المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وطول الأناة والتدبير، ومن وصل إلى هذا القدر من الفهم - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٦

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: وطول الأناة والتدبير، ومن وصل إلى هذا القدر من الفهم

وطول الأناة والتدبير، ومن وصل إلى هذا القدر من الفهم .. لا يقول إن السيئة تقع بشؤم أحد، بل ينسب كل شيء إلى سببه.

وفي الآية إيماء إلى أن حصيف الرأي يجب أن يطلب فقه القول دون الأخذ بالجمل والظواهر، إذ من قنع بذلك .. بقي في عماية، ويظل طول دهره غِرًّا جاهلًا بما يحيط به من نظم هذا العالم.

ووقف أبو عمرو والكسائي على قوله (1): {فما} ، ووقف الباقون على {اللام} في قوله:{فمال} إتباعًا للخط، ولا ينبغي تعمد ذلك، لأن الوقف على {فما} فيه قطع عن الخبر، وعلى اللام فيه قطع عن المجرور دون حرف الجر، وإنما يكون ذلك لضرورة انقطاع النفس.

‌79

- والخطاب في قوله: {مَا أَصَابَكَ} للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن المراد غيره؛ أي: أيُّ شيء أصابك وأتاك أيها الإنسان {مِنْ حَسَنَةٍ} ؛ أي: من نعمة من النعم التي أنعم الله بها عليك {فـ} هي أتت {مِنَ اللَّهِ} سبحانه وتعالى بالذات تفضلًا وإحسانًا منه، من غير استيجاب لها من قبلك، {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ}؛ أي: وأيُّ شيء أصابك وأتاك من بلية من البلايا {فَمِنْ نَفْسِكَ} ؛ أي: فتلك السيئة أتت من نفسك، بسبب اقترافك المعاصي الموجبة لها، وإن كان الخلق من الله، وعن عائشة رضي الله عنها:"ما من مسلم يصيبه وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها، وحتى انقطاع شسع نعله، إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر".

وحاصل المعنى (2): أن كل حسنة تصيبك أيها المؤمن فهي من فضل الله وجوده، فهو الذي سخر لك المنافع التي تتمتع بها وتحسن لديك، فقد سخر لك الهواء الذي يحفظ الحياة، والماء العذب الذي يمد كل الأحياء وأزواج النبات والحيوان وغيرهما من مواد الغذاء، وأنعم عليك بوسائل الراحة والهناء، وكل سيئة تصيبك فهي من نفسك، فإنك بما أوتيت من قدرة على العمل، واختيار في

(1) البحر المحيط.

(2)

المراغي.

ص: 212

درء المفاسد، وجلب المنافع، وترجيح لبعض المقاصد على بعض، قد تخطيء في معرفة ما يسوء وما ينفع؛ لأنك لا تضبط إرادتك وهواك، ولا تحيط علمًا بالسنن والأسباب، فأنت ترجح بعضًا على بعض، إما بالهوى، أو قبل أن تحيط خبرًا بمعرفة النافع والضار، فتقع فيما يسوء.

وقد تضافرت الآثار على أن طاعة الله من أسباب النعم، وأن عصيانه مما يجلب النقم، وطاعته إنما تكون باتباع سننه، وصرف ما وهب من الوسائل فيما وهب لأجله، وهذه الآية أصل من أصول الاجتماع وعلم النفس، وفيها شفاء للناس من خرافات الوثنية، واستدراجات الطاغوتية، وكرامات الشيطانية، وارتفاع وتكريم للنفس الإنسانية.

وفي مصحف ابن مسعود (1): {فمن نفسك وإنما قضيتها عليك} ، وحكى أبو عمرو أنها في مصحف ابن مسعود:{وأنا كتبتها} ، وروي أن ابن مسعود وأبيًّا قرأ:{وأنا قدرتها عليك} ، وعنى بالنفس هنا المذكورة في قوله:{إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} ، وقرأت عائشة رضي الله عنها:{فمَن نفسُك} بفتح الميم ورفع السين، فـ {مَن} استفهام معناه الإنكار؛ أي: فمن نفسك حتى ينسب إليها فعل، المعنى: ما للنفس في الشيء فعل.

فائدة: فإن قلت (2) إن قوله: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} يعارض قوله: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} الواقع ردًّا لقول المشركين {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ

} الآية؟

فالجواب: أن قوله: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} أي إيجادًا وقوله: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} ؛ أي: من كسبك، كما في قوله تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} .

والحاصل: أنك إذا نظرت إلى الفاعل الحقيقي .. فالكل منه، وإذا نظرت

(1) البحر المحيط.

(2)

الفتوحات.

ص: 213

إلى الأسباب .. فما هي إلا من شؤم ذنب نفسك، يوصله إليك بسبب مجازاة وعقوبة لا من محمد صلى الله عليه وسلم، وقال (1) بعض أهل العلم: والفرق بين {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} و {مِنَ آللهِ} أن من عند الله أعم، يقال: فيما كان برضاه وبسخطه وفيما يحصل وقد أمر به أو نهى عنه، ولا يقال: هو من الله إلا فيما كان برضاه وبأمره، وبهذا النظر قال عمر: إن أصبت .. فمن الله، وإن أخطأت .. فمن الشيطان انتهى.

وقوله: {وَأَرْسَلْنَاكَ} يا محمَّد {لِلنَّاسِ} ؛ أي: إلى الناس كافة حالة كونك {رَسُولًا} ؛ أي: مرسلًا إليهم بشريعتنا، بيان لجلالة منصبه ومكانته عند الله تعالى، بعد بيان بطلان زعمهم الفاسد في حقه بناء على جهلهم بشأنه الجليل؛ أي: ليس لك إلا الرسالة والتبليغ وقد فعلت ذلك وما قصرت، وليس لك دخل فيما يصيب الناس من الحسنات والسيئات؛ لأنك لم ترسل إلا للتبليغ والهداية، لا للتصرف في نظم الكون وتحويل سنن الاجتماع أو تبديلها، فما زعمه أولئك الجاهلون من أن السيئة تصيبهم بشؤمك محض خرافة، لا مستند لها من عقل أو نقل، ومخالف لما بينه الله تعالى من وظيفة الرسل.

{وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} ؛ أي: وكفى الله سبحانه وتعالى شهيدًا على جدك وعدم تقصيرك في أداء الرسالة وتبليغ الوحي، فأما حصول الهداية فليس إليك بل إلى الله تعالى، أو كفى الله شهيدًا على أنك أرسلت للناس كافة بشيرًا ونذيرًا، لا مسيطرًا ولا جبارًا، ولا مغيرًا لنظم الكون وتحويل سنن الاجتماع أو تبديلها، {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} فلا ينبغي لأحد من الناس، عربهم وعجمهم أن يخرج عن طاعتك واتباعك.

الإعراب

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71)} .

{يَا أَيُّهَا} {يا} : حرف نداء، {أي}: منادى نكرة مقصودة، {ها}: حرف

(1) البحر المحيط.

ص: 214

تنبيه زائد، {الَّذِينَ}: في محل الرفع صفة لـ {أي} ، وجملة النداء مستأنفة، {آمَنُوا}: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، {خُذُوا}: فعل وفاعل والجملة جواب النداء، لا محل لها من الإعراب، {حِذْرَكُمْ}: مفعول به ومضاف إليه، {فَانْفِرُوا}:{الفاء} : حرف عطف وتفريع، {انْفِرُوا}: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة {خُذُوا}. {ثُبَاتٍ}: حال من واو {انْفِرُوا} ولكن في تأويل مشتق، تقديره: حالة كونكم متفرفين، {أَوِ}: حرف عطف، {انْفِرُوا}: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة {انْفِرُوا} الأول، {جَمِيعًا}: حال من واو {انْفِرُوا} ، ولكن بعد تأويله بمشتق، تقديره: حالة كونكم مجتمعين، والمعنى: بادروا إلى الخروج للقتال كيفما أمكن.

{وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} .

{وَإِنَّ} : {الواو} : استئنافية، {إنَّ}: حرف نصب وتوكيد، {مِنْكُمْ}: جار ومجرور خبر مقدم لـ {إنَّ} ، {لَمَنْ} {اللام}: حرف ابتداء، من: اسم موصول، أو نكرة موصوفة في محل النصب اسم إن مؤخر عن خبرها، تقديره: وإن من ليبطئن لكائن منكم، وجملة {إنَّ} مستأنفة، {لَيُبَطِّئَنَّ} {اللام}: موطئة للقسم، {يُبَطِّئَنَّ}: فعل مضارع في محل الرفع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، ونون التوكيد حرف لا محل لها من الإعراب، وفاعله ضمير مستتر فيه يعود على {من} ، والجملة الفعلية جواب لقسم محذوف، تقديره: وإن الذي أقسم والله ليبطئن لكائن منكم، وجملة القسم وجوابه صلة {مَن} إن قلنا {مَن} موصولة، أو صفة لها إن قلنا نكرة موصوفة، والعائد أو الرابط الضمير المستتر في {لَيُبَطِّئَنَّ} وبذلك (1) علم أن جملة القسم مع جوابها خبرية مؤكدة بالقسم، فلا يمتنع وقوعها صلة للموصول، أو صفة للموصوف، والإنشائية إنما هي جملة القسم، أعني: أقسم بالله، كما ذكره الشيخ سعد الدين، واللام في {لَمَنْ} لام ابتداء، دخلت على اسم {إن} ؛ لوقوع الخبر فاصلًا.

(1) الفتوحات.

ص: 215

{فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا} .

{فَإِنْ} {الفاء} : حرف عطف وتفصيل، {إن}: حرف شرط، {أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ}: فعل ومفعول وفاعل في محل الجزم بـ {إن} ، على كونه فعل شرط لها، {قَال}: فعل ماض في محل الجزم بـ {إن} على كونه جواب شرط لها، وفاعله ضمير يعود على من يبطئن، وجملة {إن} الشرطية مع جوابها معطوفة على جملة قوله:{وَإِنَّ مِنْكُمْ} مفصلة لها، {قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ

} إلى أخر الآية: مقول محكي لـ {قَالَ} ، وإن شئت قلت:{قَدْ} : حرف تحقيق، {أَنْعَمَ اللَّهُ} فعل وفاعل، {عَلَيَّ} جار ومجرور متعلق بـ {أَنْعَمَ} ، والجملة في محل النصب مقول {قَالَ} ، {إِذْ}: ظرف لما مضى من الزمان في محل النصب مبني على السكون، والظرف متعلق بـ {أَنْعَمَ} ، {لَمْ أَكُنْ}: جازم وفعل ناقص، واسمه ضمير يعود على المبطىء، {مَعَهُمْ}: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ {شَهِيدًا} : وهو خبر {أَكُنْ} ، وجملة الكون في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذْ} .

{وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (73)} .

{وَلَئِنْ} {الواو} : عاطفة، {اللام}: موطئة للقسم، {إن}: حرف شرط جازم، {أَصَابَكُمْ فَضْلٌ} فعل وفاعل ومفعول، في محل الجزم بـ {إن} على كونه فعل شرط لها، {مِنَ اللَّهِ}: جار ومجرور صفة لـ {فَضْلٌ} ، {لَيَقُولَنَّ} {اللام}: لام القسم مؤكدة للَّام الأولى، {يقولنّ}: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعله ضمير يعود على المبطىء، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مع جوابه معطوفة على جملة قوله:{فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ} ، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه، تقديره: ولئن أصابكم فضل من الله .. يقول: يا ليتني كنت معهم، وإنما جعلنا المذكور جواب القسم، وجعلنا جواب الشرط محذوفًا جريًا على القاعدة إنه إذا اجتمع شرط وقسم متواليان، ولم يتقدم عليهما ذو خبر .. جعل المذكور جواب المتقدم منهما، وقدر جواب المتأخر منهما، كما قال ابن مالك:

ص: 216

وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ

جَوَابَ مَا أخَّرْتَ فَهْوَ مُلْتَزَمْ

وَإِنْ تَوَالَيَا وَقَبْلُ ذُوْ خَبَرْ

فَالشَّرْطَ رَجِّحْ مُطْلَقًا بِلَا حَذَرْ

{كَأَنْ} : مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوفًا تقديره: كأنه، {لمْ}: حرف نفي وجزم، {تَكُنْ}: مجزوم بـ {لَم} ، وقرىء بالتاء نظرًا للفظ المودة، وبالياء؛ لأن المودة والود بمعنى واحد، {بَيْنَكُمْ}: ظرف ومضاف إليه خبر لـ {تَكُنْ} ومقدم على اسمها، {وَبَيْنَه}: معطوف على {بَيْنَكُمْ} ، والضمير فيه عائد على المبطىء، وجملة تكن في محل الرفع خبر {كَأَنْ} ، وجملة {كَأَنْ} من اسمها وخبرها: جملة معترضة لا محل لها من الإعراب؛ لاعتراضها بين القول ومقوله، والتقدير: يقول يا ليتني، وقيل: ليس بمعترض بل هو محكي بالقول؛ أي: يقول كأن لم تكن، وحينئذ فالضمير في {بَيْنَكُمْ} عائد على المنافقين، وفي {بَيْنَهُ} عائد على محمَّد صلى الله عليه وسلم، وقيل جملة {كَأَنْ} حال من ضمير الفاعل في:{لَيَقُولَنَّ} ، {مَوَدَّةٌ}: اسم {تَكُنْ} مؤخر. {يَا لَيْتَنِي} {يَا} : حرف نداء، والمنادى محذوف تقديره: يا قوم، وجملة النداء في محل النصب مقول القول، {لَيْتَنِي} {ليت}: حرف تمني ونصب، و {الياء}: اسمها، {كُنتُ}: فعل ناقص واسمه، {مَعَهُمْ}: ظرف ومضاف إليه متعلق بمحذوف خبر كان، وجملة كان في محل الرفع خبر ليت، وجملة ليت في محل النصب مقول القول، {فَأَفُوز}: الفاء عاطفة سببية، {أفوز}: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء السببية الواقعة في جواب التمني، وفاعله ضمير مستتر فيه يعود على المبطىء، {فَوْزًا} منصوب على المفعولية المطلقة، {عَظِيمًا}: صفة لـ {فَوْزًا} ، وجملة {أفوزَ}: صلة أن المصدرية، أن مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها من غير سابك لإصلاح المعنى تقديره: أتمنى كوني معهم ففوزي فوزًا عظيمًا، وقرىء {فأفوزُ} بالرفع على الاستئناف على تقدير: فأنا أفوز.

{فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ} .

{فَلْيُقَاتِلْ} {الفاء} : رابطة لجواب شرط محذوف، تقديره: إن بطأ وتأخر

ص: 217

هؤلاء عن القتال .. فليقاتل في سبيل الله، و {اللام}: حرف طلب وجزم، {يقاتل}: مجزوم باللام، {فِي سَبِيلِ اللَّهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {يقاتل} ، {الَّذِينَ}: اسم موصول للجمع المذكر، في محل الرفع فاعل، والجملة في محل الجزم جواب للشرط المقدر، وجملة الشرط المقدر مستأنفة، {يَشْرُونَ الْحَيَاةَ}: فعل وفاعل ومفعول، {الدُّنْيَا} صفة للحياة، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل، {بِالْآخِرَةِ}: متعلق بـ {يَشْرُونَ} .

{وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} .

{وَمَنْ يُقَاتِلْ} {الواو} : استئنافية، {من}: اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو جملة الجواب أو هما، {يُقَاتِلْ}: فعل شرط مجزوم بـ {من} وفاعله ضمير يعود على {من} ، {فِي سَبِيلِ اللَّهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {يُقَاتِلْ} ، {فَيُقْتَلْ} {الفاء}: حرف عطف وتفريع، {يُقْتَلْ}: فعل مضارع مغير الصيغة معطوف على {يُقاتل} مجزوم بـ {من} ، ونائب فاعله ضمير يعود على {من} ، {أَوْ}: حرف عطف وتنويع، {يَغْلِبْ}: فعل مضارع مبني للفاعل معطوف على {يُقْتَلْ} ، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} ، {فَسَوْفَ} {الفاء}: رابطة لجواب {من} الشرطية وجوبًا؛ لاقتران الجواب بحرف التنفيس. {سوف} : حرف تنفيس للاستقبال البعيد. {نُؤْتِيهِ} : فعل مضارع ومفعول أول مرفوع لعدم صلاحية لفظه للجواب لاقترانه بحرف التنفيس، وفاعله ضمير يعود على {الله} ، {أجرًا}: مفعول ثان، {عَظِيمًا}: صفة له، والجملة الفعلية في محل الجزم جواب {من} الشرطية، وجملة {من} الشرطية: مستأنفة.

{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} .

{وَمَا} {الواو} : استئنافية، {ما}: اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ، {لَكُمْ}: جار ومجرور خبر المبتدأ، والتقدير: أي شيء ثابت لكم، {لَا} نافية، {تُقَاتِلُونَ}: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من ضمير المخاطبين، والعامل في هذه الحال الاستقرار المقدر، والتقدير: أيُّ شيء مستقر لكم حالة

ص: 218

كونكم غير مقاتلين، وفي "الفتوحات" وجملة قوله:{لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فيها وجهان.

أظهرهما: أنها في محل نصب على الحال؛ أي: ما لكم غير مقاتلين، أنكر عليهم أن يكونوا على غير هذه الحالة، وقد صرح بالحال بعد مثل هذا التركيب في قوله:{فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} وقالوا في مثل هذه الحال: إنها حال لازمة؛ لأن الكلام لا يتم بدونها، وفيه نظر، والعامل في هذه الحال الاستقرار المقدر، كقولك مالك ضاحكًا.

والوجه الثاني: أن الأصل: وما لكم في أن لا تقاتلوا، فحذفت {في} فبقي أن لا تقاتلوا، فجرى الخلاف المشهور، ثم حذفت أن الناصبة، فارتفع الفعل بعدها، كقوله: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. اهـ. "سمين".

{الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} .

{وَالْمُسْتَضْعَفِينَ} : معطوف على {سَبِيلِ اللَّهِ} ولكنه على تقدير مضاف تقديره: وفي تخليص المستضعفين من أيدي الكفار، {مِنَ الرِّجَالِ}: جار ومجرور حال من {الْمُسْتَضْعَفِينَ} ، {وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ}: معطوفان على {الرِّجَالِ} .

{الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} .

{الَّذِينَ} : صفة لـ {المستضعفين} ، {يَقُولُونَ}: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا

} إلى آخر الآية مقول محكي لـ {يَقُولُونَ} وإن شئت قلت: {رَبَّنَا} : منادى مضاف وجملة النداء مقول القول، {أَخْرِجْنَا}: فعل وفاعل والجملة جواب النداء على كونها مقول القول، {مِنْ هَذِهِ}: جار ومجرور متعلق بـ {أَخْرِجْنَا} ، {الْقَرْيَةِ}: بدل من اسم الإشارة، أو عطف بيان منه، {الظَّالِمِ}: صفة للقرية، {أَهْلُهَا}: مرفوع به على الفاعلية، وأل في {الظَّالِمِ}: موصولة بمعنى: التي ظلم أهلها، فالظالم موافق للقرية إعرابًا ولما بعده معنى؛ لأنه نعت سببي. {وَاجْعَلْ}: فعل دعاء وفاعله ضمير يعود على الله، وهو معطوف على

ص: 219

{أَخْرِجْنَا} . {لَنَا} : جار ومجرور في محل المفعول الأول لـ {جعل} ، {مِنْ لَدُنْكَ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بمحذوف حال من {وَلِيًّا} ، لأنه صفة نكرة قدمت عليها فيعرب حالًا، {وَلِيًّا}: مفعول ثان لجعل، {وَاجْعَلْ}: معطوف على {أَخْرِجْنَا} . {لَنَا} : في محل النصب مفعول أول، {مِنْ لَدُنْكَ}: حال من {نَصِيرًا} وهو مفعول ثان لجعل.

{الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)} .

{الَّذِينَ} : مبتدأ، {آمَنُوا}: صلته، {يُقَاتِلُونَ}: خبره والجملة الإسمية مستأنفة، {فِي سَبِيلِ اللَّهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {يُقَاتِلُونَ} . {وَالَّذِينَ} : مبتدأ، {كَفَرُوا}: صلته، {يُقَاتِلُونَ}: خبره، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها، {فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {يُقَاتِلُونَ} . {فَقَاتِلُوا} {الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدر تقديره إذا عرفتم أن الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله

إلخ، وأردتم بيان ما هو لازم لكم .. فأقول لكم:{قاتلوا} : فعل وفاعل. {أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ} : مفعول به ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذًا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ}: ناصب ومنصوب ومضاف إليه، {كَانَ}: فعل ماض ناقص، واسمها ضمير يعود على كيد الشيطان، {ضَعِيفًا}: خبر {كاَن} ، وجملة {كاَنَ} في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} .

{أَلَمْ} : {الهمزة} : للاستفهام التعجبي، {لم}: حرف جزم، {تَرَ}: فعل مضارع مجزوم بـ {لم} ، وفاعله ضمير يعود على محمد، أو على كل مخاطب، والجملة مستأنفة، {إِلَى الَّذِينَ}: جار ومجرور متعلق بـ {تَرَ} ، {قِيلَ}: فعل ماض مغير الصيغة، {لَهُمْ}: جار ومجرور متعلق، {كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ

} إلى قوله: {فَلَمَّا كُتِبَ} : نائب فاعل محكي، وجملة {قِيلَ}: صلة الموصول، والعائد

ص: 220

ضمير لهم، وإن شئت قلت:{كُفُّوا} : فعل وفاعل، {يْدِيَكُمْ}: مفعول به ومضاف إليه، والجملة في محل الرفع نائب فاعل لـ {قِيلَ} . {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع معطوفة على {كُفُّوا} ، {وَآتُوا الزَّكَاةَ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع معطوفة على جملة {كُفُّوا} .

{فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ} .

{فَلَمَّا} {الفاء} : استئنافية، {لما}: حرف شرط غير جازم، {كُتِب}: فعل ماض مغير الصيغة، {عَلَيْهِمُ}: متعلق به، {الْقِتَالُ}: نائب فاعل، والجملة الفعلية فعل شرط لـ {لما} لا محل لها من الإعراب، {إِذَا}: حرف مفاجأة رابطة لجواب {لما} لا محل لها من الإعراب على الأصح، كما هو مذكور في كتب النحو، {فَرِيقٌ}: مبتدأ، {مِنْهُمْ}: جار ومجرور صفة له، وهو المسوغ للابتداء، {يَخْشَوْنَ النَّاسَ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الإسمية جواب {لما} لا محل لها من الإعراب، وجملة {لما} مستأنفة {كَخَشْيَةِ اللَّهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه صفة لمصدر محذوف، تقديره: يخشون الناس خشية كائنة كخشية الله، وإضافة خشية إلى لفظ الجلالة من إضافة المصدر إلى مفعوله؛ أي: كخشيتهم الله، {أَوْ}: حرف عطف بمعنى بل، {أَشَدَّ} ، معطوف على {كَخَشْيَةِ اللَّهِ} مجرور بالفتحة؛ لأنه اسم لا ينصرف للوصفية ووزن الفعل، {خَشْيَةً}: تمييز له، أو {أَشَدَّ}: معطوف على محل الجار والمجرور في {كَخَشْيَةِ اللَّهِ} ، و {خَشْيَةً}: تمييز له، أو {أَشَدَّ}: منصوب على الحال من {خَشْيَةً} المذكور بعده؛ لأنه نعت نكرة قدمت عليها، و {خَشْيَةً}: معطوف على محل الجار والمجرور في: {كَخَشْيَةِ اللَّهِ} ، والتقدير: يخشون الناس كخشية الله بل خشية أشد من خشية الله، {وَقَالُوا}: فعل وفاعل معطوف على {يَخْشَوْنَ} . {رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ} : مقول محكي، وإن شئت قلت:{رَبَّنَا} : منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول {قَالُوا} ، {لِمَ}: جار ومجرور متعلق بـ {كَتَبْتَ} وهو فعل وفاعل، {عَلَيْنَا}: جار ومجرور

ص: 221

متعلق بـ {كَتَبْتَ} أيضًا، والجملة الفعلية في محل النصب مقول {قَالوا}. {الْقِتَالَ}: مفعول به لـ {كَتَبْتَ} .

{لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} .

{لَوْلَا} : حرف تحضيض بمعنى هلَّا. {أَخَّرْتَنَا} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول {قَالُوا} ، {إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ}: جار ومجرور وصفة متعلق بـ {أَخَّرْتَنَا} ، {قُلْ}: فعل أمر وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. {مَتَاعُ الدُّنْيَا}: إلى آخر الآية: مقول محكي، وإن شئت قلت:{مَتَاعُ الدُّنْيَا} : مبتدأ ومضاف إليه. {قَلِيلٌ} : خبره، والجملة الإسمية في محل النصب مقول {قَلِيلٌ} ، {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ}: مبتدأ وخبر، والجملة معطوفة على جملة {مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} ، {لِمَنِ}: جار ومجرور متعلق بـ {خَيْرٌ} ، {اتَّقَى}: فعل ماض وفاعله ضمير يعود على {من} ، والجملة صلة الموصول والعائد ضمير الفاعل، {وَلَا}:{الواو} عاطفة، {لَا}: نافية، {تُظْلَمُونَ}: فعل ونائب فاعل، {فَتِيلًا}: مفعول ثان، والجملة معطوفة على محذوف تقديره: تجزون فيها؛ أي: في الآخرة ولا تظلمون فتيلًا، والجملة المحذوفة مع المعطوفة عليها في محل النصب مقول {قُلْ} .

{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} .

{أَيْنَمَا} : {أَيْنَ} : اسم شرط جازم في محل النصب على الظرفية المكانية. {ما} : زائدة، والظرف متعلق بـ {تَكُونُوا} ، {تَكُونُوا}: فعل وفاعل مجزوم بـ {أَيْنَمَا} ، على كونه فعل شرط لها، وكان هنا تامة، {يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ}: فعل ومفعول وفاعل، مجزوم بـ {أَيْنَمَا} على كونه جوابًا لها، وجملة {أَيْنَمَا}: مستأنفة. {وَلَوْ} : الواو عاطفة، {لَوْ}: حرف شرط غير جازم، {كُنْتُمْ}: فعل ناقص واسمه، {فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}: جار ومجرور وصفة متعلق بمحذوف خبر كان، وجملة كان فعل شرط لـ {لَوْ} لا محل لها من الإعراب، وجواب {لَوْ} معلوم مما قبله، تقديره: ولو كنتم في بروج مشيدة لأدرككم الموت، وجملة {لَوْ}

ص: 222

معطوفة على جملة محذوفة مثلها، تقديرها: لو لم تكونوا في بروج مشيدة لأدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة

إلخ.

{وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} .

{وَإِنْ} {الواو} استئنافية. {إن} حرف شرط جازم. {تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ} : فعل ومفعول وفاعل مجزوم بـ {إن} على كونه فعل شرط لها. {يَقُولُوا} : فعل وفاعل مجزوم بـ {إن} على كونه جوابًا لها وجملة {إن} الشرطية مستأنفة. {هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} مقول محكى وإن شئت قلت: {هَذِهِ} : مبتدأ. {مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} : جار ومجرور ومضاف إليه خبر المبتدأ والجملة في محل النصب مقول {يَقُولُوا} .

{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} .

{وَإنْ} : {الواو} : عاطفة. {إن} : حرف شرط. {تصبهم سيئة} : فعل ومفعول وفاعل، مجزوم بـ {إن} ، {يَقُولوُا}: فعل وفاعل، مجزوم بـ {إن} على كونه جوابًا لها. {هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ}: مقول محكي، وإن شئت قلت:{هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} : مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول القول، وجملة {إن} الشرطية معطوفة على جملة {إن} الأولى. {قُلْ}: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة، {كُلٌّ}: مبتدأ، {مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه، خبر المبتدأ، والجملة في محل النصب مقول {قُلْ} .

{فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} .

{فَمَا} : {الفاء} استئنافية، {ما}: اسم استفهام تعجبي في محل الرفع مبتدأ. {اللام} : حرف جر، وفصلت عن المجرور بها تبعًا لخط المصحف العثماني، وفي غير المصحف متصلة بمجرورها وجوبًا صناعيًّا. {هَؤُلَاءِ}: في محل الجر بها، {الْقَوْمِ}: بدل من اسم الإشارة، أو عطف بيان منه، الجار والمجرور في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة مستأنفة، أو معترضة بين البيان والمبين، {لَا}: نافية. {يَكَادُونَ} : فعل ناقص واسمه. {يَفْقَهُونَ} : فعل وفاعل، {حَدِيثًا}: مفعول به، وجملة {يَفْقَهُونَ} في محل النصب خبر {يَكَادُونَ} ، وجملة

ص: 223

{يَكَادُونَ} في محل النصب حال من اسم الإشارة، والعامل فيها ما في الظرف من معنى الاستقرار، والمعنى: وحيث كان الأمر كذلك فأيُّ شيء حصل لهم حال كونهم بمعزل من أن يفقهوا حديثًا. ويصح (1) أن تكون جملة {لَا يَكَادُونَ} : مستأنفة استئنافًا بيانيًّا واقعًا في جواب سؤال نشأ عن الاستفهام، كأنه قيل: ما بالهم وماذا يصنعون حتى يتعجب منه أو يسأل عن سببه فقيل لا يكادون يفقهون حديثًا من الأحاديث، فيقولون ما يقولون، إذ لو فهموا شيئًا من ذلك لفهموا هذا النص، وما في معناه، وما هو أوضح منه من النصوص الناطقة من أن الكل من عند الله تعالى، وأن النعمة منه تعالى بطريق التفضل والإحسان، والبلية منه بطريق العقوبة على ذنوب العباد.

{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)} .

{مَا} : اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط أو جملة الجواب أو هما. {أَصَابَ}: فعل ومفعول، في محل الجزم بـ {مَا} على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على {مَا} ، {من حَسَنَةٍ}: جار ومجرور حال من فاعل {أَصَابَكَ} . {فَمِنَ اللَّهِ} الله: {الفاء} : رابطة لجواب {ما} الشرطية، {مِنَ اللَّهِ}: جار ومجرور خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: فهو كائن من الله، والجملة الإسمية في محل الجزم بـ {مَا} ، على كونها جوابًا لها، وجملة {مَا} الشرطية مستأنفة، وقال أبو البقاء (2): ولا يصح أن تكون {مَا} هنا موصولة؛ لأن ذلك يقتضي أن يكون المصيب لهم ماضيًا مخصصًا، والمعنى على العموم، والشرط أشبه وأوفق، والتقدير: فهو من الله، والمراد بالأية الخصب والجدب، ولذلك لم يقل أصابت انتهى. {وَمَاَ}:{الواو} : عاطفة. {مَا} : اسم شرط، أو اسم موصول في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط أو الجواب الجار والمجرور الآتي. {أَصَابَك}: فعل ومفعول، في محل الجزم بـ {مَا} ، وفاعله

(1) الفتوحات.

(2)

العكبري.

ص: 224

ضمير يعود على {مَا} ، أو يقال: الجملة صلة الموصول إن قلنا {مَا} موصولة. {مِنْ سَيِّئَةٍ} : حال من فاعل {أَصَابَكَ} ، {فَمِنْ نَفْسِكَ}: جار ومجرور ومضاف إليه، خبر المبتدأ إن قلنا {ما}: موصولة، أو خبر مبتدأ محذوف، تقديره: فهي كائنة من نفسك، والجملة في محل الجزم جواب {مَنْ} الشرطية، إن قلنا إنها شرطية، وجملة {ما} الشرطية معطوفة على جملة قوله:{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} . {أَرْسَلْنَاك} : {الواو} : استئنافية، {أَرْسَلْنَاك}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة، {لِلنَّاسِ}: متعلق بـ {أَرْسَلْنَا} ، {رَسُولًا}: حال مؤكدة من كاف {أَرْسَلْنَاكَ} ؛ أي: ذا رسالة، ويجوز أن يكون مصدرًا؛ أي إرسالًا. {وَكَفَى بِاللَّهِ}: فعل وفاعل. {شَهِيدًا} : حال من الجلالة والجملة مستأنفة أو معطوفة على جملة {وَأَرْسَلْنَاكَ} .

التصريف ومفردات اللغة

{خُذُوا حِذْرَكُمْ} الحذر بكسر أوله وسكون ثانيه، والحذر بفتحتين كالمثل والمثل، كلاهما مصدر معناهما واحد: الاحتراس والاستعداد لاتقاء شر العدو، والتحفظ والتيقظ، وفي الكلام مبالغة، كأنه جعل الحذر آلة يقي بها نفسه، وقيل هو ما يحذر به من السلاح والخدم.

{فَانْفِرُوا} النفر: الانزعاج والفزع من الشيء، وفي "المصباح،: نفر نفرًا من باب ضرب في اللغة العالية، وبها قرأ السبعة، ونفر نفورًا من باب قعد لغة، وقرىء بمصدرها في قوله تعالى:{إِلَّا نُفُورًا} والنفير مثل النفور والاسم النفر بفتحتين انتهى.

{ثُبَاتٍ} جمع ثبة: وهي الجماعة من الرجال فوق العشرة إلى المئة، والسرية الجماعة أقلها مئة وغايتها أربع مئة، والمنسر من أربع مئة إلى ثمان مئة، والجيش من ثمان مئة إلى أربعة آلاف، والجحفل ما زاد على ذلك، وفي "السمين":{ثُبَاتٍ} جمع ثبة، ووزنها في الأصل فعلة كحطمة، فحذفوا لامها، وعوضوا عنها تاء التأنيث، وهل عينها واو ثبوة أو ياء ثبية؟ هناك قولان:

ص: 225

حجة القول الأول: أنها مشتقة من ثَبَا يَثْبُو، كحلا يحلو؛ أي: اجتمع.

وحجة الثاني: أنها مشتقة من ثبيت على الرجل إذا أثنيت عليه، كأنك جمعت محاسنه، ويجمع بالألف والتاء، وبالواو والنون، ويجوز في فائها حين جمع على ثبين الضم والكسر، وتصغيره ثبيوة على اللغة الأولى، كما تقول في سه سييهة، وعلى اللغة الثانية. ثبية.

{لَيُبَطِّئَنَّ} يقال: أبطأ وبطأ بمعنى؛ أي: تأخر وتثاقل، والثلاثي منه من باب قرب، والبطء التأخر عن الانبعاث في السير، وقد يستعمل أبطأ وبطأ بالتشديد متعديين، وعليه فالمفعول هنا محذوف؛ أي: ليبطئن غيره؛ أي: يثبطه ويجبنه عن القتال، ويقال أبطأ وبطؤ مثل أسرع وسرع مقابله، وبطآن اسم فعل بمعنى بطؤ.

{فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} سبيل الله هي تأييد الحق، والانتصار له بإعلاء كلمة الدين، ونشر دعوته، ودفاع الأعداء إذا هددوا أمتنا، أو أغاروا على أرضنا، أو نهبوا أموالنا، أو صدونا عن استعمال حقوقنا مع الناس. {يَشْرُونَ}: يبيعون، كما جاء في قوله تعالى:{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} ، {وَالْوِلْدَانِ}: جمع وليد، وهو الصبي الصغير، وفي "السمين" الولدان: جمع وليد، وقيل جمع ولد، والمراد بهم الصبيان، وقيل الأرقاء، يقال للعبد وليد، وللأمة وليدة، فغُلِّب المذكر على المؤنث لاندراجه فيه. {بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}: البروج المشيدة - واحدها برج - القصور العالية المطلية بالشيد، وهو الجص، أو الحصون والقلاع المتينة التي تعتصم فيها حامية الجند، وفي "أبي السعود":{ولَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} ؛ أي: في حصون رفيعة أو قصور محصنة، وقال السدي وقتادة: بروج السماء، ويقال شاد البناء وأشاده وشيده؛ أي: رفعه، وشيد القصر إذا رفعه أو طلاه بالشيد وهو الجبس، وفي "المصباح": الشيد الجص، وشدت البيت أشيده - من باب باع - بنيته بالشيد، فهو مشيد، وشيدته تشييدًا إذا طولته ورفعته. {حَسَنَةٌ}؛ أي: شيء يحسن عند صاحبه كالرضا، والخصب والظفر بالغنيمة. {سَيِّئَةٌ} هي ما تسوء صاحبها كالشدة والبأساء والضراء والهزيمة والجرح والقتل. {يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} يفهمون كلامًا يوعظون به.

ص: 226

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة والبيان والبديع.

فمنها: التجنيس المغاير في قوله: {فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ} ، وفي قوله:{فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} .

ومنها: إسناد الفعل إلى ما لا يصح وقوعه منه حقيقة في: {أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ} ، و {أَصَابَكُمْ فَضْلٌ} .

ومنها: جعل الشيء من الشيء وليس منه لمناسبة في قوله: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} .

ومنها: الاعتراض على قول الجمهور في قوله: {كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ} .

ومنها: الاستعارة في قوله: {يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ} ، وفي قوله:{فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} ، لما يناله من النعيم في الآخرة وفي {سَبِيلِ اللَّهِ} ، وفي قوله:{سَبِيلِ الطَّاغُوتِ} استعار الطريق للاتباع وللمخالفة، وفي:{كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} أطلق كف اليد الذي هو مختص بالإجرام على الإمساك عن القتال.

ومنها: الاستفهام الذي معناه الاستبطاء والاستبعاد في قوله: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ} .

ومنها: الاستفهام الذي معناه التعجب في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا} .

ومنها: التجوز بقي التي للوعاء عن دخولهم في الجهاد.

ومنها: الالتفات في قوله: {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ} في قراءة النون.

(1) البحر المحيط.

ص: 227

ومنها: التكرار في قوله: {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ، وفي قوله:{اجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ} ، و {يُقَاتِلُونَ} ، و {الشَّيْطَانُ} ، و {وَإِنْ تُصِبْهُمْ} ، و {مَا أَصَابَكَ} ، وفي اسم {الله} .

ومنها: الطباق اللفظي في قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا} و {الَّذِينَ كَفَرُوا} .

ومنها: المعنوي في قوله: {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} طاعته، وفي قوله:{فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ} معصيته.

ومنها: الاختصاص في قوله: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} ، وفي {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى} .

ومنها: التجوز بإسناد الفعل إلى غير فاعله في قوله: {يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} ، وفي {وَإِنْ تُصِبْهُمْ} ، وفي قوله:{مَا أَصَابَكَ} .

ومنها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: {كَخَشْيَةِ اللَّهِ} .

ومنها: إيقاع أفعل التفضيل حيث لا مشاركة في قوله: {خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى} .

ومنها: التجنيس المغاير في قوله: {يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ} .

ومنها: المقابلة في قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ} .

ومنها: الحذف في مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 228

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80) وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84) مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85) وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)} .

المناسبة

قوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما أمر (1) فيما تقدم بطاعة الله تعالى وطاعة الرسول، وبين جزاء المطيع، وأحوال الناس في هذه الطاعة بحسب قوة الإيمان وضعفه، ثم أمر بالقتال، وبين مراتب الناس في الامتثال له .. أعاد هنا الأمر بالطاعة، وبين أنها أولًا وبالذات لله تعالى ولغيره بالتبع، وبين ضروب مراوغة الضعفاء والمنافقين.

قوله تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (2): أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر في الآية قبلها تثبيطهم عن القتال، واستطرد من ذلك إلى أن الموت يدرك كل أحد، ولو اعتصم بأعظم معتصم، فلا فائدة في الهرب من القتال، وأتبع ذلك بما أتبع من سوء خطاب

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

ص: 229

المنافقين للرسول عليه السلام، وفعلهم معه من إظهار الطاعة بالقول، وخلافها بالفعل، وبكتهم في عدم تأملهم ما جاء به الرسول عليه السلام من القرآن الذي فيه كتب عليهم القتال .. عاد إلى أمر القتال، وهكذا عادة كلام العرب تكون في شيء ثم تستطرد من ذلك إلى شيء آخر له به مناسبة وتعلق، ثم تعود إلى ذلك الأول.

قوله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لما أمر (1) نبيه عليه السلام أن يحرض المؤمنين على الجهاد، وذكر أنه ليس عليه وزر من تمرد وعصى .. بين في هذه الآية أنهم حين أطاعوك، ولبوا دعوتك، أصابهم من هذه الطاعة خير كثير، وأن لك من هذا الخير نصيبًا تستحق عليه الأجر؛ لأنك قد بذلت الجهد في ترغيبهم فيه، بجعل نفسك شفيعًا ونصيرًا لهم في الوصول إلى تحصيل هذه الأغراض الشريفة.

قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ

} الآية، مناسبتها لما قبلها ظاهرة: وهي أنه تعالى لما ذكر أن الله كان على كل شيء حسيبًا .. أردفه بالإعلام بوحدانية الله تعالى، والحشر والبعث من القبور للحساب، ذكره أبو حيان في "البحر".

أسباب النزول

قوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ

} الآية، سبب نزول هذه الآية (2): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أحبني فقد أحب الله"، فقال بعض المنافقين: ما يريد هذا الرجل إلا أن نتخذه ربًّا، كما اتخذت النصارى عيسى بن مريم ربًّا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ

} الآية، سبب نزولها: ما رواه مسلم (3) عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله

(1) المراغي.

(2)

الخازن.

(3)

لباب النقول.

ص: 230