المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والمهتدي لا يستويان، فقال: {قُلْ} يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٨

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: والمهتدي لا يستويان، فقال: {قُلْ} يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين

والمهتدي لا يستويان، فقال:{قُلْ} يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين {هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} ؛ أي: هل يستوي أعمى البصيرة الضال عن الصراط المستقيم - الذي دعوتكم إليه - فلم يميز بين التوحيد والشرك، ولا بين صفات الله وصفات البشر، وذو البصيرة المهتدي إليه، المستقيم في سيره عليه بالحجة والبرهان، حتى صار ذلك في مرآة قلبه أوضح مما ترى العينان وتسمع الآذان؟.

والخلاصة: أنهما لا يستويان، كما أن أعمى العينين وبصيرهما لا يستويان.

{أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} الهمزة فيه داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألا تسمعون الحق فلا تتفكرون فيما أذكر لكم من الحجج، وتتأملون فيه، فتعلموا صحة ما أقول لكم وأدعوكم إليه، وتميزوا بين ضلال الشرك وهداية الإِسلام، وتعقلوا ما في القرآن من ضروب الهداية والعرفان بذلك الأسلوب الرائع الذي لم تعهدوه من قبل، فهل يكون ذلك في مقدوري، وقد لبثت فيكم عمرًا من قبل عاطلًا من هذه المعرفة، وتلك البلاغة الساحرة، وذلك البيان الخلاب؟

‌51

- وبعد أن أمره بتبليغ الناس حقيقة رسالته أمره بإنذار من يخشون الحساب والجزاء، فقال:{وَأَنْذِرْ بِهِ} ؛ أي: وخوف يا محمد بما يوحى إليك من القرآن وغيره المؤمنين بالله تعالى {الَّذِينَ يَخَافُونَ} ويخشون {أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} ويرجعوا إليه للمحاسبة والمجازاة، ويخافون أهوال الحشر وشدة الحساب، وما يتبع ذلك من الجزاء على الأعمال عند القدوم على الله في ذلك اليوم الذي لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)} يوم لا ولي ينصر، ولا شفيع يدفع العذاب إن أريد النجاة منه، بل أمر ذلك متوقف على مرضاة الله تعالى.

قال (1) ابن عباس: المراد بـ {الَّذِينَ يَخَافُونَ} : المؤمنون؛ لأنهم يخافون يوم القيامة وما فيه من شدة الأهوال، وقيل معنى:{يَخَافُونَ} : يعلمون، والمراد

(1) الخازن.

ص: 344

بهم: كل معترف بالبعث من مسلم وكتابي، وإنما خص الذين يخافون الحشر بالذكر دون غيرهم، وإن كان إنذاره صلى الله عليه وسلم لجميع الخلائق؛ لأن الحجة عليهم أوكد من غيرهم لاعترافهم بصحة المعاد والحشر. وقيل: المراد بهم: الكفار؛ لأنهم لا يعتقدون صحته، ولذلك قال: يخافون أن يحشروا إلى ربهم، وجملة قوله:{لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ} ؛ أي: من دون الله تعالى {وَلِيٌّ} ؛ أي: قريب ينفعهم {وَلَا شَفِيعٌ} يشفع لهم، في محل النصب حال من ضمير {يُحْشَرُوا}؛ أي (1): أنذر به هؤلاء الذين يخافون الحشر حال كونهم لا ولي لهم يواليهم، ولا ناصر يناصرهم، ولا شفيع يشفع لهم من دون الله تعالى، وفيه ردٌّ على من زعم من الكفار المعترفين بالحشر أن آباءهم يشفعون لهم، وهم أهل الكتاب، أو أن أصنامهم تشفع لهم، وهم المشركون.

ثم إن (2) فسرنا {الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} أن المراد بهم: الكفار، فلا إشكال عليه، لقوله تعالى:{مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} ، وإن فسرناهم بالمؤمنين .. ففيه إشكال؛ لأنه قد ثبت بصحيح النقل شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم للمذنبين من أمته، وكذلك تشفع الملائكة والأنبياء والمؤمنون بعضهم لبعض. والجواب عن هذا الإشكال أن الشفاعة لا تكون إلا بإذن الله، لقوله عز وجل:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} ، وإذا كانت الشفاعة بإذن الله .. صح قوله:{لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ} يعني: حتى يأذن الله لهم في الشفاعة، فإذا أذن فيها كان للمؤمنين ولي وشفيع.

وقوله: {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} ؛ أي: بإقلاعهم عما هم فيه، وعمل الطاعات متعلق بأنذر؛ أي: خوفهم لكي يتقوا المعاصي، ويكون لهم عونًا في الطاعة، فهؤلاء المؤمنون هم الذين يرجى أن يتقوا الله اهتداءً بهديك، وخوفًا من إنذارك، ويتحروا ما يؤدِّي إلى مرضاته ولا يصدهم عن ذلك إتكال على الأولياء، ولا اعتماد على الشفعاء علمًا منهم أن الشفاعة لله جميعًا:{مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} كما أنهم يستيقنون أن نجاتهم إنما تكون بإيمانهم وأعمالهم وتزكيتهم

(1) الشوكاني.

(2)

الخازن.

ص: 345