الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وثانيها: التضرع.
وثالثها: الإخلاص بالقلب، وهو المراد من قوله:{وَخُفْيَةً} .
ورابعها: الالتزام عند الشدائد بالشكر، وهو المراد من قوله:{لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} .
64
- ثم بين أنهم يحنثون في أيمانهم بعد النجاة، ويشركون بربهم سواه، فقال:{قُلِ} لهم يا محمَّد {اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا} ؛ أي: إن الله سبحانه وتعالى وحده ينجيكم من ظلمات البر والبحر وشدائدهما المرة بعد المرة، ويكشفها عنكم {وَ} ينجيكم {مِنْ كُلِّ كَرْبٍ} وغمٍّ سوى ذلك {ثُمَّ أَنْتُمْ} يا أهل مكة بعدما تشاهدون هذه النعم الجليلة {تُشْرِكُونَ} بعبادته تعالى غيره الذي عرفتم أنه لا يضر ولا ينفع ولا تفون بعهدكم.
والخلاصة (1)؛ أنه إذا شهدت الفطرة السليمة بأنه لا ملجأ في هذه الحالة إلا إلى الله، ولا تعويل إلا على فضله، فالواجب أن يبقى هذا الإخلاص في جميع الأحوال والأوقات، لكن الإنسان بعد الفوز بالسلامة والنجاة يحيل ذلك إلى الأعمال الجسمانية أو إلى نحو ذلك من الأسباب، ويعود إلى الشرك في العبادة، ولا يوفي بالعهد. وفي الآية تنبيه إلى أن من أشرك في عبادته تعالى غيره، فكأنه لم يعبده رأسًا، فالتوحيد ملاك الأمر وأساس العبادة
65
- {قُلِ} هو يا محمَّد لقومك الذين يشركون مع الله سواه، ولا يشكرون نعمه التي أسداها إليهم: إن الله سبحانه وتعالى {هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ} ويرسل {عَلَيْكُمْ عَذَابًا} تجهلون حقيقته، فيصب عليكم {مِنْ فَوْقِكُمْ} كالمطر كما فعل بقوم نوح، والحجارة كما رمي أصحاب اللَّيل وقوم لوط، والصيحة؛ أي: الصرخة التي صرخها جبريل على ثمود قوم صالح، والربح كما في قوم هود. {أَوْ} يثيره {مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} كالرجفة، وغرق فرعون، وخسف قارون {أَوْ يَلْبِسَكُمْ} ويخلط أمركم خلط اضطراب واختلاف لا خلط اتفاق، فيجعلكم {شِيَعًا} وفرقًا مختلفين على أهواء
(1) المراغي.
شتى، كل فرقة تشايع وتتبع إمامًا في الدين، أو تتعصب لملك أو رئيس، فإذا كنتم مختلفين .. قاتل بعضكم بعضًا {وَيُذِيقَ} الله {بَعْضَكُمْ} بسبب تلك المخالفة {بَأْسَ بَعْضٍ} آخر وضرره، فيقتل بعضكم بيد بعض.
وقرأ أبو عبد الله المدني: {يلبسكم} بضم الياء من اللبس، استعارة من اللباس؛ أي: يلبسكم الفتنة حالة كونكم شيعًا. وقرأ الأعمش: {ونذيق} بالنون، وهي نون عظمة الواحد، وهي التفات فائدته نسبة ذلك إلى الله على سبيل العظمة والقدرة القاهرة.
فصل في الأحاديث المناسبة للآية
وعن جابر رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بوجهك"، {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} .. قال:"أعوذ بوجهك"، {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} .. قال:"هذا أهون - أو - هذا أيسر" أخرجه البخاري، وإنما كان هذا أهون؛ لأن المستعاذ مما قبله هو عذاب الاستئصال بإحدى الخصلتين الأوليين حتى لا يبقى من الأمة أحد.
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أنه أقبل مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم من العالية، حتى إذا مر بمسجد بني معاوية .. دخل فركع فيه ركعتين، وصلينا معه، ودعا ربه طويلًا، ثم انصرف إلينا فقال:"سألت ربي ثلاثًا، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة، سألت ربي: أن لا يهلك أمتي بالسنة، فأعطانيها، وسألت ربي: أن لا يهلك أمتي بالغرق، فأعطانيها، وسألت ربي: أن لا يجعل بأسهم بينهم، فمنعنيها" أخرجه مسلم.
وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة، فأطالها، فقالوا: يا رسول الله، صليت صلاة لم تكن تصليها، قال: "أجل، إنها صلاة رغبة ورغبة، إني سألت الله فيها ثلاثًا، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة، سألته: أن لا يهلك أمتي بسَنَة، فأعطانيها، وسألته أن لا يسلط عليهم عدوًا من