الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإنهم آثمون بالتخلف؛ لأن القتال كان مفروضًا عليهم إذ ذاك، فإن فرضه في السنة الثانية، وهذه القضية في السنة الرابعة، كما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واعد أبا سفيان بعد حرب أحد موسم بدر الصغرى في ذي القعدة، فلما بلغ الميعاد .. دعا الناس إلى الخروج، فكرهه بعضهم، فنزلت هذه الآية.
وفي الآية إيماء إلى أنه صلى الله عليه وسلم كلف قتال الكافرين الذين قاوموا دعوته بقوتهم وبأسهم، وإن كان وحده، كما أنه تدل على أنه صلى الله عليه وسلم أعطي من الشجاعة ما لم يعطَ أحد من العالمين، وفي سيرته الشريفة أصدق الأدلة على ذلك، فقد تصدى لمقاومة الناس جميعًا، بدعوتهم إلى ترك ما هم عليه من الضلال، وحين قاتلوه قاتلهم، وقد انهزم عنه أصحابه في أحد، فبقي ثابتًا كالجبل لا يتزلزل. {عَسَى اللَّهُ}؛ أي: حقق الله سبحانه وتعالى {أَنْ يَكُفَّ} ويمنع ويصرف عنك {بَأسَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ؛ أي: شدتهم وصولتهم وشوكتهم، وقد فعل ذلك بإلقاء الرعب في قلب أبي سفيان حين تخلف عن الخروج إلى الموعد، {اللَّهُ} سبحانه وتعالى {أَشَدُّ بَأسًا}؛ أي: أقوى أخذًا وصولة وسلطة، من الذين كفروا، {وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا}؛ أي: أشد عقوبة وتعذيبًا منهم.
والمعنى: لا تخافوا بأس هؤلاء الكافرين وشدتهم، ولا يصدنكم ذلك عن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والعمل بتحريضه، فإن الله تعالى الذي وعد الرسول صلى الله عليه وسلم بالنصر أشد منهم بأسًا، وأشد منهم تنكيلًا، وقد جرت سنته أن تكون العاقبة للمتقين، ما استمسكوا بأوامره وتركوا نواهيه، وأعدوا العدة مع الصبر والثبات والتباعد عن أسباب الخذلان والفشل.
85
- {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} ؛ أي: من يشفع بين الناس شفاعة موافقة للشرع {يَكُنْ لَهُ} ؛ أي: لذلك الشافع {نَصِيبٌ} وحظ من الأجر {مِنْهَا} ؛ أي: بسببها، وقد بين النصيب في حديث:"من دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب .. استجيب له، وقال الملك: ولك مثل ذلك". {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً} ؛ أي: مخالفة للشرع {يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} ؛ أي: نصيب من الوزر بسببها.
والغرض من هذه الآية (1): بيان أنه صلى الله عليه وسلم لما حرّضهم على الجهاد .. فقد استحق بذلك التحريض أجرًا عظيمًا، ولو لم يقبلوا أمره صلى الله عليه وسلم .. لم يرجع إليه من عصيانهم شيء من الوزر، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم بذل الجهد في ترغيبهم في الطاعة، ولم يرغبهم في المعصية البتة، فحقًّا يرجع إليه من طاعتهم أجر، ولا يرجع إليه من معصيتهم وزر؛ فإن الشفاعة هي التوسط بالقول في وصول شخص إلى منفعة دنيوية أو أخروية، أو إلى خلاص من مضرة، كذلك من الشفع كان المشفوع له كان فردًا فجعله الشفيع شفعًا.
وقال المراغي قوله تعالى: {منْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} ؛ أي: من (2) يجعل نفسه شفيعًا وزوجًا لك، ويناصرك في القتال، وقد أمرت به وحدك .. يكن له من شفاعته نصيب بما يناله من الفوز والشرف والغنيمة في الدنيا، عندما ينتصر الحق على الباطل، بما يناله من الثواب في الآخرة في جميع الحالات، سواء أدرك النصر في الدنيا أم لم يدرك.
ووصف الشفاعة بالحسنة لأنها تأييد ونصر للحق، ومثل هذا كل من يعاون فاعل الخير ويساعده، {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا}؛ أي: ومن ينضم إلى عدوك فيقاتل معه، أو يخذل المؤمنين عن قتاله .. يكن له نصيب من سوء العاقبة، بما يناله من الخذلان في الدنيا، والعقاب في الآخرة، وهذه هي الشفاعة السيئة؛ لأنها إعانة على السيئات، وسمى هذا النصيب كفلًا؛ لأنه نصيب مكفول للشافع إذ هو أثر عمله، أو محدود لأنه على قدره.
والخلاصة: أن من ينضم إلى غيره معينًا له في فعل حسن .. يكن له منه نصيب، ومن ينضم إلى غيره معينًا له في فعل سيء .. ينله منه سوء وشدة.
ويدخل في الآية شفاعة الناس بعضهم لبعض، وهي قسمان: حسنة وسيئة، فالحسنة: أن يشفع الشافع لإزالة ضرر ورفع مظلمة عن مظلوم، أو جر منفعة إلى مستحق ليس في جرها إليه ضرر ولا ضرار.
(1) المراح.
(2)
المراغي.