المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

3 - الضرب غير المبرح؛ أي: غير المؤذي إيذاء شديدًا - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٦

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: 3 - الضرب غير المبرح؛ أي: غير المؤذي إيذاء شديدًا

3 -

الضرب غير المبرح؛ أي: غير المؤذي إيذاء شديدًا كالضرب باليد أو بعصا صغيرة.

وقد يستعظم بعض من قلد الإفرنج من المسلمين مشروعية ضرب المرأة الناشز، ولا يستعظمون أن تنشز وتترفع هي عليه، فتجعله وهو الرئيس مرؤوسًا محتقرًا، وتُصر على نشوزها، فلا تلين لوعظه ونصحه، ولا تبالي بإعراضه وهجره، فإن كان قد ثقل ذلك عليهم .. فليعلموا أن الإفرنج أنفسهم يضربون نسائهم العالمات المهذبات، بل فعل هذا حكماؤهم وعلماؤهم وملوكهم وأمراؤهم، فهو ضرورة لا يستغنى عنها، ولا سيما في دين عام للبدو والحضر من جميع أصناف البشر، وكيف يُستنكر هذا والعقل والفطرة يدعوان إليه، إذا فسدت البيئة - الحالة - وغلبت الأخلاق الفاسدة، ولم ير الرجل مناصًا منه، ولا ترجع المرأة عن نشوزها إلا به.

لكن إذا صلحت البيئة وصارت النساء يستجبن للنصيحة، أو يزدجرن بالهجر .. وجب الاستغناء عنه؛ إذ نحن مأمورون بالرفق بالنساء، واجتناب ظلمهن، وإمساكهن بمعروف، أو تسريحهن بمعروف.

والخلاصة: أن الضرب علاج مُرٌّ قد يستغني عنه الخير الكريم، ولكنه لا يزول من البيوت إلا إذا عم التهذيب الرجال والنساء، وعرف كلٌّ ما له من الحقوق، وكان للدين سلطان على النفوس، يجعلها تراقب الله في السر والعلن، وتخشى أمره ونهيه.

‌35

- ثم بين الطريق السوي الذي يتبع عند حدوث النزاع وخوف الشقاق، فقال:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} والخطاب فيه لولاة الأمور، وصلحاء الأمة؛ أي: وإن علمتم أيها الولاة، أو أيها المؤمنون شقاقًا، ومخالفة واقعة بين الزوجين، ولم تعلموا من أيهما الشقاق .. {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}؛ أي: فأرسلوا أيها الولاة أو المؤمنون برضى الزوجين - وجوبًا - إلى الزوج رجلًا عَدْلًا عارفًا بالحكم ودقائق الأمور، كائنًا من أقارب الزوج ندبًا؛ لأن الأقارب أعرف

ص: 64

بحاله من الأجانب، وأشد طلبًا للإصلاح بينهما، ولأن قلبه أسكن إليهم إن وجد منهم، إلا فمن الأجانب يستكشف عن حاله ليعلم أهو ظالم أو مظلوم، وأرسلوا إلى الزوجة رجلًا عدلًا عارفًا بالحكم من أقاربها، يستكشف عن حالها؛ ليعلم أهي ظالمة أو مظلومة، ثم بعد استكشاف الحكمين ما عند الزوجين يجتمعان، ويتشاوران فيما هو الأصلح للزوجين من الموافقة إن أمكنت، أو المفارقة إن لم تمكن الموافقة، ويوكل الزوج حكمه في طلاق وقبول عوض عليه وتوكل هي حكمها في الاختلاع فيجتهدان، ويأمران الظالم بالرجوع، أو يفرقان إن رأيا في الفراق مصلحة، كما قال تعالى:{إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا} : إن قصد الحكمان إصلاحًا، وتوفيقًا بين الزوجين، وقطعًا لخصومتهما .. {يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}؛ أي: أوقع الله سبحانه وتعالى الموافقة بين الزوجين؛ أي: إن كانت نية الحكمين صحيحة وقلوبهما ناصحة لوجه الله تعالى .. أوقع الله الموافقة بين الزوجين، إما على الاجتماع، أو على الفراق، ببركة نية الحكمين، وسعيهما في الخير، {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {كَانَ عَلِيمًا} بموافقة الزوجين ومخالفتهما {خَبِيرًا} ببواطن الزوجين، وسرائرهما كظواهرهما، فيعلم كيف يوفق بين المختلفين، ويجمع بين المتفرقين، وفيه وعد شديد للزوجين والحكمين إن سلكوا غير طريق الحق.

وعبارة المراغي في هذه الآية قوله (1): {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا

} الآية، هذا الخطاب عام يدخل فيه الزوجان وأقاربهما، فإن قاموا بذلك فذاك، وإلا وجب على من بلغه أمرهما من المسلمين أن يسعى في إصلاح ذات بينهما، والخلاف بينهما قد يكون بنشوز المرأة، وقد يكون بظلم الرجل، إن كان بالأول فعلى الرجل أن يعالجه بأقرب أنواع التأديب التي ذكرت في الآية التي سلفت، وإن كان بالثاني، وخيف من تمادي الرجل في ظلمه، أو عجز عن إنزالها عن نشوزها، وخيف أن يحول

(1) المراغي.

ص: 65

الشقاق بينهما دون إقامتهما لأركان الزوجية الثلاث، من السكون والمودة والرحمة .. وجب على الزوجين وذوي القربى أن يبعثوا الحكمين، وعليهم أن يوجهوا إرادتهم إلى إصلاح ذات البين، ومتى صدقت الإرادة، وصحت العزيمة. فالله كفيل بالتوفيق بفضله وجوده. وبهذا تعلم شدة عناية الله بأحكام نظام الأسر والبيوت، وكيف لم يذكر مقابل التوفيق وهو التفريق؛ لأنه يبغضه، ولأنه يود أن يشعر المسلمين بأنه لا ينبغي أن يقع.

ولكن واأسفا لم يعمل المسلمون بهذه الوصية الجليلة إلا قليلًا حتى دب الفساد في البيوت، ونخر فيها سوس العداوة والبغضاء، ففتك بالأخلاق والآداب وسرى من الوالدين إلى الأولاد، ثم ذكر أن ما شرع من الأحكام جاء وفق الحكمة والمصلحة؛ لأنه من حكيم خبير بأحوال عباده، فقال:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} ؛ أي: إنَّ هذه الأحكام التي شرعت لكم كانت من لدن عليم بأحوال العباد وأخلاقهم، خبير بما يقع بينهم وبأسبابه، ما ظهر منها وما بطن، ولا يخفى عليه شيء من وسائل الأصلاح بينهما.

وفي الآية: إرشاد إلى أن ما يقع بين الزوجين من خلاف، وإن ظن أنه مستعص يتعذر علاجه .. فقد يكون في الواقع على غير ذلك من أسباب عارضة، يسهل على الحكمين الخبيرين بدخائل الزوجين؛ لقربهما منهما أن يمحصا ما علق من أسبابه بقلوبهما، فيزيلاها متى حسنت النية وصحت العزيمة.

ولتعلم - أيها المؤمن - أن رابطة الزوجية أقوى الروابط التي تربط بين اثنين من البشر، فبها يشعر كل من الزوجين بشركة مادية ومعنوية، وبها يؤاخذ كل منهما شريكه على أدق الأمور وأصغرها، فيحاسبه على فلتات اللسان، وبالظنة والوهم وخفايا خلجات القلب، فيغريهما ذلك بالتنازع في كل ما يقصر فيه أحدهما من الأمور المشتركة بينهما، وما أكثرها وأعسر التوقي منها، وكثيرًا ما يفضي التنازع إلى التقاطع، والعتاب إلى الكره والبغضاء، فعليك أن تكون حكيمًا في معاملة الزوجة، خبيرًا بطباعها، وبهذا تحسن العشرة بينكما، انتهى.

ص: 66

الإعراب

{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)} .

{وَلَا تَتَمَنَّوْا} : الواو عاطفة أو استئنافية. {لا تتمنوا} : جازم وفعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله:{لَا تَأكُلُوا أَمْوَالَكُمْ} أو مستأنفة. {مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ} : ما موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول به، {فَضَّلَ اللَّهُ} فعل وفاعل {بِهِ} متعلق به، والجملة صلة لما، أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير به، {بَعْضَكُمْ}: مفعول {فَضَّلَ} ومضاف إليه. {عَلَى بَعْضٍ} : جار ومجرور متعلق بفضل، {لِلرِّجَالِ} جار ومجرور خبر مقدم، {نَصِيبٌ}: مبتدأ مؤخر والجملة مستأنفة، {مِمَّا}: جار ومجرور صفة لـ {نَصِيبٌ} ، {اكْتَسَبُوا}: فعل وفاعل، والجملة صلة لما، أو صفة لها والعائد أو الرابط محذوف تقديره: مما اكتسبوه. {وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ} : مبتدأ وخبر، والجملة معطوفة على جملة قوله؛ {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ} ، {مِمَّا اكْتَسَبُوا}: فعل وفاعل، والجملة صلة لما أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: مما اكتسبنه، {وَاسْأَلُوا اللَّهَ}: فعل وفاعل ومفعول أول، والمفعول الثاني محذوف تقدير: حوائجكم. {مِنْ فَضْلِهِ} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق باسألوا، والجملة معطوفة على جملة قوله:{وَلَا تَتَمَنَّوْا} ، {إِنَّ} حرف نصب، {اللَّهَ} اسمها، {كاَنَ} فعل ماض ناقص، واسمها ضمير يعود على الله، {بِكُلِّ شَيْءٍ} جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {عَلِيمًا} ، وهو خبر كان، وجملة كان في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة: مسوقة لتعليل ما قبلها.

{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} .

{وَلِكُلٍّ} : الواو استئنافية {لكل} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، والتنوين في {كل} عوض عن كلمة محذوفة، أي: لكل قوم {جعلنا} صفة لقوم، ومفعول {جعلنا} الأول محذوف، أي جعلناهم. {مَوَالِيَ}: مفعول

ص: 67

ثان لـ {جَعَلْنَا} . {مِمَّا} : جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لـ {مَوَالِيَ} . {تَرَكَ الْوَالِدَانِ} : فعل وفاعل. {وَالْأَقْرَبُونَ} : معطوف على {الْوَالِدَانِ} ، الجملة الفعلية صلة لما أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف، تقديره: مما تركه الوالدان والأقربون، والتقدير: وجعلنا موالي وأقرباء يرثون مما تركه الوالدان والأقربون لكل إنسان، وفي المقام أوجه كثيرة من الإعراب فلا نطيل الكلام بذكرها.

{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} .

{وَالَّذِينَ} : مبتدأ، {عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره عاقدت حلفهم أيمانكم، {فَآتُوهُمْ}: الفاء رابطة الخبر بالمبتدأ لما في المبتدأ من العموم. {أتوهم} : فعل وفاعل ومفعول أول، {نَصِيبَهُمْ}: مفعول ثان ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ والجملة الإسمية مستأنفة. {إِنَّ}: حرف نصب {اللَّهَ} : اسمها. {كَانَ} : فعل ماض ناقص، واسمها ضمير يعود على الله {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ}: جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ {شَهِيدًا} ، وهو خبر {كَانَ} ، وجملة {كَانَ}: في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ}: مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} .

{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ} : مبتدأ وخبر والجملة مستأنفة. {عَلَى النِّسَاءِ} : جار ومجرور متعلق بـ {قَوَّامُونَ} ، {بِمَا}:{الباء} حرف جر. {ما} : مصدرية. {فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ} : فعل وفاعل ومفعول ومضاف إليه، {عَلَى بَعْضٍ}: متعلق بـ {فَضَّلَ} ، والجملة الفعلية صلة ما المصدرية، ما مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالباء تقديره بتفضيل الله بعضهم على بعض، والجار والمجرور متعلق بـ {قَوَّامُونَ} ، {وَبِمَا أَنْفَقُوا}: الواو عاطقة، {بِمَا}: جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور في قوله: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ} ، {أَنْفَقُوا}: فعل وفاعل، والجملة صلة لما أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره وبما أنفقوه.

ص: 68

{مِنْ أَمْوَالِهِمْ} : جار ومجرور ومضاف إليه حال من الضمير المحذوف.

{فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} .

{فَالصَّالِحَاتُ} : {الفاء} : استئنافية بمعنى الواو، {الصالحاتُ}: مبتدأ، {قَانِتَاتٌ}: خبر والجملة مستأنفة، {حَافِظَاتٌ}: خبر ثان، {لِلْغَيْبِ}: متعلق به، {بِمَا}: الباء حرف جر، {ما}: مصدرية، {حَفِظَ اللَّهُ}: فعل وفاعل، والجملة صلة ما المصدرية، ما مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالباء، وتقديره: بحفظ الله؛ أي: بتحفيظ الله إياهن، والجار والمجرور متعلق بـ {حافظات}. {وَاللَّاتِي}: الواو عاطفة، {اللاتي}: مبتدأ، {تَخَافُونَ}: فعل وفاعل، {نُشُوزَهُنَّ}: مفعول به ومضاف إليه، والجملة صلة الموصول، {فَعِظُوهُنَّ}:{الفاء} رابطة الخبر، {عظوهن}: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية معطوفة على جملة قوله:{فَالصَّالِحَاتُ} ، {وَاهْجُرُوهُنَّ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة {فَعِظُوهُنَّ} ، وكذلك جملة {وَاهْجُرُوهُنَّ} معطوفة عليها.

{فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} .

{فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ} ؛ {الفاء} فاء الفصيحة لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم حكم ما إذا نشزن، وأردتم بيان حكم ما إذا أطعنكم .. فأقول لكم:{إن} أطعنكم: {إنْ} : حرف شرط، {أَطَعْنَكُمْ}: فعل وفاعل ومفعول، في محل الجزم بـ {إن}. {فَلَا تَبْغُوا} الفاء رابطة لجواب إن الشرطية. {لَا}: ناهية جازمة، {تَبْغُوا}: فعل وفاعل مجزوم بلا الناهية، والجملة في محل الجزم على كونها جوابًا لها. {عَلَيْهِنَّ}: جار ومجرور متعلق بـ {تَبْغُوا} . {سَبِيلًا} : مفعول به، وجملة إن الشرطية: في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، {إِنَّ}: حرف نصب، {اللَّهَ}: اسمها. {كَانَ} : فعل ماض ناقص، واسمها ضمير يعود على الله، {عَلِيًّا}: خبر أول

ص: 69

لها، {كَبِيرًا} خبر ثان، وجملة {كَانَ}: في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ}: مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)} .

{وَإِنْ} : الواو استئنافية، {إن} حرف شرط، {خِفْتُمْ}: فعل وفاعل، في محل الجزم بإن، {شِقَاقَ بَيْنِهِمَا}: مفعول به ومضاف إليه، {فَابْعَثُوا}: الفاء رابطة لجواب إن الشرطية وجوبًا، {ابعثوا} ؛ فعل وفاعل، في محل الجزم بـ {إن} على كونه جوابًا لها، وجملة إن الشرطية: مستأنفة. {حَكَمًا} : مفعول به، {مِنْ أَهْلِهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه صفة لـ {حَكَمًا} . {وَحَكَمًا} معطوف على {حَكَمًا} الأول، {مِنْ أَهْلِهَا}: صفة لـ {حَكَمًا} . {إِنْ} : حرف شرط، {يُرِيدَا}: فعل وفاعل مجزوم بـ {إن} على كونه فعل شرط لها، {إِصْلَاحًا}: مفعول به، {يُوَفِّقِ اللَّهُ}: فعل وفاعل، مجزوم بإن على كونه جوابًا لها، {بَيْنَهُمَا}: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ {يُوَفِّقِ} ، وجملة {إن}: الشرطية مستأنفة. {إِنَّ اللَّهَ} : {إِنَّ} حرف نصب، {اللَّهَ}: اسمها، {كاَنَ}: فعل ماض ناقص واسمها ضمير يعود على الله، {عَلِيمًا}: خبر أول لكان، {خَبِيرًا} خبر ثان لها، وجملة {كَانَ}: في محل الرفع خبر {إنَّ} ، وجملة {إِنَّ}: مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

التصريف ومفردات اللغة

{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} ، {تَتَمَنَّوْا}: مضارع تمنى يتمنى تمنيًّا، من باب تفعل الخماسي، والتمني (1): تشهي حصول الأمر المرغوب فيه، وحديث النفس بما يكون، وبما لا يكون، وقيل التمني: تقدير الشيء في النفس وتصويره فيها، وذلك قد يكون عن تخمين وظن، وقد يكون بلا روية، وأكثر التمني ما لا حقيقة له، وقيل: التمني عبارة عن إرادة ما يعلم أو يظن أنه لا يكون.

(1) الجمل.

ص: 70

{وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} وفضله: إحسانه ونعمه المتكاثرة، {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} الموالي من يحق لهم الاستيلاء على التركة، واحده مولى، والمولى: الابن والعم وابن الابن وابن العم وكل قريب وعاصب.

{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} القوامون: جمع تصحيح لقوام، يقال هذا قيم المرأة وقوامها إذا كان يقوم بأمرها، ويهتم بحفظها، والقوام: هو القائم بالمصالح والتدبير والتأديب، {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} يقال: فضله على غيره إذا حكم له بالفضل عليه، وصيره أفضل منه، والفضل: الزيادة والدرجة، يجمع على فضول، وما به الفضل قسمان:

فطري: وهو قوة مزاج الرجل وكماله في الخلقة، ويتبع ذلك قوة العقل، وصحة النظر في مبادئ الأمور وغاياتها.

وكسبي: وهو قدرته على الكسب والتصرف في الأمور، ومن ثم كلف الرجال بالإنفاق على النساء والقيام برياسة المنزل، {قَانِتَاتٌ} جمع قانتة، اسم فاعل من القنوت، وهو السكون والطاعة لله وللأزواج، {حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} ؛ أي اللاتي يحفظن ما يغيب عن الناس، ولا يقال إلا في حال الخلوة بالمرأة، كشؤون الجماع والاستمتاع فلا تخبرنه للناس، والغيب: السر يجمع على غياب وغيوب.

{وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} ؛ أي (1): تظنون، فالخوف هنا بمعنى الظن، وربما يأتي بمعنى العلم، أصل النشوز الارتفاع إلى الشرور، ونشوز المرأة: بغضها لزوجها، وعصيانها لأمره، ورفع نفسها عليه تكبرًا، وعبارة أبي السعود: النشوز من النشز وهو المرتفع من الأرض، يقال: نشزت الأرض إذا ارتفعت عما حواليها، {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}: يقال: هجره يهجره هجرًا وهجرانًا - من باب نصر - إذا صرمه وقطعه، ضد وصله، وهجر الشيء: تركه وأعرض عنه، وهجر زوجه: اعتزل عنها ولم يطلقها، و {المضاجع}: على زنة مفاعل، جمع مضجع - بفتح الجيم - موضع الضجوع، {شِقَاقَ بَيْنِهِمَا}: فيه وجهان (2):

(1) الجمل.

(2)

الجمل.

ص: 71

أحدهما: أن الشقاق مضاف إلى بين ومعناها الظرفية، والأصل شقاقًا بينهما، ولكنه اتسع فيه، فأضيف الحدث إلى ظرفه، وظرفيته باقية، نحو {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} .

والثاني: أنه خرج عن الظرفية وبقي كسائر الأسماء، كأنه أريد المعاشرة والمصاحبة بين الزوجين، وقال أبو البقاء: البين هنا الوصل الكائن بين الزوجين، وسمي الخلاف شقاقًا؛ لأن المخالف يفعل ما يشق على صاحبه، أو لأن كلا منهما صار على شق؛ أي: جانب.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من المعاني والبيان والبديع:

منها: الإطناب في قوله: {نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا} و {نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} ، وفي قوله:{حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} .

ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {مِمَّا اكْتَسَبُوا} ؛ لأنه شبه استحقاقهم للإرث وتملكهم له بالاكتساب، واشتق من لفظ الاكتساب بمعنى الاستحقاق، اكتسبوا بمعنى استحقوا على طريقة الاستعارة التصريحية التبعية.

ومنها: الكناية في قوله: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} فقد كنى بذلك عن الجماع.

ومنها: التأكيد بصيغة المبالغة في قوله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ} ؛ لأن فعال من صيغ المبالغة، ومجيء الجملة اسمية لإفادة الدوام والاستمرار.

ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} .

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 72

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)} .

المناسبة

قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا

} الآيات، مناسبتها لما قبلها: لما كان الكلام (1) من أول السورة إلى هنا في وصايا عديدة، ونصائح حكيمة، كابتلاء اليتامى قبل تسليمهم أموالهم، والنهي عن إيتاء الأموال للسفهاء، وعن قتل النفس، والإرشاد إلى كيفية معاملة النساء، وطرق تأديبهن، تارة بالموعظة الحسنة، وأخرى بالقسوة والشدة، مع مراقبة الله عز وجل في كل ذلك .. ناسب بعدها التذكير بحسن معاملة الخالق، بالإخلاص له في الطاعة، وحسن معاملة الطوائف المختلفة من الناس، وعدم الضن عليهم بالمال في أوقات الشدة، مع قصد التقرب إلى الله تعالى، لا لقصد الفخر والخيلاء؛ لأن ذاك عمل

(1) المراغي.

ص: 73

من لا يرجو ثواب الله تعالى، ولا يخشى عقابه.

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً

} الآيات، مناسبتها لما قبلها: لما بين الله سبحانه وتعالى صفات المتكبرين وسوء أحوالهم، وتوعدهم على ذلك بأشد أنواع الوعيد .. زاد الأمر توكيدًا وتشديدًا .. فذكر أنه لا يظلم أحدًا من العاملين بوصاياه لا قليلًا وكثيرًا، بل يوفيه حقه بالقسطاس المستقيم، وفي هذا أعظم الترغيب لفاعلي البر والإحسان، وحفز لهممهم على العمل، وفي معنى الآية قوله تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)} .

وفي "الفتوحات" قوله (1): {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها واضحة؛ لأنه تعالى لما أمر بعبادة الله وبالإحسان للوالدين ومن ذكر معهم، ثم أعقب ذلك بذم البخل والأوصاف المذكورة معه، ثم وبخ من لم يؤمن ولم ينفق في طاعة الله، وكان هذا كله توطئة لذكر الجزاء على الحسنات والسيئات .. أخبر تعالى بصفة عدله، وأنه تعالى لا يظلم أدنى شيء، ثم أخبر بصفة الإحسان فقال:{وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} .

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى

} الآية، مناسبتها لما قبلها: لما وصف الله سبحانه وتعالى الوقوف بين يديه يوم العرض، والأهوال التي تؤدي إلى تمني الكافر العدم، فيقول:{يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} ، والتي تجعله لا يستطيع أن يكتم الله حديثًا، وذكر أنه لا ينجو في ذلك اليوم إلا من كان طاهر القلب والجوارح بالإيمان بالله والطاعة لرسوله .. وصف في هذه الآية الوقوف بين يديه في مقام الأنس وحضرة القدس المنجي من هول الوقوف في ذلك اليوم، وطلب فيه استكمال القوى العقلية وتوجيهها إلى جانب العلي الأعلى بأن لا تكون مشغولة بذكرى غيره، طاهرة من الأنجاس والأخباث؛ لتكون على أتم العدة للوقوف في ذلك الموقف الرهيب، مستشعرة تلك العظمة والجلال والكبرياء.

(1) الجمل.

ص: 74

أسباب النزول

قوله تعالى (1): {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ

} الآية، سبب نزولها: ما أخرجه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: كان علماء بني إسرائيل يبخلون بما عندهم من العلم، فأنزل الله تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ

} الآية.

وأخرج ابن جرير من طرق ابن إسحاق، عن محمَّد بن أبي محمَّد عن عكرمة أو سعيد عن ابن عباس قال: كان كردم بن زيد حليف كعب بن الأشرف، وأسامة بن حبيب، ونافع بن أبي نافع، وبحري بن عمرو وحيي بن أخطب، ورفاعة بن زيد بن التابوت، يأتون رجالًا من الأنصار، يخالطونهم وينصحون لهم، فيقولون: لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها، ولا تسارعوا في النفقة فإنكم لا تدرون ما يكون، فأنزل الله فيهم:{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} إلى قوله {وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا} .

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ

} الآية، سبب نزولها (2): ما رواه أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم عن علي قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعامًا، فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة، فقدموني فقرأت: قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون، فأنزل الله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} .

وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم وابن المنذر عن علي قال: نزلت هذه الآية {وَلَا جُنُبًا} في المسافر تصيبه الجنابة فيتيمم ويصلي.

وأخرج بن مردويه عن الأسلع بن شريك قال: كنت أرحِّل ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأصابتني جنابة في ليلة باردة، فخشيت أن أغتسل بالماء البارد فأموت أو أمرض، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ

(1) لباب النقول.

(2)

لباب النقول.

ص: 75