الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومطاوع فعل لا يتعدى إلى مفعول به، فلذلك بُني إما لـ {بنا} وإما للمصدر، وعن ابن مسعود أيضًا:{لتُخسِّف} بتاء وشد السين مبنيًا للمفعول.
83
- والإشارة في قوله: {تِلْكَ} إلى الجنة، أشار إليها بإشارة البعيد، لقصد التعظيم لها، والتفخيم لشأنها، وهي مبتدأ {الدَّارُ الْآخِرَةُ} صفة لها، وجملة {نَجْعَلُهَا} خبر المبتدأ، كأنه قال: تلك الجنة التي اسمعت خبرها، وبلغك شأنها نجعلها {لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ}؛ أي: ارتفاعًا وغلبة وتسلطًا على المؤمنين، كما أراد فرعون، كما قال تعالى في أول السور:{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ} .
{وَلَا فَسَادًا} ؛ أي: عملًا بمعاصي الله سبحانه فيها، أو ظلمًا وعدوانًا على الناس، كما أراد قارون، كما قال تعالى في حقه على لسان الناصح:{وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ} وفي (1) تعليق الوعد بترك إرادتهما، لا بترك أنفسهما مزيد تحذير منهما.
وذكْر (2) العلو والفساد مُنكَّريْن في حيز النفي يدل على شمولهما لكل ما يُطلق عليه أنه علوٌّ، وأنه فساد من غير تخصيص بنوع خاص، أما الفساد فظاهر أنه لا يجوز شيء منه كائنًا ما كان، وأما العلو فالمنوع منه ما كان على طريق التكبر على الغير، والتطاول على الناس، وليس منه طلب العلو في الحق والرئاسة في الدين، ولا محبة اللباس الحسن والمركوب الحسن والمنزل الحسن.
{وَالْعَاقِبَةُ} المحمودة {لِلْمُتَّقِينَ} ؛ أي: للذين يتقون العلو والفساد في الأرض، وما لا يرضاه الله سبحانه من الأقوال والأفعال، والمعنى؛ أي: تلك (3) الدار التي سمعت خبرها، وبلغك وصفها نجعل نعيها للذين لا يريدون تكبرًا عن الحق، ولا إعراضًا عنه، ولا ظلم الناس ومعصية الله.
(1) روح البيان.
(2)
الشوكاني.
(3)
المراغي.
وثبت في "الصحيح" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنه أُوحي إليَّ أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد"، وروى مسلم وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة، فقال:"إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس".
وروى أبو هريرة: أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان جميلًا فقال: يا رسول الله إني رجل حُبِّب إليَّ الجمال، وأُعطيت منه ما ترى، حتى ما أُحبُّ أن يفوقني أحد بشراك نعل، أفمن ذلك؟ قال:"لا، ولكن المتكبر من بطر الحق وغمط الناس".
وعن عدي بن حاتم قال: لما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ألقى إليه وسادة، وجلس على الأرض، فقال: أشهد أنك لا تبغي علوًا في الأرض ولا فسادًا، فأسلم، أخرجه ابن مردويه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحلب الشاة، ويركب الحمار، ويُجيب دعوة المملوك، ويجالس الفقراء والمساكين، قال بعضهم: واحذر أن (1) تتزهد أو تتعبد أو تتكرم وفي نفسك استجلاب ذلك، لكونه يرفعك على أقرانك، فإن ذلك من إرادة العلو في الأرض، وما استكبر مخلوق على آخر إلا لحجابه عن معية مع الحق ذلك المخلوق الآخر، ولو شهدها لذل وخضع.
وقال بعضهم: العلو النظر إلى النفس، والفساد النظر إلى الدنيا، والدنيا خمر إبليس، من شرب منها شربة لا يفيق إلا يوم القيامة، وقيل العلو الخطرات في القلب، والفساد في الأعضاء، فمن كان في قلبه حب الرياسة والجاه وحظوظ الدنيا، وفي أعماله الرياء والسمعة فهو لا يصل إلى مقام القرب، وكذا من في قلبه سوء العقيدة، وفي جوارحه عبادة غير الله، والدعوة إليها، وأخذ الأموال، وكسر الأعراض، واستحلال المعاصي فهو لا يصل إلى الجنة أيضًا، وهو قرين الشيطان، والشياطين في النار مع قرنائهم.
(1) روح البيان.