَ} ناصب واسمه، {لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}: فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به، والجملة في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إنَّ} في محل النصب مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
{قَالَ} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على {قَارُونَ} ، والجملة مستأنفة
مسوقة للإجابة عن قولهم: إن ما عندك تفضل وإنعام من الله فأنفق منه شكرًا لمن أنعم به عليك، {إِنَّمَا}: أداة حصر، {أُوتِيتُهُ}: فعل ماض مغير الصيغة ونائب فاعل ومفعول ثان، {عَلَى عِلْمٍ}: جار ومجرور حال من نائب فاعل، {أوتيت} ، {عِنْدِي} ظرف ومضاف إليه صفة لعلم؛ أي: إنما أوتيته حال كوني متصفًا بعلم كائن عندي، والجملة الفعلية في محل النصب مقول {قَالَ} . {أَوَلَمْ} {الهمزة} للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف. و {الواو} عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أعلم ما ادعاه ولم يعلم، والجملة المحذوفة مستأنفة، {لَمْ}: حرف جزم، {يَعْلَمْ}: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على {قَارُونَ} مجزوم بـ {لم} ، والجملة معطوفة على تلك المحذوفة، {أَنَّ اللَّه}: ناصب واسمه، {قَدْ}: حرف تحقيق، {أَهْلَكَ}: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على {اللَّهَ} ، {مِنْ قَبْلِهِ}: جار ومجرور متعلق بـ {أَهْلَكَ} ، {مِنَ الْقُرُونِ}: جار ومجرور حال. {مَنْ هُوَ أَشَدُّ} مقدمة عليه، {مَنْ}: اسم موصول في محل النصب مفعول {أَهْلَكَ} ، {هُوَ أَشَدُّ}: مبتدأ وخبر، والجملة صلة {مَنْ} الموصولة، {مِنْهُ}: متعلق بـ {أَشَدُّ} ، {قُوَّةً}: تمييز محول عن المبتدأ منصوب باسم التفضيل، وجملة {أَهْلَكَ} في محل الرفع خبر {أَنَّ} ؛ وجملة {أَنَّ} في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي {يَعْلَمْ} ، {وَأَكْثَرُ}: معطوف على {أَشَدُّ} ، {جَمْعًا}: تمييز محول عن المبتدأ منصوب بـ {أَشَدُّ} . {وَلَا} {الواو} : عاطفة لتربط الجملة بما قبلها على سبيل التهديد والوعيد، {لَا}: نافية، {يُسْأَلُ}: فعل مضارع مغير الصيغة، {عَنْ ذُنُوبِهِمُ}: متعلق بـ {يُسْئلُ} ، {الْمُجْرِمُونَ}: نائب فاعل، والجملة معطوفة على جملة {أَنَّ}؛ أي: ألم يعلم أنه لا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون.
{فَخَرَجَ} {الفاء} : عاطفة، {خرَجَ}: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على قارون، والجملة معطوفة على جملة قوله:{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ} ، وما بينهما اعتراض، {عَلَى قَوْمِهِ} متعلق بـ {خَرَجَ} ، {فِي زِينَتِهِ}: جار ومجرور حال من
فاعل {خَرَجَ} ؛ أي: حال كونه متبخترًا في زينته متقلبًا في تعاجيبه، {قَالَ الَّذِينَ}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، {يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ}: فعل ومفعول به، والجملة صلة الموصول، {الدُّنْيَا}: صفة للحياة، {يَا لَيْتَ} {يا} حرف نداء والمنادى محذوف، تقديره: يا قوم، وجملة النداء في محل النصب مقول {قَالَ} ، {لَيْتَ}: حرف تمنٍ ونصب، {لَنَا}: خبر مقدم لليت، {مِثْلَ}: اسم {لَيْتَ} : مؤخر، وهو مضاف، و {مَا}: مضاف إليه، وجملة {ليت} في محل النصب مقول {قَالَ} على كوثه جواب النداء، {أُوتِيَ قَارُونُ}: فعل ونائب فاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: أوتيه قارون، {إِنَّهُ}: ناصب واسمه، {لَذُو} {اللام}: حرف ابتداء، {ذُو حَظٍّ}: خبره، {عَظِيمٍ}: صفة {حَظٍّ} ، وجملة {إنّ} في محل النصب مقول {قَالَ} على كونها مسوقة لتعليل ما قبلها.
{وَقَالَ الَّذِينَ} {الواو} : استئنافية أو عاطفة، {قَالَ الَّذِينَ}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة أو معطوفة على جملة {قَالَ} ، {أُوتُوا}: فعل ونائب فاعل، {الْعِلْمَ}: مفعول ثان، والجملة صلة الموصول، {وَيْلَكُمْ} منصوب بفعل محذوف وجوبًا لجريانه مجرى المثل على سبيل الردع، تقديره: ألزمكم الله ويلكم، و {الكاف}: ضمير المخاطبين في محل الجر مضاف إليه، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول {قَالَ} . {ثَوَابُ اللَّهِ} مبتدأ ومضاف إليه، {خَيْرٌ}: خبر، {لِمَنْ}: جار ومجرور متعلق بـ {خَيْرٌ} ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول {قَالَ} ، {آمَنَ}: فعل ماض وفاعل مستتر، والجملة صلة {مَنْ} الموصولة، {وَعَمِلَ}: فعل وفاعل مستتر معطوف على {آمَنَ} ، {صَالِحًا}: مفعول به، {وَلَا} {الواو}: عاطفة، {لَا}: نافية، {يُلَقَّاهَا}: فعل مضارع مغيبر الصيغة، و {الهاء}: مفعول ثان، {إِلَّا}: أداة حصر، {الصَّابِرُونَ}: نائب فاعل مؤخر وهو المفعول الأول، والضمير يعود على الإثابة
أو الأعمال الصالحة، والجملة الفعلية في محل النصب معطوفة على جملة {وَيْلَكُمْ} أو مستأنفة.
{فَخَسَفْنَا} {الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت ما قال قارون، وما قال له قومه، وأردت بيان ما صار إليه، وما آل إليه أمره فأقول لك {خَسَفْنَا}: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، {بِهِ}: متعلق بخسفنا، {وَبِدَارِهِ}: جار ومجرور معطوف على {بِهِ} ، {الْأَرْضَ}: مفعول به، {فَمَا} {الفاء}: عاطفة، {مَا} نافية،؛ {كَانَ}: فعل ماض ناقص، {لَهُ}: خبرها مقدم على اسمها. {مِنْ} : زائدة، {فِئَةٍ}: اسمها مؤخر، {يَنْصُرُونَهُ}: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة في محل الرفع صفة لفئة، {مِنْ دُونِ اللَّهِ}: جار ومجرور حال من {فِئَةٍ} لتخصصه بالصفة، وجملة {كَانَ} معطوفة على جملة {خَسَفْنَا} ، {وَمَا} {الواو}: عاطفة، {كَانَ}: فعل ماض ناقص واسمها ضمير يعود على {قَارُونَ} ، {مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ}: خبر {كَانَ} ، وجملة {كَانَ} معطوفة على جملة {كَانَ} الأولى.
{وَأَصْبَحَ} {الواو} : عاطفة، {أَصْبَحَ}: فعل ماض ناقص، {الَّذِينَ}: اسمها، {تَمَنَّوْا}: فعل وفاعل صلة الموصول، {مَكَانَهُ}: مفعول به، {بِالْأَمْسِ}: جار ومجرور متعلق بـ {تَمَنَّوْا} ، {يَقُولُونَ}: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل النصب خبر {أَصْبَحَ} ، وجملة {أَصْبَحَ} معطوفة على جملة {خَسَفْنَا} {وَيْكَأَنَّ} {وي}: اسم فعل مضارع بمعنى أتعجب، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره أنا، والجملة في محل النصب مقول {يَقُولُ} ،
و {الكاف} : حرف جر بمعنى لام التعليل، {أن}: حرف نصب ومصدر، {اللَّهَ}: اسمها، {يَبْسُطُ الرِّزْقَ}: فعل وفاعل مستتر ومفعول به، {لِمَنْ}: جار ومجرور متعلق بـ {يَبْسُطُ} ، وجملة {يَشَاءُ} صلة {مَنْ} الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: لمن يشاء البسط له، {مِنْ عِبَادِهِ}: حال من {مَنْ} الموصولة، وجملة {وَيَقْدِرُ} معطوفة على جملة {يَبْسُطُ} ، وجملة {يَبْسُطُ} في محل الرفع خبر {أَنْ} وجملة {أن} في تأويل مصدر مجرور بلام التعليل، الجار والمجرور متعلق بـ {وي}؛ لأنه اسم فعل مضارع؛ أي: أتعجب لبسط الله الرزق على من يشاء من عباده.
{لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} .
{لَوْلَا} حرف امتناع لوجود متضمن معنى الشرط، {أَنْ}: حرف نصب ومصدر، {مَنَّ اللَّهُ}: فعل ماض وفاعل في محل النصب بـ {أن} المصدرية. {عَلَيْنَا} : متعلق به، و {أَن} وما في حيزها في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء، والخبر محذوف وجوبًا، تقديره: لولا مَنُّ الله علينا موجود، {لَخَسَفَ} {اللام}: رابطة لجواب {لَوْلَا} ، {خَسَفَ}: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على {اللَّهُ} ، {بِنَا}: متعلق به، والجملة الفعلية جواب {لَوْلَا} ، لا محل لها من الإعراب، وجملة {لَوْلَا} في محل النصب مقول {يَقُولُونَ}. {وَيْكَأَنَّ} {وي}: اسم فعل مضارع بمعنى أتعجب، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا، و {الكاف} حرف جر وتعليل، {أَنَّهُ} ناصب واسمه، {لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {أَنّ} ، وجملة {أن} في تأويل مصدر مجرور بـ {الكاف} ، والجار والمجرور متعلق بـ {وَيْ} ، وجملة {وَيْ} في محل النصب مقول {يَقُولُونَ} مذكورة لتأكيد {وَيْ} الأولى، ومقررة لها.
{تِلْكَ} : مبتدأ، {الدَّارُ}: بدل من اسم الإشارة، {الْآخِرَةُ}: صفة لـ {الدَّارُ} ، {نَجْعَلُهَا}: فعل مضارع ومفعول أول وفاعل مستتر يعود على
{اللَّهِ} ، {لِلَّذِينَ}: جار ومجرور متعلق بـ {نَجْعَل} على كونه مفعولًا ثانيًا له. وجملة {نَجْعَلُهَا} في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، مسوقة لبيان أن الآخرة معدة للمتقين. {لَا يُرِيدُونَ}: فعل وفاعل صلة الموصول. {عُلُوًّا} : مفعول به. {فِي الْأَرْضِ} : متعلق بـ {عُلُوًّا} ، أو صلة له. {وَلَا فَسَادًا}: معطوف على {عُلُوًّا} . {وَالْعَاقِبَةُ} : مبتدأ. {لِلْمُتَّقِينَ} : خبره، والجملة معطوفة على الجملة الاسمية قبلها.
{مَنْ} : اسم شرط جازم، في محل الرفع، مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما. {جَاءَ}: فعل ماض وفاعل مستتر في محل الجزم بـ {من} على كونه فعل شرط لها. {بِالْحَسَنَةِ} : متعلق بـ {جَاءَ} . {فَلَهُ} : الفاء: رابطة لجواب {مَن} الشرطية وجوبًا له، خبر مقدم. {خَيْرٌ}: مبتدأ مؤخر. {مِنْهَا} : متعلق بـ {خَيْرٌ} ، والجملة الاسمية في محل الجزم بـ {من} على كونها جواب شرط لها، وجملة {مَن} الشرطية مستأنفة. {وَمَنْ} {الواو}: عاطفة. {مَنْ} : اسم شرط مبتدأ. {جَاءَ} : فعل وفاعل مستتر في محل الجزم بـ {من} الشرطية. {بِالسَّيِّئَةِ} : متعلق بـ {جَاءَ} . {فَلَا} {الفاء} : رابطة لجواب {مَن} الشرطية وجوبًا لاقترانه بـ {لا} . {لَا} : نافية. {يُجْزَى} : فعل مضارع مغير الصيغة. {الَّذِينَ} : نائب فاعل، والجملة الفعلية في محل الجزم بـ {من} على كونها جوابًا لها، وجملة {مَن} الشرطية معطوفة على جملة {مَن} الأولى. {عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ}: فعل وفاعل ومفعول صلة الموصول. {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ. {مَا} : اسم موصول في محل النصب مفعول ثان لـ {يُجْزَى} . {كَانُوا} : فعل ناقص واسمه، وجملة {يَعْمَلُونَ}: خبره، وجملة {كَانَ} صلة لـ {ما} الموصولة.
{إِنَّ الَّذِي} : ناصب واسمه. {فَرَضَ} : فعل ماض وفاعل مستتر، والجملة صلة الموصول. {عَلَيْكَ}: متعلق بـ {فَرَضَ} . {الْقُرْآنَ} : مفعول به. {لَرَادُّكَ} {اللام} : حرف ابتداء. {رَادُّكَ} : خبر {إنَّ} ومضاف إليه، والجملة مستأنفة. {إِلَى مَعَادٍ}: متعلق بـ {رَادُّكَ} ؛ لأنه اسم فاعل. {قُل} : فعل أمر وفاعل مستتر، والجملة مستأنفة. {رَبِّي}: مبتدأ ومضاف إليه. {أَعْلَمُ} : خبره، والجملة الاسمية في محل النصب مقول {قُلْ}. {مَنْ}: اسم موصول في محل النصب، مفعول به {أَعْلَمُ}؛ لأنه بمعنى عالم؛ لأن اسم التفضيل لا ينصب الفعول به. {جَاءَ}: فعل ماض وفاعل مستتر. {بِالْهُدَى} : متعلق به، والجملة صلة الموصول. {وَمَنْ}: اسم موصول في محل النصب، معطوف على {مَنْ} الأولى. {هُوَ}: مبتدأ. {فِي ضَلَالٍ} : خبر. {مُبِينٍ} صفة {ضَلَالٍ} ، والجملة صلة {مَنْ} الموصولة.
{وَمَا} {الواو} : عاطفة. {ما} : نافية. {كُنْتَ} : فعل ناقص واسمه، وجملة {تَرْجُو} خبره، وجملة {كَانَ} معطوفة على جملة {إنَّ}. {أَنْ يُلْقَى}: ناصب وفعل مضارع، مغير الصيغة منصوب. {إِلَيْكَ}: متعلق بـ {يُلْقَى} . {الْكِتَابُ} : نائب فاعل لـ {يُلْقَى} . {إِلَّا} : أداة استثناء منقطع، بمعنى: لكن. {رَحْمَةً} مفعول لأجله. {مِنْ رَبِّكَ} : صفة لـ {رَحْمَةً} أي: لكن ألقي إليك الكتاب لأجل رحمة، كائنة من ربك لك ولأمتك. {فَلَا}:{الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت ما ذكرته، وأردت بيان ما هو اللازم لك فأقول لك:{لَا تَكُونَنَّ} {لَا} : ناهية جازمة. {تَكُونَنَّ} : فعل مضارع ناقص، في محل الجزم بلا الناهية، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، ونون التوكيد الثقيلة حرف لا محل لها من الإعراب، واسمها ضمير مستتر فيها وجوبًا، يعود على محمد. {ظَهِيرًا}: خبرها. {لِلْكَافِرِينَ} : متعلق بـ {ظَهِيرًا} ، وجملة {تَكُونَن}: في محل النصب مقول
لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة.
{وَلَا} {الواو} : عاطفة. {لا} : ناهية جازمة. {يَصُدُّنَّكَ} : فعل مضارع مجزوم بـ {لا} : الناهية، وعلامة جزمه حذف النون، والواو المحذوفة: لالتقاء الساكنين في محل الرفع فاعل، والنون المشددة نون التوكيد الثقيلة مبني على الفتح، والكاف: ضمير المخاطب، في محل النصب مفعول به. {عَنْ آيَاتِ اللَّهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {يَصُدُّنَّكَ} ، والجملة معطوفة على جملة قوله: فلا تكونن. {بَعْدَ} : منصوب على الظرفية متعلق بمحذوف، حال من آيات الله. {بَعْدَ}: مضاف. {إِذْ} : ظرف لما مضى من الزمان، في محل الجر مضاف إليه؛ لأن إذ تضاف إليه أسماء الزمان، كقولك حينئذ ويومئذ، ويصح أن تكون إذ بمعنى: أن المصدرية، كما ذكره أبو السعود. {أُنْزِلَتْ}: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على الآيات. {إِلَيْكَ}: متعلق به، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذْ}. {وَادْعُ}: فعل أمر وفاعل مستتر. {إِلَى رَبِّكَ} : متعلق به، والجملة معطوفة على جملة {وَلَا يَصُدُّنَّكَ}. {وَلَا} {الواو}: عاطفة. {لَا} : ناهية. {تَكُونَنَّ} : فعل مضارع ناقص، في محل الجزم بـ {لا} مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، ونون التوكيد حرف لا محل لها من الإعراب، مبني على الفتح، واسمها ضمير مستتر يعود على محمد {مِنَ الْمُشْرِكِينَ}: خبرها، والجملة معطوفة على جملة قوله:{وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ} .
{وَلَا} {الواو} : عاطفة. {لا} : ناهية. {تَدْعُ} : فعل مضارع مجزوم بـ {لا} الناهية، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة معطوفة على جملة قوله:{تَدْعُ} . {مَعَ اللَّهِ} : ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ {تَدْعُ}. {إِلَهًا}:
مفعول به. {آخَرَ} صفة لـ {إِلَهًا} . {لَا} : نافية تعمل عمل {إنَّ} . {إِلَهَ} : في محل النصب اسمها، وخبر {لا} محذوف، تقديره: موجود. {إِلَّا} أداة استثناء مفرغ. {هُوَ} : ضمير للمفرد المنزه، في محل الرفع بدل من الضمير المستكن في خبر {لَا}. وجملة {لا} في محل النصب حال من الجلالة. {كُلُّ شَيْءٍ}: مبتدأ. {هَالِكٌ} : خبره. {إِلَّا} : أداة استثناء. {وَجْهَهُ} : منصوب على الاستثناء، والهاء مضاف إليه، والجملة مستأنفة. {لَهُ}: خبر مقدم. {الْحُكْمُ} : مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة {وَإِلَيْهِ}: الواو عاطفة. {إِلَيْهِ} متعلق بـ {تُرْجَعُونَ} . {تُرْجَعُونَ} : فعل مضارع مغير الصيغة ونائب فاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله:{لَهُ الْحُكْمُ} .
التصريف ومفردات اللغة
{إِنَّ قَارُونَ} اسم أعجمي على وزن فاعول، كهارون، ممنوع من الصرف للعلمية والعجمية، كما مر. {فَبَغَى عَلَيْهِمْ}؛ أي: تكبر وتجبر وطلب الفضل عليهم، وأن يكونوا تحت أمره. اهـ "بيضاوي". ومن تكبره أن زاد في ثيابه شبرًا وهو أول من جر الثياب على الأرض للخيلاء، قال الراغب: البغي طلب تجاوز الاقتصاد فيما يُتحرى تجاوزه، أو لم يتجاوزه.
{مِنَ الْكُنُوزِ} جمع كنز. والكنز المال المدفون في باطن الأرض، قال الراغب: الكنز جمع المال بعضه فوق بعض وحفظه، من كنزت التمر في الوعاء، انتهى. والمراد به هنا المال المدخر. {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ} جمع مفتح بالكسر، وهو ما يُفتح به، أو جمع مفتح بفتح الميم، وهو الخزانة، والمراد هنا المعنى الأول.
{لَتَنُوءُ} وفي "القاموس": ناء بالحمل نهض مثقلًا، وناء به الحمل أثقله وأماله كأناءه، وناء فلان أثقل فسقط ضد، اهـ. وفي "المصباح": ناء ينوء نوءًا، مهموز من باب قال، نهض بجهد ومشقة، وناء به الحمل أثقله وأماله، وناء النجم سقط في المغرب مع الفجر، وطلع آخر يقابله من ساعته في المشرق.
{بِالْعُصْبَةِ} والعصبة الجماعة الكثيرة يتعصب بعضهم لبعض، بلا تعيين
عدد خاص. {الْقُوَّةِ} الشدة. {لَا تَفْرَحْ} ؛ أي: لا تبطر وتتمسك بالدنيا ولذاتها، حتى تتلهى عن الآخرة. قال بيهس العذري:
وَلَسْتُ بِمِفْرَاحٍ إذَا الدَّهْرُ سَرَّنْيِ
…
وَلَا جَازعٍ مِنْ صَرْفِهِ الْمُتَقَلِّبِ
والفرح انشراح الصدر بلذة عاجلة، وأكثر ما يكون ذلك في اللذات البدنية الدنيوية.
{وَلَا تَنْسَ} أي: لا تترك ترك المنسي. قال في "المفردات": النسيان ترك الإنسان ضبط ما استُودع، إما لضعف قلبه، وإما عن غفلة، أو عن قصدٍ حتى ينحدف عن القلب ذكره، انتهى.
{نَصِيبَكَ} والنصيب ما يكفيك، ويسد حاجتك، ويُصلح أمورك، وفسر بعضهم النصيب بالكفن، وعليه قول الشاعر:
نَصِيْبُكَ مِمَّا تَجْمَعُ الدَّهْرَ كُلُّهُ
…
رِدَاءَنِ تُدْرَجُ فِيْهِمَا وَحَنُوْطُ
وفسره البيضاوي بما يحتاج إليه منها، اهـ.
{عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} ؛ أي: على حسن تصرف في المتاجر واكتساب الأموال. {مِنَ الْقُرُونِ} جمع قرن، والقرن: القوم المقترنون في زمن واحد. {لَذُو حَظٍّ} قال الراغب: الحظ النصيب المقدر.
{فَخَسَفْنَا بِهِ} والخسف له معان كثيرة، منها خسف المكان، يقال: خسف المكان يخسف خسوفًا، من باب ضرب؛ أي: ذهب في الأرض وغرق، كما في "القاموس". وخسف القمر زال ضوؤه، وخسفت العين ذهب ضوؤها وغاب. وعين خاسفة إذا غابت حدتها، وخسف في الأرض وخُسف به فيها غاب.
وفي حديث ابن عباس وأبي هريرة، بسند ضعيف، عن النبي صلى الله عليه وسلم "مَنْ لبس ثوبًا جديدًا فاختال فيه، خُسف به من شفير جهنم، فهو يتجلجل فيها لا يبلغ قعرها. قال في "فتح الباري": إن مقتضى الحديث، أن الأرض لا تأكل جسده فيمكن أن يلغز، ويقال لنا: كافر لا يبلى جسده بعد الموت، وهو قارون، قال
في "القاموس": التجلجل: السُّؤوخ في الأرض والتحرك والتضعضع، والجلجلة: التحريك. اهـ.
{مِنْ فِئَةٍ} قال الراغب: الفئة: الجماعة المتظاهرة، التي يرجع بعضها إلى بعض في التعاضد، انتهى. من فاء إذا رجع. {مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ} يقال: نصره من عدوه فانتصر؛ أي: منعه فامتنع.
{الَّذِينَ تَمَنَّوْا} والتمني تقدير شيء في النفس وتصويره فيها، وأكثره تصور ما لا حقيقة له، والأمنية الصورة الحاصلة في النفس، من تمني الشيء. {وَيْكَأَنَّ} قال الجوهري: وَيْ كلمة تعجب، وقد تدخل على كأن، فتقول ويكأن، وقيل: إنها كلمة تُستعمل عند التنبه للخطأ، وإظهار الندم، قال الخليل: إن القوم تنبهوا وقالوا نادمين على ما سلف منهم وَيْ.
{بِالْحَسَنَةِ} والحسنة ما يحمد فاعلها شرعًا، وسميت حسنة لحسن وجه صاحبها عند رؤيتها في القيامة. {بِالسَّيِّئَةِ} والسيئة ما يُذم فاعلها شرعًا، صغيرة كانت أو كبيرة، وسميت سيئة؛ لأن فاعلها يساء بها عند المجازاة عليها، اهـ "بيجوري على الجوهرة".
{فَرَضَ عَلَيْكَ} ؛ أي: أوجب عليك. {إِلَى مَعَادٍ} ومعاد الرجل بلده؛ لأنه يتصرف في البلاد ثم يعود إليه، تقول العرب: رُدَّ فلان إلى معاده؛ أي: إلى بلده.
{وَلَا يَصُدُّنَّكَ} أصله يصدوننّك بنونين، أولاهما: مخففة هي نون علامة الرفع، وثانيتهما: مشددة هي نون التوكيد، فدخل عليه الجازم فحذف النون الأولى، فصار ولا يصدُّونُّك، فالتقى ساكنان الواو والنون المدغمة، فحذفت الواو لاعتلالها، ووجود دليل يدل عليها، وهو ضمة الدال، وأثر فيه الجازم لعدم مباشرة الفعل بنون التوكيد لوجود الفاصل، وهو واو الجماعة، ولم يؤثر الجازم في لفظ {وَلَا تَكُونَنَّ} .
{وَلَا تَكُونَنَّ} لبنائه على الفتح، لمباشرته بنون التوكيد بلا وجود فاصل،
وإن أثر في محله. {ظَهِيرًا} ؛ أي: معينًا. {هَالِكٌ} ؛ أي: معدوم.
{لَهُ الْحُكْمُ} الحكم: القضاء النافذ، الذي لا معقب له في الدنيا والآخرة، كما مر.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: القلب في قوله: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} ؛ لأن أصل الكلام لتنوء العصبة بالمفاتح؛ أي: لتنهض بها بجهد.
ومنها: المبالغة في وصف كنوز قارون، حيث ذكرها جمعًا، وجمع المفاتح أيضًا، وذكر النوء والعصبة وأولي القوة، وهذه المبالغة في القرآن من أحسن المبالغات وأغربها عند الحذاق، وهي أن يتقصى جميع ما يدل على الكثرة وتعدد ما يتعلق بما يملكه.
ومنها: حسن التعليل في قوله: {لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} فإن التعليل بجملة {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} تعليل حسن جميل؛ لأن الفرح المحض في الدنيا، من حيث إنها دنيا مذموم على الإطلاق، وأي فرح بشيء زائل وظل حائل.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {لَا تَفْرَحْ} و {الْفَرِحِينَ} و {الْفَسَادَ} و {الْمُفْسِدِينَ} .
ومنها: التتميم في قوله: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} ؛ لأنه تتميم لا بد منه؛ لأنه إذا لم يغتنمها ليعمل للآخرة، لم يكن له نصيب في الآخرة. ففي الحديث:"اغتنم خمسًا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك".
ومنها: التأكيد بـ {إن} واللام واسمية الجملة في قوله: {إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ
عَظِيمٍ}؛ لأن السامع شاك ومتردد.
ومنها: الكناية في قوله: {تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ} كنى عن الزمن الماضي القريب بلفظ الأمس.
ومنها: الطباق في قوله: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ} {وَيَقْدِرُ} .
ومنها: المبالغة في قوله: {لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا} ؛ لأن نفي الإرادة أبلغ من نفي العلو.
ومنها: المقابلة اللطيفة في قوله: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى} الآية.
ومنها: وضع الظاهر موضع المضمر في قوله: {فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ} ؛ لأن أصله فلا يجزون، تشنيعًا عليهم، وتهجينًا لحالهم، بتكرير إسناد السيئة إليهم وفائدة هذه الصورة إنزجار اله غلاء عن ارتكاب السيئات قال الزمخشري إنما كرر ذكر السيئات؛ لأن في إسناد عمل السيئة إليهم مكررًا فضل تهجين لحالهم، وزيادة تبغيض للسيئة إلى قلوب السامعين.
ومنها: المجاز بالحذف في قوله: {إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ؛ أي: إلا مثل ما كانوا يعملون، فحُذف المثل، وأقيم ما كانوا يعملون مقامه، مبالغة في المماثلة.
ومنها: التنكير في قوله: {إِلَى مَعَادٍ} للتفخيم، كأن هذا المعاد قد أعد لك دون غيرك من البشر.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: {إِلَّا وَجْهَهُ} حيث أطلق الجزء وأراد الكل؛ أي: إلا ذاته، وقد جرت عادة العرب في التعبير بالأشرف عن الجملة.
ومنها: تقديم المعمول على عامله لإنادة الحصر، في قوله:{وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
لطيفة: قال بعضهم: من لم تُشبِعْه القناعة لم يكفه ملك قارون، وأنشدوا:
هِيَ الْقَنَاعَةُ لَا تَبْغِيْ بِهَا بَدَلَا
…
فِيْهَا النَّعِيْمُ وَفِيْهَا رَاحَةُ الْبَدَنِ
انْظُرْ لِمَنْ مَلَكَ الدُّنْيَا بِأجْمَعِهَا
…
هَلْ رَاحَ مِنْهَا بِغَيْرِ الْقُطْنِ وَالْكَفَنِ
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
خلاصة ما حوته هذه السورة الكريمة
1 -
استعلاء فرعون افساده في الأرض.
2 -
استضعافه بني إسرائيل وقتله أبناءهم، واستبقاؤه نساءهم.
3 -
منته تعالى على بني إسرائيل بإنقاذهم من بأس فرعون، وجعلهم أئمةً في أمر الدين والدنيا، ووراثتهم أرض الشام.
4 -
إغراق فرعون وجنوده.
5 -
إلقاء موسى في اليم، والتقاط آل فرعون له، ثم رده إلى أمه.
6 -
قتل موسى للقبطي ثم هربه إلى أرض مدين، وتزوجه ببنت شعيب وبقاؤه بها عشر سنين.
7 -
عودة موسى إلى مصر ومناجاته ربه.
8 -
معجزات موسى من العصا واليد البيضاء.
9 -
طلبه من ربه أن يرسل معه أخاه هارون، ليكون له وزيرًا، وإجابته إلى ذلك.
10 -
تبليغه رسالة ربه إلى فرعون، وتكذيب فرعون له، واستكباره في الأرض بغير الحق.
11 -
إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بإخباره عن قصص الماضين دون أن يكون حاضرًا معهم، ولا أن يتعلم ذلك من معلم.
12 -
إنكار قريش لنبوته بعد أن جاءهم بالحق من ربهم، وقولهم: إن ما جاء به سحر مفترى.
13 -
إيمان أهل الكتاب بالقرآن، وإعطاؤه أجرهم مرتين.
14 -
إثبات أن الهداية بيد الله سبحانه، لا بيد رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يمكنه أن يهدي من يحب.
15 -
معاذير قريش في عدم إيمانهم بالرسول صلى الله عليه وسلم، ثم دحضها.
16 -
بيان أن الله لا يعذب أمة، إلا إذا أرسل إليهم رسولًا، حتى لا يكون لهم حجة على الله.
17 -
نداء المشركين على رؤوس الأشهاد، وأمرهم بإحضار شركائهم، ونداؤهم ليسألهم عما أجابوا به الرسل، فلم يستطيعوا لذلك ردًا.
18 -
بيان أن اختيار الرسل لله لا للمشركين، فهو الذي يصطفي من يشاء لرسالته.
19 -
التذكير بنعمته على عباده، باختلاف الليل والنهار.
20 -
شهادة الأنبياء على أممهم.
21 -
ذكر قارون وبغيه في الأرض، ثم خسف الأرض به.
22 -
بيان أن ثواب الآخرة، لا يكون إلا لمن لا يريد العلو في الأرض، ولا الفساد فيها.
23 -
مضاعفة الله للحسنات، وجزاء السيئة بمثلها.
24 -
الإنباء بالغيب عن نصر الله لرسوله، وفتحه لمكة.
25 -
بيان أن كل ما في الوجود فهو هالك، إلا الله تبارك وتعالى.
وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين (1).
والله أعلم
* * *
(1) فرغنا من تفسير هذه السورة في تاريخ 13/ 7/ 1413 من الهجرة النبوية، عليه أفضل الصلاة وأزكى التحية.