المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفطرة، وخطأ العقيدة، والتدنس بالرذيلة التي يلازمها فعل السيئات.   3 - - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٦

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: الفطرة، وخطأ العقيدة، والتدنس بالرذيلة التي يلازمها فعل السيئات.   3 -

الفطرة، وخطأ العقيدة، والتدنس بالرذيلة التي يلازمها فعل السيئات.

3 -

أن الناس متفاوتون فيما بين ذلك من درجات ودركات، أخسها الشرك، وأعلاها التوحيد، ولكل منهم صفات تناسبها، فلو جاز أن يغفر الشرك، ويجعل صاحبه مع النبيين والصديقين والملائكة المقربين .. لكان ذلك نقضًا لسنة الله التي لا تبديل فيها ولا تغيير.

واعلم: أنه قد تقدم نص هذه الآية بعينها في غرض آخر من هذه السورة، وأعادها هنا مرة أخرى للتأكيد، ولتكون راسخة في نفوس السامعين، لأنه إنما ترجى الهداية والموعظة بإبراز المعاني التي يراد إيداعها في نفوس السامعين في كل سياق يقصد فيه توجيها إليها، وإعدادها لقبولها، ولن يتم ذلك إلا بتكرار المقاصد الأساسية، فالذين عرفوا سنن الاجتماع، وفهموا طبائع البشر وأخلاقهم، يكررون في خطبهم ومقالاتهم أغراضهم ومقاصدهم التي ينشرونها في الصحف والكتب، فإن الذهن إذا تكرر عليه مدح الشيء أو ذمه .. أثر فيه، إلا أن (1) آخر ما تقدم:{فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} ، وآخر هذه:{فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} ، ختمت كل آية بما يناسبها، فتلك كانت في أهل الكتاب، وهم مطلعون من كتبهم على ما لا يشكون في صحته من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ووجوب اتباع شريعته، ونسخها لجميع الشرائع، ومع ذلك فقد أشركوا باللهِ، مع أن عندهم ما يدل على توحيد الله، والإيمان بما نزل، فصار ذلك افتراءً واختلاقًا مبالغًا في العظم والجرأة على الله، وهذه الآية في ناس مشركين، ليسوا بأهل كتب ولا علوم، ومع ذلك فقد جاءهم الهدى من الله، وبان لهم طريق الرشد، فأشركوا بالله، فضلوا بذلك ضلالًا يستبعد وقوعه، أو يبعد عنه الصواب، ولذلك جاء بعده:

‌117

- {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} وجاء بعد تلك: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} ، وقوله:{انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} ولم يختلف أحد من المتأولين في أن المراد بهم اليهود، وإن كان اللفظ عامًّا، ولما كان الشرك أعظم

(1) النهر.

ص: 360

الكبائر .. كان الضلال الناشىء عنه بعيدًا عن الصواب، لأن غيره من المعاصي وإن كان ضلالًا لكنه قريب من أن يراجع صاحبه الحق؛ لأن له رأس مال يرجع إليه وهو التوحيد، بخلاف المشرك، ولذلك قال تعالى:{يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12)} وناسب هنا أيضًا ذكر الضلال لتقدم الهدى قبله، ذكره أبو حيان في "النهر".

ثم بين الله تعالى كون الشرك ضلالًا بعيدًا فقال: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} ؛ أي: ما يعبد هؤلاء المشركون (1) من أهل مكة وغيرهم إلا أوثانًا يسمونها باسم الإناث، كقولهم: اللات والعزى ومناة، واللات تأنيث الله، والعزى تأنيث العزيز، ومناة تأنيث المنان، أو لأنهم يزينونها على هيئات النسوان. أو المعنى (2): هؤلاء المشركون لا يدعون لقضاء حاجتهم وتفريج كربهم إلا أمواتًا، فقد كانوا يعظمون الموتى ويدعونها، كما يفعل ذلك كثير من أهل الكتاب أو إلا إناثًا كاللات والعزى، وقد كان لكل قبيلة صنم يسمونه أنثى بني فلان.

وقرأ أبو رجاء (3): {إن تدعون} بالتاء على الخطاب، ورويت عن عاصم. وفي مصحف عائشة رضي الله عنها:{إلا أوثانًا} جمع وثن وهو الصنم، وقرأ بذلك أبو السوار والهنائي، وقرأ الحسن:{إلا أنثى} على التوحيد، وقرأ ابن عباس وأبو حيوة والحسن وعطاء وأبو العالية وأبو نهيك ومعاذ القاريء:{أُنثًا} جمع أنيث كغرير وغرر، والأنيث: المخنث الضعيف من الرجال، وقرأ سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وأبو المتوكل وأبو الجوزاء:{إلا وثنًا} بفتح الواو والثاء من غير همزة، وقرأ ابن المسيب ومسلم بن جندب، ورويت عن ابن عباس وابن عمر وعطاء:{إلا أنثًا} يريدون وَثَنًا، وقرأ أبو أيوب السجستاني:{إلا وثنًا} بضم الواو والثاء من غير همزة كشُقُق، وقرأت فرقة:

(1) المراح.

(2)

المراغي.

(3)

البحر المحيط.

ص: 361