المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والمعنى: إذا كانت هذه حالهم .. فلا تتخذوا منهم أنصارًا - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٦

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: والمعنى: إذا كانت هذه حالهم .. فلا تتخذوا منهم أنصارًا

والمعنى: إذا كانت هذه حالهم .. فلا تتخذوا منهم أنصارًا يساعدونكم على المشركين حتى يؤمنوا ويهاجروا ويشاركوكم في سائر شؤونكم، فإن الصادقين في إيمانهم لا يدعون النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه عرضة للخطر، ولا يتركوا الهجرة إلا إذا عجزوا عنها، وإذًا فتركهم لها علامة على نفاقهم الذي اختلفتم فيه. {فَإِنْ تَوَلَّوْا}؛ أي: أعرضوا عن الهجرة في سبيل الله تعالى، والمراد بها القتال مع المسلمين مع الإخلاص والنصح؛ أي: فإن أعرضوا عن الهجرة، وأقاموا على ما هم عليه من النفاق، من غير هجرة، ومن غير صدق ونصح مع المسلمين، ولزموا مواضعهم في خارج المدينة .. {فَخُذُوهُمْ} بالأسر إذا قدرتم عليهم {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}؛ أي: أينما وجدتموهم في الحل أو في الحرم، فإن حكمهم حكم سائر المشركين قتلًا وأسرًا، وهذا مشكل من حيث إن المنافقين ينطقون بالشهادتين، ومن نطق بهما لا يجوز أسره ولا قتله إلا أن يحمل هذا على قوم من المنافقين ارتدوا وصرحوا بالكفر. {وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ} في هذه الحالة {وَلِيًّا} يتولى شيئًا من مهام أموركم {وَلَا نَصِيرًا} ينصركم على أعدائكم، فإنهم أعداء، وقد استثنى الله سبحانه منهم من تؤمن غائلتهم بأحد أمرين:

‌90

- أحدهما: ما ذكره بقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} وهذا مستثثى من الأخذ والقتل فقط، وأما الموالاة فحرام مطلقًا، لا تجوز بحال، وعبارة الكرخي: قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ} استثناء من ضمير المفعول في: {فَاقْتُلُوهُمْ} لا من قوله تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا} وإن كان أقرب مذكور، لأن اتخاذ الولي منهم حرام بلا استثناء، بخلاف قتلهم، انتهت.

أي: فخذوهم واقتلوهم إلا الذين يتصلون بقوم معاهدين للمسلمين، فيدخلون في عهدهم، ويرضون بحكمهم، فيمتنع قتلهم مثلهم، لأنهم صاروا في أمانكم بواسطة التجائهم إلى المعاهدين، والمعنى: أن من دخل في عهد من كان داخلًا في عهدكم فهم أيضًا داخلون في عهدكم فلا يجوز أخذهم ولا قتلهم.

وثانيهما: ما ذكره بقوله تعالى: {أَوْ} إلا الذين {جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ} ؛ أي: أو إلا الذين جاؤوكم، وأتوكم حالة كونهم قد ضاقت صدورهم، وخافت قلوبهم عن قتالكم، وعن قتال قومهم، فلا تنشرح

ص: 267

صدورهم لأحد الأمرين، والمعنى: أنهم جاؤوا المسلمين مسالمين لا يقاتلونهم، ولا يقاتلون قومهم معهم، بل يكونون على الحياد، فهم لا يقاتلون المسلمين مع قومهم حفظًا للعهد، ولا يقاتلون قومهم مع المسلمين لأنهم أقاربهم.

والحاصل: أنه سبحانه وتعالى استثنى من المأمور بقتلهم فريقين:

أحدهما: من ترك المحاربين ولحق بالمعاهدين.

والآخر: من أتى المؤمنين وكف عن قتال الفريقين، فريق الإِسلام وفريق قومهم، وقبول معذرة الفريقين موافق لما يبنى عليه الإِسلام من التسامح والسماحة وعدم الاعتداء، كما قال تعالى:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا} .

{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى تسليطهم عليكم وقتالهم لكم {لَسَلَّطَهُمْ} ؛ أي: لسلط هؤلاء المعاهدين من الفريقين {عَلَيْكُمْ} ببسط صدورهم، وتقوية قلوبهم، وإزالة الرعب عنها، {فَلَقَاتَلُوكُمْ} ولم يكفوا عنكم، وهذا في الحقيقة جواب {لو} ، وما قبله توطئة له، وهذه اللام هي اللام التي في قوله تعالى:{لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ} وأعيدت تأكيدًا، ولكنه لم يشأ فألقى في قلوبهم الرعب، وقرأ الجمهور (1):{فَلَقَاتَلُوكُمْ} بألف المفاعلة وقرأ مجاهد وطائفة: {فلقتلوكم} على وزن ضربوكم، وقرأ الحسن والجحدري {فلقتلوكم} بالتشديد، والمعنى: أن ضيق صدوركم عن قتالكم إنما هو بقذف الله تعالى الرعب في قلوبهم، ولو قوى قلوبهم على قتال المسلمين .. لتسلطوا عليهم، والمقصود من هذا الكلام أن الله تعالى منَّ على المسلمين بكف بأس المعاهدين، فالله سبحانه بنظامه في الأسباب والمسببات، وسننه في الأفراد والجماعات جعل الناس في ذلك العصر أصنافًا ثلاثةً:

1 -

سليمو الفطرة الذين حصفت (2) آراؤهم، فسارعوا إلى الإيمان، واستنارا بنور الإِسلام.

(1) البحر المحيط.

(2)

يقال: حَصُف حصافة - من باب ظرف - إذا كان جيد الرأي محكم العقل فهو حصيف.

ص: 268