الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيبطل اطرادها، فهو كما جعل الكفر والمعاصي سببًا للعذاب كما تقدم في الآية .. جعل الإيمان والعمل الصالح سببًا للنعيم، وذلك ما بينه بقوله:
57
- {وَالَّذِينَ آمَنُوا} بما جاء به محمَّد صلى الله عليه وسلم، {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}؛ أي: امتثلوا المأمورات، واجتنبوا المنهيات. {سَنُدْخِلُهُمْ} في الآخرة {جَنَّاتٍ}؛ أي: بساتين {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا} ؛ أي: تسيل من تحت أشجارها، وبين قصورها {الْأَنْهَارُ} من الماء، واللبن والخمر والعسل، حالة كونهم {خَالِدِينَ فِيهَا}؛ أي: مقدرين الخلود في تلك الجنات {أَبَدًا} ؛ أي: مدة لا نهاية لها ولا انقضاء؛ لأن نعيم الجنة لا ينقطع كعذاب النار، وإنما عبر هنا بالسين في قوله:{سَنُدْخِلُهُمْ} ، وفي الكفار بسوف في قوله:{سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا} .. إشعارًا بقصر مدة التنفيس على سبيل تقريب الخير من المؤمن وتبشيره به، وهذا الكلام راجع إلى قوله:{فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ} لف ونشر مشوش على حد قوله: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} على عادته تعالى من ذكر الوعيد مع الوعد وعكسه.
والمعنى: أن الذين آمنوا بالله وصدقوا برسوله سيدخلون جنات يتمتعون بنعيمها العظيم كفاء ما أخبتوا إلى ربهم، وقدموا من عمل صالح؛ لأن الإيمان وحده لا يكفي لتزكية النفس وإعدادها لهذا الجزاء، بل لا بد معه من عمل صالح يشعر به المرء بالقرب من ربه، والشعور بهيبته وجلاله، {لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ}؛ أي: لهم في تلك الجنات أزواج مبرآت من العيوب الجسمانية، كالحيض والنفاس مثلًا، ومن العيوب الخلقية، فليس فيهن ما يوحشهم منهن، ولا ما يكدر صفوهم، وبذا تكمل سعادتهم، ويتم سرورهم في تلك الحياة، التي لا نعرف كنهها، وإنما نفهمها على طريق التمثيل وقياس الغائب على الشاهد، {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا}؛ أي: ظلًّا كثيفًا كنينًا، لا يدخله ما يدخل ظل الدنيا من الحر والسموم، ولا تنسخه شمس، أو المعنى: ونجعلهم في مكان لا حر فيه ولا قر، وفي ذلك إيماء إلى تمام النعمة والتمتع لهم برغد العيش، وكمال الرفاهية، فإن قلت (1): إذا لم يكن في الجنة شمس يؤذي حرها، فما فائدة وصفها بالظل الظليل؟
(1) الخازن.
قلتُ: إنما خاطبهم بما يعقلون ويعرفون؛ وذلك لأن بلاد العرب في غاية الحرارة، فكان الظل عندهم من أعظم أسباب الراحة واللذاذة، فهو كقوله:{وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} ، ويقال: إن أوقات الجنة كلها سواء اعتدالًا لا حر فيها ولا برد.
وقرأ النخعي (1) وابن وثاب: {سيدخلهم} بالياء، وكذا {ويدخلهم ظلًّا} فمن قرأ بالنون وهم الجمهور .. لاحظ قوله في وعيد الكفار:{سوف نصليهم} ، ومن قرأ بالياء .. لاحظ قوله:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} ، فأجراه على الغيبة.
الإعراب
{أَلَمْ} الهمزة للاستفهام التعجبي، {لم ترَ} فعل وجازم، وفاعله ضمير يعود على المخاطب، أو على النبي صلى الله عليه وسلم، ورأى هنا بصرية، تتعدى إلى مفعول واحد، وذلك الواحد عدت إليه بـ {إِلَى} لأنها ضمنت معنى النظر، والجملة مستأنفة. {إِلَى الَّذِينَ}: جار ومجرور في محل النصب مفعول {تَرَ} متعلق به. {أُوتُوا} : فعل ونائب فاعل، {نَصِيبًا}: مفعول ثان، والجملة صلة الموصول، {مِنَ الْكِتَابِ}: جار ومجرور صفة لـ {نَصِيبًا} ، {يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ}: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة في محل النصب حال من ضمير {أُوتُوا} ، أو من الموصول. {وَيُرِيدُونَ} ؛ فعل وفاعل، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة {يَشْتَرُونَ}. {أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}: ناصب وفعل وفاعل ومفعول به، والجملة في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لـ {يُرِيدُونَ}؛ أي: ويريدون ضلالتكم السبيل.
(1) البحر المحيط.
{وَاللَّهُ أَعْلَمُ} : مبتدأ وخبر، والجملة معترضة لا محل لها من الإعراب؛ لاعتراضها بين البيان الذي هو قوله:{مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} ، وبين المبين الذين هو قوله:{إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} . {بِأَعْدَائِكُمْ} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {أَعْلَمُ} . {وَكَفَى} : الواو عاطفة، {كفى بالله} فعل وفاعل والباء زائدة. {وَلِيًّا}: منصوب على التمييز أو حال، والجملة معطوفة على جملة قوله:{وَاللَّهُ أَعْلَمُ} على كونها معترضة. {وَكَفَى} : الواو عاطفة. {كفى بالله} : فعل وفاعل. {نَصِيرًا} : تمييز أو حال، والجملة معطوفة على كونها معترضة. {مِنَ الَّذِينَ}: جار ومجرور خبر مقدم لمبتدأ محذوف، تقديره: من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم. {هَادُوا} : فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ}: فعل وفاعل ومفعول، {عَنْ مَوَاضِعِهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {يُحَرِّفُونَ} ، والجملة صفة لمبتدأ محذوف، تقديره: قوم محرفون الكلم عن مواضعه كائن من الذين هادوا، والجملة في محل الجر بدل من قوله:{الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} .
{وَيَقُولُونَ} : فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله:{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ} ، وقوله:{سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا} : مقول محكي لـ {يقولون} منصوب به، وإن شئت قلت:{سَمِعْنَا} : فعل وفاعل والجملة في محل النصب مقول لـ {يقولون} ، وكذلك جملة:{وَعَصَيْنَا} : معطوف عليه، {وَاسْمَعْ}: الواو عاطفة. {اسمع} : فعل أمر وفاعله ضمير يعود على محمَّد صلى الله عليه وسلم، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة {سَمِعْنَا} ، {غَيْرَ مُسْمَعٍ}: حال ومضاف إليه، أعني: حالًا من فاعل {اسمع} ، ومفعول {اسمع} ، محذوف تقديره: اسمع منا كلامنا، وكذلك المفعول الثاني لـ {اسمع} محذوف تقديره: غير مسمع مكروهًا، {وَرَاعِنَا}: الواو عاطفة. {راعنا} : فعل أمر ومفعول به
مجزوم بحذف حرف العلة؛ لأنه من راعى يراعي مراعاة بمعنى راقبه وحفظه، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة {سَمِعْنَا}. {لَيًّا}: مفعول لأجله لـ {يقولون} ، أو منصوب على الحالية من فاعل {يقولون} ، ولكن بعد تأويله بمشتق تقديره: حالة كونكم لاوين ألسنتكم، {بِأَلْسِنَتِهِمْ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {لَيًّا} ، {وَطَعْنًا}: معطوف على {لَيًّا} . {فِي الدِّينِ} : متعلق بـ {طَعْنًا} .
{وَلَوْ} : {الواو} : استئنافية، {لو} حرف شرط غير جازم، {أَنَّهُمْ}:{أنَّ} حرف نصب ومصدر، والهاء اسمها. {قَالُوا}: فعل وفاعل، والجملة في محل الرفع خبر {أن} تقديره: قائلون، وجملة {أن} من اسمها وخبرها في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية، لفعل محذوف هو فعل الشرط لـ {لو} ، تقديره: ولو ثبت قولهم؛ لأن {لو} الشرطية لا يليها إلا الفعل. {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا} : مقول محكي لـ {قَالُوا} ، وإن شئت قلت:{سَمِعْنَا} فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول {قَالُوا} ، وكذلك جملة {وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا}: معطوفات على {سَمِعْنَا} ، {لَكَانَ}: اللام رابطة لجواب {لَوْ} الشرطية. {كان} : فعل ماض ناقص، واسمها ضمير يعود على القول الثاني، {خَيْرًا}: خبر كان، وجملة كان جواب {لو} لا محل لها من الإعراب، وجملة {لو} الشرطية مستأنفة، {لَهُمْ}: جار ومجرور متعلق بـ {خَيْرًا} ، {وَأَقْوَمَ}: معطوف على {خَيْرًا} . {وَلَكِنْ} : {الواو} : استئنافية، {لكن} حرف استدراك، {لَعَنَهُمُ اللَّهُ}: فعل ومفعول وفاعل، والجملة الفعلية جملة استدراكية لا محل لها من الإعراب، {بِكُفْرِهِمْ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {لعن} ، {فَلَا}:{الفاء} حرف عطف وتفريع؛ لكون ما قبلها علة لما بعدها، {لا} نافية، {يُؤْمِنُونَ}: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة {لَعَنَهُمُ} ، على كونها جملة استدراكية لا محل لها من الإعراب، {إِلَّا}: أداة استثناء، {قَلِيلًا}:
مستثنى من واو {يُؤْمِنُونَ} منصوب، وعلى اعتبار قول البعض:(قليلًا منهم): جار ومجرور صفة لـ {قَلِيلًا} ، وفي هذا (1) الوجه أنه كان المختار حينئذ الرفع على حد قول ابن مالك:
ما استثنَتِ (إلّا) مَعْ تَمَامٍ يَنتَصبْ
…
وَبَعْدَ نَفْيٍ أَوْ كَنَفْيٍ انتُخِبْ
إِتْباعُ مَا اتَّصَلَ وَانصِبْ ما انْقَطَعْ
…
وَعَنْ تَمِيْمٍ فِيْهِ إِبْدَالٌ وَقَعْ
وبعضهم جعله مستثنى من ضمير {لَعَنَهُمُ} ، وبعضهم جعله صفة لمصدر محذوف؛ أي: إلا إيمانًا قليلًا.
{يَا أَيُّهَا} : {يا} : حرف نداء؛ أي: منادى نكرة مقصودة، {ها}: حرف تنبيه زائد، {الَّذِينَ}: صفة لـ {أي} وجملة النداء مستأنفة، {أُوتُوا الْكِتَابَ}: فعل مغير ونائب فاعل ومفعول ثان، والجملة صلة الموصول، {آمِنُوا}: فعل وفاعل، والجملة جواب النداء لا محل لها من الإعراب، {بِمَا}: جار ومجرور متعلق بـ {آمِنُوا} ، {نَزَّلْنَا}: فعل وفاعل والمفعول محذوف تقديره نزلناه، وهو العائد على ما الموصولة، والجملة صلة لما أو صفة لها، {مُصَدِّقًا}: حال من ما الموصولة أو من الضمير المحذوف، {لِمَا}: جار ومجرور متعلق بـ {مُصَدِّقًا} ، {مَعَكُمْ}: ظرف ومضاف إليه متعلق بمحذوف صلة لما أو صفة لها، {مِنْ قَبْلِ}: جار ومجرور متعلق بـ {آمِنُوا} ، {أَنْ نَطْمِسَ}: ناصب وفعل مضارع منصوب وفاعله ضمير يعود على {اللَّهِ} ، {وُجُوهًا}: مفعول به والجملة الفعلية في تأويل مصدر مضاف إليه لـ {قَبْلِ} ، تقديره آمنوا من قبل طمسنا وجوهًا منكم، {فَنَرُدَّهَا}: الفاء عاطفة، {نردها} فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على {اللَّهِ} ، والجملة في محل الجر معطوفة على جملة {نَطْمِسَ} ، تقديره فردّنا إياها، {عَلَى أَدْبَارِهَا}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {نرد} ، {أَوْ نَلْعَنَهُمْ}: فعل
(1) الجمل.
ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهِ} ، والجملة في محل الجر معطوفة على جملة {نَطْمِسَ} ، {كَمَا}:{الكاف} حرف جر، {ما} مصدرية. {لَعَنَّا}: فعل وفاعل، {أَصْحَابَ السَّبْتِ}: مفعول به ومضاف إليه، والجملة الفعلية صلة ما المصدرية، {ما} مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، تقديره: كلعننا أصحاب السبت، الجار والمجرور متعلق بـ {نلعن} ، {وَكَانَ}: الواو استئنافية، {كان أمر الله}: فعل ناقص واسمه ومضاف إليه، {مَفْعُولًا}: خبرها والجملة مستأنفة.
{إِنَّ} : حرف نصب، {اللَّهَ}: اسمها، {لَا}: نافية، {يَغْفِرُ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهَ} ، والجملة في محل الرفع خبر {إنَّ} ، وجملة {إنَّ} مستأنفة، {أَنْ يُشْرَكَ}: ناصب وفعل مغير، {بِهِ}: جار ومجرور في محل الرفع نائب فاعل، والجملة الفعلية في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، تقديره: إن الله لا يغفر الإشراك به. {وَيَغْفِرُ} : الواو استئنافية، {يَغْفِرُ}: فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على {اللَّهَ} ، والجملة مستأنفة، {مَا}: موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول {يَغْفِرُ} ، {دُونَ ذَلِكَ}: ظرف ومضاف إليه، والظرف صلة لـ {ما} أو صفة لها، {لِمَنْ}: جار ومجرور متعلق بـ {يغفر} ، {يَشَاءُ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهَ} ، والمفعول محذوف، تقديره لمن يشاء غفرانه، والجملة صلة من الوصولة. {وَمَنْ}: الواو استئنافية. {مَنْ} : اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط أو الجواب أو هما، {يُشْرِكْ}: فعل مضارع مجزوم بـ {مَنْ} على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} ، {بالله}: جار ومجرور متعلق بـ {يُشْرِكْ} ، {فَقَدِ}: الفاء رابطة لجواب {مَنْ} وجوبًا؛ لكون الجواب مقرونًا بـ {قد} ، {قد} حرف تحقيق. {افْتَرَى}: فعل ماض في محل الجزم بـ {مَنْ} على كونه جوابًا لها، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} ، {إِثْمًا}: مفعول
{افْتَرَى} ، {عَظِيمًا}: صفة له.
{أَلَمْ} : الهمزة للاستفهام التعجبي. {لم تر} : فعل مضارع وجازم، وفاعله ضمير يعود على المخاطب، والجملة مستأنفة، {إِلَى الَّذِينَ}: جار ومجرور متعلق بـ {تَرَ} ، {يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة الموصول، {بَلِ} حرف للإضراب الإبطالي، أضرب به على محذوف تقديره ولا عبرة بتزكيتهم أنفسهم بل الله يزكي من يشاء، {اللَّهُ}: مبتدأ، {يُزَكِّي}: فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على {اللَّهُ} : والجملة خبر المبتدأ، والجملة الإسمية معطوفة على ذلك المحذوف، {مَنْ} اسم موصول في محل النصب مفعول به، {يَشَاءُ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} ، والمفعول محذوف تقديره من يشاء تزكيته، والجملة صلة {مَنْ} الموصولة، {وَلَا}: الواو عاطفة أو استئنافية، {لا} نافية. {يُظْلَمُونَ}: فعل ونائب فاعل، {فَتِيلًا}: مفعول ثان أو صفة لمصدر محذوف تقديره: ظلمًا قدر فتيل، والجملة الفعلية إما معطوفة على محذوف تقديره: فيعاقبون ولا يظلمون فتيلًا أو مستأنفة.
{انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50)} .
{انْظُرْ} : فعل أمر وفاعله ضمير يعود على محمَّد، أو على كل مخاطب، والجملة مستأنفة، {كَيْفَ}: اسم للاستفهام التعجبي في محل النصب بـ {يَفْتَرُونَ} ، مبني على الفتح لشبهه بالحرف شبهًا معنويًّا، ونصبه إما على التشبيه بالحال كما هو مذهب سيبويه، أو على التشبيه بالظرف كما هو مذهب الأخفش، {يَفْتَرُونَ}: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مفعول {انْظُرْ} ، {عَلَى اللَّهِ}: جار ومجرور متعلق بـ {يَفْتَرُونَ} ، {الْكَذِبَ}: مفعول {يَفْتَرُونَ} ، {وَكَفَى بِهِ}: فعل وفاعل، والباء زائدة والجملة مستأنفة، {إِثْمًا}: منصوب على التمييز أو على الحال، {مُبِينًا}: صفة له.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ
كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا}.
{أَلَمْ تَرَ} : الهمزة للاستفهام التعجبي، {لم تر}: جازم وفعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على محمَّد صلى الله عليه وسلم، أو على المخاطب، والجملة جملة إنشائية مستأنفة. {إِلَى الَّذِينَ}: جار ومجرور متعلق بـ {تَرَ} ، {أُوتُوا نَصِيبًا}: فعل ونائب فاعل ومفعول ثان، والجملة صلة الموصول، {مِنَ الْكِتَابِ}: صفة لـ {نَصِيبًا} . {يُؤْمِنُونَ} : فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من واو {أُوتُوا} ، {بِالْجِبْتِ}: متعلق بـ {يُؤْمِنُونَ} ، {وَالطَّاغُوتِ}: معطوف على الجبت. {وَيَقُولُونَ} : فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة {يُؤْمِنُونَ} ، {لِلَّذِينَ}: متعلق بـ {يَقُولُونَ} ، {كَفَرُوا}: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، {هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا}: مقول محكي لـ {يقولون} ، وإن شئت قلت:{هَؤُلَاءِ أَهْدَى} : مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول يقولون، {مِنَ الَّذِينَ}: جار ومجرور متعلق بـ {أَهْدَى} ، {آمَنُوا}: فعل وفاعل والجملة صلة الموصول، {سَبِيلًا}: تمييز محول عن المبتدأ أعني هؤلاء منصوب باسم التفضيل أعني {أَهْدَى} .
{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52)} .
{أُولَئِكَ الَّذِينَ} : مبتدأ وخبر والجملة مستأنفة، {لَعَنَهُمُ اللَّهُ}: فعل ومفعول وفاعل والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير المفعول. {وَمَن} {الواو}: استئنافية. {مَنْ} اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط أو جملة الجواب أو هما، {يَلْعَنِ اللَّهُ}: فعل وفاعل مجزوم بمن على كونه فعل الشرط لها، والمفعول محذوف تقديره يلعنه، {فَلَنْ} الفاء رابطة لجواب {مَنْ} الشرطية وجوبًا لكون الجواب مقرونًا بـ {لن} {لن تجد} فعل وناصب وفاعله ضمير يعود على محمَّد، أو على المخاطب، والجملة في محل الجزم بـ {مَنْ} على كونه جوابًا لها، وجملة {مَنْ} الشرطية مستأنفة. {لَهُ}: جار ومجرور في محل النصب على كونه مفعولًا ثانيًا لـ {تَجِدَ} ، {نَصِيرًا}: مفعول أول له.
{أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53)} .
{أَمْ} : منقطعة بمعنى همزة الإنكار وبل التي للإضراب الإبطالي أو الانتقالي، لا في الكلام من الانتقال من ذمهم بتزكيتهم أنفسهم، إلى ذمهم بادعائهم نصيبًا من الملك، وبخلهم المفرط وشحهم البالغ، {لَهُمْ}: جار ومجرور خبر مقدم، {نَصِيبٌ}: مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة أو معطوفة (1) على محذوف، تقديره: أهم أولى بالنبوة ممن أرسلته، أم لهم نصيب من الملك؟ فإذن لا يؤتون الناس نقيرًا، {مِنَ الْمُلْكِ}: جار ومجرور صفة لـ {نَصِيبٌ} ، {فَإِذًا} {الفاء} عاطفة سببية، {إِذًا}: حرف جواب ملغاة هنا غير عاملة لدخول فاء العطف عليها، {لَا}: نافية، {يُؤْتُونَ النَّاسَ}: فعل وفاعل ومفعول أول، {نَقِيرًا}: مفعول ثان. والجملة الفعلية معطوفة على الجملة الإسمية؛ أعني قوله: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ} ، وإن شئت قلت:{الفاء} : رابطة الجواب لشرط محذوف تقديره: إن كان لهم نصيب من الملك .. فإذًا لا يؤتون الناس نقيرًا، {إذًا}: حرف نصب وجواب، {لا}: نافية، {يُؤْتُونَ}: فعل مضارع منصوب بـ {إذًا} ، وعلامة نصبه حذف النون الثابتة تبعًا للقراءة؛ لأن القراءة سنة متبعة، بدليل حذفها في القراءة الشاذة، و {الواو} فاعل، وجملة الشرط المقدر مستأنفة.
{أَمْ} : منقطعة أيضًا، بمعنى همزة الإنكار وبل التي للإضراب الانتقالي، {يَحْسُدُونَ النَّاسَ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة، {عَلَى مَا}: جار ومجرور متعلق بـ {يَحْسُدُونَ} ، {آتَاهُمُ اللَّهُ}: فعل ومفعول أول وفاعل، والمفعول الثاني محذوف تقديره إياه، والجملة صلة لـ {ما} أو صفة لها، {مِنْ فَضْلِهِ}: جار ومجرور حال من الضمير المحذوف. {فَقَد} : {الفاء} تعليلية.
(1) الشوكاني.
{قد} : حرف تحقيق، {آتَيْنَا}: فعل وفاعل، {آلَ إِبْرَاهِيمَ}: مفعول أول ومضاف إليه، {الْكِتَابَ}: مفعول ثان، {وَالْحِكْمَةَ}: معطوف على {الْكِتَابَ} ، والجملة الفعلية في محل الجر بلام التعليل المقدرة المدلول عليها بالفاء التعليلية، تقديره: ولا ينبغي لهم الحسد؛ لأنا قد آتينا آل إبراهيم فلم يحسدوهم، فلم حسدوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، {وَآتَيْنَاهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول أول، {مُلْكًا}: مفعول ثان، {عَظِيمًا}: صفة له، والجملة معطوفة على جملة {آتَيْنَا} الأول.
{فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)} .
{فَمِنْهُمْ} : {الفاء} حرف عطف وتفريع وفي الفتوحات قوله: {فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ} تفريع (1)، على أصل القصة في قوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا} انتهى. ويصح أن يقال: {الفاء} فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدر تقديره: إذا عرفت أمرنا لهم بالإيمان بما نزلنا، وأردت بيان حالهم بعد ذلك .. فأقول لك:{مِنْهُمْ} جار ومجرور خبر مقدم، {مَنْ}: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ مؤخر، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، {ءَامَنَ}: فعل ماض وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} ، {بِهِ}: جار ومجرور متعلق بـ {آمَنَ} ، والجملة الفعلية صلة الموصول، {وَمِنْهُمْ}: جار ومجرور خبر مقدم، {مَنْ}: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ مؤخر، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة {من} الأولى، {صَدَّ}: فعل ماض وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} ، والجملة صلة الموصول، {عَنْهُ}: جار ومجرور متعلق بـ {صَدَّ} ، {وَكَفَى بِجَهَنَّمَ}: فعل وفاعل والباء زائدة، {سَعِيرًا}: تمييز أو حال والجملة مستأنفة.
(1) الجمل.
{إِنَّ} : حرف نصب، {الَّذِينَ}: في محل النصب اسمها، {كَفَرُوا}: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، {بِآيَاتِنَا}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {كَفَرُوا} ، {سَوْفَ}: حرف تنفيس، {نُصْلِيهِمْ}: فعل ومفعول أول، {نَارًا}: مفعول ثان، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهَ} ، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة استئنافًا بيانيًّا. {كُلَّمَا}: اسم شرط غير جازم في محل النصب على الظرفية مبني على السكون لشبهه بالحرف شبهًا معنويًّا، والظرف متعلق بالجواب، {نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ}: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة الفعلية فعل شرط لـ {كُلَّمَا} لا محل لها من الإعراب، {بَدَّلْنَاهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول أول، {جُلُودًا}: مفعول ثان، {غَيْرَهَا}:{غير} صفة لـ {جُلُودًا} ؛ لأنه بمعنى المغايرة، و {الهاء}: مضاف إليه، والجملة الفعلية جواب {كُلَّمَا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {كُلَّمَا} مستأنفة، {لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ}: فعل وفاعل ومفعول منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، وجملة أن المضمرة مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بلام كي، تقديره لذوقهم العذاب، الجار والمجرور متعلق بـ {بَدَّلْنَاهُمْ} . {إِنَّ} ؛ حرف نصب، {اللَّهَ}: اسمها، {كاَنَ}: فعل ماض ناقص واسمها ضمير يعود على {اللَّهَ} ، {عَزِيزًا}: خبر أول لها، {حَكِيمًا}: خبر ثان لها، وجملة {كَانَ} في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة.
{وَالَّذِينَ} : مبتدأ، {آمَنُوا}: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة {آمَنُوا} ، {سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ}: فعل ومفعولان وفاعله ضمير يعود على {الله} ، والجملة في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة. {تَجْرِي}: فعل مضارع. {مِنْ تَحْتِهَا} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {سَنُدْخِلُهُمْ} . {الْأَنْهَارُ} : فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب صفة لـ {جَنَّاتٍ} ولكنها سببية. {خَالِدِينَ}: حال من ضمير المفعول في {سَنُدْخِلُهُمْ} ، {فِيهَا}: جار
ومجرور متعلق بـ {خَالِدِينَ} ، {أَبَدًا} منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بـ {خَالِدِينَ} ، و {أَبَدًا} ، ظرف مستغرق للزمان المستقبل إلى ما لا نهاية له، فليس المراد بالخلود طول المكث.
{لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا} .
{لَهُمْ} : جار ومجرور خبر مقدم، {فِيهَا}: جار ومجرور حال من {أَزْوَاجٌ} ، وجوز مجيء الحال من النكرة تقدمها عليها. {أَزْوَاجٌ}: مبتدأ مؤخر، {مُطَهَّرَةٌ}: صفة لـ {أَزْوَاجٌ} ، والجملة الإسمية في محل النصب حال ثانية من ضمير {سَنُدْخِلُهُمْ} ، أو صفة ثانية لـ {جَنَّاتٍ} ، {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا}: فعل ومفعولان، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهَ} ، {ظَلِيلًا}: صفة مؤكدة لـ {ظَلِيلًا} ، كـ: ليلٍ أليل ويوم أيوم وداهية دهياء، والجملة الفعلية في محل الرفع معطوفة على جملة {سَنُدْخِلُهُمْ} .
التصريف ومفردات اللغة
{نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} : النصيب الحصة من الشيء والحظ، يقال: هذا نصيبي؛ أي: حظي، كأنه الشيء الذي رفع لك وأهدف لك، ويقال: ضرب فلان بنصيب؛ أي: فاز، ومنه اليانصيب عند المولدين، يجمع على أنصبة وأنصباء ونصب ذكره في "المنجد"، {راعنا}: إما بمعنى أرقبنا وانظرنا نكلمك، من راعى يراعي مراعاة، بمعنى راقبه وحفظه، وإما بمعنى كلمة عبرانية كانوا يتسابون بها وهي راعينا، من الرعونة: وهي الحمق وقلة العقل، {لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ}؛ أي: فتلًا بها، وصرفًا للكلام عن ظاهره إلى نسبة السب إليه.
وأصل ليًّا: لويًا من لوى يلوي لويًا، كـ: رمى يرمي رميًا، فقلبت الواو ياء فأدغمت الياء في الياء، فصار ليًّا مثل طي؛ لأنه مصدر طوى يطوي، {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ}: وصيغة التفضيل في خيرًا وأقوم إما على بابها، واعتبار (1) أصل
(1) أبو السعود.
الفعل في المفضل عليه بناء على اعتقادهم، أو بطريق التهكم، وإما بمعنى اسم الفاعل، {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا}: أصل الطمس (1) هو الآثار وإزالة الأعلام بمحوها أو بإخفائها، كما تطمس آثار الدار وأعلام الطرق إما بأن تنقل حجارتها وإما بأن تسفوها الرياح، ومنه الطمس على الأموال في قوله:{رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} ؛ أي: أزلها وأهلكها والطمس على الأعين في قوله: {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ} إما بإزالة نورها، وإما بمحو حدقتها، وفعله من باب فعل المفتوح، وفي مضارعه وجهان: الضم يقال: طمس يطمس طمسًا وطموسًا من باب نصر، والكسر: طمس يطمِس طمسًا من باب ضرب، والوجه (2): تارة يراد به الوجه المعروف، وتارة وجه النفس وهو ما تتوجه إليه من المقاصد، كما قال تعالى:{أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ} ، وقال:{وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ} ، وقال:{أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} ، والأدبار: جمع دبر وهو الخلف والقفا.
{فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} يقال: افترى فلان الكذب - من باب افتعل - إذا اعتمله واختلقه، وأصله من الفري بمعنى القطع، يقال: فرى عليه الكذب - من باب رمى - فريًا وفرية إذا اختلقه عليه من عند نفسه، قال الراغب: الإثم والآثام اسم للأفعال المبطئة عن الثواب؛ أي: عن الخيرات التي يثاب المرء عليها، وقد يطلق الإثم على ما كان ضارًّا انتهى. {يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ}: من زكَّى الرباعي مزيد زكى بمعنى طهر ونما، يقال: زكى نفسه يزكي تزكية إذا مدحها، قال تعالى:{فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} ، {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} والظلم النقص، والفتيل ما يكون في شق نواة التمر مثل الخيط، وبه يضرب المثل في الشيء الحقير، كما يضرب بمثقال ذرة، فهو فعيل بمعنى مفعول.
{يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} الجبت أصله الجبس (3)، وهو: الرديء الذي لا خير فيه، ويراد به هنا الأوهام والخرافات والدجل، والطاغوت: ما تكون
(1) المراغي.
(2)
المراغي.
(3)
المراغي.
عبادته والإيمان به سببًا للطغيان والخروج من الحق، من مخلوق يعبد، ورئيس يقلد، وهو يتبع.
{نَقِيرًا} : والنقير: النقرة التي في ظهر النواة، ومنها تنبت النخلة، يضرب بها المثل في الشيء الحقير التافه، كما يضرب المثل بالقطمير، وهو: القشرة الرقيقة التي تكون على النواة بينها وبين التمرة.
{يَحْسُدُونَ} يقال: حسد فلان فلانًا - من باب نصر - إذا تمنى زوال نعمته عنه، فالحسد تمني زوال النعمة عن صاحبها المستحق لها، {النَّاسَ}: والناس هنا محمَّد صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه.
{مِنْ فَضْلِهِ} : والفضل: النبوة والكرامة في الدين والدنيا، {الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}: الكتاب: العلم بظاهر الشريعة، والحكمة: العلم بالأسرار المودعة فيها، {مَنْ صَدَّ عَنْهُ} يقال: صد عن الشيء إذا أعرض عنه، وهو من المضاعف اللازم، الذي جاء بالوجهين في مضارعه: الكسر على القياس، والضم على الشذوذ، كما قال ابن مالك في "لامية الأفعال":
قَسَّتْ كذا وَعِ وَجْهَيْ صَدَّ أثَّ وخَرْ
…
رَ الصَّلْدُ حَدَّتْ وثرَّتْ جَدَّ مَنْ عَمِلا
يقال: صد عن الشيء يصد بالكسر على القياس، ويصد بالضم على الشذوذ صدودًا، إذا أعرض عنه، كما بسطنا الكلام عليه في شرحنا "مناهل الرجال على لامية الأفعال"، {سَعِيرًا}: فعيل بمعنى مفعلة؛ أي: مسعرة، يقال: نار مسعرة؛ أي: موقدة، ويقال: أوقدت النار وأسعرتها إذا صيرتها موقدة.
{كَفَرُوا بِآيَاتِنَا} جمع آية، والمراد بالآيات (1): الأدلة التي ترشد إلى أن هذا الدين حق، ومن أجلها القرآن؛ لأنه أول الدلائل، وأظهر الآيات وأوضحها، والكفر بها يعم إنكارها، والغفلة عن النظر فيها، وإلقاء الشبهات والشكوك، مع العلم بصحتها عنادًا وحسدًا {سَوْفَ نُصْلِيهِمْ} من أصلاه بالنار إصلاء إذا شواه بها، يقال: شاة مصلية؛ أي: مشوية، فهو بضم النون من باب
(1) المراغي.
أفعل الرباعي، {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ}؛ أي: احترقت وتهرأت وتلاشت، من قولهم: نضج الثمر واللحم - من باب فرح - نضجًا، إذا أدركا وطاب أكلهما، فهو ناضج ونضيج، واستنضج الكراع؛ أي: يد الشاة إذا طبخه، {لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} يقال: ذاق الشيء يذوق - من باب قال - إذا أدركه بحاسة الذوق، والمعنى هنا؛ أي: ليدوم لهم ذوقه ولا ينقطع، كما تقول للعزيز: أعزك الله؛ أي: أدام لك العز وزادك فيه، {كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} العزيز فعيل بمعنى فاعل، وهو القادر الغالب على أمره، لا يعجزه عنه شيء، والحكيم هو المدبر للأشياء وفق الحكمة والصواب، {مُطَهَّرَةٌ}: اسم مفعول لمؤنث، من طهر المضعف؛ أي: منقاة من العيوب والأدناس الحسية والمعنوية، {ظِلًّا ظَلِيلًا}: وصف الظل بالظليل للمبالغة والتأكيد في المعنى، كقولهم ليل أليل ويوم أيوم؛ أي: ظلًّا وارفًا لا يصيب صاحبه حرٌّ ولا سموم، ودائم لا تنسخه الشمس، وقد يعبر بالظل عن العز والمنعة والرفاهية، فيقال: السلطان ظل الله في أرضه، ولما كانت بلاد العرب غاية في الحرارة .. كان الظل عندهم أعظم أسباب الراحة، وكان ذلك عندهم رمزًا للنعيم المقيم.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع (1):
منها: الاستفهام الذي يراد به التعجب في قوله: {أَلَمْ تَرَ} في الموضعين.
ومنها: التعجب بلفظ الأمر في قوله: {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ} .
ومنها: المجاز المرسل في قوله: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} إذا فسر بالرسول محمَّد صلى الله عليه وسلم، من باب ذكر الخاص باسم العام إشارة إلى أنه جمعت فيه كمالات الأولين والآخرين، على حد قول القائل: أنت الناس كل الناس أيها الرجل، وقول الآخر:
وَلَيْسَ عَلَى اللهِ بِمُسْتَنْكَرٍ
…
أَن يَجْمَعَ الْعَالَمِ فِيْ وَاحَدٍ
(1) البحر المحيط.
ومنها: الخطاب العام الذي أريد به الخاص في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا} وهو دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ابن صوريا، وكعبًا وغيرهما من الأحبار إلى الإيمان حسب ما في سبب النزول.
ومنها: الاستعارة في قوله: {يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ} وفي قوله: {لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} أطلق اسم الذوق الذي هو مختص بحاسة اللسان وسقف الحلق على وصول الألم للقلب، وفي قوله:{لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ} ؛ لأن أصل اللَّيِّ فتل الحبل، فاستعير الكلام الذي قصد به غير ظاهره، وفي قوله:{نَطْمِسَ وُجُوهًا} وهو عبارة عن مسخ الوجوه تشبيهًا بالصحيفة المطموسة التي عميت سطورها وأشكلت حروفها.
ومنها: الطباق في قوله: {فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} ، والوجه ضد القفا، وفي قوله:{لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} ، وفي قوله:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} {وَالَّذِينَ آمَنُوا} ، وفي قوله:{مَنْ آمَنَ} و {مَنْ صَدَّ} وهذا طباق معنوي.
ومنها: الاستطراد في قوله: {أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ} .
ومنها: التكرار في قوله: {يَغْفِرُ} ، وفي: لفظ الجلالة، وفي: لفظ الناس، وفي:{آتينا} {وآتيناهم} ، وفي قوله:{فَمِنْهُم} {وَمِنْهُم} ، وفي قوله:{جُلُودُهُمْ} {وجلودا} ، وفي:{سَنُدْخِلُهُمْ} {وَنُدْخِلُهُمْ} .
ومنها: التجنيس المماثل في قوله: {نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا} ، وفي قوله:{لَا يَغْفِرُ} {وَيَغْفِرُ} ، وفي قوله:{لَعَنَهُمُ اللَّهُ} {وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ} ، وفي قوله:{لَا يُؤْتُونَ} {مَا آتَاهُمُ} {آتَيْنَا} {وَآتَيْنَاهُمْ} ، وفي قوله:{يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ} {وآمنوا أهدى} .
ومنها: تلوين الخطاب في قوله: {يَفْتَرُونَ} أقام المضارع مقام الماض، إعلامًا أنهم مستمرون على ذلك.
ومنها: الاستفهام الذي معناه التوبيخ والتقريع في قوله: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ} ، وفي:{أم يحسدون} .
ومنها: الإشارة في قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ} .
ومنها: التقسيم في قوله: {فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ} .
ومنها: التعريض في قوله: {فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} عرض بشدة بخلهم.
ومنها: إقامة المنكَّر مقام المعرَّف لملاحظة الشيوع والكثرة في قوله: {سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا} .
ومنها: الاختصاص في قوله: {عَزِيزًا حَكِيمًا} .
ومنها: الإظهار في موضع الإضمار في قوله: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ} .
ومنها: الإطناب في مواضع.
ومنها: الحذف في مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
المناسبة
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه (1) لما ذكر الله سبحانه وتعالى في الآية السابقة الأجر العظيم للذين آمنوا وعملوا الصالحات، وكان من أجلِّ تلك الأعمال أداء
(1) المراغي.
الأمانات، والحكم بالعدل بين الناس لا جرم .. أمر بهما في هذه الآية.
وقال أبو حيان (1): مناسبة هذه الآية لما قبلها هو: أنه تعالى لما ذكر وعد المؤمنين، وذكر عمل الصالحات .. نبه على هذين العملين الشريفين، اللذين من اتصف بهما كان أحرى أن يتصف بغيرهما من الأعمال الصالحة:
فأحدهما: ما يختص به الإنسان فيما بينه وبين غيره وهو أداء الأمانة، التي عرضت على السموات والأرض، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها.
والثاني: ما يكون بين اثنين من الفصل بينهما بالحكم العدل الخالي عن الهوى، وهو من الأعمال العظيمة التي أمر الله بها رسله وأنبياءه والمؤمنين، ولما كان الترتيب الصحيح أن يبدأ الإنسان بنفسه في جلب المنافع ودفع المضار ثم يشتغل بحال غيره .. أمر بأداء الأمانة أولًا، ثم بعده بالأمر بالحكم بالحق انتهى.
وفي "الفتوحات" قوله تعالى (2): {إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} خطاب للمكلفين قاطبة، وهذه الآية مناسبة ومرتبطة بقوله سابقًا: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ
…
} إلخ، وذلك أن اليهود كانوا يعرفون الحق وأوصاف النبي صلى الله عليه وسلم المذكورة في "التوراة"، وهي أمانة عندهم، ومع ذلك كتموها وأنكروها، وقالوا لأهل مكة أنتم أهدى سبيلًا من محمَّد وأصحابه، فلما خانوا في هذه الأمانة الخاصة .. أمر الله تعالى عموم المكلفين بأداء جميع الأمانات بقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُكُمْ
…
} إلخ، تأمل انتهى.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
…
} الآية، مناسبتها لما قبلها: أنه لما أمر الولاة أن يحكموا بالعدل .. أمر الرعية بطاعتهم.
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما
(1) البحر المحيط.
(2)
الجمل.
أوجب في الآية السالفة على جميع المؤمنين طاعة الله وطاعة الرسول .. ذكر في هذه الآية أن المنافقين والذين في قلوبهم مرض لا يطيعون الرسول، ولا يرضون بحكمه، بل يريدون حكم غيره.
وعبارة أبي حيان (1): مناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة؛ لأنه تعالى لما أمر المؤمنين بطاعة الله ورسوله وأولي الأمر .. ذكر أنه يعجب بعد ورود هذا الأمر من حال من يدعي الإيمان، ويريد أن يتحاكم إلى الطاغوت، ويترك الرسول انتهت.
قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ
…
} الآيتين، مناسبتهما لما قبلهما (2): أنَّ الله سبحانه وتعالى لما أوجب فيما سلف طاعة الله وطاعة الرسول، وشنَّع على من رغب عن التحاكم إلى الرسول، وآثر عليه التحاكم إلى الطاغوت .. ذكر هنا ما هو كالدليل على استحقاق الرسول للطاعة، وعلى استحقاق المنافقين الذين لم يقبلوا التحاكم للمقت والخذلان؛ لأنهم لم يرضوا بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ
…
} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بين فيما سلف أن الإيمان لا يتم إلا بتحكيم الرسول فيما شجر بينهم من خلاف مع التسليم والانقياد لحكمه .. ذكر هنا قصور كثير من الناس في ذلك؛ لوهن إسلامهم وضعف إيمانهم.
قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
…
} الآيتين، مناسبتهما لما قبلهما: لما أمر الله سبحانه وتعالى فيما سلف بطاعته وطاعة الرسول، ثم شنع على الذين تحاكموا إلى الطاغوت، وصدوا عن الرسول، ثم رغب في تلك الطاعة بقوله:{لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} .. حيث على الطاعة، وشوق إليها بذكر مزاياها، وبيان حسن عواقبها، وأنها منتهى ما تصل إليه الهمم، وأرفع ما تشرئب إليه الأعناق.
(1) البحر المحيط.
(2)
المراغي.
أسباب النزول
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا
…
} الآية، سبب نزولها (1): ما رواه ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة .. دعا عثمان بن طلحة، فلما أتاه قال:"أرني المفتاح" مفتاح الكعبة - فأتاه به، فلما بسط يده إليه .. قام العباس فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي اجمعه لي مع السقاية، فكف عثمان يده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هات المفتاح يا عثمان"، فقال: هاك أمانة الله، فقام ففتح الكعبة، ثم خرج فطاف بالبيت، ثم نزل عليه جبريل برد المفتاح، فدعا عثمان بن طلحة فأعطاه المفتاح، ثم قال:{إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} حتى فرغ من الآية، وفي رواية زيادة: وأسلم عثمان، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:"خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة، لا يأخذها منكم إلا ظالم". وقيل (2): نزلت عامة، وهو مروي عن أبي وابن عباس والحسن وقتادة.
قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ
…
} الآية، سبب نزولها: ما أخرجه البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ، قال: نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس، إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية الحديث، قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره": أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجه.
وقد أخرج ابن جرير (3): أنها نزلت في قصة جرت لعمار بن ياسر مع خالد بن الوليد، وكان خالد أميرًا فأجار عمار رجلًا بغير أمره، فتخاصما فنزلت الآية.
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ
…
} الآيات، سبب نزولها: ما أخرجه ابن أبي حاتم والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال: كان أبو برزة الأسلمي كاهنًا يقضي بين اليهود فيما
(1) لباب النقول.
(2)
البحر المحيط.
(3)
لباب النقول.
يتنافرون فيه، فتنافر إليه ناس من المسلمين، فأنزل الله قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا
…
} إلى قوله: {إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة أو سعيد عن ابن عباس قال: كان الجلاس بن الصامت، ومتعب بن قشير، ورافع بن زيد، وبشر يدَّعون الإِسلام، فدعاهم رجال من قومهم من المسلمين في خصومة كانت بينهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعوهم إلى الكهان حكام الجاهلية، فأنزل الله فيهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ
…
} الآية.
وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة فقال اليهودي أحاكمك إلى أهل دينك، أو قال: إلى النبي؛ لأنه قد علم أنه لا يأخذ الرشوة في الحكم، واتفقا على أن يأتيا كاهنًا في جهينة فنزلت.
قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ
…
} الآية، سبب نزولها (1): ما أخرجه الأئمة الستة عن عبد الله بن الزبير قال: خاصم الزبير رجلًا من الأنصار في شراج الحرة، فقال صلى الله عليه وسلم:"اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك"، فقال الأنصاري: يا رسول الله أن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال:"اسق يا زبير ثم احبس الماء، حتى يرجع إلى الجدار، ثم أرسل الماء إلى جارك"، واستوعب للزبير حقه، وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة، قال الزبير: ما حسبت هذه الآيات إلا نزلت في ذلك {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ
…
}.
وأخرج الطبراني في "الكبير"، والحميدي في "مسنده" عن أم سلمة رضي الله عنهما قالت: خاصم الزبير رجلًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقضى للزبير فقال الرجل: إنما قضى له لأنه ابن عمته، فنزلت: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ
…
} الآية.
(1) لباب النقول.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب في قوله: {فَلَا وَرَبِّكَ
…
} الآية، قال: أنزلت في الزبير بن العوام وحاطب بن أبي بلتعة، اختصما في ماء فقضى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسقي الأعلى ثم الأسفل.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي الأسود قال: اختصم رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقضى بينهما، فقال الذي قضى عليه: ردنا إلى عمر بن الخطاب فأتيا إليه فقال الرجل: قضى لي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا، فقال: ردنا إلى عمر، فقال: أكذاك قال؟ قال: نعم، فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما فاقضي بينكما، فخرج إليهما مشتملًا على سيفه، فضرب الذي قال: ردنا إلى عمر، فأنزل الله {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ
…
} الآية، وهذا مرسل غريب في إسناده ابن لهيعة.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال: لما نزلت: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ
…
} الآية، افتخر ثابت بن شماس ورجل من اليهود، فقال اليهودي: والله لقد كتب الله علينا أن اقتلوا أنفسكم، فقتلنا أنفسنا، فقال ثابت: والله لو كتب الله علينا اقتلوا أنفسكم لقتلنا أنفسنا، فأنزل الله:{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} .
قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ
…
} الآية، سبب نزولها ما أخرجه الطبراني وابن مردويه بسند لا بأس به عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنك لأحب إلى من نفسي، وإنك لأحب إلى من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك .. عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وأني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك، فلم يردَّ النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ
…
} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مسروق قال: قال أصحاب (1) محمَّد صلى الله عليه وسلم: يا
(1) لباب النقول.