الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَحَسُنَ أُولَئِكَ} ؛ أي: وحسن كل واحد من الأصناف الأربعة من جهة كونه {رَفِيقًا} في الجنة، بأن يستمتع فيها المطيع برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم، وإن كان مقرهم في الدرجات العالية بالنسبة إلى غيرهم، والمخصوص بالمدح هؤلاء المذكورون من الأصناف الأربعة، وفي هذه الجملة معنى التعجب، كأنه قال: وما أحسن أولئك رفيقًا في الجنة.
70
- {ذَلِكَ} المذكور الذي أعطى الله المطيعين من الأجر العظيم، ومن مرافقة هؤلاء المنعم عليهم، هو {الْفَضْلُ} والعطاء {مِنَ اللَّهِ} سبحانه وتعالى، تفضل به على من أطاع الله ورسوله، لا أنهم نالوه بطاعتهم؛ أي: إن هذا الذي ذكر من الجزاء لمن يطيع الله والرسول هو الفضل الذي لا يعلوه فضل، فإن السمُّوَ إلى إحدى تلك المنازل في الدنيا، ومرافقة أهلها في الآخرة، هو منتهى ما يأمله المرء من السعادة، وبه يتفاضل الناس، فيفضل بعضهم بعضًا، {وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا}؛ أي: وكفى باللهِ سبحانه وتعالى من جهة كونه عليمًا بالعصاة والمطيعين والمنافقين والمخلصين، ومن يصلح لمرافقة هؤلاء، ومن لا يصلح، فهو لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
وقرأ الجمهور (1): {وَحَسُنَ} بضم السين وهي الأصل ولغة الحجاز، وقرأ أبو السمال:{وحسْن} بسكون السين وهي لغة بعض بني قيس.
الإعراب
{إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} .
{إنَّ} : حرف نصب. {اللَّهَ} : اسمها. {يَأمُرُكُمْ} : فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على:{اللَّهَ} ، والجملة الفعلية خبر {إن} ، وجملة:{إنَّ} مستأنفة استئنافًا نحويًّا، {أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ} ناصب وفعل وفاعل ومفعول، {إِلَى أَهْلِهَا}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق به، وجملة {أَنْ} المصدرية مع صلتها
(1) البحر المحيط.
في تأويل مصدر منصوب (1) على كونه مفعولًا ثانيًا لـ {يَأمُرُكُمْ} ، تقديره: يأمركم تأدية الأمانات، أو منصوب بنزع الخافض، تقديره يأمركم بتأدية الأمانات؛ لأن حذفه مع أن وأن مطرد، كما قال ابن مالك:
نَقْلًا وَفِيَ أنَّ وَأنْ يَطَّرِدُ
…
مَعْ أَمْنِ لَبْسٍ كَعَجِبْتُ أنْ يَدُوْا
{وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} .
{وَإِذَا} : {الواو} : عاطفة، {إذا} ظرف لما يستقبل من الزمان، مجردة عن معنى الشرط، {حَكَمْتُمْ}: فعل وفاعل، {بَيْنَ النَّاسِ}: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ {حَكَمْتُمْ} ، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ {إذا} ، تقديره: وقت حكمكم بين الناس، والظرف متعلق بـ {تَحْكُمُوا} الآتي على مذهب الكوفيين المجيزين تقديم معمول الصلة على حرف مصدري، ويقال على مذهب البصريين المانعين ذلك إن المعمول هنا ظرف، والظروف يغتفر فيها ما لا يغتفر في غيرها، {أَنْ تَحْكُمُوا}: ناصب وفعل وفاعل. {بِالْعَدْلِ} : جار ومجرور متعلق بـ {تَحْكُمُوا} ، والجملة الفعلية صلة {أن} المصدرية {أن}: مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر منسبك من قوله: {أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ} على كونه مفعولًا ثانيًا لـ {يَأمُرُكُمْ} ، أو منصوبًا بنزع الخافض، والتقدير: إن الله يأمركم تأدية الأمانات إلى أهلها وحكمكم بالعدل وقت حكمكم بين الناس، وفصل (2) هنا بين حرف العطف والمعطوف بـ {إذا} ، وقد جوزه بعضهم، وجعله مثل قوله تعالى:{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً} {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} وخص هذا أبو علي الفارسي بالشعر وليس بصواب.
{إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} .
{إِنَّ} : حرف نصب، ولفظ الجلالة {اللَّهَ} اسمها، {نِعِمَّا}:{نِعْمَ} فعل ماض من أفعال المدح، {ما} موصولة في محل الرفع فاعل، {يَعِظُكُمُ}: فعل
(1) صاوي.
(2)
البحر المحيط.
ومفعول، والفاعل ضمير يعود على {اللَّهَ} ، {بِهِ} جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية صلة ما الموصولة، والعائد ضمير به، والتقدير: إن الله نعم الشيء الذي يعظكم به، ويجوز أن تكون {ما} نكرة موصوفة في محل النصب على التمييز، ويكون فاعل {نعم} مستترًا فيه وجوبًا تقديره: نعم الشيء شيئًا يعظكم به، وجملة {يَعِظُكُمُ} على هذا الوجه: صفة لـ {ما} ؛ لأنها نكرة موصوفة، وقد ذكر القولين ابن مالك بقوله:
وَ {مَا} مُمَيَّزٌ وَقِيلَ فَاعِلُ
…
فِيْ نَحْوِ نِعْمَ مَا يَقُوْلُ الْفَاضِلُ
والمخصوص بالمدح محذوف وجوبًا تقديره: تأدية الأمانات والحكم بالعدل وجملة نعم في محل الرفع خبر {إنْ} وجملة {إنَّ} : مستأنفة. {إِنَّ} : حرف نصب. {اللَّهَ} : اسمها، {كاَنَ}: فعل ماض ناقص، واسمه ضمير يعود على {اللَّهَ} ، {سَمِيعًا}: خبر أول لها. {بَصِيرًا} : خبر ثان، وجملة {كَانَ}: في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إنَّ}: مستأنفة.
{يَا أَيُّهَا} {يا} حرف نداء. {أي} منادى نكرة مقصودة، و {ها} حرف تنبيه زائد، زيد تعويضًا عما فات أي من الإضافة، {الَّذِينَ}: اسم موصول في محل الرفع صفة لـ {أي} : وجملة النداء مستأنفة، {ءَامَنُوا}: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، {أَطِيعُوا اللَّهَ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب النداء، وكذلك {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة {أَطِيعُوا اللَّهَ} ، {وَأُولِي}: معطوف على {الرَّسُولَ} ، {الْأَمْرِ}: مضاف إليه، {مِنْكُمْ}: جار ومجرور حال من {أولي الأمر} .
{فَإن} : {الفاء} استئنافية بمعنى الواو، {إن} حرف شرط، {تَنَازَعْتُمْ}: فعل وفاعل في محل الجزم على كونه فعل شرط لها، {فِي شَيْءٍ}: جار ومجرور
متعلق به، {فَرُدُّوهُ} {الفاء}: رابطة لجواب إن الشرطية وجوبًا، {ردوه} فعل وفاعل ومفعول في محل الجزم بـ {إن} على كونه جواب شرط لها، وجملة إن الشرطية مستأنفة، {إِلَى اللَّهِ}: جار ومجرور متعلق بـ {ردوه} . {وَالرَّسُولِ} : معطوف على الجلالة. {إنْ} : حرف شرط، {كُنْتُمْ}: فعل ناقص، واسمه في محل الجزم بـ {إن} ، {تُؤْمِنُونَ}: فعل وفاعل، {بِاللَّهِ}: متعلق به، {وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}: معطوف على الجلالة، وجملة {تُؤْمِنُونَ} في محل النصب خبر كان، وجواب إن الشرطية محذوف معلوم مما قبله، تقديره: إن كنتم تؤمنون بالله فردوه إلى الله ورسوله، وجملة إن الشرطية مستأنفة. {ذَلِكَ خَيْرٌ}: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. {وَأَحْسَنُ}: معطوف على {خَيْرٌ} ، {تَأوِيلًا}: منصوب على التمييز.
{أَلَمْ} : {الهمزة} : للاستفهام التعجبي، {لم}: حرف نفي وجزم، {تَرَ}: فعل مضارع مجزوم بـ {لم} ، وفاعله ضمير يعود على محمد، أو إلى المخاطب، والجملة الفعلية جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب، {إِلَى الَّذِينَ}: جار ومجرور متعلق بـ {تَرَ} ، {يَزْعُمُونَ}: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. {أَنَّهُمْ}:{أن} : حرف نصب، و {الهاء}: ضمير الغائبين في محل النصب اسمها، {آمَنُوا}: فعل وفاعل، والجملة في محل الرفع خبر {أن} ، وجملة {أن} في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي زعم، {بِمَا}: جار ومجرور متعلق بـ {ءَامَنُوا} ، {أُنْزِلَ}: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على {ما} ، {إِلَيْكَ}: جار ومجرور متعلق به، والجملة صلة لما أو صفة لها، {وَمَا}:{الواو} : عاطفة، {ما}: اسم موصول في محل الجر معطوفة على ما الأولى، {أُنزِل}: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على ما، {مِن قَبْلِك}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {أُنزِل} ، وجمله {أُنْزِلَ} صلة لما أو صفة لها.
{يُرِيدُونَ} : فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من {الَّذِينَ} أو من واو {يَزْعُمُونَ} ، {أَنْ يَتَحَاكَمُوا}: ناصب وفعل وفاعل، والجملة في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، تقديره: يريدون تحاكمهم إلى الطاغوت. {إِلَى الطَّاغُوتِ} : جار ومجرور متعلق بـ {يَتَحَاكَمُوا} ، {وَقَدْ}: الواو حالية، {قد}: حرف تحقيق، {أُمِرُوا}: فعل ونائب فاعل، والجملة في محل النصب حال من فاعل {يَتَحَاكَمُوا} ، {أَنْ يَكْفُرُوا}: ناصب وفعل وفاعل، {بِهِ}: متعلق بـ {يَكْفُرُوا} ، والجملة الفعلية مع {أن} المصدرية في تأويل مصدر منصوب، على كونه مفعولًا ثانيًا لـ {أُمِرُوا} ، تقديره: وقد أمروا كفرهم به، {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ}: فعل وفاعل والجملة في محل النصب معطوفة على جملة {يُرِيدُون} ، {أَنْ يُضِلَّهُمْ}: ناصب وفعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {الشَّيْطَانُ} ، {ضَلَالًا}: مفعول مطلق، {بَعِيدًا}: صفة له، والجملة الفعلية مع أن المصدرية في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لـ {يريد} ، تقديره: ويريد الشيطان إضلالهم ضلالًا بعيدًا.
{وَإِذَا} : {الواو} : استئنافية، {إذا}: ظرف لما يستقبل من الزمان. {قِيلَ} : فعل ماض مغير الصيغة، {لَهُمْ}: جار ومجرور متعلق به، {تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ}: نائب فاعل محكي، وجملة قيل في محل الخفض بإضافة {إذا} إليها، على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي، وإن شئت قلت:{تَعَالَوْا} : فعل وفاعل، {إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ}: جار ومجرور متعلق بـ {تَعَالَوْا} ، {وَإِلَى الرَّسُولِ}: جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور قبله، وجملة {تَعَالَوْا} في محل الرفع نائب فاعل لـ {قِيلَ} ، {رَأَيْتَ}: فعل وفاعل، {الْمُنَافِقِينَ}: مفعول به، والجملة الفعلية جواب إذا، وجملة إذا مستأنفة، {يَصُدُّونَ}: فعل وفاعل، {عَنْكَ}: متعلق به، ومفعوله محذوف تقديره: غيرهم، {صُدُودًا}: منصوب على المصدرية، وجملة {يَصُدُّونَ} في
محل النصب حال من {الْمُنَافِقِينَ} ، على القول بأن رأى بصرية، أما على القول بأن رأى علمية، فجملة {يَصُدُّونَ} في محل النصب مفعول ثان لرأى.
{فَكَيْفَ} : {الفاء} استئنافية، {كيف}: اسم استفهام في محل النصب على التشبيه بالمفعول به بفعل محذوف، تقديره: فكيف يصنعون، ويجوز جعل {كيف} خبرًا مقدمًا لمبتدأ محذوف تقديره: فكيف صنعهم، {إِذَا}: ظرف مجرد عن معنى الشرط، في محل النصب على الظرفية، والظرف متعلق بالجملة المحذوفة، والجملة المحذوفة جملة إنشائية مستأنفة، {أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ}: فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة {إذا} إليها، {بِمَا}: جار ومجرور متعلق بـ {أَصَابَتْهُمْ} ، والباء للسبب، {قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة صلة لما أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف، تقديره: بما قدمته أيديهم، {ثُمَّ}: حرف عطف، {جَاءُوكَ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الخفض معطوفة على جملة {أَصَابَتْهُمْ} ، {يَحْلِفُونَ}: فعل وفاعل، {بِاللَّهِ}: متعلق به، والجملة في محل النصب حال من فاعل {جَاءُوكَ} ، {إِنْ}: نافية. {رَدْنَا} : فعل وفاعل، {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ، {إِحْسَانًا}: مفعول به، {وَتَوْفِيقًا}: معطوف عليه، وجملة {أَرَدْنَا} من الفعل والفاعل جواب القسم لا محل لها من الإعراب، كما قاله أبو حيان في "النهر".
{أُولَئِكَ الَّذِينَ} : مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة، {يَعْلَمُ اللَّه}: فعل وفاعل، {مَا}: موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول به، {فِي قُلُوبِهِم}: جار ومجرور ومضاف إليه صلة لما، أو صفة لها، وجملة {يَعْلَمُ اللَّه} صلة الموصول، {فَأَعْرِضْ}:{الفاء} : رابطة الجواب بشرط محذوف، تقديره: إذا
كان حالهم كذلك فأعرض عنهم، وجملة الشرط المحذوف مستأنفة، {أَعْرِضْ}: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، {عَنْهُمْ}: متعلق بـ هـ، والجملة الفعلية في محل الجزم جواب للشرط المحذوف، {وَعِظْهُمْ}: معطوف على أعرض عنهم، وكذا قوله:{وَقُلْ لَهُمْ} : معطوف عليه، {فِي أَنْفُسِهِمْ}: متعلق بـ ـ {قُلْ} ، وقيل: يتعلق بـ {بَلِيغًا} ، {قَوْلًا}: منصوب على المصدرية، {بَلِيغًا} صفة له.
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} .
{وَمَا} : {الواو} : استئنافية، {ما}: نافية، {أَرْسَلْنَا}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، {مِنْ}: زائدة، {رَسُولٍ}: مفعول به منصوب بفتحة مقدرة، {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ، {لِيُطَاعَ}:{اللام} لام كي، {يطاع}: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، ونائب فاعله ضمير يعود على الرسول، {بِإِذْنِ اللَّهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ـ {يطاع} ، أو حال من الضمير في {يطاع} ، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بلام كي، تقديره: إلا لإطاعة الناس له، الجار والمجرور متعلق بـ ـ {أَرْسَلْنَا} .
{وَلَوْ} : {الواو} استئنافية، {لو}: شرطية، {أَنَّهُمْ} {أنَّ}: حرف نصب، {والهاء}: اسمها، {إذ} ظرف لما مضى من الزمان، في محل النصب على الظرفية، {ظَلَمُوا}: فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {إذ} ، والظرف متعلق بـ {جَاءُوكَ} الآتي، {أَنْفُسَهُمْ}: مفعول به ومضاف إليه، {جَاءُوكَ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع خبر {أنَّ} ، تقديره: ولو أنهم جاؤوا إياك وقت ظلمهم أنفسهم، وجملة {أنَّ} من اسمها وخبرها في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية، لفعل محذوف فعل شرط لـ {لو} ، تقديره: ولو
ثبت مجيؤهم إياك وقت ظلمهم أنفسهم، {فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ}:{الفاء} عاطفة، {استغفروا الله} فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع معطوفة على جملة {جَاءُوكَ} ، {وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ}: فعل وفاعل وجار ومجرور متعلق بـ {استغفر} ، والجملة في محل الرفع معطوفة على جملة {فَاسْتَغفَرُوا} ، {لَوَجَدُوا اللَّهَ}:{اللام} : رابطة لجواب {لو} الشرطية، {وجدوا الله} فعل وفاعل ومفعول أول، {تَوَّابًا}: مفعول ثان، {رَحِيمًا}: صفة له، أو عطف بيان منه، أو حال من الضمير المستتر في {تَوَّابًا} ، وقيل: إن وجد متعد لواحد، و {تَوَّابًا}: حال من الجلالة، و {رحيمًا}: صفة له، أو بدل منه، وجملة {وَجَدُوا} جواب {لو} الشرطية لا محل لها من الإعراب، وجملة {لو} الشرطية مستأنفة.
{فَلَا} {الفاء} : استئنافية، {لَا}: زائدة، زيدت لتأكيد معنى القسم.
{وَرَبِّكَ} {الواو} : حرف جر وقسم، {ربك} {رب}: مقسم به مجرور بواو القسم، {والكاف} مضاف إليه، الجار والمجرور متعلق بفعل قسم محذوف، تقديره: فأقسم لك بربك يا محمَّد، {لَا} نافية، {يُؤْمِنُونَ}: فعل وفاعل، والجملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مع جوابه مستأنفة، وفي {لا} هنا أربعة أقوال، ذكرها في "الفتوحات" لا نطيل الكلام بذكرها، {حَتَّى}: حرف جر وغاية، {يُحَكِّمُوكَ}: فعل وفاعل، ومفعول منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد {حَتَّى} ، والجملة في تأويل مصدر مجرور بـ {حَتَّى} ، تقديره: إلى تحكيمهم إياك، الجار والمجرور متعلق بـ {يُؤمِنُونَ} ، {فِيمَا}: جار ومجرور متعلق بـ {يُحَكِّمُوكَ} ، {شَجَرَ}: فعل ماض وفاعله ضمير يعود على {ما} ، {بَيْنَهُمْ}: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ {شَجَرَ} ، والجملة الفعلية صلة لما أو صفة لها، {ثُمَّ}: حرف عطف، {لَا}: نافية، {يَجِدُوا}: فعل وفاعل معطوف على {يُحَكِّمُوكَ} ، {فِي أَنْفُسِهِمْ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {يَجِدُوا} ، تعلق الظرف بالفعل، ويجوز أن يكون حالًا من {حَرَجًا} ،
{حَرَجًا} : مفعول به لـ {وجد} ، إن قلنا: إنها متعدية إلى واحد، أما إذا كانت متعدية لاثنين. فالجار والمجرور {فِي أَنْفُسِهِمْ} أحد المفعولين لها، {مِمَّا}: جار ومجرور صفة لـ {حَرَجًا} ، {قَضَيْتَ}: فعل وفاعل، والجملة صلة لما أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف، تقديره: مما قضيت به، ويصح أن تكون ما مصدرية، {وَيُسَلِّمُوا}: فعل وفاعل معطوف على {يُحَكِّمُوكَ} ، {تَسْلِيمًا}: منصوب على المصدرية.
{وَلَوْ} {الواو} : استئنافية، {لو}: شرطية، {أَنَّا}: أنَّ حرف نصب، {نا}: اسمها، {كَتَبْنَا}: فعل وفاعل، {عَلَيْهِمْ}: متعلق به، وجملة {كَتَبْنَا} في محل الرفع خبر {أَن} ، تقديره: ولو أنا كاتبون عليهم، وجملة {أَن} في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية لفعل شرط محذوف، تقديره: ولو ثبتت كتابتنا عليهم، {أَنِ} ، حرف نصب ومصدر، {اقْتُلُوا}: فعل وفاعل في محل النصب بـ {أَن} ، {أَنْفُسَكُمْ}: مفعول به ومضاف إليه، وجملة {أَن} المصدرية مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لـ {كَتَبْنَا} ، تقديره: ولو أنا كتبنا عليهم قتلهم أنفسهم، ويجوز أن تكون أن مفسرة، لأنَّ {كَتَبْنَا} قريب من معنى أمرنا أو قلنا، {أَوِ} ، حرف عطف، {اخْرُجُوا}: فعل فاعل في محل النصب معطوف على {اقْتُلُوا} ، {مِنْ دِيَارِكُمْ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {اخْرُجُوا} ، {مَا}: نافية رابطة لجواب {لَوْ} ، {فَعَلُوهُ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب {لو} الشرطية، لا محل لها من الإعراب، وجملة {لو} الشرطية مستأنفة، {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ. {قَلِيل} : بالرفع بدل من واو {فَعَلُوهُ} : بدل بعض من كل، وهو الراجح من نصبه على الاستثناء؛ لأن الاستثناء من كلام تام غير موجب، {مِنْهُمْ}: جار ومجرور صفة لـ {قَلِيلٌ} ، وهو الرابط بين البدل والمبدل منه.
{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} .
{وَلَوْ} : {الواو} : استئنافية، {لو}: حرف شرط، {أَنَّهُمْ}:{أنَّ} حرف نصب، {والهاء}: اسمها، {فَعَلُوا}: فعل وفاعل، {مَا}: موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول به، {يُوعَظُونَ}: فعل مغير الصيغة ونائب فاعل، {بِهِ}: جار ومجرور متعلق به، وجملة {يُوعَظُونَ} صلة لما، أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير {بِهِ} ، وجملة {فَعَلُوا} أو في محل الرفع خبر {أنَّ} ، وجملة {أنَّ} في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية لفعل محذوف، فعل شرط لـ {لو} ، تقديره: ولو ثبت فعلهم ما يوعظون به، {لَكَانَ}: اللام رابطة لجواب {لو} ، {كان}: فعل ماض ناقص، واسمه ضمير يعود على المصدر المفهوم من {فَعَلُوا} ، تقديره: هو؛ أي: لكان فعلهم ما يوعظون به، {خَيْرًا}: خبر {كَان} ، {لَهُمْ} متعلق بـ {خَيْرًا} ، {وَأَشَدَّ}: معطوف على {خَيْرًا} ، {تَثْبِيتًا}: منصوب على التمييز، وجملة {كان} من اسمها وخبرها جواب {لو} ، لا محل لها من الإعراب، وجملة {لو} من فعل شرطها وجوابها، مستأنفة لا محل لها من الإعراب.
{وَإِذًا} : {الواو} : عاطفة، {إِذًا}: حرف نصب وجواب وجزاء، وهي ملغاة هنا عن عمل النصب، {لَآتَيْنَاهُمْ} {اللام}: رابطة لجواب {لو} ، {آتيناهم}: فعل وفاعل ومفعول أول، {مِنْ لَدُنَّا}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {آتينا} ، {أَجْرًا}: مفعول ثان، {عَظِيمًا}: صفة له، وجملة {لَآتَيْنَاهُمْ} معطوفة على جملة {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} على كونها جوابًا لـ {لو} الشرطية. {وَلَهَدَيْنَاهُمْ}:{الواو} : عاطفة، {اللام}: رابطة لجواب {لو} ، {هَدَيْنَاهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول أول، {صِرَاطًا}: مفعول ثان، {مُسْتَقِيمًا}: صفة لـ {صِرَاطًا} ، وجملة {لَهَدَيْنَاهُمْ} معطوفة على جملة {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} على كونها جوابًا لـ {لو} .
{وَمَن} : {الواو} : استئنافية، {من}: اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط أو الجواب أو هما، {يُطِعِ}: فعل مضارع مجزوم بمن على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على {من} ، {اللَّه}: مفعول به، {وَالرَّسُولَ}: معطوف على الجلالة، {فَأُولَئِكَ} {الفاء}: رابطة لجواب {من} الشرطية وجوبًا، {أولئك}: مبتدأ، {مَعَ الَّذِينَ}: ظرف ومضاف إليه، والظرف متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، تقديره: كائن مع الذين، والجملة الإسمية في محل الجزم بـ {مَنْ} ، على كونها جواب الشرط لها، وجملة من الشرطية مستأنفة، {أَنْعَمَ اللَّهُ}: فعل وفاعل، {عَلَيْهِمْ} ، جار ومجرور متعلق بـ {أَنْعَمَ} ، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير {علَيْهِمْ} ، {مِنَ النَّبِيِّينَ}: جار ومجرور حال من {الَّذِينَ} ، أو من الضمير في {عَلَيْهِمْ} ، {وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ}: معطوفات على {النَّبِيِّينَ} ، {وَحَسُنَ}:{الواو} ؛ استئنافية، حسن: فعل ماض من أفعال المدح، {أُولَئِكَ}: فاعل، {رَفِيقًا}: تمييز أو حال، والجملة مستأنفة.
{ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)} .
{ذَلِكَ} : مبتدأ، {الْفَضْلُ}: خبر، {مِنَ اللَّهِ}: جار ومجرور حال من {الْفَضْلُ} ، والعامل فيه معنى الإشارة، ويجوز أن يكون {ذَلِكَ} مبتدأ، و {الفضلُ}: صفة له، {مِنَ اللَّهِ}: خبرًا، والجملة مستأنفة، {وَكَفَى بِاللَّهِ}: فعل وفاعل، {عَلِيمًا}: تمييز، والجملة مستأنفة.
التصريف ومفردات اللغة
{أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ} هو مضارع أدى تأدية، من باب فعَّل المضعف، وهو هنا بمعنى أصل الفعل، والأمانات جمع أمانة، وهي مصدر بمعنى اسم المفعول؛ أي: الشيء الذي يحفظ ليؤدى إلى صاحبه، ويسمى من يحفظها ويؤديا حفيظًا وأمينًا ووفيًّا، ومن لا يحفظها ولا يؤديها خائنًا، {بِالْعَدْلِ} العدل: مصدر لعدل من باب ضرب، وهو لغة: إيصال الحق إلى صاحبه من أقرب الطرق إليه،
وشرعًا: فصل الحكومة على ما في كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا الحكم بالرأي المجرد، {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ}: نِعْمَ بكسر النون إتباعًا لكسرة العين، وأصل النون مفتوحة، وأصل العين مكسورة، فأصله نَعِمَ بوزن عَلِمَ، ثم كسرت النون إتباعًا لكسرة العين.
{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ} تنازع من باب تفاعل، والتنازع: التجاذب، والمنازعة: المجاذبة، والنزع: الجذب، كأن كل واحد ينتزع حجة الآخر ويجذبها، والمراد الاختلاف والمجادلة، {وَأَحْسَنُ تَأوِيلًا} التأويل: مصدر أول - من باب فعل - تأويلًا، إذا فسر وبين، ولكن هنا بمعنى المآل والعاقبة، لا بمعنى التفسير والتبيين فله إطلاقان.
{يَزْعُمُون} مضارع زعم، من باب نصر، والزعم بتثليث الزاي في أصل اللغة القول، حقًّا كان أو باطلًا، ثم كثر استعماله في الكذب، قال الراغب: الزعم حكاية قول يكون مظنة للكذب، وقد جاء في القرآن ذم القائلين به، كقوله:{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} ، وقوله:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56)} .
{إِلَى الطَّاغُوتِ} الطاغوت: الكاهن والشيطان والصنم وكل رئيس في الضلالة، يطلق على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، {ضَلَالًا بَعِيدًا}: ليس مصدرًا جاريًا على يضلهم، ويحتمل أن يكون جعل مكان الإضلال، فوضع أحد المصدرين موضع الآخر، ويحتمل أن يكون مصدرًا لثلاثي محذوف، تقديره: فيضلون ضلالًا بعيدًا، {يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا}: يقال: صد عن الشيء يصد - من بابي ضرب ونصر - صدًّا وصدودًا، إذا أعرض عنه، وهو من المضاعف اللازم الذي جاء بالوجهين: الكسر على القياس، والضم على الشذوذ، لا من صد الذي هو المضاعف المعدى، فإنه بالضم على القياس لا غير، ومعناه المنع، يقال صده عن كذا إذا منعه وصرفه عنه، ومنه قوله تعالى:{وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وقوله: {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ} ، فالصدود: مصدر سماعي له، وقياسه صد، على وزن فعل بسكون العين؛ لأنه من فعل المفتوح.
{إِلَّا إِحْسَانًا} ؛ أي: في المعاملة بين الخصوم، وهو مصدر أحسن الرباعي، من باب أكرم، {وَتَوْفِيقًا}؛ أي: بينهم وبين خصومهم بالصلح والتوفيق، مصدر لوفق المضعف، والوفاق والوفق ضد المخالفة، {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} أي: في الأمر الذي أشكل، والتبس عليهم، واختلطت واختلفت فيه آراؤهم، ومنه الشجر لالتفاف أغصانه واختلاطها وتداخل بعضها في بعض، ومنه قول طرفة:
وَهُمُ الْحُكَّامُ أَرْبَابُ الْهُدَى وَسُعَاةُ النَّاسِ في الأمْرِ الشَّجَرْ
أي: المختلف، ومنه تشاجر الرماح؛ أي: اختلافها، يقال: شجر الأمر يشجر شجورًا وشجرًا - من باب قعد - إذا التبس، وشاجر الرجل غيره في الأمر إذا نازعه فيه، وتشاجروا إذا تنازعوا، وخشبات الهودج يقال لها: شجار، لتداخل بعضها في بعض، {حَرَجًا} الحرج: الضيق، وقيل: الشك، ومنه قيل للشجر الملتف: حرج وحرجة، وجمعها حراج، وقيل: الحرج الإثم، {تَسْلِيمًا}: مصدر مؤكد لعامله.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة والفصاحة والبديع (1):
منها: دخول حرف الشرط على ما ليس بشرط في الحقيقة في قوله: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} . ومنها: الإشارة في قوله: {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأوِيلًا} ، وفي قوله:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} ، وفي قوله:{فَأُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} ، وفي قوله:{وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} ، وفي قوله:{ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ} .
ومنها: الاستفهام المراد به التعجب في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ
(1) البحر المحيط.
يَزْعُمُونَ}.
ومنها: التجنيس المغاير في قوله: {أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} ، وفي قوله:{وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} وفي قوله: {يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا} ، وفي قوله:{ويسلموا تسليمًا} .
ومنها: الاستعارة في قوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ} أصل المنازعة الجذب باليد، ثم استعير للتنازع في الكلام، وفي قوله:{ضَلَالًا بَعِيدًا} استعار البعد المختص بالأزمنة والأمكنة للمعاني المختصة بالقلوب؛ لدوام القلوب عليها، وفي قوله:{فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} استعار ما اشتبك وتضايق من الشجر للمنازعة التي يدخل بها بعض الكلام في بعض، استعارة المحسوس للمعقول، وفي قوله:{أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا} أطلق اسم الحرج الذي هو من وصف الشجر إذا تضايق على الأمر الذي يشق على النفس، للمناسبة التي بينهما وهو الضيق.
ومنها: التتميم وهو أن يتبع الكلام كلمة تزيد المعنى تمكنًا وبيانًا للمعنى المراد، وهو في قوله:{قَوْلًا بَلِيغًا} ؛ أي: يبلغ إلى قلوبهم ألمه أو بالغًا في زجرهم.
ومنها: زيادة الحرف لزيادة المعنى في قوله: {مِنْ رَسُولٍ} أتت {مِنْ} لإفادة الاستغراق، إذ لو لم تدخل هي في الكلام لأوهم الواحد.
ومنها: التكرار في قوله: {فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} ، {أَنْفُسِهِمْ} ، وفي قوله:{أَنْفُسَهُمْ} ، وفي لفظ الجلالة في قوله:{إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُكُمْ} ، وفي قوله:{إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} ، وفي قوله:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} .
ومنها: التوكيد بالمصدر في قوله: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} .
ومنها: التقسيم البليغ في قوله: {مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} .
ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: {رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ} للتسجيل عليهم بالنفاق وذمهم به، والإشعار بعلة الحكم.
ومنها (1): الالتفات عن الخطاب إلى الغيبة في قوله: {وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} حيث لم يقل: واستغفرت لهم، بل قال:{وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} تفخيمًا لشأنه، حيث عدل عن خطابه إلى ما هو من عظيم صفاته، فهو على أسلوب حكم الأمير بكذا، مكان حكمت بكذا، ووجه التفخيم فيه أن شأن الرسول أن يستغفر لمن عظم ذنبه.
ومنها: إيراد الأمر بصورة الأخبار، وتصديره بإنَّ المفيدة للتحقيق في قوله:{إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ} للتفخيم وتأكيد وجوب العناية والامتثال.
ومنها: الإطناب في مواضع.
ومنها: الحذف في مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
(1) الجمل.
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
المناسبة
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71)} مناسبة هذه الآية لما قبلها هو (1): أنه تعالى لما ذكر طاعته وطاعة رسوله، وكان من أهم الطاعات إحياء دين الله تعالى .. أمر بالقيام بإحياء دينه، وإعلاء دعوته، وأمرهم أن لا يقتحموا على عدوهم على جهالة، فقال:{خُذُوا حِذْرَكُمْ} ، فعلمهم مباشرة الحروب، ولما تقدم ذكر المنافقين .. ذكر في هذه الآية تحذير المؤمنين من قبول مقالاتهم، وتثبيطهم عن الجهاد، فنادى أولًا باسم
(1) البحر المحيط.
الإيمان على عادته تعالى إذا أراد أن يأمر المؤمنين أو ينهاهم.
وقال المراغي: مناسبة هذه الآية لما قبلها (1)؛ يعني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} : أن الله سبحانه وتعالى، لما بين أولًا في هذه السورة كثيرًا من الأمور الدينية، من عبادته تعالى وعدم الشرك به، والمدنية كمعاملة ذوي القربى والجيران واليتامى والمساكين، والشخصية كأحكام الزواج والمصاهرة والمواريث .. بين هنا في هذه الآيات بعض الأحكام الحربية والسياسية، ورسم لنا الطريق التي نسير عليها في حفظ ملتنا وحكومتنا المبنية على تلك الأصول من الأعداء انتهى.
قوله تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (2): أن الله سبحانه وتعالى لما بين حال ضعفاء الإيمان، الذين يبطئون عن القتال في سبيله .. دلهم بهذه الآية على طريق تطهير نفوسهم من ذلك الذنب العظيم، ذنب القعود عن القتال، وأمر به إيثارًا لما عند الله من الأجر والثواب على ما في الدنيا من نعيم زائل وعرض يفنى.
قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (3): أنه لما أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين أولًا بالنفر إلى الجهاد، ثم ثانيًا بقوله:{فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ثم ثالثًا على طريق الحث والحض بقوله: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ} .. أخبر في هذه الآية بالتقسيم، أن المؤمن هو الذي يقاتل في سبيل الله، وأن الكافر هو الذي يقاتل في سبيل الطاغوت، ليبين للمؤمنين فرق ما بينهم وبين الكفار، ويقويهم بذلك، ويشجعهم ويحرضهم، وأن من قاتل في سبيل الله هو الذي يغلب؛ لأن الله هو وليه وناصره، ومن قاتل في سبيل الطاغوت فهو المخذول المغلوب، والطاغوت هنا الشيطان؛ لقوله:{فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ} .
(1) المراغي.
(2)
المراغي.
(3)
البحر المحيط.
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ
…
} الآيات، مناسبتها لما قبلها (1): أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر، أولًا بأخذ الحذر والاستعداد للقتال والنفر له، وذكر حال المبطئين الذين ضعفت قلوبهم، وأمرهم بالقتال في سبيله، وفي سبيل إنقاذ المستضعفين .. ذكر هنا أن الإِسلام كلفهم ترك ما كانوا عليه في الجاهلية، من تخاصم وتلاحم وحروب مستمرة، ولا سيما بين قبيلتي الأوس والخزرج، فإن الحروب بينهم لم تنقطع إلا بمجيء الإِسلام، وأمرهم بكف أيديهم عن القتال والعدوان على غيرهم، وطلب إليهم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، لما فيهما من تهذيب النفوس والعطف والرحمة، حتى خمدت من نفوس كثير منهم حمية الجاهلية، وحل محلها شرف العواطف الإنسانية، إلى أن اشتدت الحاجة إلى القتال للذود عن بيضة الإِسلام، ودفع العدوان من أولئك المشركين الذين آذوا المسلمين، وأحبوا فتنتهم في دينهم، وردهم إلى ما كانوا عليه، ففرضه عليهم، فكرهه المنافقون والضعفاء، فنعى ذلك عليهم، ووبخهم أشد التوبيخ، وقال أبو حيان: مناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة؛ لأنه تعالى لما أمر بالقتال حين طلبوه .. وجب امتثال أمر الله فلما كعَّ - جبن - عنه بعضهم .. قال تعالى: ألا تعجب يا محمَّد من ناس طلبوا القتال، فأمروا بالموادعة، فلما كتب عليهم .. فَرقَ فريق وجزع، ذكره في "البحر المحيط" انتهى.
أسباب النزول
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ....} الآية، سبب نزولها (2): ما أخرجه النسائي (ج6/ ص 3) قال: أخبرنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، قال: أنبأنا أبي، قال الحسين بن واقد: عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن عبد الرحمن بن عوف الزهري
(1) المراغي.
(2)
النسائي.