الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والذي عليه المعول أن الموكلين بها هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلقًا، فإن المهاجرين قد كانوا أول من آمن بها، وكانوا بعد الهجرة في المقدمة في كل عمل وجهاد، ولكن الأنصار هم المقصودون بالذات؛ لأن القوة والمنعة لم تكن إلا بهم، ومن ثَمَّ قال:{لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} والأنصار لم يكونوا عند نزول هذه السورة مؤمنين.
وفي الآية (1) دليل على أن الله سبحانه وتعالى ينصر نبيه صلى الله عليه وسلم، ويقوي دينه، ويجعله غالبًا على الأديان كلها، وقد جعل ذلك: فهو إخبار عن الغيب.
90
- {أُولَئِكَ} الأنبياء الثمانية عشر الذين ذكرت أسماؤهم في الآيات السابقة، والذين وصفهم الله تعالى بإيتائهم الكتاب والحكم والنبوة هم {الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ} سبحانه وتعالى بالأخلاق الحسنة هداية كاملة {فَبِهُدَاهُمُ}؛ أي: فبهدى هؤلاء المذكورين من الأنبياء وبأخلاقهم الشريفة دون ما يخالفه من أعمال غيرهم {اقْتَدِهْ} ؛ أي: اتبع أيها الرسول فيما يناله كسبك وعملك مما بعثت به من تبليغ الدعوة، وإقامة الدين والصبر على التكذيب والجحود، وإيذاء أهل العناد ومقلدي الآباء والأجداد، وإعطاء كل حال حقها من مكارم الأخلاق وأحاسن الأعمال؛ كالصبر والشكر والشجاعة والحلم والزهد والسخاء والحكم بالعدل. قال تعالى:{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} وقال: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)} .
والخلاصة (2): أن الله سبحانه وتعالى أمره بالاقتداء بهم في الأخلاق الحميدة والصفات الرفيعة من الصبر على أذى السفهاء، والعفو عنهم، وقد كان مهتديًا بهداهم كلهم، فكانت مناقبه وفضائله الكسبية أعلى من مناقبهم وفضائلهم؛ لأنه اقتدى بها كلها، فاجتمع له من الكمال ما كان متفرقًا فيهم مع ما أوتيه دونهم، ومن ثَمَّ شهد له ربه بما لم يشهد به لأحد منهم، فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ
(1) الخازن.
(2)
المراغي.
عَظِيمٍ (4)}، وكذلك فضائله الموهوبة هي فيه أظهر وأعظم، فبعثته عامة للناس أسودهم وأحمرهم، وبه ختمت النبوة والرسالة، وكمال الأشياء في خواتيمها صلوات الله عليه وعليهم أجمعين. وبهذه (1) الآية استدل بعض العلماء على أن محمدًا صلى الله عليه وسلم أفضل من جميع الأنبياء والمرسلين، وذلك لأن جميع الصفات الحميدة كانت متفرقة فيهم، فيلزم أنه صلى الله عليه وسلم حصلها ومتى كان الأمر كذلك .. وجب أن يقال: إنه صلى الله عليه وسلم أفضل منهم بكليتهم، فكان نوح صاحب تحمل الأذى من قومه، وكان إبراهيم صاحب كرم وبذل ومجاهدة في الله تعالى؛ وكان إسحاق ويعقوب صاحبي صبر على البلاء والمحن، وكان داود وسليمان من أصحاب الشكر على النعمة، وكان أيوب صاحب صبر على النبلاء، وكان يوسف جامعًا بين الصبر والشكر، وكان موسى صاحب الشريعة الظاهرة، وكان زكريا ويحيى وعيسى وإلياس من أصحاب الزهد في الدنيا، وكان إسماعيل صاحب صدق، وكان يونس صاحب تضرع، وكان سيدنا محمَّد صلى الله عليه وسلم جامعًا لجميع هذه الأخلاق الحميدة كلها، فكان أفضلهم ورئيسهم.
تنبيه: ذكر بعض العلماء أن الأنبياء المرسلين الذين ذكروا في القرآن، ويجب الإيمان بهم تفصيلًا خمسة وعشرون، هم الثمانية عشر الذين ذكرت أسماؤهم في هذه الآيات، والسبعة الآخرون هم: آدم - أبو البشر - وإدريس وهود وصالح وشعيب وذو الكفل وخاتم الجميع محمَّد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين. وليس (2) في القرآن نص قطعي صريح في رسالة آدم عليه السلام، بل مفهوم قوله:{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} أن نوحًا أول نبي مرسل أوحى إليه رسالته وشرعه، وكذلك حديث الشفاعة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجمع الله الناس يوم القيامة، فيهتمون لذلك، فيقولون: لو استشفعنا على ربنا فأراحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا إلى ربك حتى تريحنا من مكاننا هذا، فيقول لهم آدم: لست هناكم، ويذكر ذنبه الذي أصابه،
(1) المراح.
(2)
المراغي.
فيستحي من ربه عز وجل، ولكن ائتوا نوحًا أول رسول بعثه الله إلى الأرض، فيأتون نوحًا
…
" إلخ.
والخلاصة: أن الآية تدل على أن أول رسول شرع الله على لسانه الأحكام والحلال والحرام هو نوح عليه السلام، ويرى بعض العلماء أن آدم كان على هدى من ربه ربى عليه أولاده، وبشرهم بالثواب وأندرهم بالعقاب. وهذه هداية من جنس هداية الله للنبيين والمرسلين التي بلغوها أقوامهم، ولا ندري كيف هدى الله تعالى آدم إليها، فإن طرق الهداية متعددة، وقد تكون هي هداية الفطرة. ونوح ومن بعده أرسلوا إلى من فسدت فطرتهم، فأعرضوا عما دعوا إليه، وهذه هي الرسالة الشرعية التي يسمى من جاء بها: رسولًا، دون الأولى.
وقرأ الحرميان - نافع وابن كثير - وأهل حرميهما وأبو عمرو (1): {اقْتَدِهْ} بالهاء ساكنة وصلًا ووقفًا، وهي هاء السكت أجروها وصلًا مجراها وقفًا وقرأ الأخوان حمزة والكسائي بحذفها وصلًا، وإثباتها وقفًا، وهذا هو القياس. وقرأ هشام:{اقْتَدِهْ} باختلاس الكسر في الهاء وصلًا وسكونها وقفًا. وقرأ ابن ذكوان: بكسرها ووصلها يياء وصلًا، وسكونها وقفًا، ويؤول على أنها ضمير المصدر لا هاء السكت، وتغليط ابن مجاهد قراءة الكسر غلط منه، وتأويلها على أنها هاء السكت ضعيف.
{قُلْ} يا محمَّد لجميع من بعثت إليه من أهل مكة وغيرهم {لَا أَسْأَلُكُمْ} ولا أطلب منكم {عَلَيْهِ} ؛ أي: على هذا القرآن الذي أمرت أن أدعوكم إليه وأذكركم به، أو على تبليغ الرسالة أو على التوحيد {أَجْرًا} وجعلًا من مال ولا غيره من المنافع من جهتكم، كما أن جميع من قبلي من الرسل لم يسألوا أقوامهم أجرًا على التبليغ والهدى، وقد تكرر هذا الأمر له صلى الله عليه وسلم في سور متعددة، كقوله:{قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} قيل (2): لما أمره الله تعالى بالاقتداء بالنبيين، وكان من جملة هداهم عدم طلب الأجر على إيصال الدين
(1) البحر المحيط.
(2)
الخازن.