المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

العادات، ولا يؤمنون به، وإن جاء بآيات أخرى؛ إذ لم - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٨

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: العادات، ولا يؤمنون به، وإن جاء بآيات أخرى؛ إذ لم

العادات، ولا يؤمنون به، وإن جاء بآيات أخرى؛ إذ لم يكن طعنهم لشبهات تتصل بها، بل كان عنادًا ومكابرةً، ومن ثَمَّ ادعوا أن السحر صنعته، والتمويه وقلب الحقائق دأبه وعادته.

‌111

- وقوله: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ} معطوف على ما قبله؛ أي: واذكر نعمتي عليك حين أوحيت إلى الحواريين وألهمتهم، وقذفت في قلوبهم، وقد كذبك جمهور بني إسرائيل، وجعلتهم أنصارًا لك يؤيدون دعوتك وينشرون شريعتك. فالوحي بمعنى الإلهام، وقيل: أمرتهم على ألسنة الرسل من قبلك {أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي} ؛ أي: أن صدقوا بوحدانيتي في الألوهية، وصدقوا برسالة رسولي عيسى عليه السلام، والحواريون: هم أصحاب عيسى وخواصه {قَالُوا آمَنَّا} : جملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، كأنه قيل: ماذا قالوا؟ فقال: قالوا آمنا؛ أي: قال الحواريون للرب جل جلاله، أو لعيسى: آمنا وصدقنا بوحدانيته تعالى، وبرسالة رسوله عيسى عليه السلام {وَاشْهَدْ} أنت يا رب أو يا عيسى {بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ}؛ أي: مخلصون في إيماننا، فأشهدوا الله على أنفسهم أنهم مسلمون؛ أي: مخلصون في إيمانهم، مذعنون لأوامره وتاركون لنواهيه، وإنما قدم (1) ذكر الإيمان على الإِسلام؛ لأن الإيمان من أعمال القلوب، والإِسلام والانقياد والخضوع في الظاهر، والمعنى: أنهم آمنوا بقلوبهم وانقادوا بظواهرهم.

قال أبو حيان في "البحر": وتقدم نظير هذه الجملة في آل عمران إلا أنه هناك قال: {آمَنَّا بِاللَّهِ} ؛ لأنه تقدم ذكر الله فقط في قوله: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} وهنا قال: {آمَنَّا} ، فلم يقيد بلفظ الجلالة؛ إذ قد تقدم {أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي} وقال هناك:{وَاشْهَدْ بِأَنَّا} ، وهنا قال:{وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا} ، وهذا هو الأصل؛ إذ {أن} محذوف منه النون لاجتماع الأمثال انتهى.

‌112

- ثم ذكر الله سبحانه وتعالى كلامًا منقطعًا عما قبله؛ ليبين ما جرى بينه عليه السلام وبين قومه عقب حكاية ما صدر من الحواريين من المقالة المعدودة من

(1) الخازن.

ص: 144

نعم الله عليه، فقال:{إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ} ؛ أي: واذكر يا محمد لأمتك قصة حين قال الحواريون لعيسى عليه السلام. {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} ؛ أي: هل يرضى ربك ويختار {أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} ؛ أي: أن يهبط لنا من السماء خوانًا وطبقًا عليها طعام، فنأكل منه إذا نحن سألناه، أو سألته لنا ذلك؟

قرأ الجمهور: {يَسْتَطِيعُ} بالياء على الغيبة، ورفع {رَبُّكَ}؛ أي: هل يفعل ربك ذلك إن سألته لنا أو سألناه نحن؟ قال ابن الأنباري: ولا (1) يجوز لأحد أن يتوهم أن الحواريين شكُّوا في قدرة الله، وإنما هذا كما يقول الإنسان لصاحبه: هل تستطيع أن تقوم معي؟ وهو يعلم أنه مستطيع، ولكنه يريد: هل يسهل عليك ذلك؟ وقال أبو علي: المعنى: هل يفعل ذلك بمسألتك إياه، وزعم بعضهم أنهم قالوا ذلك قبل استحكام إيمانهم ومعرفتهم، فرد عليهم عيسى بقوله:{اتَّقُوا اللَّهَ} أن تنسبوه إلى عجز، والأول أصح. وفسر (2) بعضهم الاستطاعة بمعنى: القدرة، وقالوا: إن هذا السؤال لا يصدر عن مؤمن صحيح الإيمان، وأجابوا عن ذلك بعدة أجوبة:

الأول: أن هذا السؤال لأجل اطمئنان القلب بإيمان العيان، لا للشك في قدرة الله على ذلك؛ كما سأل إبراهيم عليه السلام رؤية كيفية إحياء الموتى ليطمئن قلبه بإيمان الشهادة والمعاينة مع إقراره بإيمانه بذلك الغيب.

الثاني: أنه سؤال عن الاستطاعة بحسب الحكمة الإلهية؛ أي: هل ينافي الحكمة الإلهية أن ينزل علينا مائدة من السماء؟ فإن ما ينافي الحكمة لا يقع، وإن كان مما تتعلق به القدرة؛ كعقاب المحسن على إحسانه، وإثابة الظالم على ظلمه.

الثالث: أن المراد: هل تستطيع سؤال ربك؟

وقرأ الكسائي (3): {تستطيع} بتاء الخطاب لعيسى، و {رَبُّكَ} بالنصب على التعظيم، بإدغام اللام في التاء، وبه قرأ علي وابن عباس، وسعيد بن جبير،

(1) زاد المسير.

(2)

المراغي.

(3)

المراح.

ص: 145