الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القصر منها، فقال {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ} في حكم الله تعالى {عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}؛ أي: فرضًا مؤكدًا عليهم في أوقات محدودة، لا بد من أدائها فيها بقدر الإمكان، فأداؤها في أوقاتها مع القصر بشرطه خير من تأخيرها لتؤدى تامة كاملة.
والحكمة في توقيتها في تلك الأوقات المعلومة: أن الأشياء إن لم يكن لها وقت معين لا يحافظ عليها الجم الغفير من الناس، إلى ما في هذا النوع من الذكر المهذب للنفس من التربية العملية للأمة الإِسلامية بأن تلتزم أداء أعمالها في أوقات معينة، مع عدم الهوادة فيها، ومن قصر فيها في تلك الأوقات الخمسة في اليوم والليلة .. فهو جدير بأن ينسى ربه ويغرق في بحار الغفلة، ومن قوي إيمانه وزكت نفسه لا يكتفي بهذا القدر القليل من ذكر الله تعالى ومناجاته، بل يزيد عليه من النوافل ما شاء الله أن يزيد.
والخلاصة: أن الصلوات الخمس إنما كانت موقوتة؛ لتكون مذكرة للمؤمن بربه في الأوقات المختلفة، لئلا تحمله الغفلة على الشر، أو التقصير في الخير، ولمن يريد الكمال في النوافل والأذكار أن يختار الأوقات التي يرى أنها أوفق بحاله.
104
- {وَلَا تَهِنُوا} ؛ أي: ولا تضعفوا أيها المؤمنون، {فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ}؛ أي: في طلب القوم الكفار الذين ناصبوكم وظاهروكم العداوة بل عليكم أن تستعدوا لقتالهم بعد الفراغ من الصلاة، مع أخذ الحذر وحمل السلاح عند أدائها، وهذا في معنى الأمر بالهجوم عليهم؛ أي: لا تعجزوا ولا تتوانوا في طلب الكفار بالقتال، نزلت (1) هذه الآية في شأن بدر الصغرى، وذلك لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طائفة في طلب أبي سفيان وأصحابه، فشكوا الجراحات حين رجعوا من أحد.
وسر هذا: أن الذي يوجه همته إلى المهاجمة تشتد عزيمته، وتعلو همته، أما الذي يلتزم الدفاع فحسب .. فإنه يكون خاثر العزيمة ضعيف القوة، {إِنْ تَكُونُوا} أيها المؤمنون {تَألَمُونَ}؛ أي: إن كنتم تتوجعون بالجراح {فَإِنَّهُمْ} ؛
(1) المراح.
أي: فإن الأعداء {يَألَمُونَ كَمَا تَألَمُونَ} ؛ أي: يتوجعون بالجراح كما تتوجعون أنتم، فحصول الألم قدر مشترك بينكم وبينهم، فلم يكن خوف الألم مانعًا لهم من قتالكم، فكيف يكون مانعًا لكم من قتالهم؛ أي: إن ما ينالكم من الآلام ينالهم منه مثله، فهم بشر مثلكم، وهم مع هذا يصبرون، فما لكم لا تصبرون وأنتم أولى منهم بالصبر، وبين سبب هذا بقوله:{وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} ؛ أي: وأنتم ترجون من الله ثوابه، وتخافون عذابه؛ لأنكم تعبدون الله تعالى والمشركون يعبدون الأصنام، فلا يصح منهم أن يرجوا منها ثوابًا، أو يخافوا منها عقابًا، فيجب أن تكونوا أرغب منهم في الحرب، وأصبر عليها، أو المعنى (1):{وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} من ظهور دينكم الحق على سائر الأديان الباطلة، ومن الثواب الجزيل، والنعم المقيم في الآخرة، كما أنه تعالى قد وعدكم إحدى الحسنيين، النصر أو الجنة بالشهادة إذا نصرتم دينه، ودافعتم عن حماه، وهذا الوعد من الرحمن مع خلوص الإيمان يدعوان إلى الرَّجاء والأمل، ويضاعفان العزيمة، ويحثان صاحبهما على العمل بصبر وثبات، أما اليائس من هذا الوعد الكريم فإنه يكون ضعيف العزيمة ميت الهمة، يغلب عليه الجزع والفتور، فإن تساويتم في الآلام فقد فضلتموهم في الثقة بحسن العاقبة، فأنتم أجدر منهم بالإقدام والجرأة، فإن أنفسكم قوية؛ لأنها ترى الموت مغنمًا، وهم يرونه مغرمًا، وقرأ الحسن (2):{تَهِنُوا} بفتح الهاء، وهي لغة، فتحت الهاء كما فتحت قال يدع، لأجل حرف الحلق. وقرأ عبيد بن عمير:{ولا تهانوا} من الإهانة، وقرأ الأعرج:{أن تكونوا تألمون} بفتح الهمزة على المفعول من أجله، وقرأ ابن المسيفع {تِئْلمون} بكسر التاء، وقرأ ابن وثاب ومنصور بن المعتمر:{تسئلمون} بكسر تاء المضارعة في الموضعين ويائها وهي لغة.
{وَكَانَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {عَلِيمًا} بنياتكم {حَكِيمًا} فيما يأمركم به وينهاكم عنه، فلا يكلفكم شيئًا إلا بما هو عالم بأنه سبب لصلاحكم في دينكم ودنياكم، وقد ثبت في واسع علمه ومضت به سننه أن العاقة للمتقين، والنصرة
(1) المراغي.
(2)
البحر المحيط.