الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العمى عليه؛ لأن الله تعالى غنى عن خلقه. ونحو الآية قوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} ، وقوله:{لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} ، وقوله:{إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} .
{وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} ؛ أي: وما أنا عليكم برقيب أحصي عليكم أعمالكم وأفعالكم، وإنما أنا رسول أبلغكم من أرسلت به إليكم، والله هو الحفيظ عليكم، ولا يخفى عليه شيء ما أعمالكم، فهو يعلم ما تسرون وما تعلنون، ويجزيكم عليه بما تستحقون، فعليه وحده الحساب، وما علي إلا البلاغ. وقيل: معناه: لا أقدر أن أدفع عنكم ما يريده الله بكم. وقيل: معناه: لست آخذكم بالإيمان أخذ الحفيظ الوكيل، وهذا كان قبل الأمر بقتال المشركين، فعلى هذا القول تكون الآية منسوخة بآية السيف، وعلى القولين الأولين ليست منسوخة، والله أعلم بمراده.
105
- {وَكَذَلِكَ} ؛ أي: ومثل تصريفنا الآيات في غير هذه السورة {نُصَرِّفُ الْآيَاتِ} في هذه السورة؛ أي: ونبين دلائل قدرتنا ووحدانيتنا من الآيات التكوينية والبراهين العقلية في هذه السورة تبيينًا مثل تبييننا إياها في غير هذه السورة. وقوله: {وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} معطوف على محذوف تقديره: وكذلك نصرف الآيات ونبينها ليهتدي بها المستعدون للإيمان على اختلاف العقول والأفهام، وليقول الجاحدون المعاندون من المشركين في عاقبة أمرهم قد درست هذا القرآن من قبل، وتعلمت من أهل الكتاب، وليس هذا بوحي منزل كما زعمت، وقد قالوا هذا إفكًا وزورًا، فزعموا أنه تعلَّم من غلام رومي كان يصنع السيوف بمكة، وكان يختلف إليه كثيرًا، وذلك ما عناه سبحانه وتعالى بقوله:{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} . وقال ابن الأنباري: معنى الآية: وكذلك نصرف الآيات لنلزمهم الحجة، وليقولوا درست، وإنما صرف الآيات ليسعد قوم بفهمها والعمل بها، ويشقى قوم آخرون بالإعراض عنها، فمن عمل بها .. سعد، ومن قال: درست .. شقي، ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير". واللام في قوله:{وَلِيَقُولُوا} لام العاقبة، وضابطها هي التي تدخل على شيء ليس مقصودًا من أصل الفعل، ولا حاملًا عليه، وفي قوله:
{وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} لام كي، وهي لام العلة، وضابطها: هي التي كان ما بعدها علة لما قبلها، والضمير فيه للآيات بتأويلها بالقرآن؛ أي: وكذلك نصرف الآيات ليهتدوا بها، وليقولوا درست، ولنبين تلك الآيات التي هي القرآن لقوم لديهم الاستعداد للعلم بما تدل عليه الآيات من الحقائق، وما يترتب على الاهتداء بها من السعادة دون أن يكون لديهم معارض من تقليد أو عناد.
والحاصل: أن لتصريف الآيات ثلاث فوائد:
1 -
أن يهتدي بها المستعدون للإيمان.
2 -
وأن يقول الجاحدون: درست.
3 -
وأن نبينها لقوم يعلمون.
والحاصل: أنه علل تبيين الآيات بعلل ثلاث: أولاها محذوفة، واللام في الأولى والأخيرة لام العلة حقيقة بخلافها في الثانية، فهي لام العاقبة كما مرَّ آنفًا.
والخلاصة: أن الذين يقولون للرسول إنك درست هم الجاهلون الذين لم يفهموا تلك الآيات التي صرفها الله تعالى على ضروب مختلفة، ولم يفقهوا سرها وما يجب من إيثارها على منافع الدنيا، وأما الذين يعلمون مدلولاتها وحسن عاقبة الاهتداء بها .. فهم الذين يتبين لهم بتأملها حقيقة القرآن، وما اشتمل عليه من حسن التصرف المؤيد بالحجة والبرهان.
فصل
وفي {دَرَسْتَ} قراءات (1)، قرأ أبو عمرو وابن كثير:{دَارَسْتَ} بألف بين الدال والراء وسكون السين وفتح التاء، كفاعلت، وهي قراءة علي وابن عباس وسعيد ابن جبير ومجاهد وعكرمة وأهل مكة، والمعنى عليها: دارست يا محمد أهل الكتاب ودارسوك؛ أي: ذاكرتهم وذاكروك. وقرأ ابن عامر ويعقوب وجماعة من غير السبعة: {دَرَسْتَ} بفتح السين وإسكان التاء من غير ألف، كخرجت
(1) البحر المحيط وزاد المسير والشوكاني.
مسندًا إلى ضمير الغائبة، وهي قراءة الحسن، والمعنى عليها: قدمت هذه الآيات وعفت وانقطعت وتكررت على أسماعهم حتى بليت وقدمت في نفوسهم. وقرأ باقي السبعة، وهم عاصم وحمزة والكسائي:{دَرَسْتَ} كضربت، والمعنى عليها: درست يا محمد في الكتب القديمة، وتعلمت من أبي فكيهة وجبر ويسار، وسنبين هذا إن شاء الله تعالى عند قوله:{إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} في سورة النحل، وجميع من ذكرنا فتح الدال في قراءته. وقد روي عن نافع أنه قال:{دُرِست} بضم الدال وكسر الراء وتخفيف التاء، وهي قراءة ابن يسر، ومعناها قرئت. وقرأ أبي بن كعب:{دَرُسَتْ} بفتح الدال والسين وضم الراء وتسكين التاء.
قال الزجاج: وهي بمعنى: درست بفتحات؛ أي: انمحت ومضت، إلا أن المضمومة الراء أشد مبالغة. وقرأ معاذ القارئ وأبو العالية ومورق:{دُرِّسْت} بضم الدال وكسر الراء وتشديدها ساكنة السين. وقرأ ابن مسعود وطلحة بن مصرف وابن عباس وأبي والأعمش: {دَرَس} بفتح الراء والسين بلا ألف ولا تاء؛ أي: قرأ محمد. وروى عصمة عن الأعمش: {دارس} بألف. وروي عن الحسن: {درسن} مبنيًّا إلى المفعول، مسندًا إلى النون؛ أي: درست الآيات، وكذا هي في مصاحف عبد الله. وقرأت فرقة:{درسن} بتشديد الراء مبالغة في درسن. وقرىء: {دارسات} ؛ أي: هي قديمات، أو ذات درس كعيشة راضية. وقرىء:{درست} بالتشديد والخطاب؛ أي: درست الكتب القديمة. وقرىء: {درست} مشددًا مبنيًّا للمفعول المخاطب. وقرىء: {دورست} بالتخفيف والواو مبنيًّا للمفعول، والواو مبدلة من الألف في دارست. وقرأت فرقة:{دارست} ؛ أي: دارستك الجماعة الذين تتعلم منهم، وجاز الإضمار لأن الشهرة بالدراسة كانت لليهود عندهم، ويجوز أن يكون الفعل للآيات وهو لأهلها؛ أي: دارس أهل الآيات، فهذه خمس عشرة قراءة في هذه الكلمة. وقرأت طائفة منهم المبرد:{وليقولوا} بسكون اللام على جهة الأمر المتضمن للتوبيخ والتهديد؛ أي: وليقولوا ما شاءوا، فإن الحق بين. وقرأ الجمهور بكسرها، وقالوا: هذه اللام هي التي تضمر أن بعدها، والفعل منصوب بأن المضمرة، وهي لام كي.