الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليهم بقوله: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} يعني: لا يستعظمون عن الإيمان والإذعان للحق، والله سبحانه وتعالى أعلم.
87
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بالله ورسوله {لَا تُحَرِّمُوا} على أنفسكم {طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} ؛ أي: مستلذات ما أحل الله لكم من المأكل والمشارب والملابس والمناكح، ولا تمنعوا أنفسكم من التمتع بالمستلذات كمنعها من الحرام، أو لا تقولوا: حرمناها على أنفسنا مبالغة منكم في العزم على تركها تزهدًا منكم وتقشفًا {وَلَا تَعْتَدُوا} ؛ أي: ولا تجاوزوا الحد في الانتفاع بالطيبات بالإسراف فيها، أو لا تجاوزا الطيبات إلى الخبائث المحرمة، والطيبات: الأشياء التي تستلذها النفوس، وتميل إليها القلوب؛ أي (1): لا تحرموا على أنفسكم ما أحل الله لكم من الطيبات، بأن تتركوا التمتع بها عمدًا تنسكًا وتقربًا إلى الله تعالى، ولا تعتدوا فيها وتتجاوزوا حد الاعتدال إلى الإسراف الضار بالجسد؛ بأن تزيدوا على الشبع والري، أو تجعلوا التمتع بها أكبر همكم في الحياة، أو تشغلكم عن الأمور النافعة من العلوم والأعمال المفيدة لكم، ولبني وطنكم، هذه الآية بمعنى قوله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} .
والخلاصة: أن الاعتداء يشمل أمرين: الاعتداء في الشيء نفسه بالإسراف فيه، والاعتداء بتجاوزه إلى غيره مما ليس من جنسه، وهو الخبائث.
وقيل المعنى (2): لا تعتقدوا تحريم الطيبات المباحات، فإن من اعتقد تحريم شيء أحله الله .. فقد كفر، أما ترك لذات الدنيا وشهواتها، والانقطاع إلى الله، والتفرغ لعبادته من غير إضرار بالنفس ولا تفويت حق الغير .. ففضيلة لا منع منها، بل مأمور بها.
قال ابن جرير (3) الطبري: لا يجوز لأحد من المسلمين تحريم شيء مما
(1) المراغي.
(2)
الفتوحات.
(3)
الشوكاني.
أحل الله لعباده المؤمنين على نفسه من طيبات المطاعم والملابس والمناكح؛ ولذلك ردَّ النبي صلى الله عليه وسلم التبتل على عثمان بن مظعون، فثبت أنه لا فضل في ترك شيء مما أحله الله لعباده، وأن الفضل والبر إنما هو في فعل ما ندب الله عباده إليه، وعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنه لأمته، واتبعه على منهاجه الأئمة الراشدون؛ إذ كان خير الهدى هدى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا كان ذلك كذلك .. تبين خطأ من آثَر لباس الشعر والصوف على لباس القطن والكتان إذا قدر على لباس ذلك من حله، وآثر أكل الخشن من الطعام وترك اللحم وغيره حذرًا من عارض الحاجة إلى النساء.
قال: فإن ظن ظانٌّ أن الفضل في غير الذي قلنا؛ لما في لباس الخشن وأكله من المشقة على النفس، وصرف ما فضل بينهما من القيمة إلى أهل الحاجة، فقد ظن خطأً، وذلك أنَّ الأولى بالإنسان صلاح نفسه وعونه لها على طاعة ربها، ولا شيء أضر للجسم من المطاعم الردية؛ لأنها مفسدة لعقله، ومضعفة لأدواته التي جعلها الله سببًا إلى طاعته.
قوله: {وَلَا تَعْتَدُوا} ؛ أي: لا تعتدوا على الله بتحريم طيبات ما أحل الله لكم، أو لا تعتدوا فتحلوا ما حرم الله عليكم؛ أي: لا تترخصوا فتحللوا حرامًا، كما نهيتم عن التشديد على أنفسكم بتحريم الحلال.
وقد ذهب جمهور العلماء إلى أنَّ من حرم على نفسه شيئًا مما أحله الله له .. فلا يحرم عليه ولا يلزمه كفارة.
ثم علل النهي عن الاعتداء بما ينفر منه فقال: {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} ؛ أي: لا يحب الله من يتجاوز حدود شرائعه بتحريم طيباته التي أحلها، سواء أكان التحريم من غير التزام بيمين أو نذر، أو بالتزام، وكل منهما غير جائز.
والالتزام (1) قد يكون لرياضة النفس وتهذيبها بالحرمان من الطيبات، وقد
(1) المراغي.