المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أخافها، وهي بهذه المنزلة، ولا تخافون من إشراككم بالله سبحانه؟ - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٨

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: أخافها، وهي بهذه المنزلة، ولا تخافون من إشراككم بالله سبحانه؟

أخافها، وهي بهذه المنزلة، ولا تخافون من إشراككم بالله سبحانه؟ وبعد هذا فأخبروني؛ أي: الفريقين أحق بالأمن وعدم الخوف إن كنتم تعلمون بحقيقة الحال، وتعرفون البراهين الصحيحة وتميزونها عن الشبه الباطلة؟

‌82

- ثم بين سبحانه وتعالى الحقيق بالأمن على سبيل التفصيل، فقال:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} ؛ أي: إن الذين آمنوا بالله وحده ولم يشركوا به شيئًا ولم يلبسوا؛ أي: لم يخلطوا إيمانهم بظلم؛ أي: بشرك، ولم ينافقوا في إيمانهم {أُولَئِكَ} الموصوفون بما ذكر {لَهُمُ الْأَمْنُ} يوم القيامة من عذاب النار دون غيرهم {وَهُمْ مُهْتَدُونَ} في الدنيا إلى سبيل الرشاد والصواب ثابتون عليه، وغيرهم على ضلال وجهل. والمراد (1) بالظلم الذي يلبس به المرء إيمانه بالله ويخلطه به: هو الشرك في العقيدة أو العبادة، كاتخاذ ولي من دون الله يدعى معه، أو من دونه، فيعظم كتعظيمه، ويحبه كحبه للاعتقاد أنَّ له نفعًا أو ضرًّا بذاته أو بتأثيره في مشيئة الله وقدرته، لا ظلم الإنسان نفسه بفعل بعض المضار أو ترك بعض المنافع عن جهل أو إهمال، ولا ظلمه لغيره ببعض التصرفات والأحكام. يدل على هذا التفسير ما رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وغيرهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية .. شق ذلك على المسلمين، وقالوا: يا رسول الله، وأيُّنا لا يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ليس ذلك الذي تعنون، إنما هو الشرك، ألم تسمعوا قول لقمان لابنه:{لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} . والمراد بالأمن: الأمن من عذاب الله الذي يحل بمن لا يرضى إيمانه ولا عبادته.

وقرأ مجاهد (2): {ولم يلبسوا إيمانهم بشرك} ، ولعل ذلك تفسير معنى؛ إذ هي قراءة تخالف السواد. وقرأ عكرمة:{ولم يلبسوا} بضم الياء.

‌83

- {وَتِلْكَ} الحجة الدامغة التي تضمنها البيان السالف التي أوردها إبراهيم عليهم من قوله: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ

} إلى قوله: {وَهُمْ مُهْتَدُونَ} المثبتة للحق، المزيفة

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

ص: 432

للباطل، هي {حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ}؛ أي: هي الحجة التي أرشدنا إليها إبراهيم وأعطيناه إياها؛ إما بوحي، أو إلهام حجة. {عَلَى قَوْمِهِ} ليلزمهم ويقنعهم بها {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} بالهداية والإرشاد إلى الحق وتلقين الحجة، أو بما هو أعم من ذلك؛ أي: إننا نرفع من شئنا من عبادنا درجات بعد أن لم يكونوا على درجة منها، فالعلم درجة كمال، والحكمة درجة كمال، وقوة المعارضة في الحجاج درجة كمال، والسيادة والحكم بالحق كذلك، والنبوة والرسالة أعلى كل هذه الدرجات؛ لأنها تشمل عليها وتزيد. والله يرفع درجات من يؤتيهم ذلك بتوفيق صاحب الدرجة الكسبية إلى ما به ترتقي درجته، ويصرف موانع هذا الارتقاء عنه، ويؤتي صاحب الدرجة الوهبية: النبوة ما لم يؤتِ غيره من أهل المناقب: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ الله وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} .

{إِنَّ رَبَّكَ} يا محمَّد الذي رباك وعلمك وهداك وجعلك خاتم رسله لجميع خلقه {حَكِيمٌ} فيما دبره لعباده من الرفع والخفض {عَلِيمٌ} بشؤونهم من استحقاق الرفع وعدمه وسيريك ذلك عيانًا في سيرتك مع قومك، كما أراكه بيانًا فيما حدث عن إبراهيم مع قومه، وتأس في نفسك وقومك المكذبين بأبيك، واصبر على ما ينوبك منهم كما صبر.

ويحتمل (1) أن يكون المراد بالخطاب إبراهيم، فيكون من باب الالتفات والخروج من ضمير الغيبة إلى ضمير الخطاب على سبيل التشريف بالخطاب.

الإعراب

{قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا الله كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ في الْأَرْضِ} .

{قُلْ} : فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. {أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ} إلى قوله:{قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ} مقول محكي لـ {قُلْ} ، وإن شئت قلت الهمزة للاستفهام الإنكاري. {نَدْعُو}: فعل وفاعل، والجملة في

(1) البحر المحيط.

ص: 433

محل النصب مقول {قُلْ} . {مِنْ دُونِ اللهِ} : جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {نَدْعُو}. {مَا}: موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول {نَدْعُو}. {لَا} نافية {يَنْفَعُنَا}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {مَا} ، والجملة صلة {ما} أو صفة لها. {وَلَا يَضُرُّنَا}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {مَا} ، والجملة معطوفة على جملة {يَنْفَعُنَا}. {وَنُرَدُّ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود علي المتكلمين، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة {نَدْعُو}. {عَلَى أَعْقَابِنَا}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {نُرَدُّ} ، أو حال من ضمير {نُرَدُّ}؛ أي: منقلبين على أعقابنا. {بَعْدَ} : منصوب على الظرفية. {إِذْ} : حرف بمعنى أن المصدرية لا محل لها من الإعراب. {هَدَانَا الله} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة في تأويل مصدر مجرور بإضافة {بَعْدَ} إليه تقديره: بعد هداية الله إيانا، والظرف متعلق بـ {نُرَدُّ}. وعبارة "الجمل" هنا: قوله: {بَعْدَ إِذْ هَدَانَا الله} (1){إِذْ} : ظرفية؛ أي: بعد وقت هدانا الله؛ أي: بعد وقت هداية الله لنا، أو بمعنى أن المصدرية، وهو ظاهر اهـ شيخنا. {كَالَّذِي}: جار ومجرور حال من فاعل {نُرَدُّ} ؛ أي: نرد على أعقابنا مشبهين بالذي استهوته الشياطين، أو نعت لمصدر محذوف تقديره: نرد ردًّا، مثل: رد الذي استهوته الشياطين. {اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ} : فعل ومفعول وفاعل، والجملة صلة الموصول. {في الْأَرْضِ}: جار ومجرور متعلق بـ {اسْتَهْوَتْهُ} .

{حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71)} .

{حَيْرَانَ} : حال من ضمير {اسْتَهْوَتْهُ} . وعبارة "الجمل" هنا قوله: {في الْأَرْضِ} فيه أربعة أوجه:

أحدها: أنه متعلق بقوله {اسْتَهْوَتْهُ} .

الثاني: أنه حال من مفعول {اسْتَهْوَتْهُ} .

(1) الفتوحات.

ص: 434

الثالث: أنه حال من {حَيْرَانَ} .

الرابع: أنه حال من الضمير المستكن في {حَيْرَانَ} ، و {حَيْرَانَ} إما حال من هاء {اسْتَهْوَتْهُ} ، وإما من {الذي} ، وإما من الضمير المستكن في الظرف. انتهت {لَهُ}: جار ومجرور خبر مقدم. {أَصْحَابٌ} : مبتدأ مؤخر، والجملة في محل النصب صفة لـ {حَيْرَانَ}. {يَدْعُونَهُ}: فعل وفاعل ومفعول. {إِلَى الْهُدَى} : متعلق به، والجملة صفة لـ {أَصْحَابٌ}. {ائْتِنَا}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على المخاطب، والجملة في محل النصب مقول لقول محذوف حال من فاعل {يَدْعُونَهُ}؛ أي: يدعونه قائلين ائتنا. {قُلْ} : فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة. {إِنَّ هُدَى اللهِ} إلى قوله:{وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} مقول محكي، وإن شئت قلت:{إِنَّ} : حرف نصب. {هُدَى اللهِ} : اسم {إِنَّ} : ومضاف إليه. {هُوَ} : ضمير فصل. {الْهُدَى} : خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} في محل النصب مقول {قُلْ}. {وَأُمِرْنَا}: فعل ونائب فاعل، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة {إِنَّ} على كونها مقولًا لـ {قُلْ}. {لِنُسْلِمَ}: اللام: حرف جر بمعنى الباء. {نُسْلِمَ} : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على المتكلمين. {لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {نُسْلِمَ} ، وجملة {نُسْلِمَ} صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام التي بمعنى الباء المتعلقة بـ {أُمِرْنَا} ، والتقدير: وأمرنا بالإِسلام لرب العالمين.

{وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} .

{وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} : ناصب وفعل وفاعل ومفعول، معطوف على {نُسْلِمَ}؛ أي: وأمرنا بالإِسلام وبإقامة الصلاة. {وَاتَّقُوهُ} : فعل وفاعل ومفعول، معطوف على {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ}؛ أي: وأمرنا بالإِسلام لرب العالمين. وبإقامة الصلاة، وبتقوى الله تعالى. {وَهُوَ الَّذِي}: مبتدأ وخبر. {إِلَيْهِ} : متعلق بـ {تُحْشَرُونَ} . وجملة {تُحْشَرُونَ} صلة الموصول، والجملة الإسمية مستأنفة موجبة لامتثال ما أمر به من الأمور الثلاثة، كما ذكره "أبو السعود".

ص: 435

{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ} .

{وَهُوَ الَّذِي} : مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ}: فعل ومفعول. {وَالْأَرْضَ} : معطوف على {السَّمَاوَاتِ} ، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة الفعلية صلة الموصول. {بِالْحَقِّ}: جار ومجرور حال من فاعل {خَلَقَ} تقديره: حالة كونه ملتبسًا بالحق والحكمة. {وَيَوْمَ} {الواو} : استئنافية. {يَوْمَ} : منصوب على الظرفية متعلق بـ {الْحَقُّ} الآتي. {يَقُولُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {يَوْمَ}. {كُنْ}: مقول محكي لـ {يَقُولُ} ، وإن شئت قلت:{كُنْ} : فعل أمر من كان التامة، وفاعله ضمير يعود على شيء مخلوق، والجملة في محل النصب مقول {يَقُولُ}. {فَيَكُونُ} الفاء: حرف عطف وتعقيب. {يَكُونُ} : فعل مضارع من كان التامة، وفاعله ضمير يعود على شيء مخلوق، والجملة معطوفة على جملة {يَقُولُ} على كونها مضافًا إليه لـ {يَوْمَ}. {قَوْلُهُ الْحَقُّ}: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة، والتقدير: قوله الحق يوم يقول كن فيكون؛ أي: واقع لا محالة.

{وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} .

{وَلَهُ الْمُلْكُ} : خبر مقدم ومبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة. {يَوْمَ}: ظرف متعلق بـ {الْمُلْكُ} ؛ أي: يملك الأمور يوم. {يُنْفَخُ} : فعل مضارع مغير الصيغة. {في الصُّورِ} : جار ومجرور في محل الرفع نائب فاعل لـ {يُنْفَخُ} ، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {يَوْمَ}. {عَالِمُ}: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هو عالم، والجملة مستأنفة {عَالِمُ}: مضاف. {الْغَيْبِ} : مضاف إليه. {وَالشَّهَادَةِ} : معطوف على {الْغَيْبِ} . {وَهُوَ} : مبتدأ. {الْحَكِيمُ} : خبر أول. {الْخَبِيرُ} : خبر ثانٍ، والجملة معطوفة على جملة قوله:{عَالِمُ الْغَيْبِ} .

ص: 436

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ في ضَلَالٍ مُبِينٍ (74)} .

{وَإِذْ} : {الواو} : استئنافية. {إِذْ} ظرف لما مضى من الزمان متعلق بمحذوف تقديره: واذكر يا محمَّد لقومك قصة إذ قال إبراهيم، والجملة المحذوفة مستأنفة. {قَالَ إِبْرَاهِيمُ}: فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذْ}. {لِأَبِيهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {قَالَ} . {آزَرَ} : بدل من أبيه، أو عطف بيان له، مجرور وعلامة جره الفتحة، والمانع له من الصرف العلمية والعجمية. {أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا} إلى آخر الآية مقول محكي لـ {قَالَ} ، وإن شئت قلت: الهمزة للاستفهام التوبيخي. {تَتَّخِذُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {آزَرَ} ، والجملة في محل النصب مقول {قَالَ}. {أَصْنَامًا}: مفعول أول لـ {تَتَّخِذُ} . {آلِهَةً} : مفعول ثانٍ له. {إِنِّي} : حرف نصب، والياء اسمها. {أَرَاكَ} أرى: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {إِبْرَاهِيمُ} ، والكاف: ضمير المخاطب في محل النصب مفعول أرى إن قلنا: إنها بصرية، ومفعول أول لها إن قلنا: إنها علمية. {وَقَوْمَكَ} : معطوف على الكاف. {في ضَلَالٍ مُبِينٍ} : جار ومجرور وصفة متعلق بـ {أرى} إن قلنا: إنها بصرية، أو في محل المفعول الثاني إن قلنا: إنها علمية، وجملة {أرى} في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن} في محل النصب مقول {قَالَ} على كونها معللة للإنكار والتوبيخ قبلها.

{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)} .

{وَكَذَلِكَ} {الواو} : استئنافية. {كَذَلِكَ} : جار ومجرور صفة لمصدر محذوف تقديره: إراءة مثل إراءته ضلال أبيه وقومه. {نُرِي} : فعل مضارع لأرى الرباعي، من رأى البصرية تتعدى بالهمزة إلى مفعولين، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. {إِبْرَاهِيمَ}: مفعول أول. {مَلَكُوتَ} : مفعول ثانٍ، وهو مضاف. {السَّمَاوَاتِ}: مضاف إليه. {وَالْأَرْضِ} : معطوف عليه. {وَلِيَكُونَ} : {الواو} : عاطفة على محذوف تقديره: ليستدل به على قومه. {ليكون} : اللام لام كي {يكون} : فعل مضارع ناقص منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، واسمه

ص: 437

ضمير يعود على {إِبْرَاهِيمَ} . {مِنَ الْمُوقِنِينَ} : خبر {يَكُونَ} ، وجملة {يَكُونَ} في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: ولكونه من الموقنين، الجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور المحذوف تقديره: ونرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض، إراءة مثل ذلك لاستدلاله على قومه، ولكونه من الموقنين.

{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} .

{فَلَمَّا} الفاء: عاطفة تفصيلية. {لَمَّا} : حرف شرط غير جازم. {جَنَّ} : فعل ماض. {عَلَيْهِ} : متعلق به. {اللَّيْلُ} : فاعل، والجملة الفعلية فعل شرط لـ {ما} لا محل لها من الإعراب. {رَأَى}: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على {إِبْرَاهِيمَ}. {كَوْكَبًا}: مفعول به لرأى لأنها بصرية، والجملة جواب {لَمَّا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {لَمَّا} من فعل شرطها وجوابها معطوفة على جملة قوله:{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ} عطف مفصل على مجمل. {قَالَ} : فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على {إِبْرَاهِيمَ} ، والجملة معطوفة على جملة رأى كوكبًا بعاطف مقدر أو مستأنفة. {هَذَا رَبِّي}: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول {قَالَ}. {فَلَمَّا}:{الفاء} : عاطفة. {لَمَّا} : حرف شرط. {أَفَلَ} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {كوكب} ، والجملة فعل شرط لـ {لَمَّا} لا محل لها من الإعراب. {قَالَ}: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على إبراهيم، والجملة جواب {لَمَّا} ، وجملة {لَمَّا} معطوفة على جملة {لَمَّا} الأولى. {لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} مقول محكي لـ {قَالَ} ، وإن شئت قلت:{لَا} : نافية. {أُحِبُّ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {إِبْرَاهِيمَ}. {الْآفِلِينَ}: مفعول به منصوب بالياء، والجملة الفعلية في محل النصب مقول {قَالَ} .

{فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي} .

{فَلَمَّا} الفاء: عاطفة. {لَمَّا} : حرف شرط. {رَأَى الْقَمَرَ} : فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على إبراهيم. {بَازِغًا} : حال من {الْقَمَرَ} ؛ لأن رأى

ص: 438

بصرية، والجملة فعل شرط لـ {لَمَّا}. {قَالَ}: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على إبراهيم، والجملة جواب {لَمَّا} ، وجملة {لَمَّا} معطوفة على جملة {لَمَّا} الأولى. {هَذَا رَبِّي}: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول {قَالَ} .

{فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} .

{فَلَمَّا} الفاء: عاطفة. {لَمَّا} : حرف شرط. {أَفَلَ} : فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على {الْقَمَرَ} ، والجملة فعل شرط لـ {لَمَّا}. {قَالَ}: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على {إِبْرَاهِيمَ} ، والجملة جواب {لَمَّا} ، وجملة {لَمَّا} معطوفة على جملة قوله:{فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا} . {لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي} مقول محكي لـ {قَالَ} ، وإن شئت قلت:{لَئِنْ لَمْ} اللام: موطئة للقسم. {إن} : حرف شرط جازم. {لَمْ} : حرف نفي وجزم. {يَهْدِ} : فعل مضارع مجزوم بـ {لَمْ} ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة. {فِي}: النون نون الوقاية، والياء: مفعول به. {رَبِّي} : فاعل ومضاف إليه، والجملة في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونها فعل شرط لها. {لَأَكُونَنَّ}: اللام: رابطة لجواب القسم. {أَكُونَنَّ} : فعل مضارع ناقص مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، الثقيلة، واسمها ضمير يعود على {إِبْرَاهِيمَ}. {مِنَ الْقَوْمِ}: جار ومجرور خبر {أكُونَنَّ} . {الضَّالِّينَ} : صفة لـ {الْقَوْمِ} ، وجملة {أكُونَنَّ} جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجواب {إن} الشرطية محذوف دل عليه جواب القسم على القاعدة المطردة من أن المذكور يكون جواب ما قدم من الشرط والقسم، تقديره: إن لم يهدني ربي أكن من القوم الضالين، وجملة القسم وجوابه في محل النصب مقول {قَالَ} .

{فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ} .

{فَلَمَّا} الفاء: عاطفة، {لَمَّا}: حرف شرط. {رَأَى الشَّمْسَ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {إِبْرَاهِيمَ} . {بَازِغَةً} حال من {الشَّمْسَ} ، والجملة فعل شرط لـ {لَمَّا}. {قَالَ}: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على

ص: 439

{إِبْرَاهِيمَ} ، والجملة جواب {لَمَّا} ، وجملة {لَمَّا} معطوفة على جملة {لَمَّا} الأولى. {هَذَا رَبِّي}: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول {قَالَ}. وكذا جملة قوله:{هَذَا أَكْبَرُ} مقول {قَالَ} .

{فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} .

{فَلَمَّا} : الفاء: عاطفة، {لَمَّا}: حرف شرط. {أَفَلَتْ} : فعل ماضٍ، والتاء علامة التأنيث، وفاعله ضمير {الشَّمْسَ} ، والجملة فعل شرط لـ {لَمَّا}. {قَالَ}: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على {إِبْرَاهِيمَ} ، والجملة جواب {لَمَّا} ، وجملة {لَمَّا} معطوفة على جملة قوله:{فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي} . {يَا قَوْمِ} إلى آخره مقول محكي لـ {قَالَ} ، وإن شئت قلت:{يَا قَوْمِ} : {يَا} : حرف نداء. {قَوْمِ} : منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول {قَالَ}. {إِنِّي}:{إن} حرف نصب، والياء اسمها. {بَرِيءٌ}: خبرها، وجملة {إن} جواب النداء على كونها مقول القول لـ {قَالَ}. {مِمَّا}: جار ومجرور متعلق بـ {بَرِيءٌ} ، وجملة {تُشْرِكُونَ} صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: مما تشركونه بالله.

{إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} .

{إِنِّي} إنّ: حرف نصب، والياء اسمها. {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع خبر {إِنّ} ، وجملة {إن} في محل النصب مقول {قَالَ}. {لِلَّذِي}: جار ومجرور متعلق بـ {وَجَّهْتُ} . {فَطَرَ السَّمَاوَاتِ} : فعل ومفعول. {وَالْأَرْضَ} : معطوف عليه، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. {حَنِيفًا}: حال من فاعل {وَجَّهْتُ} . {وَمَا} : {الواو} : عاطفة. {أَنَا} : مبتدأ. {مِنَ الْمُشْرِكِينَ} : خبر، والجملة معطوفة على جملة {وَجَّهْتُ} .

{وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي في اللهِ} .

{وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ} : فعل ومفعول وفاعل، والجملة مستأنفة. {قَالَ}: فعل

ص: 440

ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على {إِبْرَاهِيمَ} ، والجملة مستأنفة. {أَتُحَاجُّونِّي} إلى آخره مقول محكي لـ {قَالَ} ، وإن شئت قلت: الهمزة: للاستفهام التوبيخي. {تُحَاجُّونِّي} : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبات النون المدغمة في نون الوقاية على قراءة التشديد، أو المحذوفة على قراءة التخفيف، والواو فاعل، والنون نون الوقاية، والياء ضمير المتكلم في محل النصب مفعول به. {في اللهِ}: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية في محل النصب مقول القول.

{وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ} .

{وَقَدْ} : {الواو} : واو الحال. {قَدْ} : حرف تحقيق. {هَدَانِ} : هدى: فعل ماضٍ، والنون نون الوقاية، وياء المتكلم المحذوفة اجتزىء عنها بالكسرة في محل النصب مفعول به، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل النصب حال من ياء {تُحَاجُّونِّي}؛ أي: أتجادلوني في الله حال كوني مهتديًا من عنده، أو حال من لفظ الجلالة؛ أي: أتخاصموني فيه حال كونه هاديًا لي، فحجتكم داحضة لا تجدي شيئًا. {وَلَا}:{الواو} : عاطفة، أو استئنافية. {لَا}: نافية. {أَخَافُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {إِبْرَاهِيمَ} ، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة {وَقَدْ هَدَانِ} على كونها حالًا من الياء، أو مستأنفة. {مَا}: موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول به. {تُشْرِكُونَ}: فعل وفاعل. {بِهِ} : متعلق به، والجملة صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما تشركونه به.

{إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا} .

{إِلَّا} : أداة استثناء. {أَنْ} حرف نصب ومصدر. {يَشَاءَ} : فعل مضارع منصوب بـ {أَنْ} . {رَبِّي} : فاعل ومضاف إليه. {شَيْئًا} : مفعول به، وجملة {أَنْ} المصدرية في تأويل مصدر مجرور بإضافة المستثنى المحذوف، والمستثنى منه محذوف أيضًا تقديره: ولا أخاف ما تشركون به في وقت من الأوقات؛ لأنها لا تضر ولا تنفع إلا وقت مشيئة ربي إصابةً لي بشيء من المكروه أو المحبوب، فيصيبني من جهتها، فيكون الاستثناء من عموم الأزمان، ويصح أن يكون من

ص: 441

عموم الأحوال، والتقدير: ولا أخاف ما تشركون به في حال من الأحوال إلا في حال مشيئة الله تعالى.

{وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} .

{وَسِعَ رَبِّي} : فعل وفاعل. {كُلَّ شَيْءٍ} مفعول به ومضاف إليه. {عِلْمًا} : تمييز محول عن الفاعل؛ أي: وسع علمه كل شيء كـ {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} ، والجملة الفعلية مستأنفة مسوقة لتعليل الاستثناء؛ أي: لأنه أحاط بكل شيء علمًا. {أَفَلَا} : الهمزة للاستفهام التوبيخي داخلة على محذوف، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف. {لا} : نافية. {تَتَذَكَّرُونَ} فعل وفاعل، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة المحذوفة على كونها إنشائية لا محل لها من الإعراب، ولكنها في محل النصب مقول {قَالَ} ، والتقدير: أتعرضون عن التأمل في أن آلهتكم جمادات لا تضر ولا تنفع، فلا تتذكرون أنها غير قادرة على شيء ما.

{وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا} .

{وَكَيْفَ} {الواو} : استئنافية. {كَيْفَ} : اسم للاستفهام التعجبي في محل النصب على الحال مبني على الفتح، والعامل فيه {أَخَافُ}. {أَخَافُ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {إِبْرَاهِيمَ} ، والجملة مستأنفة على كونها مقول {قَالَ}. {مَا}: موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول به. {أَشْرَكْتُمْ} : فعل وفاعل، والجملة صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما أشركتموه بالله. {وَلَا} : {الواو} : حالية. {لا} : نافية. {تَخَافُونَ} : فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من فاعل {أَخَافُ} ، والتقدير: وكيف أخاف الذي تشركون حال كونكم أنتم غير خائفين عاقبة إشراككم، وهذه الجملة وإن لم يكن فيها رابط يعود على ذي الحال. لا يضر ذلك؛ لأن الواو نفسها رابطة. اهـ "سمين". {أَنَّكُمْ} {أَنَّ}: حرف نصب ومصدر، والكاف اسمها. {أَشْرَكْتُمْ}: فعل وفاعل. {بِاللهِ} : متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {أَنَّ} تقديره: أنكم مشركون بالله، وجملة {أَنَّ} في

ص: 442

تأويل مصدر منصوب على المفعولية تقديره: ولا تخافون إشراككم بالله. {مَا لَمْ يُنَزِّلْ} : {مَا} : موصولة أو موصوفة، في محل النصب مفعول به. {لَمْ}: حرف جزم. {يُنَزِّلْ} : مجزوم بـ {لَمْ} ، وفاعله ضمير يعود على الله. {بِهِ} متعلق بـ {يُنَزِّلْ} ، وكذا {عَلَيْكُمْ}: متعلق به. {سُلْطَانًا} : مفعول به، وجملة {يُنَزِّلْ} صلة لـ {مَا} أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير {بِهِ} .

{فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .

{فَأَيُّ} الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم معبودي ومعبودكم، وأردتم بيان حالي وحالكم .. فأقول لكم {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ}:{أَيُّ} اسم استفهام مبتدأ مرفوع. {الْفَرِيقَيْنِ} : مضاف إليه. {أَحَقُّ} : خبر. {بِالْأَمْنِ} : متعلق به، والجملة من المبتدأ والخبر في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة في محل النصب مقول {قَالَ}. {إِنْ}: حرف شرط. {كُنْتُمْ} : فعل ناقص واسمه، في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونه فعل شرط لها، وجملة {تَعْلَمُونَ} خبر كان وجواب {إِنْ} معلوم مما قبلها تقديره: إن كنتم من ذوي العلم والاستبصار .. فأخبروني أيُّ هذين الفريقين أحق بالأمن؟

{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)} .

{الَّذِينَ} : مبتدأ أول. {آمَنُوا} : فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. {وَلَمْ يَلْبِسُوا}: جازم وفعل وفاعل، معطوف على {آمَنُوا}. {إِيمَانَهُمْ}: مفعول به، ومضاف إليه. {بِظُلْمٍ}: جار ومجرور متعلق بـ {يَلْبِسُوا} . {أُولَئِكَ} : مبتدأ ثانٍ. {لَهُمُ} : جار ومجرور خبر مقدم {الْأَمْنُ} مبتدأ ثالث، والجملة من المبتدأ الثالث وخبره خبر للمبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر للمبتدأ الأول، والجملة من المبتدأ الأول وخبره مستأنفة. {وَهُمْ مُهْتَدُونَ}: مبتدأ وخبر، معطوف على جملة قوله:{لَهُمُ الْأَمْنُ} على كونه خبرًا للمبتدأ الثاني.

{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)} .

ص: 443

{وَتِلْكَ} {الواو} : استئنافية. {تِلْكَ} : مبتدأ. {حُجَّتُنَا} : خبر المبتدأ. وجملة {آتَيْنَاهَا} خبر ثانٍ، أو في محل النصب حال من {حُجَّتُنَا} ، والعامل فيها معنى الإشارة، والجملة الإسمية مستأنفة. {إِبْرَاهِيمَ}: مفعول ثانٍ لـ {آتَيْنَا} ؛ لأنه بمعنى: أعطينا. {عَلَى قَوْمِهِ} : جار ومجرور متعلق بـ {حُجَّتُنَا} . {نَرْفَعُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية مستأنفة، أو في محل النصب حال من فاعل {آتَيْنَاهَا}. {دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} - بالإضافة -: مفعول به، وهو مضاف، و {مَنْ} الموصولة: في محل الجر مضاف إليه. وبالتنوين: {دَرَجَاتٍ} : مفعول فيه، أو مفعول ثانٍ على تضمين نرفع بمعنى: نعطي، و {مَنْ} الموصولة: مفعول به. {نَشَاءُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة صلة {مَنْ} الموصولة، والعائد محذوف تقديره: نشاءه. {إِنَّ} : حرف نصب وتوكيد. {رَبَّكَ} : اسمها ومضاف إليه. {حَكِيمٌ} : خبر أول؛ لأن {عَلِيمٌ} خبر ثانٍ لها، والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

التصريف ومفردات اللغة

{وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا} الأعقاب جمع: عقب، وهو مؤخر الرجل، وتقول العرب فيمن عجز بعد قدرة، أو سفل بعد رفعة، أو أحجم بعد إقدام على محمدة: نكص على عقبيه، وارتد على عقبيه، ورجع القهقرى، ثم صار يطلق على كل تحول مذموم.

{كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ} ؛ أي: ذهبت بعقله وهواه، وكانت العرب في الجاهلية تزعم أن الجنون كله من تأثير الجن، ومنه قولهم: حسن فلان؛ أي: مسته الجن، فذهبت بعقله، وكانوا يقولون: إن الجن تظهر لهم في المهامه، وتتلون لهم بألوان مختلفة، فتذهب بلب من يراها، فيهيم على وجهه لا يدري أين يذهب حتى يهلك، وهذه الشياطين التي تتلون هي التي يسمونها: الغيلان والأغوال والسعالي.

وقوله: {حَيْرَانَ} ؛ أي: تائهًا ضالًا عن الجادة، لا يدري ما يصنع؟ وهو وصف مذكر مؤنثه حيرى؛ كسكران وسكرى، فلذلك منع من الصرف، ويقال: حار يحار حيرة وحيرورة إذا تردد.

ص: 444

{يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ} والصور في اللغة: القرن، وهو هنا شيء من خلق الله على صورة القرن المستطيل، وفيه جميع الأرواح، وفيه ثقب بعددها، فإذا نفخ خرجت كل روح من ثقبة، ووصلت لجسدها، فتحله الحياة. اهـ "سمين". وقد ثقب الناس قرون الوعول والظباء وغيرها، فجعلوا منها أبواقًا ينفخون فيها، لها صوت شديد يدعى به الناس إلى الاجتماع، ويعزفون بها كغيرها من آلات الطرب.

{أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا} والأصنام: جمع صنم، وهو والتمثال والوثن بمعنى واحد، وهو الذي يتخذ من خشب أو حجارة أو حديد أو ذهب أو فضة على صورة الإنسان. اهـ "خازن".

{في ضَلَالٍ} والضلال: العدول عن الطريق الموصل إلى الغاية التي يطلبها العاقل من سيره الحسي والمعنوي.

{مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ} وملك الله وملكوته: سلطانه وعظمته، والملكوت: الملك، زيدت فيه التاء للمبالغة كالرهبوت والرغبوت والرحموت من الرهبة والرغبة والرحمة، كما مرَّ.

{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} يقال (1): جن عليه الليل وأجن بمعنى: أظلم، فيستعمل قاصرًا، وجنه وأجنه الليل، فيستعمل متعديًا، فهذا مما اتفق فعل وأفعل لزومًا وتعديًا إلا أن الأجود في الاستعمال: جن عليه الليل وأجنه الليل، فيكون الثلاثي لازمًا، والرباعي متعديًا. اهـ "سمين".

{رَأَى كَوْكَبًا} والكوكب والكوكبة واحد الكواكب، وهي: النجوم {فَلَمَّا أَفَلَ} في "المصباح": أفل (2) الشيء أفلًا وأفولًا من بأبي ضرب وقعد: غاب، ومنه: أفل فلان عن البلد إذا غاب عنها، والأفيل: الفصيل وزنًا ومعنى، والجمع: إفال بالكسر. وقال الفارابي: الإفال: بنات المخاض فما فوقها، وقال أبو زيد: الأفيل: الفتى من الإبل. وقال الأصمعي: ابن تسعة أشهر أو ثمانية. وقال ابن فارس: جمع الأفيل: إفال، والإفال: صغار الغنم، والأفول: غيبوبة الشيء بعد ظهوره.

(1) الفتوحات.

(2)

المصباح المنير.

ص: 445

قوله: {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا} القمر معروف، سمي بذلك لبياضه، والأقمر: الأبيض، وليلة قمراء: مضيئة، قاله ابن قتيبة. وبزوغ القمر: ابتداء طلوعه، يقال: بزغ بفتح الزاي يبزغ بضمها، واستعمل قاصرًا ومتعديًا يقال: بزغ البيطار الدابة؛ أي: أسال دمها، فبزغ هو؛ أي: سال، ثم قيل لكل طلوع: بزوغ، ومنه: بزغ ناب الصبي والبعير تشبيهًا بذلك اهـ "سمين".

وفي "المصباح": بزغ البيطار والحاجم بزغًا من باب قتل: شرط، وأسال الدم، وبزغ ناب البعير بزوغًا: إذا طلع، وبزغت الشمس: طلعت فهي بازغة. اهـ.

{وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} وجه من باب فعل المضعف، وتوجيه الوجه لله تعالى تركه يتوجه إليه وحده في طلب حاجته وإخلاص عبوديته. {فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} أخرجهما إلى الوجود لا على مثال سابق {حَنِيفًا} الحنيف: المائل عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق الذي هو التوحيد.

{وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ} حاج من باب فاعل الرباعي المزيد بالألف بين الفاء والعين، يدل على المفاعلة، والمحاجة المجادلة والمغالبة في إقامة الحجة، والحجة تطلق تارة على الدلالة المبينة للمقصد، وتارةً على ما يدلي به أحد الخصمين في إثبات دعواه، أو ردِّ دعوى خصمه، وهي بهذا الاعتبار تنقسم إلى قسمين: إلى حجة دامغة يثبت بها الحق، وإلى حجة داحضة يموه بها الباطل، وقد اصطلحوا على تسمية مثل هذه شبهةً.

{أَتُحَاجُّونِّي} بتشديد الجيم والنون أصله: أتحاججونني بوزن تضاربونني بجيمين، فأدغمت الجيم الأولى في الثانية، وكذا النون: أدغمت الأولى في الثانية على قراءة التشديد، وأما على قراءة التخفيف، فاختلفوا في المحذوفة من النونين، فقال سيبويه وغيره من البصريين: المحذوفة الأولى التي هي نون الرفع؛ لأنها نائبة عن الضمة، وهي قد تحذف تخفيفًا كما في قراءة أبي عمرو:{ينصركم} و {يأمركم} و {يشعركم} فكذا ما ناب عنها. وقال الفراء ومن وافقه: المحذوفة هي الثانية التي هي نون الوقاية؛ لأن الثقل إنما حصل بها، ولأن الأولى دالة على الإعراب، فبقاؤها أولى، وبرهن كل على مختاره بما

ص: 446

يطول بنا الكلام في ذكره، أفاده في "الفتوحات" وإنما اختاروا (1) التخفيف في قراءة من خففها فرارًا من اجتماع مشددين في كلمة واحدة، وهما: الجيم والنون.

وقال أبو عبيدة (2): وإنما كره التثقيل من كرهه للجمع بين ساكنين، وهما: الواو والنون، فحذفوها. قال أبو جعفر: والقول في هذا قول سيبويه، ولا ينكر الجمع بين ساكنين إذا كان الأول حرف مد ولين، والثاني مدغمًا كما هنا.

{وَقَدْ هَدَانِ} بحذف الياء؛ لأن الكسرة تدل عليها، والنون عوض منها إذا حذفتها، وإثباتها حسن.

{سُلْطَانًا} السلطان: الحجة والبرهان. {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} لم يلبسوا: لم يخلطوا، والظلم هنا: هو الشرك في العقيدة أو العبادة؛ كاتخاذ ولي من دون الله يدعى معه، أو من دونه، والله أعلم.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: الطباق في قوله: {يَنْفَعُنَا} و {يَضُرُّنَا} ، و {الْغَيْبِ} و {الشَّهَادَةِ} .

ومنها: التقبيح والتشنيع في قوله: {وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا} عبر بالرد على الأعقاب عن الشرك لزيادة تقبيح الأمر وتشنيعه؛ لأنها المشية الدنية.

ومنها: التشبيه في قوله: {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ} .

ومنها: التكرار في قوله: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى} مع ما قبله.

ومنها: التخصيص بعد التعميم في قوله: {وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} بعد قوله: {لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} اهتمامًا بشأن الصلاة.

ومنها: التكرار في قوله: {فَلَمَّا رَأَى} ، وفي قوله:{فَلَمَّا أَفَلَ} ، وفي قوله:{هَذَا رَبِّي} ، وفي قوله:{بَازِغًا} .

(1) الصاوي.

(2)

إعراب النحاس.

ص: 447

ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {أَفَلَ} و {الْآفِلِينَ} .

ومنها: الطباق في قوله: {لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} ، وبين الكوكب والقمر والشمس.

ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} .

ومنها: حكاية الحال الماضية في قوله: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ} ؛ أي: أريناه.

ومنها: التعريض في قوله: {لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} ؛ لأن فيه تعريضًا بضلال قومه.

ومنها: الجناس المماثل في قوله: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي} ، وفي قوله:{أَشْرَكْتُمْ} و {تُشْرِكُونَ} ، وفي {أَخَافُ} و {وَلَا تَخَافُونَ} .

والتكرار في: {أَشْرَكْتُمْ} .

ومنها: الاستفهام التعجبي في قوله: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ} .

ومنها: الإشارة في قوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا} .

ومنها: الاستعارة في قوله: {وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا} ؛ لأنه استعارة عن الرجوع إلى الشرك.

ومنها: الحصر في قوله: {وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ} .

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 448

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)} .

المناسبة

قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى (1) لما حكى عن إبراهيم عليه السلام أنه أظهر حجة الله في التوحيد، وعدَّد وجوه نعمه وإحسانه إليه .. ذكر هنا أنه جعله عزيزًا في

(1) المراغي.

ص: 449

الدنيا؛ إذ جعل أشرف الناس وهم الأنبياء والرسل من ذريته، وأبقى هذه الكرامة له إلى يوم القيامة.

وعبارة أبي حيان: مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (1) عدد نعمه على إبراهيم، فذكر إيتاءه الحجة على قومه، وأشار إلى رفع درجاته .. ذكر هنا ما مَنَّ به عليه من هبته له هذا النبي الذي تفرعت منه أنبياء بني إسرائيل، ومن أعظم المنن أن يكون من نسل الرجل الأنبياء والرسل، ولم يذكر إسماعيل مع إسحاق، قيل: لأن المقصود بالذكر هنا أنبياء بني إسرائيل، وهم بأسرهم أولاد إسحاق ويعقوب، ولم يخرج من صلب إسماعيل نبي إلا محمَّد صلى الله عليه وسلم، ولم يذكره في هذا المقام؛ لأنه أمره عليه السلام أن يحتج على العرب في نفي الشرك بالله، بأن جدهم إبراهيم لما كان موحدًا لله متبرئًا من الشرك .. رزقه الله تعالى أولادًا ملوكًا وأنبياء انتهت.

قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (2): أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر أنه فضلهم واجتباهم وهداهم .. ذكر هنا ما فضلوا به.

قوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لما (3) ذكر وقرَّر أن إنكار من أنكر أن يكون الله أنزل على بشر شيئًا، وحاجهم بما لا يقدرون على إنكاره .. أخبر أن هذا الكتاب الذي أنزل على الرسول مبارك كثير النفع والفائدة.

قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (4) بين أن القرآن كتاب من عند الله تعالى، وردَّ على الذين أنكروا إنزاله على محمَّد صلى الله عليه وسلم لأنه بشر - بأن مثله مثل التوراة التي يعترفون بإنزالها على موسى - وهو بشر - .. أردف ذلك بوعيد من كذب على الله وادَّعى النبوة والرسالة، أو ادَّعى أنه قادر

(1) البحر المحيط.

(2)

البحر المحيط.

(3)

البحر المحيط.

(4)

المراغي.

ص: 450

على الإتيان بمثل هذا القرآن، وهذا الوعيد يتضمن الشهادة بصدق النبي صلى الله عليه وسلم. ذلك أن من كان يؤمن باللهِ واليوم الآخر إذا لم يكن له بد من الإيمان بأنَّ القرآن من عند الله، ومن الاهتداء به .. فأكمل الناس إيمانًا بالدار الآخرة وما فيها من الجزاء - وهو محمَّد صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يعرض نفسه لمنتهى الظلم الذي يستحق عليه أشد العذاب.

أسباب النزول

قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ

} الآية سبب نزولها: ما أخرجه (1) ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف، فخاصم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، هل تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين" - وكان حبرًا سمينًا - فغضب وقال: ما أنزل الله على بشر من شيء، فقال له أصحابه: ويحك، ولا على موسى؟ فقال: واللهِ ما أنزل الله على بشر من شيء، فلما سمع قومه تلك المقالة .. قالوا: ويلك! ما هذا الذي بلغنا عنك، أليس الله أنزل التوراة على موسى؟ فلِمَ قلت هذا؟! قال: أغضبني محمَّد فقلته، فقالوا: وأنت إذا غضبت تقول على الله غير الحق، فعزلوه من الحبرية وعن رياستهم لأجل هذا الكلام، وجعلوا مكانه كعب بن الأشرف، فأنزل الله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ

} الآية، مرسل.

وأخرج ابن جرير من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قالت اليهود: ما أنزل الله من السماء كتابًا، فأنزلت هذه الآية:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} .

وقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ

} الآية، سبب نزولها: ما أخرجه ابن جرير عن عكرمة قال: قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} نزل في مسيلمة. {وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} قال: نزل في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فيملي عليه عزيز حكيم،

(1) لباب النقول.

ص: 451