الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلتُ: السر في الإفراد أولًا، والجمع ثانيًا: وقوع التوفي على الانفراد، والرد على الاجتماع، ذكره "أبو السعود".
وكلمة {أَلَا} في قوله: {أَلَا لَهُ الْحُكْمُ} حرف تنبيه واستفتاح؛ أي: انتبهوا أيها العباد واعلموا أن له سبحانه وتعالى وحده القضاء الحق في ذلك اليوم لا لغيره، لا بحسب الظاهر ولا بحسب الحقيقة، بخلاف الدنيا؛ فإنه وإن لم يكن حاكم في الحقيقة غيره تعالى، لكن فيها بحسب الظاهر حكام متعددة. {وَهُوَ} سبحانه وتعالى {أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ}؛ أي: أسرع من يحاسب؛ لأنه لا يحتاج إلى فكر وروية وعقد يد، وسرعة حسابه أنه يحاسب العباد كلهم في أسرع زمن وأقصره، لا يشغله حساب أحد عن حساب غيره، ولا يشغله شأن عن شأن.
والخلاصة؛ أنه تعالى أسرع الحاسبين إحصاء للأعمال ومحاسبة عليها. وقرأ الحسن والأعمش: {الحقَ} بالنصب في قوله: {مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ} على إضمار فعل؛ أي: أعني أو أمدح، أو على أنه صفة مصدر محذوف تقديره: ثم ردوا إلى الله مولاهم الردَّ الحق.
63
- {قُلْ} يا محمَّد لهؤلاء المشركين الغافلين عن أنفسهم وعما أودع في الآفاق من آيات التوحيد توبيخًا وتقريرًا لهم بانحطاط شركائهم عن رتبة الإلهية: {مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ} ؛ أي: من (1) ذا الذي ينجيكم من ظلمات البر إذا ضللتم فيه فتحيرتم وأظلمت عليكم الطرق {وَ} من ذا الذي ينجيكم من ظلمات {الْبَحْرِ} إذا ركبتم فيه، فأخطأتم الطريق، وأظلمت عليكم السبل، فلم تهتدوا. وقيل: ظلمات البر والبحر: مجاز عما فيهما من الشدائد والأهوال. وقيل: العمل على الحقيقة أولى، فظلمات البر: هي ما اجتمع فيه من ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة الرياح، فيحصل من ذلك الخوف الشديد؛ لعدم الاهتداء إلى الطريق الصواب، وظلمات البحر: ما اجتمع فيه من ظلمة الليل، وظلمة السحاب، وظلمة الرياح العاصفة، والأمواج الهائلة، فيحصل من ذلك أيضًا
(1) الخازن.
الخوف الشديد من الوقوع في الهلاك. والاستفهام هنا للتقريع والتوبيخ، كما مرت الإشارة إليه، فالمقصود: أنه عند اجتماع هذه الأسباب الموجبة للخوف الشديد لا يرجع الإنسان فيها إلا إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأنه هو القادر على كشف الكروب وإزالة الشدائد، وهو المراد من قوله:{تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} ؛ أي: من إله غير الله ينجيكم ويكشف عنكم تلك الكروب حالة كونكم تدعونه سبحانه وتعالى عند نزولها بكم تضرعًا وجهرًا، وتدعونه خفية وسرًّا، وتخلصون له الدعاء في الحالتين، وتنسون ما تشركون، يعني: إذا اشتد بكم الأمر .. تخلصون له الدعاء تضرعًا منكم إليه واستكانة جهرًا وخفية، يعني: جهرًا حالًا، وسرًّا حالًا، حالة كونكم قائلين في الدعاء ومقسمين له فيه، والله ربنا {لَئِنْ أَنْجَانَا} الله من هذه الظلمات، وخلصنا من الهلاك {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} له على هذه النعمة، نعمة الإنجاء؛ أي: لنكونن من المتصفين بالشكر، المخلصين له بالعبادة دون من نشركه معه في عبادته، والشكر: هو معرفة النعمة مع القيام بحقها لمن أنعم بها.
وقرأ (1) الكوفيون: {مَنْ يُنَجِّيكُمْ} {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ} بالتشديد فيهما. وقرأ حميد بن قيس ويعقوب وعلي بن نصر عن أبي عمرو بالتخفيف فيهما. وقرأ الحرميان - نافع وابن كثير - والعربيان - أبو عمرو وابن عامر - بالتشديد في {مَنْ يُنَجِّيكُمْ} والتخفيف في {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ} جمعوا بين التعدية بالهمزة والتضعيف كقوله: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ} . وقرأ (2) أبو بكر عن عاصم: {خفية} بكسر الخاء وسكون الفاء. وقرأ الباقون بضمها وسكون الفاء، وهما لغتان، وعلى هذا الاختلاف في سورة الأعراف. وقرأ الأعمش:{وخيفة} بكسر الخاء فبعده الياء الساكنة من الخوف؛ أي: مستكينًا أو دعاء خوف. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: {لَئِنْ أَنْجَانَا} بالغيبة. وقرأ الباقون: {لئن أنجيتنا} بالخطاب. والآية تدل (3) على أن الإنسان يأتي عند حصول الشدائد بأمور.
أحدها: الدعاء.
(1) البحر المحيط.
(2)
الشوكاني.
(3)
المراح.