المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والثانية: أن لا يجدوا حرجًا وضيقًا فيما يحكم به؛ أي: - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٦

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: والثانية: أن لا يجدوا حرجًا وضيقًا فيما يحكم به؛ أي:

والثانية: أن لا يجدوا حرجًا وضيقًا فيما يحكم به؛ أي: أن تذعن نفوسهم لقضائه وحكمه فيما شجر بينهم، بلا امتعاض من قبوله والعمل به؛ إذ المؤمن الكامل ينشرح صدره لحكم الرسول لأول وهلة؛ لأنه الحق، وأن الخير والسعادة في الإذعان له.

والثالثة: الانقياد والتسليم لذلك الحكم، فكثيرًا ما يعرف الشخص أن الحكم حق، لكنه يتمرد عن قبوله عنادًا أو يتردد في ذلك.

ويستفاد من هذه الآية شيئان:

الأول: عصمة النبي صلى الله عليه وسلم، بمعنى أنه لا يحكم إلا بالحق المطابق لصورة الدعوى وظاهرها، لا بحسب الواقع في نفسه إذ الحكم في شريعته على الظاهر، والله يتولى السرائر، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق مسلم .. فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها أو ليتركها" رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن، ومن ثم كانوا يسألونه إذا أمر بأمر لم يظهر لهم أنه الرأي، أعن وحي هو، أم عن رأي، فإن كان عن وحي .. أطاعوا وسلموا، وإن كان عن رأي .. ذكروا ما عندهم، وربما يرجع إليهم كما حدث يوم أحد.

والثاني: أنهم لا يؤمنون إيمانًا صحيحًا يعتد به إلا إذا كانوا موقنين بقلوبهم، مذعنين في بواطنهم بصدق الرسول في كل ما جاء به من أمور الدين. ومن أمارة ذلك: أن يحكموه فيما شجر من خلاف، وأن لا يجدوا ضيقًا وحرجًا في حكمه؛ إذ الضيق إنما يلازم قلب من لم يخضع، وأن ينقادوا انقيادًا كاملًا بلا تمرد ولا عناد في قبوله، كما مر جميع ذلك كله آنفًا.

‌66

- {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا} وفرضنا وأوجبنا {عَلَيْهِمْ} ؛ أي: على هؤلاء المنافقين {أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} بأن يقتل كل واحد نفسه، أو يقتل بعضهم بعضًا {أَوِ} أن {اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ} بالهجرة إلى دار أخرى، توبة من نفاقهم، كما كتبنا على بني إسرائيل القتل والخروج من مصر، {مَا فَعَلُوهُ}؛ أي: ما فعل هؤلاء المنافقون القتل والخروج المكتوب عليهم، {إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} فإن القليل منهم يفعل ذلك

ص: 178

المكتوب رياء وسمعة.

ومعنى الآية (1)؛ أنه تعالى لو فرض عليهم أن يقتلوا أنفسهم، إما بأن يقتل كل واحد نفسه، أو بقتل بعضهم بعضًا، أو أن يخرجوا من ديارهم بالهجرة إلى دار أخرى، كما فرض ذلك على بني إسرائيل، حين استتيبوا من عبادة العجل .. لم يطع منهم إلا القليل.

بين الله (2) سبحانه وتعالى في هذه الآية أن صادق الإيمان هو الذي يطيع الله في كل ما يأمر به، في السهل والصعب، والمحبوب والمكروه، ولو كان ذلك بقتل النفس، والخروج من الديار، الجسم دار الروح والوطن دار الجسم، أما المنافق فيعبد الله على ما يوافق هواه وشهواته، فإن أصابه خير .. اطمأن به ورضي، وإن ناله أذى .. أنقلب على وجهه، وارتد على عقبه، وباء بالخسران في الدنيا والآخرة.

قرأ أبو عمرو (3) بكسر نون {أن} وضم واو {أَو} ، وكسرهما حمزة وعاصم، وضمهما باقي السبعة، وأما ضم النون وكسر الواو فلم يقرأ به أحد، فالكسر على أصل التقاء الساكنين، والضم للاتباع للثالث؛ إذ هو مضموم ضمة لازمة، وإنما فرق أبو عمرو لأن الواو أخت الضمة. اهـ "سمين".

وقرأ الجمهور: {إِلَّا قَلِيلٌ} بالرفع على البدل من الواو في فعلوه، وهو المختار؛ لأنه استثناء من كلام تام غير موجب، وقرأ أبي وابن وأبي إسحاق وابن عامر وعيسى بن عمر {إِلَّا قَلِيلا} بالنصب على الاستثناء بعد النفي، وهو مرجوح.

{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ} ويكلفون به؛ أي: ولو أن هؤلاء المنافقين فعلوا ما أمروا به، وتركوا ما نهوا عنه .. {لَكَانَ} ذلك الفعل والترك {خَيْرًا لَهُمْ}؛ أي: أنفع لهم في الدنيا والآخرة {وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} لإقدامهم على الحق،

(1) البحر المحيط.

(2)

المراغي.

(3)

الجمل.

ص: 179