المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وقرأ عبد الله وعكرمة: {عذاب الهوان} بالألف وفتح الهاء. {بِمَا - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٨

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: وقرأ عبد الله وعكرمة: {عذاب الهوان} بالألف وفتح الهاء. {بِمَا

وقرأ عبد الله وعكرمة: {عذاب الهوان} بالألف وفتح الهاء. {بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ} ؛ أي: بسبب قولكم مفترين على الله غير الحق، كقول بعضهم: ما أنزل الله على بشر من شيء، وقول بعض آخر: أنه أوحي إليه، ولم يوح إليه شيء، وإنكار طائفة منهم لما وصف الله به نفسه من الصفات، واتخاذ أقوام له البنين والبنات. {وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ}؛ أي: وبسبب كونكم مستكبرين عن الإيمان بآيات الله تعالى احتقارًا لمن أكرمه الله بإظهارها على يديه ولسانه.

ومعنى الآية: ولو ترى (1) يا محمَّد الظالمين وقت كونهم في شدائد الموت في الدنيا، والملائكة باسطوا أيديهم لقبض أرواحهم، قائلين لهم: أخرجوا أنفسكم من هذه الشدائد، وخلصوها من هذه الآلام، هذا الوقت تجزون العذاب الذي يقع به الهوان الشديد بسبب الافتراء على الله، والتكبر عن آيات الله .. لرأيت أمرًا فظيعًا، أو المعنى: ولو ترى الظالمين إذا صاروا إلى أنواع الشدائد والتعذيبات في الآخرة، فأدخلوا جهنم، والملائكة باسطوا أيديهم عليهم بالعذاب مبكتين لهم، قائلين: أخرجوا أنفسكم من هذا العذاب الشديد، هذا الوقت تجزون العذاب المشتمل على الإهانة بسبب كونكم قائلين قولًا غير الحق، وكونكم مستكبرين عن الإيمان بآيات الله .. لرأيت أمرًا عظيمًا.

‌94

- ثم ذكر سبحانه وتعالى ما يقوله لهم يوم القيامة بعد ذكر ما تقول لهم ملائكة العذاب، فقال:{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى} ؛ أي: وعزتي وجلالي لقد جئتمونا أيها الظالمون وحدانًا منفردين عن الأنداد والأوثان والأهل والإخوان، مجردين من الخدم والأملاك والأموال. وقرىء (2):{فراد} بوزن ثلاث غير مصروف. وقرأ عيسى بن عمر وأبو حيوة: {فرادًا} بالتنوين، وأبو عمرو ونافع في حكاية خارجة عنهما:{فردى} مثل: سَكْرى كقوله تعالى: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى} .

{كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} ؛ أي: كما أخرجناكم أول مرة من بطون أمهاتكم

(1) المراح.

(2)

البحر المحيط.

ص: 470

حفاة عراة غلفًا، ولا منافاة بين هذه الآية وبين قوله في آية أخرى:{وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ؛ لأن المراد: لا يكلمهم تكليم إكرام ورضاء. {وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ} وأعطيناكم في الدنيا من الأهل والأولاد والأموال {وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} ؛ أي: في الدنيا، وما نرى معكم شيئًا منه؛ أي: إن ما كان شاغلًا لكم عن الإيمان بالرسل، والاهتداء بما جاءوا به من الأهالي والأولاد والأموال والخدم والحشم والأثاث والرياشي لا ينفعكم اليوم، كما كنتم تتوهمون، فهو لم يغن عنكم شيئًا، ولم يمكنكم الافتداء به أو ببعضه من عذاب الآخرة. {وَمَا نَرَى مَعَكُمْ}؛ أي: وما رأينا وأبصرنا معكم {شُفَعَاءَكُمُ} من الملائكة والصالحين من البشر، ولا تماثيلهم، ولا قبورهم معكم {الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} وظننتم {أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ} مع الله، وقد زعمتم في الدنيا أنهم شركاء لله، تدعونهم ليشفعوا لكم عنده، ويقربونكم إليه زلفى بتأثيرهم في إرادته، وحملهم إياه على ما لم تتعلق به إرادته في الأزل. وفي هذه الجملة والتي قبلها هدم لقاعدتين من قواعد الوثنية، وهما: الفداء، والشفاعة.

وعزتي وجلالي {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} ؛ أي: لقد انقطع اليوم ما كان بينكم أنتم وشركائكم في الدنيا، من صلات النسب والملك والولاء والصداقة {و} لقد {ضَلَّ} وغاب {عَنْكُمْ} أيها الظالمون {مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} وتظنون في الدنيا من شفاعة الشفعاء، وتقريب الأولياء، وأوهام الفداء، وقد علمتم الآن بطلان غروركم واعتمادكم على غيركم.

والخلاصة: أن آمالكم قد خابت في كل ما تزعمون وتتوهمون، فلا فداء ولا شفاعة، ولا ما يغنى عنكم من عذاب الله من شيء.

وقرأ جمهور السبعة (1): {بَيْنَكُمْ} : بالرفع على أنه اتسع في الظرف، وأسند الفعل إليه، فصار اسمًا، كما استعملوه اسمًا في قوله:{وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} ، وكما حكى سيبويه: هو أحمر بين العينين، ورجحه الفارسي، أو على

(1) البحر المحيط.

ص: 471

أنه أريد بالبين: الوصل؛ أي: لقد تقطع وصلكم، قاله أبو الفتح والزهراوي والمهدوي. فالبين: اسم يستعمل للوصل والفراق، فهو مشترك بينهما، كالجون للأسود والأبيض.

وقرأ نافع والكسائي وحفص: {بَيْنَكُمْ} بفتح النون، وخرجه الأخفش على أنه فاعل، ولكنه مبني على الفتح حملًا على أكثر أحوال هذا الظرف، وقد يقال: لإضافته إلى مبني كقوله: {ومِنَّادُونَ ذلك} وخرجه غيره على أنه منصوب على الظرف، وفاعل {تَقَطَّعَ} التقطع. وقرأ عبد الله ومجاهد والأعمش:{ما بينكم} ، والمعنى: تلف وذهب ما بينكم وبين ما كنتم تزعمون، على إسناد الفعل إلى الذي بينكم.

فصل في ذكر الأحاديث المناسبة للآية

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة، فقال:"أيها الناس، إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلًا. {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} " متفق عليه.

وعن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يحشر الناس حفاة عراة غرلًا" قالت عائشة: فقلت: الرجال والنساء جميعًا، ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال:"الأمر أشد من أن يهمهم ذلك". متفق عليه.

وروى الطبري بسنده عن عائشة: أنها قرأت قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} ، فقالت: يا رسول الله، واسوأتاه! إن الرجال والنساء يحشرون جميعًا ينظر بعضهم إلى سوأة بعض؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه، لا ينظر الرجال إلى النساء، ولا النساء إلى الرجال، شغل بعضهم عن بعض".

الإعراب

{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84)} .

ص: 472

{وَوَهَبْنَا} : فعل وفاعل. {لَهُ} : متعلق بـ {وَهَبْنَا} . {إِسْحَاقَ} : مفعول به لـ {وَهَبْنَا} . {وَيَعْقُوبَ} : معطوف عليه، ولم ينونا؛ لأنهما ممنوعان من الصرف للعلمية والعجمة.

فائدة: وجميع أسماء النبيين أعجمية ممنوعة من الصرف للعلمية والعجمة إلا سبعة مجموعة في قول بعضهم:

أَلَا إِنَّ أَسْمَاءَ النَّبِيِّيْنَ سَبْعَةٌ

لَهَا الصَّرْفُ فِيْ إِعْرَابِ مَنْ يَتَنَشَّدُ

فَشِيْثٌ وَنُوْحٌ ثُمَّ هُوْدٌ وَصَالِحٌ

شُعَيْبٌ وَلُوْطٌ وَالنَّبِيُّ مُحَمَّدُ

فهذه السبعة مصروفة؛ لأن أربعة منها عربية: وهم محمد، وصالح، وشعيب، وهود. وثلاثة منها أعجمية، ولكنها صرفت لخفتها بسكون الوسط، وهم: نوح، ولوط، وشيث صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

والجملة الفعلية معطوفة على جملة قوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا} عطف فعلية على اسمية. {كُلًّا} : مفعول مقدم لـ {هَدَيْنَا} . {هَدَيْنَا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {وَنُوحًا}: مفعول مقدم لـ {هَدَيْنَا} . {هَدَيْنَا} : فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة {هَدَيْنَا} الأولى. {مِنْ قَبْلُ}: جار ومجرور حال من {نُوحًا} . {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ} : جار ومجرور حال من {دَاوُودَ} وما بعده تقديره: حالة كونهم كائنين من ذريته. وقوله: {دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ} معطوفات على {نُوحًا} ، {وَكَذَلِكَ}:{الواو} : استئنافية. {كَذَلِكَ} : جار ومجرور صفة لمصدر محذوف. {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والتقدير: ونجزي المحسنين على إحسانهم جزاءًا مثل جزائنا لإبراهيم، والجملة مستأنفة.

{وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86)} .

{وَزَكَرِيَّا} {الواو} : عاطفة. {زكريا ويحيى وعيسى وإلياس} : معطوفات على {دَاوُودَ} . {كُلٌّ} : مبتدأ. {مِنَ الصَّالِحِينَ} : جار ومجرور خبر المبتدأ،

ص: 473

والجملة مستأنفة. {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا} : معطوفات أيضًا على {دَاوُودَ} . {وَكُلًّا} : {الواو} استئنافية {كُلًّا} مفعول مقدم. {فَضَّلْنَا} : فعل وفاعل. {عَلَى الْعَالَمِينَ} : متعلق به، والجملة مستأنفة.

{وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87)} .

{وَمِنْ آبَائِهِمْ} : جار ومجرور في محل النصب معطوف على {كُلًّا} ، فالعامل فيه {فَضَّلْنَا} ، أو معطوف على {نُوحًا} فالعامل فيه {هَدَيْنَا} ، والتقدير: وفضلنا كلًّا منهم، وبعض أبائهم، {وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ}: معطوفان على {آبَائِهِمْ} . {وَاجْتَبَيْنَاهُمْ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة {فَضَّلْنَا} ، وكذلك {وَهَدَيْنَاهُمْ} جملة معطوفة على جملة {فَضَّلْنَا}. {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}: جار ومجرور وصفة، متعلق بـ {هَدَيْنَاهُمْ} .

{ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .

{ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ} : مبتدأ وخبر ومضاف إليه، والجملة مستأنفة. {يَهْدِي}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهِ}. {بِهِ}: جار ومجرور متعلق بـ {يَهْدِي} ، والجملة الفعلية في محل (1) النصب حال من الهدى، والعامل فيه: الإشارة، ويجوز أن يكون حالًا من اسم الله تعالى، وبجوز أن يكون {هُدَى اللَّهِ} بدلًا من {ذَلِكَ} ، و {يَهْدِي بِهِ} الخبر، ذكره أبو البقاء. {مَنْ}: اسم موصول في محل النصب مفعول {يَهْدِي} . {يَشَاءُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {اللَّه}. {مِنْ عِبَادِهِ}: جار ومجرور حال من {مَنْ} ، أو من العائد المحذوف، والجملة الفعلية صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: من يشاء هدايته من عباده. {وَلَوْ} {الواو} : استئنافية. {لَوْ} : حرف شرط. {أَشْرَكُوا} : فعل وفاعل، والجملة الفعلية فعل شرط لـ {لَوْ} لا محل لها من الإعراب. {لَحَبِطَ}:

(1) العكبري.

ص: 474

اللام: رابطة لجواب {لَوْ} . {حَبِطَ} : فعل ماض. {عَنْهُمْ} : جار ومجرور متعلق به. {مَا} : موصولة أو موصوفة، في محل الرفع فاعل. {كَانُوا}: فعل ناقص واسمه. وجملة {يَعْمَلُونَ} في محل النصب خبر كان، وجملة كان صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما كانوا يعملونه، وجملة {حَبِطَ} جواب {لو} الشرطية لا محل لها من الإعراب، وجملة {لو} الشرطية مستأنفة.

{أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89)} .

{أُولَئِكَ} : مبتدأ. {الَّذِينَ} : خبر، والجملة مستأنفة. {آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ}: فعل وفاعل ومفعولان؛ لأن آتى بمعنى: أعطى، والجملة الفعلية صلة الموصول. {وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ}: معطوفان على {الْكِتَابَ} . {فَإِنْ} الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت أن هؤلاء آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة، وأردت بيان ما إذا كفر بها .. فأقول لك:{فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا} : {إن} : حرف شرط. {يَكْفُرْ} : فعل مضارع مجزوم بـ {إن} الشرطية. {بِهَا} : جار ومجرور متعلق به. {هَؤُلَاءِ} : فاعل. {فَقَدْ} : الفاء: رابطة لجواب {إن} الشرطية وجوبًا، لاقترانه بـ {قَدْ}. {قَدْ}: حرف تحقيق. {وَكَّلْنَا} : فعل وفاعل في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونه جوابًا لها. {بِهَا} متعلق بـ {وَكَّلْنَا} . {قَوْمًا} : مفعول به، وجملة {إن} الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {لَيْسُوا}: فعل ناقص واسمه. {بِهَا} ، متعلق بـ {كَافِرِينَ}. {بِكَافِرِينَ}: خبر ليس، والباء فيه زائدة، وجملة {ليس} في محل النصب صفة لـ {قَوْمًا} .

{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} .

{أُولَئِكَ} : مبتدأ. {الَّذِينَ} : خبر، والجملة مستأنفة. {هَدَى اللَّهُ}: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: هداهم الله.

ص: 475

{فَبِهُدَاهُمُ} : الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت أن أولئك هم الذين هداهم الله، وأردت بيان ما هو اللازم لك .. فأقول لك:{بِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} : {بِهُدَاهُمُ} : جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {اقْتَدِهْ}. {اقْتَدِهْ}: فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، وهي الياء، والهاء: حرف سكت مبني على السكون، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة استئنافًا. بيانيًّا.

{قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} .

{قُلْ} : فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. {لَا أَسْأَلُكُمْ} إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت:{لَا} : نافية. {أَسْأَلُكُمْ} : فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على محمد. {عَلَيْهِ}: جار ومجرور حال من {أَجْرًا} ؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها. {أَجْرًا} : مفعول ثانٍ لـ {سأل} ، والجملة الفعلية في محل النصب مقول {قُلْ}. {إِنْ} نافية {هُوَ}: مبتدأ. {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ. {ذِكْرَى} : خبر المبتدأ، والجملة في محل النصب مقول لـ {قُلْ}. {لِلْعَالَمِينَ}: جار ومجرور متعلق بـ {ذِكْرَى} .

{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} .

{وَمَا} {الواو} : استئنافية. {ما} : نافية. {قَدَرُوا اللَّهَ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة. {حَقَّ}: منصوب على المفعولية المطلقة. {قَدْرِهِ} . مضاف إليه، والأصل: قدره الحق، ثم أضيفت الصفة إلى الموصوف، كما ذكره "أبو السعود". {إِذْ}: ظرف لما مضى من الزمان في محل النصب على الظرفية مبني على السكون. {قَالُوا} : فعل وفاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة {إِذْ} إليها، والظرف متعلق بـ {قَدَرُوا} ، والتقدير: وما قدروا الله حق قدره وقت قولهم. {مَا} : نافية. {أَنْزَلَ اللَّهُ} : فعل وفاعل. {عَلَى بَشَرٍ} : متعلق به. {مِنْ شَيْءٍ} : مفعول {أَنْزَلَ} ، و {مِنْ}: زائدة، والجملة الفعلية في محل النصب مقول {قَالُوا} .

ص: 476

{قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا} .

{قُلْ} : فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. {مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ} إلى قوله:{قُلِ اللَّهُ} مقول محكي لـ {قُلْ} ، وإن شئت قلت:{مَنْ} : اسم استفهام للاستفهام الإخباري في محل الرفع مبتدأ. {أَنْزَلَ الْكِتَابَ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} ، والجملة الفعلية خبر {مَنْ} الاستفهامية، والجملة الإسمية في محل النصب مقول {قُلْ}. {الَّذِي} في محل النصب صفة لـ {الْكِتَابَ}. {جَاءَ}: فعل ماض. {بِهِ} : متعلق به. {مُوسَى} : فاعل، والجملة صلة الموصول. {نُورًا}: حال من ضميره {بِهِ} ، فالعامل فيه {جَاءَ} ، أو من {الْكِتَابَ} ، والعامل فيه:{أَنْزَلَ} . {وَهُدًى} : معطوف على {نُورًا} . {لِلنَّاسِ} صفة لـ {هُدًى} . {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ} : فعل وفاعل ومفعول. {قَرَاطِيسَ} : منصوب بنزع الخافض؛ أي: في قراطيس وأوراق، والجملة في محل النصب حال من ضمير {بِهِ} ، أو من {الْكِتَابَ}. {تُبْدُونَهَا}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب صفة لـ {قَرَاطِيسَ} .

{وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ} .

{وَتُخْفُونَ كَثِيرًا} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة {تبدون} ، والرابط محذوف تقديره: وتخفون كثيرًا منها، أو مستأنفة لا محل لها من الإعراب. {وَعُلِّمْتُمْ}: فعل ونائب فاعل. {مَا} : موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول ثان لـ {عُلِّمْتُمْ} ، وجملة {عُلِّمْتُمْ} في محل النصب حال من فاعل {تَجْعَلُونَهُ}. {لَمْ تَعْلَمُوا}: جازم وفعل وفاعل، والجملة صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير المفعول المحذوف تقديره: وعلمتم ما لم تعلموه. {أَنْتُمْ} تأكيد لضمير الفاعل، كما قال ابن مالك في "الخلاصة":

وَإِنْ عَلَى ضَمِيْرِ رَفْعٍ مُتَّصِلْ

عَطَفْتَ فَافْصِلْ بِالضَّمِيْرِ الْمُنَفَصِلْ

ص: 477

{وَلَا آبَاؤُكُمْ} : معطوف على ضمير الفاعل.

{قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} .

{قُلِ} : فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. {اللَّهُ}: مبتدأ، والخبر محذوف تقديره: الله أنزله، أو فاعل بفعل محذوف تقديره: أنزله الله، والجملة في محل النصب مقول لـ {قُلِ}. {ثُمَّ}: حرف عطف وترتيب. {ذَرْهُمْ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة في محل النصب مقول {قُلِ}. {فِي خَوْضِهِمْ}: جار ومجرور متعلق بـ {ذَرْهُمْ} . وجملة {يَلْعَبُونَ} في محل النصب حال من ضمير المفعول في {ذَرْهُمْ} وعبارة "الفتوحات": قوله: {فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} يجوز أن يكون {فِي خَوْضِهِمْ} متعلقًا بـ {ذَرْهُمْ} ، وأن يتعلق بـ {يَلْعَبُونَ} ، وأن يكون حالًا من مفعول {ذَرْهُمْ} ، وأن يكون حالًا من فاعل {يَلْعَبُونَ} ، فهذه أربعة أوجه انتهت.

{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} .

{وَهَذَا كِتَابٌ} : مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. {أَنْزَلْنَاهُ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع صفة أولى لـ {كِتَابٌ}. {مُبَارَكٌ} صفة ثانية له. {مُصَدِّقُ}: صفة ثالثة له، وهو مضاف {الَّذِي} مضاف إليه. {بَيْنَ يَدَيْهِ}: ظرف ومضاف إليه، والظرف صلة الموصول.

تنبيه: قوله: {أَنْزَلْنَاهُ

} إلخ صفات لـ {كِتَابٌ} ، وقدّم وصفه بالإنزال على وصفه بالبركة بخلاف قوله:{وَهَذَا ذِكْرٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} قالوا: لأن الأهم هنا وصفه بالإنزال؛ إذ جاء عقيب إنكارهم أن ينزل الله على بشر من شيء بخلافه هناك، ووقعت الصفة الأولى جملة فعلية؛ لأن الإنزال يتجدد وقتًا فوقتًا، والثانية اسمًا صريحًا؛ لأن الاسم يدل على الثبوت والاستقرار، وهو مقصود هنا؛ أي: ذو بركة ثابتة مستقرة اهـ "سمين".

{وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} .

ص: 478

{وَلِتُنْذِرَ} {الواو} : عاطفة. {لِتُنْذِرَ} اللام لام كي. {تُنْذِرَ} : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على محمد. {أُمَّ الْقُرَى}: مفعول به ومضاف إليه، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: ولإنذارك أم القرى، الجار والمجرور معطوف على جار ومجرور معلوم من معنى ما قبله على كونه متعلقًا. بـ {أنزلناه} تقديره: وهذا كتاب أنزلناه للبركة، ولإنذارك أم القرى. {وَمَنْ حَوْلَهَا}:{مَنْ} : اسم موصول في محل النصب معطوف على {أُمَّ الْقُرَى} .

{حَوْلَهَا} : ظرف ومضاف إليه، والظرف صلة {مَنْ} الموصولة. {وَالَّذِينَ}: مبتدأ. {يُؤْمِنُونَ} : فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. {بِالْآخِرَةِ}: متعلق بـ {يُؤْمِنُونَ} : فعل وفاعل. {بِهِ} : جار ومجرور، متعلق به، والجملة الفعلية خبر المبتدأ، والجملة الإسمية مستأنفة لا محل لها من الإعراب. {وَهُمْ}: مبتدأ. {عَلَى صَلَاتِهِمْ} : متعلق بـ {يُحَافِظُونَ} المذكور بعده. وجملة {يُحَافِظُونَ} خبر المبتدأ، والجملة الإسمية في محل النصب حال من فاعل {يُؤْمِنُونَ} .

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} .

{وَمَنْ} {الواو} : استئنافية. {من} : اسم استفهام للاستفهام الإنكاري في محل الرفع مبتدأ. {أَظْلَمُ} : خبره، والجملة مستأنفة. {مِمَّنِ}: جار ومجرور، متعلق بـ {أظلم}. {افْتَرَى}: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {من} ، والجملة صلة الموصول. {عَلَى اللَّهِ}: جار ومجرور متعلق بـ {افْتَرَى} . {كَذِباً} : مفعول به. {أَوْ} حرف عطف. {قَالَ} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} ، والجملة معطوفة على جملة {افْتَرَى}. {أُوحِيَ} فعل ماضٍ مغير الصيغة. {إِلَيَّ}: جار ومجرور في محل الرفع نائب فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب مقول {قَالَ}. {وَلَمْ}:{الواو} : حالية. {لَمْ} : حرف جزم. {يُوحَ} : فعل مضارع مغير الصيغة مجزوم بـ {لَمْ} . {إِلَيْهِ} : متعلق به. {شَيْءٌ} : نائب فاعل لـ {يُوحَ} ، وجملة {يُوحَ} في محل النصب حال من فاعل {قَالَ} .

{وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} .

ص: 479

{وَمَنْ} {الواو} : عاطفة. {مَن} : اسم موصول في محل الجر معطوف على {من افترى} . {قَالَ} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {مَن} ، والجملة صلة {مَن} الموصولة. {سَأُنْزِلُ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} ، والجملة في محل النصب مقول {قَالَ}. {مِثْلَ}: مفعول به، وهو مضاف. {مَا}: موصولة أو موصوفة، في محل الجر مضاف إليه، {أَنْزَلَ اللَّهُ} فعل وفاعل، والجملة صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: مثل ما أنزله الله، {وَلَوْ}:{الواو} : استئنافية. {لَوْ} : حرف شرط غير جازم. {تَرَى} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة الفعلية فعل شرط لـ {لو} لا محل لها من الإعراب. {إِذِ}: ظرف لما مضى من الزمان. {الظَّالِمُونَ} : مبتدأ. {فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} : جار ومجرور ومضاف إليه، الجار والمجرور خبر المبتدأ، والجملة الإسمية في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذِ} ، والظرف متعلق بـ {تَرَى} على كونه مفعولًا به لـ {تَرَى} ، والتقدير: ولو ترى وقت كون الظالمين في غمرات الموت، وجواب {لو} محذوف تقديره: لرأيت أمرًا فظيعًا، وجملة {لَوْ} الشرطية مستأنفة.

{وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} .

{وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ} : مبتدأ وخبر ومضاف إليه، والجملة في محل النصب حال من الضمير المستكن في قوله {فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} . و {أَيْدِيهِمْ} خفض لفظًا، وموضعه نصب، وإنما سقطت النون للإضافة. {أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول لقول محذوف حال من الضمير في {بَاسِطُو} ، والتقدير: والملائكة باسطوا أيديهم حالة كونهم قائلين للظالمين: أخرجوا أنفسكم. {الْيَوْمَ} : منصوب على الظرفية متعلق بـ {تُجْزَوْنَ} المذكور بعده. {تُجْزَوْنَ} : فعل ونائب فاعل. {عَذَابَ الْهُونِ} : مفعول ثانٍ لـ {تُجْزَوْنَ} ، والأول قام مقام الفاعل، والجملة الفعلية مقول للقول المحذوف.

{بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} .

{بِمَا} {الباء} : حرف جر وسبب {ما} : مصدرية. {كُنْتُمْ} : فعل ناقص

ص: 480

واسمه. {تَقُولُونَ} : فعل وفاعل. {عَلَى اللَّهِ} : جار ومجرور متعلق بـ {تَقُولُونَ} . {غَيْرَ الْحَقِّ} : مفعول به. لـ {تَقُولُونَ} ؛ لأنه بمعنى: تذكرون، وجملة {تَقُولُونَ} في محل النصب خبر {كان} ، وجملة {كان} صلة {ما} المصدرية {ما} مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالباء تقديره: بسبب كونكم قائلين غير الحق، الجار والمجرور متعلق بـ {تُجْزَوْنَ}. {وَكُنْتُمْ} فعل ناقص واسمه. {عَنْ آيَاتِهِ}: جار ومجرور متعلق بـ {تَسْتَكْبِرُونَ} . وجملة {تَسْتَكْبِرُونَ} خبر {كان} ، وجملة {كان} معطوفة على جملة {كان} الأولى على كونها صلة لـ {ما} المصدرية؛ أي: وبسبب كونكم مستكبرين عن الإيمان بآيات الله تعالى.

{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} .

{وَلَقَدْ} {الواو} : استئنافية، اللام موطئة للقسم، قد: حرف تحقيق. {جِئْتُمُونَا} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم المحذوف مستأنفة. {فُرَادَى}: حال من فاعل {جِئْتُمُونَا} ، ولم ينون؛ لأنه اسم لا ينصرف لألف التأنيث المقصورة كأسارى. {كَمَا} الكاف: حرف جر وتشبيه، ما: مصدرية. {خَلَقْنَاكُمْ} : فعل وفاعل ومفعول {أَوَّلَ مَرَّةٍ} : منصوب على الظرفية متعلق بـ {خَلَقْنَاكُمْ} ، والجملة الفعلية صلة {ما} المصدرية، {ما} مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالكاف تقديره: كخلقنا إياكم أول مرة الجار والمجرور حال من فاعل جئتمونا والتقدير ولقد جئتمونا فرادى مشبهة حالكم حال خَلْقنا إياكم أول مرة. {وَتَرَكْتُمْ} : فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من فاعل {جِئْتُمُونَا} على تقدير: قد، أو مستأنفة {مَا}: موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول {تَرَكْتُمْ}. {خَوَّلْنَاكُمْ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة لـ {ما} وأو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما خولناكموه. {وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} : ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ {تَرَكْتُمْ} .

{وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ} .

ص: 481

{وَمَا} {الواو} : عاطفة. {مَا} : نافية. {نَرَى} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله {مَعَكُمْ} متعلق بـ {نَرَى}. {شُفَعَاءَكُمُ}: مفعول به، والجملة معطوفة على جملة قوله:{وَتَرَكْتُمْ} . {الَّذِينَ} : اسم موصول صفة لـ {شُفَعَاءَكُمُ} {زَعَمْتُمْ} فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. {أَنَّهُمْ} ناصب واسمه {فِيكُمْ}: متعلق بخبر {أن} المذكور بعده {شُرَكَاءُ} : خبر {أن} مرفوع، وجملة {أن} في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي زعم تقديره: زعمتم كونهم شركاء فيكم.

{لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} .

{لَقَدْ} اللام: موطئة للقسم. {قد} : حرف تحقيق. {تَقَطَّعَ} : فعل ماضٍ. {بَيْنَكُمْ} : ظرف ومضاف إليه، والظرف متعلق بفاعل محذوف تقديره: لقد تقطع الاتصال بينكم، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مستأنفة. وعبارة "السمين" (1) هنا: قوله: {بَيْنَكُمْ} قرأ نافع والكسائي وعاصم في رواية حفص عنه: {بَيْنَكُمْ} نصبًا، والباقون:{بَيْنَكُمْ} رفعًا. فأما القراءة الأولى ففيها ثلاثة أوجه:

أحسنها: أن الفاعل مضمر يعود على الاتصال، والاتصال وإن لم يكن مذكورًا حتى يعود عليه ضمير، لكنه تقدم ما يدل عليه، وهو لفظ: شركاء، فإن الشركة تشعر بالاتصال، والمعنى: لقد تقطع الاتصال بينكم، فانتصب {بَيْنَكُمْ} على الظرفية.

الثاني: أن الفاعل هو {بَيْنَكُمْ} ، وإنما بقي على حاله منصوبًا حملًا له على أغلب أحواله، وهو مذهب الأخفش، وقد يقال: لإضافته إلى مبنى.

الثالث: قال الزمخشري: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} معناه: لقد وقع التقطع بينكم، كما تقول جمع بين الشيئين تريد أوقع الجمع بين الشيئين على إسناد الفعل إلى مصدره بهذا التأويل.

(1) الفتوحات.

ص: 482

وأما القراءة الثانية ففيها وجهان.

أحدهما: أن {بين} اسم غير ظرف، وإنما معناها الوصل؛ أي: لقد تقطع وصلكم.

الثاني: أن هذا كلام محمول على معناه؛ إذ المعنى: لقد تفرق جمعكم وتشتت، وهذا لا يصلح أن يكون تفسير إعراب انتهت مع بعض تصرف.

وقال الزجاج: والرفع أجود، والمعنى لقد تقطع وصلكم.

{وَضَلَّ} {الواو} : عاطفة. {ضَلَّ} : فعل ماض. {عَنْكُمْ} : متعلق به. {مَا} : موصولة أو موصوفة، في محل الرفع فاعل {ضَلَّ} ، والجملة الفعلية معطوفة على جملة {تَقَطَّعَ} على كونها جوابًا لقسم محذوف. {كُنْتُمْ}: فعل ناقص واسمه. {تَزْعُمُونَ} : فعل وفاعل، ومفعولا {تَزْعُمُونَ} محذوفان، التقدير: تزعمونهم شفعاء، حذفا للدلالة عليهما، كما قال الشاعر:

تَرَى حُبَّهُمْ عَارًا عَلَيَّ وَتَحْسَبِ

أي: وتحسبه عارًا، وجملة {تَزْعُمُونَ} خبر {كان} صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط الضمير المحذوف من {تَزْعُمُونَ} . والله أعلم.

التصريف ومفردات اللغة

قوله: {وَالْيَسَعَ} وتقدم لك أن الجمهور قرؤوا: {الْيَسَعَ} بلام واحدة ساكنة وفتح الياء، وقرأ حمزة والكسائي:{الليسع} بلام مشددة وياء ساكنة بعدها، فقراءة الجمهور فيها تأويلان:

أحدهما: أنه منقول من فعل مضارع، والأصل: يوسع بكسر السين، ثم حذفت الواو لوقوعها بين ياء مفتوحة وكسرة، ثم فتحت السين بعد حذف الواو؛ لأجل حرف الحلق وهو العين، مثل: يهب ويقع ويدع ويلغ، ثم سمى به مجردًا عن الضمير، وزيدت فيه الألف واللام شذوذًا كاليزيد في قوله:

ص: 483

رَأَيْتُ الْوَلِيْدَ بْنَ الْيَزِيْدِ مُبَارَكًا

شَدِيْدًا بِأَعْبَاءِ الْخِلَافَةِ كَاهِلُهْ

ولزمت فيه كما لزمت في الآية، وقيل: الألف واللام فيه للتعريف، كأنه قدر تنكيره.

والثاني: أنه اسم أعجمي لا اشتقاق له، وأما قراءة الأخوين، فأصله: ليسع كضيغم وصيرف، وهو اسم أعجمي، ودخول الألف واللام فيه على الوجهين المتقدمين، واختار أبو عبيد قراءة التخفيف، فقال: سمعنا اسم هذا النبي في جميع الأحاديث اليسع، ولم يسمّه أحد منهم الليسع، وهذا لا حجة فيه؛ لأنه روي اللفظ بأحد لغتيه، وإنما آثر الرواة هذه اللفظة لخفتها، لا لعدم صحة الأخرى. وقال الفراء: قراءة التشديد أشبه بأسماء العجم. وقد تقدم أن في نون يونس ثلاث لغات، وكذلك في سين يوسف اهـ "سمين".

{وَاجْتَبَيْنَاهُمْ} والاجتباء: الاصطفاء أو التخليص أو الاختيار، مشتق من جبيت الماء في الحوض: جمعته فيه، فالاجتباء ضم الذي تجتبيه إلى خاصيتك.

{فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} بها السكت، وهي حرف يجتلب للاستراحة عند الوقف، فثبوتها وقفًا لا إشكال فيه، وأما ثبوتها وصلًا فإجراء ومعاملة له مجرى الوقف، كما قال في "الخلاصة":

وَقِفْ بِهَا الْسَّكْتِ عَلَى الْفِعْلِ الْمُعَلّ

بِحَذْفِ آخِرٍ كَأَعْطِ مَنْ سَأَلْ

ثم قال:

وَرُبَّمَا أُعْطِيَ لَفْظُ الْوَصْلِ مَا

لِلْوَقْفِ نَثْرًا وَفَشَا مُنْتَظِمَا

والاقتداء: طلب موافقة الغير في فعله، فمعنى فبهداهم اقتداه؛ أي: ائتم بهم في التوحيد والصبر، دون الفروع المختلفة باختلاف الشرائع، ودون المنسوخة، فإنها بعد النسخ لا تتبع، ويقال: اقتدى به إذا اتبعه وجعله قدوة له؛ أي: متبعًا.

{إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى} هو مصدر ذكر يذكر ذكرى على وزن فعلى بكسر الفاء،

ص: 484

ولم يأتِ مصدر على وزن فعلى بكسر الفاء إلا ذكرى كما مرَّ.

{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} يقال: قدر يقدر من باب نصر ينصر، وأصل القدر: السبر والحزر، يقال: قدر الشيء إذا سبره وحزره ليعرف مقداره، ثم استعمل في معرفة الشيء، وقدر الشيء ومقداره: مقياسه الذي يعرف به، ويقال: قدره يقدره إذا قاسه، والقدر والقدرة والمقدار: القوة أيضًا، والقدر: الغنى واليسار والشرف.

{يَلْعَبُونَ} وفي "القاموس": لعب كسمع لعبًا بكسر العين ضد جد، فاللعب يشمل الهزل والسخرية والاستهزاء.

{قَرَاطِيسَ} جمع قرطاس، كمصابيح جمع مصباح، وهو ما يكتب فيه من ورق أو جلد أو غيرهما.

{مُبَارَكٌ} اسم مفعول من بارك؛ لأن الله سبحانه وتعالى بارك فيه بما فضل به ما قبله من الكتب في النظم والمعنى {أُمَّ الْقُرَى} وأم القرى: مكة، وسميت بذلك؛ لأنها قبلة أهل القرى، أو لأنهم يعظمونها كالأم، أو لأن فيها أول بيت للناس.

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ} الافتراء: اختلاق الكذب، وافتراء الكذب على الله: الاختلاق عليه، والحكاية عنه ما لم يقله، أو اتخاذ الأنداد والشركاء.

{فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} والغمرات: جمع غمرة، وهي: الشدة الفظيعة، وأصلها: من غمره الماء إذا ستره؛ كأنها تستر بغمها من تنزل به اهـ "سمين". وفي "المختار": وقد غمره الماء؛ أي: علاه، وبابه نصر، والغمرة: الشدة، والجمع: غمر بفت الميم كنوبة ونوب، وغمرات الموت: شدائده.

{الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} واليوم: الزمن المحدود، والمراد به هنا: يوم القيامة الذي يبعث الله فيه الناس للحساب والجزاء. والهُون - بالضم - والهوان الذل، ومنه قوله تعالى:{أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} والهون - بالفتح -:

ص: 485

اللين والرفق، ومنه قوله تعالى:{الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} . وأضاف (1) العذاب إلى الهون إيذانًا بأنه متمكن فيه، وذلك لأنه ليس كل عذاب يكون فيه هون؛ لأنه قد يكون على سبيل الزجر والتأديب كضرب الوالد ولده، ويجوز أن يكون من باب إضافة الموصوف إلى صفته، وذلك أن الأصل العذاب الهون، وصفه به مبالغة، ثم أضافه إليه حد الإضافة في قولهم: بقلة الحمقاء، ونحوه، ويدل على أنّ الهون بمعنى الهوان قراءة عبد الله وعكرمة له كذلك اهـ "سمين".

{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى} واختلف (2) الناس في {فُرَادَى} هل هو جمع أم لا؟ والقائلون بأنه جمع اختلفوا في مفرده. فقال الفراء: فرادى جمع فرد بفتح الراء، وفريد وفرد بسكونها وفردان، فجوز أن يكون جمعًا لهذه الأشياء. وقال ابن قتيبة: هو جمع فردان كسكران وسكارى، وعجلان وعجالى. وقال قوم: هو جمع فريد كرديف وردافى، وأسير وأسارى، قاله الراغب. وقيل: هو اسم جمع؛ لأن فردًا لا يجمع على فرادى. وقول من قال إنه جمع له، فإنما يريد في المعنى، ومعنى فرادى: فردًا فردًا اهـ "سمين".

وفي "البيضاوي": وفرادى جمع فرد، والألف للتأنيث ككسالى. وقرىء فرادًا بالتنوين، كغراب وفراد بلا تنوين، كثلاث، وفردى كسكرى اهـ. فهذه أربع قراءات: الأولى: هي المتواترة، والثلاثة بعدها شواذ، كما في "السمين". ويقال (3): رجل أفرد وامرأة فردى إذا لم يكن لهما أخ، وفرد الرجل يفرد فرودًا إذا تفرد، فهو فارد.

قوله: {خَوَّلْنَاكُمْ} ؛ أي: أعطيناكم، يقال (4): خوله: أعطاه وملكه، وأصله: تمليك الخول كما تقول: مولته إذا ملكته المال، والترك وراء الظهر يراد

(1) الفتوحات.

(2)

الفتوحات.

(3)

البحر المحيط.

(4)

البحر المحيط.

ص: 486

به: عدم الانتفاع بالشيء.

{لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} البين: الفراق، قيل: يطلق على الوصل فيكون مشتركًا.

قال الشاعر:

فَوَاللهِ لَوْلَا الْبَيْنُ لَمْ يَكُنِ الْهَوَى

وَلَوْلَا الْهَوَى مَا حَنَّ للْبَيْنِ آلِفُهْ

وهو هنا مصدر بأن يبين بينًا بمعنى: البعد، ويطلق على الضدين، كالبعد والقرب والوصل والانقطاع، والمراد به هنا: الوصل؛ أي: الاتصال؛ أي: العلقة والارتباط، ويضاف البين إلى المثنى كقوله تعالى:{فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} ، وإلى الجمع كقوله:{أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} ، ولا يضاف إلى المفرد إلا إذا كرر كقوله:{هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} .

قوله: {أَوَّلَ مَرَّةٍ} ومرة في الأصل: مصدر لمر يمر مرة، ثم اتسع فيها، فصارت زمانًا. قال أبو البقاء: وهذا يدل على قوة شبه الزمان بالفعل. وقال الشيخ: وانتصب أول مرة على الظرف؛ أي: أول زمان.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: الوصل والفصل في أسماء الأنبياء عليهم السلام.

ومنها: التكرار في قوله: {كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا} ، وفي:{أُنزِلَ} ، وفي {يُؤمِنونَ} وفي {كُنتُمْ} .

ومنها: الطباق في قوله: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ} ، وفي قوله:{يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا} ، وفي قوله:{تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ} .

ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ} ، وفي قوله:{فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} ، وفي قوله:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} ، وفي قوله:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} .

ومنها: الجناس المماثل في قوله: {أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} ،

ص: 487

وفي قوله: {وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} .

ومنها: القصر في قوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} ؛ لأن تقديم المعمول على عامله يفيد الحصر، وفي قوله:{إنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى} .

ومنها: الإضافة للتشريف في قوله: {هَدَى اللَّهُ} .

ومنها: المبالغة في النفي في قوله: {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} لأن فيه مبالغة في إنكار نزول شيء من الوحي على أحد من الرسل بزيادة {مِنْ} الاستغراقية.

ومنها: الاستفهام التوبيخي في قوله: {مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} .

ومنها: التشبيه في قوله: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} ، وفي قوله:{كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} .

ومنها: الاستعارة في قوله: {وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى} ؛ لأن فيه استعارة لفظ الأم لمكة المكرمة؛ حيث شبهت بالوالدة، فاستعير لها لفظ الأم على طريقة الاستعارة التصريحية الترشحية؛ لأنها أصل المدن والقرى، ولفظ القرى ترشيح، وفي قوله:{فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} ؛ لأن الغمرة حقيقة في ستر الماء لمن دخل فيه، فاستعيرت لشدائد الموت. قال (1) الشريف الرضي: هذه استعارة عجيبة حيث شبه سبحانه ما يعتورهم من كرب الموت وغصصه بالذين تتقاذفهم غمرات الماء ولججه، وسميت غمرة؛ لأنها تغمر قلب الإنسان.

ومنها: الكناية في قوله: {وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} ؛ لأن الترك وراء الظهر كناية عن عدم الانتفاع بالشيء.

ومنها: الزيادة والحذف في مواضع عديدة.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

(1) تلخيص البيان.

ص: 488

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)} .

المناسبة

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما قدم الكلام (1) على تقرير التوحيد وتقرير النبوة .. أردفه بذكر الدلائل الدالة على كمال قدرته وعلمه وحكمته تنبيهًا بذلك

(1) الخازن.

ص: 489

على أن المقصود الأعظم هو معرفة الله سبحانه وتعالى بجميع صفاته وأفعاله، وأنه مبدع الأشياء وخالقها، ومن كان كذلك .. كان هو المستحق للعبادة، لا هذه الأصنام التي كانوا يعبدونها، وتعريفًا منه خطأ ما كانوا عليه من الإشراك الذي كانوا عليه.

وعبارة "المراغي" هنا: مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى بعد أن (1) أثبت أمر التوحيد، ثم أردفه بتقرير أمر النبوة والبعث، وذكر مسائل لها ملابسات لهذه الأصول .. عاد هنا وفصَّل طائفة من آيات التكوين تدل أوضح الدلالة على وحدانيته تعالى وقدرته وعلمه وحكمته، وبيان سننه في خلقه، وحكمه في الإحياء والإماتة، والأحياء والأموات، وتقديره وتدبيره لأمر النيرات في السموات، وإبداعه في شؤون النبات.

قوله تعالى: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما استدل (2) على باهر حكمته وقدرته بدلالة أحوال النبات والحيوان، وذلك من الأحوال الأرضية .. استدل أيضًا على ذلك بالأحوال الفلكية؛ لأن فلق الصبح أعظم من فلق الحب والنوى؛ لأن الأحوال الفلكية أعظم وقعًا في النفوس من الأحوال الأرضية.

قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (3) ذكر البراهين الدالة على تفرده بالخلق والتدبير في عالم السموات والأرض .. ذكر هنا بعض ضروب الشرك التي قال بها بعض العرب وروى التاريخ مثلها عن كثير من الأمم، وهي اتخاذ شركاء لله من عالم الجن المستتر عن العيون، أو اختراع نسل له من البنين والبنات.

وقال أبو حيان (4): مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر ما اختص به من باهر قدرته ومتقن صنعته، وامتنانه على عالم الإنسان

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

(3)

المراغي.

(4)

البحر المحيط.

ص: 490

بما أوجد له مما يحتاج إليه في قوام حياته، وبين أن في ذلك آيات لقوم يعلمون، ولقوم يفقهون، ولقوم يؤمنون .. ذكر ما عاملوا به منشئهم من العدم وموجد أرزاقهم من إشراك غيره له في عبادته، ونسبة ما هو مستحيل عليه من وصفه بسمات الحدوث من البنين والبنات.

قوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما أقام (1) الأدلة والبراهين الواضحة على توحيده، وكمال قدرته وعلمه .. عاد هنا إلى تقرير أمر الدعوة والرسالة، وتبليغ النبي صلى الله عليه وسلم أوامر ربه، ومدى تلك الأوامر من الهداية والإرشاد، وما يقوله المشركون في المبلغ لها، وأعلم سبحانه سنته فيهم وفي أمثالهم، وما يجب على الرسول معهم، وما ينفى عنه.

قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما أمر (2) رسوله فيما سبق من الآيات بتبليغ وحيه بالقول والعمل، والإعراض عن المشركين بمقابلة جحودهم وطعنهم في الوحي بالصبر والحلم، وبيَّن أن من مقتضى سنته في البشر أن لا يتفقوا على دين واحد لاختلاف استعدادهم، وتفاوتهم في درجات الفهم والفكر، وذكر أن وظيفة الرسل أن يكونوا مبلغين لا مسيطرين، وهادين لا جبارين، فينبغي أن لا يضيقوا ذرعًا بما يرون وما يشاهدون من الإزدراء بهم، والطعن في دينهم، فإن الله هو الذي منحهم هذه الحرية، ولم يجبرهم على الإيمان .. نهى المؤمنين هنا عن سب آلهة المشركين؛ لأنهم إذا شتموا فربما غضبوا وذكروا الله بما لا ينبغي من القول، ثم ذكر طلب بعضهم للآيات؛ لأن القرآن ليس من جنس المعجزات، ولو جاءهم بمعجزة ظاهرة لآمنوا به، وحلفوا على ذلك، وأكدوه بكل يمين محرجة.

(1) المراغي.

(2)

المراغي.

ص: 491

أسباب النزول

قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ

} الآية، سبب نزولها: ما أخرجه (1) عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن قتادة قال: كان المسلمون يسبون أصنام الكفار، فيسب الكفار الله، فأنزل الله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ

} الآية.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما (2): لما نزلت {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} .. قال المشركون: يا محمد، لتنتهين عن سب آلهتنا، أو لنهجون ربك، فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم، فيسبوا الله عدوًا بغير علم.

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: لما حضر أبا طالب الموت .. قالت قريش: انطلقوا، فلندخلن على هذا الرجل، فلنأمرنه أن ينهى عنا ابن أخيه، فإنا نستحيي أن نقتله بعد موته، فتقول العرب: كان يمنعه ويحميه، فلما مات قتلوه، فانطلق أبو سفيان، وأبو جهل، والنضر بن الحارث، وأمية وأبي ابنا خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمرو بن العاص، والأسود بن البختري، وبعثوا رجلًا منهم يقال له المطلب، فقالوا: استأذن لنا على أبي طالب، فأتى أبا طالب فقال: هؤلاء مشيخة قومك، يريدون الدخول عليك، فأذن لهم فدخلوا، فقالوا: يا أبا طالب، أنت كبيرنا وسيدنا، وإن محمدًا قد آذانا وآذى الهتنا، فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا، ولندعه وإلهه، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه، فقال له: هؤلاء قومك وبنو عمك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما يريدون"؟ قالوا: نريد أن تدعنا وآلهتنا، وندعك وإلهك، قال أبو طالب: قد أنصفك قومك فاقبل منهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"أرأيتم لو أعطيتكم هذا، هل أنتم معطي كلمة إن تكلمتم بها .. ملكتم بها العرب، ودانت لكم بها العجم، وأدت لكم الخراج؟ قال أبو جهل: وأبيك: لنعطينكها وعشر أمثالها، فما هي؟ قال: قولوا: لا إله إلا الله، فأبوا واشمأزوا، قال أبو طالب: قل غيرها، فإن قومك قد فزعوا منها، قال: "يا عم

(1) لباب النقول.

(2)

الخازن.

ص: 492