الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لعلهم يتقون الوعيد بتذكيركم إياهم.
فصل
قال (1) سعيد بن المسيب وابن جريج ومقاتل: هذه الآية منسوخة بالآية التي في سورة النساء، وهي قوله تعالى:{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا} ، وذهب الجمهور إلى أنها محكمة لا نسخ فيها؛ لأنها خبر، والخبر لا يدخله النسخ؛ لأنها إنما دلت على أن كل إنسان إنما يختص بحساب نفسه لا بحساب غيره. وقيل: إنما أباح لهم القعود معهم بشرط التذكير والموعظة، فلا تكون منسوخة.
70
- وبعد أن أمر رسوله بالإعراض عمن اتخذ آيات الله هزوا .. أمره بترك المستهزئين بدينهم، الذين غرتهم الحياة الدنيا فقال:{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا} ؛ أي (2): واترك يا محمَّد هؤلاء المشركين الذين اتخذوا وجعلوا دينهم الذي أمروا به ودعوا إليه - وهو دين الإِسلام - لعبًا ولهوًا، وذلك حيث سَخِروا به واستهزؤوا به. وقيل: إنهم اتخذوا عبادة الأصنام لعبًا ولهوًا. وقيل: إن الكفار إذا سمعوا القرآن لعبوا ولهوا عند سماعه. وقيل: إن الله جعل لكل قوم عيدًا، فاتخذ كل قوم دينهم - يعني: عيدهم - لعبًا ولهوًا، يلعبون ويلهون فيه إلا المسلمين، فإنهم اتخذوا عيدهم صلاة وتكبيرًا وفعل الخير فيه، مثل عيد الفطر، وعيد النحر، ويوم الجمعة. {وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} يعني: أنهم اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا لأجل أنهم غرتهم الحياة الدنيا، وغلب حبها على قلوبهم، فأعرضوا عن دين الحق، واتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا. وقال الرازي: لأجل استيلاء حب الدنيا أعرضوا عن حقيقة الدين، واقتصروا على تزيين الظواهر ليتوصلوا بها إلى حطام الدنيا. انتهى. ومعنى الآية: وذر يا محمَّد الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا، واتركهم، ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم. والمراد بتركهم: ترك معاشرتهم ومخالطتهم، لا ترك الإنذار والتخويف.
(1) الخازن.
(2)
الخازن.
وعبارة "المراغي" هنا (1) أي: ودَعْ أيها الرسول ومن تبعك من المؤمنين هؤلاء المشركين، الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا، وغرتهم الحياة الدنيا الفانية، فآثروها على الحياة الباقية، واشتغلوا بلذاتها الحقيرة الفانية المشوبة بالمنغصات عما جاءهم من الحق مؤيدًا بالحجج والآيات، فاستبدلوا الخوض فيها بما كان يجب من فقهها وتدبرها، ونحو الآية قوله تعالى:{ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3)} . واتخاذهم دينهم لعبًا ولهوًا؛ أنهم لما عملوا ما لا يزكي نفوسهم، ولا يطهر قلوبهم، ولا يهذب أخلاقهم، ولا يقع على وجه يرضي الله سبحانه، ولا يعد للقائه في دار الكرامة .. أضاعوا الوقت فيما لا يفيد، وهذا هو اللعب، أو شغلوا عن شؤونهم وهمومهم الأخروية وهذا هو اللهو.
وبعد أن أمره بترك المستهزئين بدينهم أمره بالتذكير بالقرآن، وتبليغ الرسالة، فقال:{وَذَكِّرْ بِهِ} ؛ أي: وذكر يا محمَّد بالقرآن وعظ به هؤلاء المشركين وغيرهم مخافة {أَنْ تُبْسَلَ} وتحبس {نَفْسٌ} في جهنم وتهلك فيها {بِمَا كَسَبَتْ} ؛ أي: بسبب ما كسبت وعملت من الشرك والمعاصي، والضمير في قوله:{بِهِ} يعود على القرآن المعلوم من السياق؛ لأنه هو الذكر، بُعث به الرسول المذكر.
والمعنى (2): وذكرهم بالقرآن ومواعظه، وعرفهم الشرائع لكي لا تهلك نفس وترتهن في جهنم بسبب الجنايات التي اكتسبت في الدنيا، وتحرم الثواب في الآخرة ثم وصف النفس المبسلة، وعلل إبسالها، فقال:{لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ} ؛ أي: ليس لتلك النفس التي هلكت من دون الله {وَلِيٌّ} ؛ أي: ليس لها ولي يلي أمرها، وناصر ينصرها غير الله تعالى {وَلَا شَفِيعٌ} يشفع لها في الآخرة عند الله إلا بإذنه، كما قال:{مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} ، وقال:{قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} ، وقال:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} .
(1) المراغي.
(2)
الخازن.
ثم أرشد إلى أنه لا ينفع في الآخرة إلا صالح العمل لا الشفعاء والوسطاء، فقال:{وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ} ؛ أي: وإن تفد تلك النفس المبسلة كل نوع من أنواع الفداء وتعطه {لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا} ؛ أي: لا يقبل ذلك العدل والفداء منها، والمراد: أنه لا يقع الأخذ ولا يحصل، وهذا كقوله في سورة البقرة:{وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)} .
والخلاصة (1): أن النفس المبسلة تمنع في ذلك اليوم من أي وسيلة من وسائل النجاة، فلا ولي ولا حميم ولا شفيع ولا فداء إلى نحو أولئك، مما ربما نفع في مقاصد الدنيا وأنجز بعض المنافع. وفي هذا إبطال لأصل من أصول الوثنية، وهو رجاء النجاة في الآخرة، كما هو الحال في الدنيا بتقديم الفدية لله تعالى، أو بشفاعة الشافعين ووساطة الوسطاء عنده تعالى، وتقرير لأصل ديني، وهو أن لا نجاة في الآخرة ولا رضوان من الله ولا قرب منه إلا بالعمل بما شرعه على ألسنة رسله من إيمان به، وعمل صالح يزكي النفس ويطهرها؛ أما من دس نفسه، وأبسله كسبه للسيئات والخطايا، واتخذ دين الله هزوًا ولعبًا، وغرته الحياة الدنيا، فلا تنفعه شفاعة، ولا تقبل منه فدية.
ثم بيَّن أن هذا الإبسال كان بسوء صنيعهم، فقال:{أُولَئِكَ} المتخذون دينهم لعبًا ولهوًا المغترون بالحياة الدنيا هم {الَّذِينَ أُبْسِلُوا} وحرموا الثواب، وأسلموا للعذاب، وحبسوا عن دار السعادة {بِمَا كَسَبُوا}؛ أي: بسبب ما كسبوا من الأوزار والآثام حتى أحاطت بهم خطاياهم، ولم يكن لهم من دينهم الذي اتخذوه زاجر ولا مانع يرشدهم إلى التحول عن تلك الأعمال القبيحة، ويصدهم عن العقائد الزائغة.
ثم بين سبحانه ما يكون من الجزاء حين أُبسلوا، فقال:{لَهُمْ} ؛ أي: لهؤلاء المتخذين دينهم لعبًا ولهوًا {شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ} ؛ أي: من ماء حار مغلي
(1) المراغي.
بالغ النهاية في شدة الحرارة، يستردد ويتجرجر في بطونهم، وتتقطع به أمعائهم {وَعَذَابٌ أَلِيمٌ}؛ أي: شديد الألم بنار تشتعل بأبدانهم {بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} ؛ أي: بسبب كفرهم المستمر في الدنيا الذي ظلوا عليه طول حياتهم حتى صرفوا عما جعل وسيلة للنجاة لو اتبعوه، وهذه الجملة تأكيد وتفصيل لقوله:{أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا} .
والخلاصة (1): أن رسوخهم في الكفر أفسد فطرتهم حتى لم يبق فيهم استعداد للحق والخير. وفي ذلك عبرة لمن يفقه القرآن، ولا يغتر بلقب الإِسلام، ويعلم أنَّ المسلم من اتخذ القرآن إمامه، وسنة الرسول طريقه، لا من اغتر بالأماني والأوهام، ولا من ركن إلى شفاعة الشافعين والأولياء والناصرين.
الإعراب
{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} .
{وَعِنْدَهُ} {الواو} : استئنافية. {وَعِنْدَهُ} : ظرف ومضاف إليه خبر مقدم. {مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} : مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة الإسمية مستأنفة. {لَا}: نافية. {يَعْلَمُهَا} : فعل ومفعول. {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ. {هُوَ} : ضمير للمفرد المنزه عن الذكورة والأنوثة في محل الرفع فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب حال من {مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} ، والعامل فيها الاستقرار الذي تضمنه الظرف؛ لوقوعه خبرًا. {وَيَعْلَمُ} {الواو}: عاطفة. {يَعْلَمُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله. {مَا}: موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة الإسمية التي قبلها، مسوقة لبيان تعلق علمه تعالى بالمشاهدات إثر بيان تعلقه بالمغيبات {فِي الْبَرِّ}: جار ومجرور متعلقان بمحذوف صلة ما. {وَالْبَحْرِ} : عطف على البر.
{وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ
(1) المراغي.
إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}.
{وَمَا} {الواو} : عاطفة. {ما} : نافية. {تَسْقُطُ} : فعل مضارع. {مِنْ} : زائدة. {وَرَقَةٍ} : فاعل، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها. {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ. {يَعْلَمُهَا} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل النصب حال من {وَرَقَةٍ} ، وجاءت (1) الحال من النكرة لاعتمادها على النفي، والتقدير: وما تسقط من ورقة إلا عالمًا بها؛ لأنه مسقطها بإرادته. {وَلَا} : (الواو): عاطفة، {لَا}: نافية. {حَبَّةٍ} : معطوف على {وَرَقَةٍ} . {فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ} : جار ومجرور ومضاف إليه، صفة لـ {حَبَّةٍ}. {وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ} معطوفان أيضًا على {وَرَقَةٍ}. {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ. {فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} : جار ومجرور وصفة، متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف تقديره: إلا هو كائن في كتاب مبين، وجملة الاستثناء في محل النصب بدل من جملة الاستثناء في قوله:{إِلَّا يَعْلَمُهَا} بدل كل من كل؛ أي: وما تسقط من ورقة، ولا توجد حبَّة وما بعدها إلا هو في كتاب مبين.
{وَهُوَ الَّذِي} : مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. {يَتَوَفَّاكُمْ}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. {بِاللَّيْلِ}: جار ومجرور متعلق بـ {يَتَوَفَّاكُمْ} . {وَيَعْلَمُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة معطوفة على جملة الصلة. {مَا}: موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول {يَعْلَمُ} . {جَرَحْتُمْ} : فعل وفاعل، والجملة صلة لـ {مَا} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما جرحتموه. {بِالنَّهَارِ} : جار ومجرور متعلق بـ {جَرَحْتُمْ} . {ثُمَّ} : حرف عطف وترتيب وتراخ. {يَبْعَثُكُمْ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله. {فِيهِ}: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية معطوفة على جملة قوله:{يَتَوَفَّاكُمْ} على كونها صلة الموصول
(1) الفتوحات.
لا محل لها من الإعراب.
{لِيُقْضَى أَجَلٌ} : فعل ونائب فاعل. {مُسَمًّى} : صفة له، والفعل منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كي، وجملة أن المضمرة مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بلام كي، واللام متعلقة بـ {يَبْعَثُكُمْ} ، والتقدير: ثم يبعثكم فيه لقضاء أجل مسمى. {ثُمَّ} : حرف عطف وترتيب مع تراخ. {إِلَيْهِ} : جار ومجرور خبر مقدم. {مَرْجِعُكُمْ} : مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة الإسمية معطوفة على جملة قوله:{ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ} . {ثُمَّ} : حرف عطف. {يُنَبِّئُكُمْ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على الجملة الإسمية التي قبلها. {بِمَا}: جار ومجرور متعلق بـ {يُنَبِّئُكُمْ} على كونه مفعولًا ثانيًا له. {كُنْتُمْ} : فعل ناقص واسمه. وجملة {تَعْمَلُونَ} خبر {كان} ، وجملة {كان} صلة لـ {مَا} أو صفة لها.
{وَهُوَ} {الواو} : استئنافية. {وَهُوَ الْقَاهِرُ} : مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. {فَوْقَ عِبَادِهِ}: ظرف ومضاف إليه، والظرف متعلق بـ {الْقَاهِرُ} ، أو حال من الضمير المستتر في {الْقَاهِرُ} تقديره: حال كونه مستعليًا فوق عباده. {وَيُرْسِلُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله. {عَلَيْكُمْ}: متعلق به. {حَفَظَةً} : مفعول به، والجملة معطوفة على اسم الفاعل على كونها صلة لأل الموصولة، والتقدير: وهو الذي يقهر فوق عباده، ويرسل عليكم حفظة.
وفي "الفتوحات": قوله: {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} فيه ثلاثة أوجه (1):
أحدها: أنه عطف على اسم الفاعل الواقع صلة لـ {أل} ؛ لأنه في معنى
(1) الجمل.
يفعل، والتقدير: وهو الذي يقهر عباده، ويرسل، فعطف الفعل على الاسم؛ لأنه في تأويله.
والثاني: أنها جملة فعلية عطفت على جملة اسمية، وهي قوله:{وَهُوَ الْقَاهِرُ} .
الثالث: أنها معطوفة على الصلة، و {مَا} عطف عليها، وهو قوله:{يَتَوَفَّاكُمْ} و {يَعْلَمُ} ، وما بعده؛ أي: وهو الذي يتوفاكم، ويرسل عليكم حفظة. اهـ "سمين". {حَتَّى}: ابتدائية لدخولها على الجملة، غائية لكون ما بعدها غاية لما قبلها. {إِذَا}: ظرف لما يستقبل من الزمان. {جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} : فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة {إِذَا} إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا}: فعل ومفعول وفاعل، والجملة جواب {إِذَا} لا محل لها من الإعراب. {وَهُمْ}: مبتدأ، وجملة {لَا يُفَرِّطُونَ}: خبره، والجملة الإسمية في محل النصب حال من {رُسُلُنَا}؛ أو مستأنفة مسوقة للإخبار عنهم بهذه الصفة. اهـ "كرخي". وفي "الفتوحات": قوله: {حَتَّى إِذَا جَاءَ} حتى (1) هذه هي التي يبتدأ بها الكلام، وهي مع ذلك تجعل ما بعدها من الجملة الشرطية غاية لما قبلها، كأنه قيل: ويرسل عليكم حفظة تحفظ أعمالكم مدة حياتكم، حتى إذا انتهت مدة حياة أحدكم كائنًا ما كان، وجاءه أسباب الموت ومباديه .. توفته رسلنا. اهـ "أبو السعود".
{ثُمَّ} : حرف عطف. {رُدُّوا} : فعل ونائب فاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله:{تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} على كونها جواب {إِذَا} . {إِلَى اللَّهِ} : جار ومجرور متعلق به. {مَوْلَاهُمُ} : صفة أولى للجلالة. {الْحَقِّ} : صفة ثانية له. {أَلَا} : حرف استفتاح. {لَهُ} : جار ومجرور خبر مقدم. {الْحُكْمُ} : مبتدأ مؤخر،
(1) الجمل.
والجملة مستأنفة. {وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} : مبتدأ وخبر ومضاف إليه، والجملة في محل النصب حال من الضمير المجرور باللام، والعامل في الحال الاستقرار الذي تعلق به الظرف.
{قُلْ} : فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. {مَنْ يُنَجِّيكُمْ} إلى آخر الآية مقول محكي لـ {قُلْ} ، وإن شئت قلت:{مَنْ} : اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ {يُنَجِّيكُمْ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {مِنْ} ، والجملة الإسمية في محل النصب مقول القول. {مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {يُنَجِّيكُمْ}. {وَالْبَحْرِ}: معطوف على {الْبَرِّ} . {تَدْعُونَهُ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب حال من مفعول {يُنَجِّيكُمْ}. {تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}: حالان من فاعل {تَدْعُونَهُ} . ولكن بعد تأويلهما بالمشتق؛ أي: تدعونه حال كونكم متضرعين ومخفين. {لَئِنْ أَنْجَانَا} : اللام موطئة للقسم، {إن}: حرف شرط. {أَنْجَانَا} : فعل ومفعول في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على الله. {مِنْ هَذِهِ}: جار ومجرور متعلق بـ {أَنْجَانَا} . {لَنَكُونَنَّ} اللام: رابطة لجواب القسم. {نَكُونَنَّ} : فعل مضارع ناقص، واسمه ضمير يعود على المتكلمين. {مِنَ الشَّاكِرِينَ}: جار ومجرور خبر {نكون} ، وجملة {نكون} جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه تقديره: إن أنجانا .. نكون من الشاكرين، وقد اجتمع هنا شرط وقسم، فحذف جواب المؤخر منهما، وهو الشرط على القاعدة، وجملة القسم مع جوابه في محل النصب مقول لقول محذوف منصوب على الحال من فاعل {تَدْعُونَهُ} تقديره: تدعونه قائلين: لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين.
{قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} .
{قُلِ} : فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. {اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ}: إلى آخر الآية مقول محكي لـ {قُلِ} ، وإن شئت قلت:{اللَّهُ} : مبتدأ. {يُنَجِّيكُمْ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهُ} ، والجملة خبر المبتدأ، والجملة الإسمية في محل النصب مقول {قُلِ}. {مِنْهَا}: جار ومجرور متعلق بـ {يُنَجِّيكُمْ} . {وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ} : جار ومجرور ومضاف إليه، معطوف على الجار والمجرور قبله. {ثُمَّ}: حرف عطف. {أَنْتُمْ} مبتدأ. وجملة {تُشْرِكُونَ} خبره، والجملة الإسمية في محل النصب معطوفة على جملة قوله:{اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ} على كونها مقولا لـ {قُلِ} .
{قُلْ} : فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. {هُوَ الْقَادِرُ} إلى آخر الآية مقول محكي لـ {قُلْ} ، وإن شئت قلت {هُوَ}: مبتدأ. {الْقَادِرُ} : خبره، والجملة في محل النصب مقول القول لـ {قُلْ}. {عَلَى}: حرف جر. {أَنْ} : حرف نصب ومصدر. {يَبْعَثَ} : فعل مضارع منصوب بـ {أَنْ} ، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهُ}. {عَلَيْكُمْ}: جار ومجرور متعلق بـ {يَبْعَثَ} ، والجملة الفعلية صلة {أَنْ} المصدرية، {أَنْ} مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بـ {عَلَى} تقديره: على بعثه عليكم عذابًا من فوقكم، الجار والمجرور متعلق بـ {الْقَادِرُ}. {عَذَابًا}: مفعول به. {مِنْ فَوْقِكُمْ} : جار ومجرور ومضاف إليه صفة لـ {عَذَابًا} . {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} : جار ومجرور، ومضاف إليه، معطوف على الجار والمجرور قبله. {أَوْ يَلْبِسَكُمْ}: فعل ومفعول معطوف على {يَبْعَثَ} ، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهُ}. {شِيَعًا}: حال من مفعول {يَلْبِسَكُمْ} ، ولكن في تأويل متفرقين. {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ}: فعل ومفعول أول معطوف على {يَلْبِسَكُمْ} ، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهُ}. {بَأْسَ بَعْضٍ}: مفعول ثانٍ ومضاف إليه. {انْظُرْ} : فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة الفعلية مستأنفة. {كَيْفَ}: اسم للاستفهام التعجبي في محل النصب على التشبيه بالمفعول به، والعامل فيه
{نُصَرِّفُ} ، ولا يجوز أن يكون معمولًا لما قبله؛ لأن اسم الاستفهام له صدر الكلام. {نُصَرِّفُ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهُ}. {الْآيَاتِ}: مفعول به، وهذه الجملة الاستفهامية في محل النصب مفعول لـ {انْظُرْ} ، و {كَيْفَ} معلقة له عن العمل في لفظه. {لَعَلَّهُمْ}:{لعل} : حرف ترجٍ وتعليل ونصب، والهاء: اسمها، وجملة {يَفْقَهُونَ} في محل الرفع خبر لعل، وجملة لعل في محل الجر بلام التعليل المقدرة مسوقة لتعليل ما قبلها، والمعنى: انظر يا محمَّد كيف نصرف لهم الآيات لكي يفقهوا ويفهموا ويتدبروا تلك الآيات.
{وَكَذَّبَ} {الواو} : استئنافية. {كَذَّبَ} : فعل ماض. {بِهِ} : متعلق به. {قَوْمُكَ} : فاعل ومضاف إليه، والجملة مستأنفة. {وَهُوَ الْحَقُّ}: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من ضمير به؛ أي: كذبوا به حال كونه حقًّا، وهو أعظم في القبح، أو الجملة مستأنفة. {قُلْ}: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. {لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ}: مقول محكي لـ {قُلْ} ، وإن شئت قلت:{لَسْتُ} : فعل ناقص واسمه. {عَلَيْكُمْ} : متعلق بـ {وَكِيلٍ} . {بِوَكِيلٍ} : خبر {ليس} ، والباء زائدة، وجملة {ليس} في محل النصب مقول لـ {قل}. {لِكُلِّ نَبَإٍ}: جار ومجرور ومضاف إليه خبر مقدم. {مُسْتَقَرٌّ} : مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة. {وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}: فعل وفاعل وحرف تنفيس، والجملة معطوفة على الجملة الإسمية التي قبلها.
{وَإِذَا} {الواو} : استئنافية. {إِذَا} : ظرف لما يستقبل من الزمان. {رَأَيْتَ} : فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الخفض بـ {إِذَا} على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. {الَّذِينَ}: اسم موصول للجمع المذكر
في محل النصب مفعول به لـ {رأى} ؛ لأن رأى بصرية يتعدى لمفعول واحد. {يَخُوضُونَ} : فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. {فِي آيَاتِنَا}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {يَخُوضُونَ}. {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} الفاء: رابطة لجواب {إِذَا} وجوبًا؛ لكون الجواب جملة طلبية. {أَعْرِضْ} : فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد. {عَنْهُمْ}: متعلق به، والجملة جواب {إِذَا} لا محل لها من الإعراب وجملة {إِذَا} مع جوابها مستأنفة. {حَتَّى يَخُوضُوا}: فعل وفاعل وناصب، والجملة في تأويل مصدر مجرور بـ {حَتَّى} بمعنى: إلى تقديره: إلى خوضهم في حديث غيره، الجار والمجرور متعلق بـ {أَعْرِضْ}. {فِي حَدِيثٍ}: جار ومجرور متعلق بـ {يَخُوضُوا} . {غَيْرِهِ} : صفة ومضاف إليه مجرور؛ لأنه بمعنى مغاير. {وَإِمَّا} : {الواو} : عاطفة. {إِمَّا} : حرف شرط، وما: زائدة. {يُنْسِيَنَّكَ} : ينسين: فعل مضارع في محل الجزم بإن الشرطية على كونه فعل شرط لها، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، ونون التوكيد الثقيلة، حرف لا محل لها من الإعراب، والكاف: ضمير المخاطب في محل النصب مفعول به. {الشَّيْطَانُ} : فاعل. {فَلَا} : {الفاء} : رابطة لجواب {إن} الشرطية؛ لكون الجواب جملة طلبية. {لا} : ناهية جازمة. {تَقْعُدْ} : فعل مضارع مجزوم بـ {لا} الناهية، وفاعله ضمير يعود على محمَّد. {بَعْدَ الذِّكْرَى}: ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ {تَقْعُدْ}. {مَعَ الْقَوْمِ}: ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ {تَقْعُدْ} أيضًا. {الظَّالِمِينَ}: صفة لـ {الْقَوْمِ} ، وجملة {تَقْعُدْ} في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {إن} الشرطية معطوفة على جملة {إذا} الشرطية.
{وَمَا} {الواو} : استئنافية. {ما} : نافية. {عَلَى الَّذِينَ} : جار ومجرور خبر مقدم. {يَتَّقُونَ} : فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. {مِنْ حِسَابِهِمْ}: جار ومجرور ومضاف إليه حال من شيء؛ لأنه صفة نكرة قَدمت عليها. {مِنْ
شَيْءٍ}: مبتدأ مؤخر، و {مِنْ}: زائدة، والجملة الإسمية مستأنفة. {وَلَكِنْ}:{الواو} : عاطفة. {لكن} : حرف استدراك. {ذِكْرَى} : مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره: ولكن ذكروهم ذكرى، والجملة الاستدراكية معطوفة على الجملة التي قبلها. {لَعَلَّهُمْ}: لعل: حرف نصب وتعليل، والهاء: اسمها، وجملة {يَتَّقُونَ} خبرها، وجملة {لعل} في محل الجر بلام التعليل المقدرة مسوقة لتعليل ما قبلها.
{وَذَرِ} {الواو} : استئنافية. {ذَرِ} : فعل أمر مبني بسكون مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص من التقاء الساكنين، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. {الَّذِينَ}: اسم موصول للجمع المذكر في محل النصب على المفعولية. {اتَّخَذُوا} : فعل وفاعل. {دِينَهُمْ} : مفعول أول لها. {لَعِبًا} : مفعول ثان. {وَلَهْوًا} : معطوف عليه، والجملة صلة الموصول. {وَغَرَّتْهُمُ}: فعل ومفعول. {اتَّخَذُوا} : فاعل. {دِينَهُمْ} : صفة لها، والجملة معطوفة على جملة الصلة. {وَذَكِّرْ}: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد. {بِهِ}: متعلق بـ {ذكر} ، والجملة معطوفة على جملة قوله:{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ} . {أَنْ} : حرف نصب ومصدر. {تُبْسَلَ نَفْسٌ} : فعل ونائب فاعل، والجملة في تأويل مصدر مجرور بإضافة المصدر المقدر المنصوب على كونه مفعولا لأجله، تقديره: وذكر به مخافة إبسال نفس. {بِمَا} : جار ومجرور متعلق بـ {تُبْسَلَ} . {كَسَبَتْ} : فعل ماض، وتاء تأنيث، وفاعله ضمير يعود على {نَفْسٌ} ، والجملة صلة لـ {مَا} ، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: بما كسبته. {لَيْسَ} : فعل ماض ناقص. {لَهَا} : جار ومجرور خبر مقدم لـ {لَيْسَ} . {مِنْ دُونِ اللَّهِ} : جار ومجرور ومضاف إليه، حال من {وَلِيٌّ}؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها. {وَلِيٌّ}: اسم ليس مؤخر. {وَلَا شَفِيعٌ} : معطوف عليه، وجملة {لَيْسَ} مستأنفة، أو حال من {نَفْسٌ} أو صفة لها، كما
ذكره "أبو السعود".
{وَإِنْ} {الواو} : استئنافية. {إن} : حرف شرط. {تَعْدِلْ} : فعل مضارع مجزوم بـ {إِنْ} ، وفاعله ضمير يعود على {نَفْسٌ}. {كُلَّ}: منصوب على المفعولية المطلقة. {عَدْلٍ} : مضاف إليه. {لَا} : نافية. {يُؤْخَذْ} : فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على {كُلَّ عَدْلٍ}. {مِنْهَا}: متعلق به، وجملة {لَا يُؤْخَذْ} في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {إن} الشرطية مستأنفة. {أُولَئِكَ}: مبتدأ. {الَّذِينَ} : خبره، والجملة مستأنفة. {أُبْسِلُوا}: فعل ونائب فاعل، والجملة صلة الموصول. {بِمَا}: جار ومجرور متعلق بـ {أُبْسِلُوا} . {كَسَبُوا} : فعل وفاعل، والجملة صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: بما كسبوه. {لَهُمْ} : جار ومجرور خبر مقدم. {شَرَابٌ} : مبتدأ مؤخر. {مِنْ حَمِيمٍ} صفة لـ {شَرَابٌ} ، والجملة الإسمية في محل الرفع خبر ثان لأولئك، أو في محل النصب حال من ضمير {أُبْسِلُوا} ، أو من الموصول، أو مستأنفة. {وَعَذَابٌ}: معطوف على {شَرَابٌ} . {أَلِيمٌ} : صفة لـ {عَذَابٌ} . {بِمَا كَانُوا} : الباء: حرف جر وسبب. {ما} : مصدرية. {كَانُوا} : فعل ناقص واسمه، وجملة {يَكْفُرُونَ} خبر {كان} ، وجملة {كان} من اسمها وخبرها صلة {ما} المصدرية، {ما} مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالباء تقديره: بسبب كفرهم، الجار والمجرور متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر في قوله:{لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ} ، والله أعلم.
التصريف ومفردات اللغة
{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} المفاتح: جمع مفتح - بفتح الميم وكسر التاء - بمعنى: المخزن، فيكون اسم مكان، والمخزن - بفتح الميم وكسر الزاي -: المكان الذي يخزن فيه الجواهر النفيسة وغيرها، أو جمع مفتح بكسر الميم وفتح التاء، والمفتح: هو المفتاح الذي تفتح به الأقفال، فيكون اسم الآلة، ففي
الكلام استعارة كما سيأتي في مبحثها.
وفي "السمين": في المفاتح ثلاثة أقوال (1):
أحدها: أنه جمع مفتح بكسر الميم، والقصر مع فتح التاء، وهو الآلة التي يفتح بها، كمنبر ومنابر.
والثاني: أنه جمع مفتح بفتح الميم وكسر التاء، كمسجد، وهو المكان، ويؤيده تفسير ابن عباس بقوله: هي خزائن المطر.
والثالث: أنه جمع مفتاح بكسر الميم والألف، وهو الآلة أيضًا إلا أن هذا فيه ضعف من حيث إنه كان ينبغي أن تقلب ألف المفرد ياء، فيقال: مفاتيح كدنانير، ولكنه قد نقل في جمع مصباح مصابيح، وفي جمع محراب محاريب، وهذا كما أتوا في جمع ما لا مدّ في مفرده، كقولهم: دراهم وصياريف في جمع: درهم وصيرف، فزادوا في هذا ونقصوا في ذلك. وقد قرئ {مفاتيح} كما مرَّ، وهي تؤيِّد أن مفاتح جمع: مفتاح، وإنما حذفت مدته، وجوز الواحدي أن يكون مفاتح جمع: مفتح - بفتح الميم والتاء - كمذهب على أنه مصدر، فعلى هذا مفاتح جمع: مفتح بمعنى: الفتح، ويكون المعنى: وعنده فتوح الغيب؛ أي: هو يفتح الغيب على من يشاء من عباده. اهـ.
{وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} والبحر (2): كل مكان واسعٍ حاوٍ للكثير من الماء، والبر: ما يقابله.
{وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ} والسقوط: الوقوع من علو، والورقة واحدة الورق من النبات والكاغد، وهي معروفة، والرطب واليابس معروفان، يقال: رطب فهو رطيب، ورطب ويبس فهو يابس ويبيس، وشذ فيه يبس بحذف الياء وكسر الباء.
{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ} التوفي: أخذ الشيء وافيًا؛ أي: تامًّا كاملًا، ويقابله التوفية وهو إعطاء الشيء تامًّا كاملًا، ويقال: وفاه حقه فتوفاه منه، قال تعالى:
(1) الفتوحات.
(2)
المراغي.
{وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} ، ويقال: توفاه واستوفاه: أحصى عدده، ثم أطلق التوفي على الموت؛ لأن الأرواح تقبض وتؤخذ أخذًا تامًّا، وأطلق على النوم كما في الآية، وفي آية الزمر.
{وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} والجرح: يطلق على العمل والكسب بالجوارح، وعلى التأثير الدامي من السلاح، وما في معناه كالبراثن والأظفار والأنياب من سباع الطير والوحش، وتسمى الخيل والأنعام المنتجة جوارح أيضًا؛ لأن نتاجها كسبها، والجرح كالكسب، يطلق على الخير والشر، والاجتراح فعل الشر خاصة في قوله تعالى:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} . وفي "المصباح": وجرح من باب نفع، واجترح عمل بيده واكتسب، ومنه قيل لكواسب الطير والسباع: جوارح جمع: جارحة؛ لأنها تكسب بيدها.
{ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ} ؛ أي: يوقظكم من النوم، وعرَّفوا النوم: بأنه فترة طبيعية تهجم على الشخص قهرًا عليه، تمنع حواسه الحركة، وعقله الإدراك.
{وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} والحفظة: جمع: حافظ، مثل: كتبة وكاتب، وهو جمع (1) منقاس لفاعل وصفًا مذكرًا صحيح اللام عاقلًا، وقلَّ فيما لا يعقل، كما قال ابن مالك في "الخلاصة":
وَشَاعَ نَحْوُ كَامِلٍ وَكَمَلَهْ
والمراد بالحفظة هنا: الكرام الكاتبون من الملائكة: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ} .
{قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} والظلمات جمع: ظلمة، وهي عدم الضوء، وهي (2) ضربان: ظلمات حسية؛ كظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة المطر، وظلمات معنوية؛ كظلمة الجهل بالمسالك والطرق، وظلمة فقد الأعلام والمنار، وظلمة الشدائد والأخطار؛ كالعواصف والأعاصير وهياج البحار إلى نحو ذلك من الشدائد التي تبطل الحواس، وتدهش العقول. قال الزجاج: تقول
(1) البحر المحيط.
(2)
المراغي.
العرب لليوم الذي فيه شدة: يوم مظلم، ويوم ذو كواكب؛ أي: أنه قد اشتدت ظلمته حتى صار كالليل في ظلمته، وفي المثل؛ أي: رأى الكواكب ظهرًا؛ أي: أظلم عليه يومه لاشتداد الأمر فيه حتى كأنه أبصر النجم نهارًا.
{تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} التضرع: تفعل من الضراعة، وهو المبالغة في الضراعة، وهي الذل والخضوع، والمراد منه هنا: ما كان صادرًا عن الإخلاص الذي يثيره الإيمان الفطري المطوي في أنفس البشر. والخفية - بضم الخاء وكسرها -: الخفاء والاستتار. والدعاء قد يكون بالجهر ورفع الصوت مع البكاء، وقد يكون بالإسرار هربًا من الرياء، فتارة يجأر المرء بالدعاء رافعًا صوته متضرعًا مبتهلًا، وأخرى يسر الدعاء ويخفيه مخلصًا ومحتسبًا، ويتحرى أن لا تسمعه أذن، ولا يعلم به أحد، ويرى أنه يكون بذلك أجدر بالقبول، وأرجى لنيل المسؤول. والخفية - بضم الخاء وكسرها - كما مرَّ: اسم مصدر من أخفى الشيء يخفي إخفاء وخفية إذا ستره.
وقرأ الأعمش: {خِيفة} كما مرَّ بكسر الخاء وتقديم الياء الساكنة على الفاء، وهي من الخوف، فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها وسكونها.
{وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ} والكرب: الغم الشديد، يأخذ بالنفس، ومنه رجل مكروب قال عنترة:
وَمَكْرُوْبٍ كَشَفْتُ الْكَرْبَ عَنْهُ
…
بِطَعْنَةِ فَيْصَلٍ لَمَّا دَعَانِي
{أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} ؛ أي: يخلط أمركم خلط اضطراب لا خلط إتفاق، فيجعلكم فرقًا مختلفة لا فرقة واحدة. ومعنى خلطهم (1): إنشاب القتال بينهم، فيختلطوا ويشتبكوا في ملاحم القتال، كقول الشاعر:
وَكَتِيْبَةٍ لَبَّسْتُهَا بِكَتِيْبَةٍ
…
حَتَّى إِذَا الْتَبَسَتْ نَفَضْتُ لَهَا يَدِيْ
فَتَرَكْتُهُمْ تَقِصُ الرِّمَاحُ ظُهُوْرَهُمْ
…
مَا بَيْنَ مُنْعَفِرٍ وَآخَرَ مُسْنَدِ
والشيع جمع: شيعة، وهم كل قوم اجتمعوا على أمر واحد.
(1) البحر المحيط.
وفي "الفتوحات"(1): والشيع جمع: شيعة، كسدرة وسدر، والشيعة من يتقوَّى به الإنسان، والجمع: شيع كما تقدم وأشياع، كذا قاله الراغب، والظاهر أن أشياعًا جمع: شيع كعنب وأعناب وضلع وأضلاع، وشيع جمع: شيعة، فهو جمع الجمع اهـ "سمين". وفي "القاموس": وشيعة (2) الرجل - بالكسر -: أتباعه وأنصاره، والفرقة على حدة، وتقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث، وقد غلب هذا الاسم على كل من يتولَّى عليًّا وأهل بيته، حتى صار اسمًا لهم خاصَّةً، والجمع: أشياع وشيع؛ كعنب. انتهى.
{وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} وهذا هو ما عليه الناس اليوم من الاختلافات وسفك بعضهم دماء بعض، والبأس: العذاب الشديد، كما في "المصباح".
{نُصَرِّفُ الْآيَاتِ} ؛ أي: نحولها من نوع إلى آخر من فنون الكلام تقريرًا للمعنى: وتقريبًا إلى الفهم.
{لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} الفقه: فهم الشيء بدليله وعلته المفضي إلى الاعتبار والعمل به.
{لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} والوكيل: هو الذي توكل إليه الأمور. {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ} والنبأ: الشيء الذي ينبأ عنه، والمستقر: يصح كونه مصدرًا، واسم مكان أو زمان؛ أي: استقرار أو مكانه أو زمانه.
{الَّذِينَ يَخُوضُونَ} الخوض (3)، في اللغة: هو الشروع في الماء والعبور فيه، ويستعار للأخذ في الحديث والشروع فيه، يقال: تخاوضوا في الحديث وتفاوضوا فيه، لكن أكثر ما يستعمل الخوض في الحديث على وجه اللعب والعبث.
{وَلَكِنْ ذِكْرَى} والذكرى مصدر: ذكر يذكر ذكرى، جاء على وزن: فعلى، وألفه للتأنيث، ولم يجىء مصدر على فعلى غيره. {أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ} أصل (4) البسل في اللغة: التحريم والمنع، ومنه: هذا عليك بسل؛ أي: حرام
(1) الجمل.
(2)
القاموس المحيط.
(3)
الخازن.
(4)
الفتوحات.
ممنوع اهـ "خازن".
وعبارة "أبي السعود": وأصل البسل والإبسال: المن، ومنه: أسد باسل؛ لأن فريسته لا تفلت منه، أو لأنه ممتنع، والباسل: الشجاع؛ لامتناعه من قرنه، وهذا بسيل عليك؛ أي: حرام ممنوع اهـ.
وفي "المختار": وأبسله: أسلمه، فهو بسيل، وقوله تعالى:{أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} قال أبو عبيدة: أن تسلم، والمستبسل: الذي يوطّن نفسه على الموت أو الضرب، وقد استبسل؛ أي: استقتل، وهو أن يطرح نفسه في الحرب ويريد أن يقتل أو يقتل لا محالة، وفسر هنا: بالحبس في النار، وبالحرمان من الثواب وبالفضيحة.
قال أبو حيان: الإبسال: تسليم المرء نفسه للهلاك، ويقال: أبسلت ولدي: أرهنته قال الشاعر:
وَإِبْسَالي بَنِيَّ بِغَيْرِ جُرْمٍ
…
بَعُوْنَاه وَلَا بِدَمٍ مُرَاقِ
بعوناه: جنيناه، والبعو: الجناية. انتهى.
{وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ} ؛ أي: تفتد بكل فداء كما عبر به "الخازن"، وعدل بهذا المعنى من باب ضرب.
وفي "المصباح": يقال: عدلت هذا بهذا عدلًا من باب ضرب إذا جعلته مثله قائمًا مقامه، والعدل أيضًا: الفدية، قال تعالى:{وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا} . اهـ.
وفي "البيضاوي": والعدل: الفدية؛ لأنها تعادل المفدى، و {كُلَّ} نصب على المصدر.
{لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ} وشراب (1): فعال بمعنى: مفعول، وفعال بمعنى: مفعول؛ كطعام بمعنى: مطعوم لا ينقاس، لا يقال: أكال بمعنى مأكول، وضراب
(1) الفتوحات.
بمعنى: مضروب، والحميم: الماء الشديد الحرارة، وأليم: شديد الألم، فكلاهما صيغة مبالغة على وزن فعيل.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} ؛ لأنه استعار المفاتح للأمور الغيبية، كأنها مخازن خزنت فيها المغيبات، قال الزمخشري: جعل للغيب مفاتح على طريق الاستعارة؛ لأن المفاتح يتوصل بها إلى ما في المخازن المغلقة بالأقفال، فهو سبحانه العالم بالمغيبات وحده، وفي قوله:{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ} ، فإنه استعار التوفي من الموت للنوم؛ لأن التوفي حقيقة في الموت لما بينهما من المشاركة في زوال الإحساس والتمييز.
ومنها: الترشيح في قوله: {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} وهو ذكر ما يلائم المستعار منه. قال القاضي: أطلق البعث ترشيحًا للتوفي؛ أي: لما استعير التوفي من الموت للنوم .. كان البعث - الذي هو في الحقيقة الإحياء بعد الموت - ترشيحًا؛ لأنه أمر يلائم المستعار منه اهـ "كرخي".
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} ؛ لأنه استعار الظلمات المعطلة لحاسة البصر للشدائد الهائلة التي تبطل الحواس وتدهش العقول، وفي قوله:{وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} ؛ لأن الذوق حقيقة في المذوقات.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا} ؛ لأن الخوض حقيقة في الانغماس في الماء، فاستعير للأخذ في الحديث والشروع فيه على وجه اللعب واللهو، وقيل: الخوض كناية عن الاستهزاء بها والطعن فيها.
ومنها: الحصر في مواضع، كقوله:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} ؛ لأن تقديم الخبر على المبتدأ يفيد حصره في الخبر، وكقوله:{ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} ، وقوله:
ومنها: الطباق في قوله: {مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} ، وقوله:{وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ} ، وقوله:{وَلَا حَبَّةٍ} ، وقوله:{رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ} ، وقوله:{اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} ، وقوله:{فوق وتحت} .
ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: {فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} للتسجيل عليهم بقبح ما ارتكبوا؛ حيث وضعوا التكذيب والاستهزاء مكان التصديق والتعظيم، وحق العبارة أن يقال: فلا تقعد معهم كما مر.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ} .
ومنها: المجاز المرسل في قوله: {إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} من إسناد ما للسبب إلى المسبب؛ لأن المراد بالإسناد أسباب الموت ومقدماته.
ومنها: الاستفتاح والتنبيه في قوله: {أَلَا لَهُ الْحُكْمُ} .
ومنها: الحذف والزيادة في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
المناسبة
قوله تعالى: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا
…
} الآيات، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر جزاء الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا، بأنه لا ولي لهم ولا شفيع من دون الله، وأنهم مبسلون في عذاب جهنم، ولهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون .. أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم هذه المقالة؛ أي: كيف ندعوا من دون الله أصنامًا لا تنفعنا بوجه من وجوه النفع إن أردنا منها نفعًا، ولا نخشى ضرها بوجه من الوجوه،
ومن كان هكذا .. فلا يستحق العبادة توبيخًا لهم وإنكارًا عليهم عبادتها.
قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ
…
} الآية، مناسبة (1) هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر أنه يحشر إلى جزائه العالم، وهو منتهى ما يؤول إليه أمرهم .. ذكر مبتدأ وجود العالم وخلقه له بالحق؛ أي: بما هو حق لا عبث فيه ولا هو باطل؛ أي: لم يخلقهما باطلًا ولا عبثًا، بل صدرا عن حكمة وصواب، وليستدل بهما على وجود الصانع؛ إذ هذه المخلوقات العظيمة الظاهر عليها سمات الحدوث، لا بد لها من محدث واحد عالم قادر مريد سبحانه جلَّ وعلا.
قوله تعالى: {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ
…
} الآية، مناسبة هذه الجملة لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر خلق الخلق وسرعة إيجاده لما يشاء، وتضمن البعث إفنائهم قبل ذلك .. ناسب ذكر الوصف بالحكيم، ولما ذكر أنه عالم الغيب والشهادة .. ناسب ذكر الوصف بالخبير، إذ هي صفة تدل على علم ما لطف إدراكه من الأشياء.
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (2): أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر قوله: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا} .. ناسب ذكر هذه الآية هنا، وكان التذكار بقصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه وقومه أنسب لرجوع العرب إليه؛ إذ هو جدهم الأعلى، فذكِّروا بأن إنكار هذا النبي محمَّد صلى الله عليه وسلم عليكم عبادة الأصنام هو مثل إنكار جدكم إبراهيم على أبيه وقومه عبادتها، وفي ذلك التنبيه على اقتفاء من سلف من صالحي الآباء والأجداد، وهم وسائر الطوائف معظمون لإبراهيم عليه السلام.
أسباب النزول
قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ
…
} الآية، سبب
(1) البحر المحيط.
(2)
البحر المحيط.