الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتميز في حكمه خلال هذه الفترة بالحكمة وبعد النظر خاصة في علاقاته مع الدول المجاورة.
واغتنم السلطان محمد بن يوسف الخلاف الذي وقع بين ملوك النّصارى فزحف إلى الشمال واجتاح بعض المدن مثل جيّان ووصل إلى أسوار قرطبة عام (769 هـ) لكنه لم يستطع اقتحامها، وعاد إلى غرناطة بغنائم كثيرة.
وبسبب تجدد الخلاف بين ملوك النّصارى - أيضا - زحف السلطان محمد ابن يوسف لاستعادة بعض المدن والحصون فاسترجع الجزيرة الخضراء عام (770 هـ).ومع بداية عام (771 هـ) شهدت غرناطة حقبة طويلة عم فيها السلام والرخاء
(1)
.
المبحث الثاني
الحالة الاجتماعية
كانت غالبية سكان غرناطة من المسلمين، ومن أجناس مختلفة؛ فمنهم العرب
(2)
الذين قدموا من الشرق عقب الفتح الإسلامي واستوطنوا مدن الأندلس المختلفة، ثم توجهوا إلى غرناطة بعد سقوط تلك المدن بأيدي النّصارى.
ومنهم البربر الذين قدموا من بلاد المغرب، وتفرقوا في معظم المدن الأندلسية لكنهم نزحوا منها إلى غرناطة في أعقاب سقوط تلك المدن.
ومنهم المولدون
(3)
، وكانوا يشكلون نسبة مرتفعة من السكان المسلمين في غرناطة.
وكانت مملكة غرناطة تضم زهاء خمسة أو ستة ملايين نسمة، وكانت غرناطة وحدها تضم أكثر من نصف مليون نسمة
(4)
، وبجانب المسلمين كان هناك
(1)
الإحاطة: (2/ 48 - 53)، ونهاية الأندلس:149.
(2)
الإحاطة: 1/ 100.
(3)
هم: أعقاب الأسبان الذين أسلموا منذ الفتح الإسلامي للأندلس. نهاية الأندلس: 70.
(4)
المصدر السابق.
النّصارى الذي لم يغادروا غرناطة منذ الفتح الإسلامي للأندلس، وكانوا يقيمون شعائرهم الدينية في كنيسة تقع خارج أسوار المدينة
(1)
.
وكان للنّصارى نشاط بارز في مجال التجارة على الرغم من قلة عددهم، وكانوا يتمتعون بتسهيلات كبيرة
(2)
خاصة في عهد السلطان يوسف بن إسماعيل.
كما كان بجانب المسلمين والنّصارى في غرناطة في ذلك العصر أقلية من اليهود، لكنها كانت قوية صاحبة نفوذ في المملكة
(3)
.
وقد عاشوا خلال فترة حكم بني الأحمر في هدوء، وحظوا برعاية الحكام لشئونهم وتأمين مصالحهم. وقد كان لهم زيّ يميزهم عن المسلمين.
يقول المقري في نفح الطيب
(4)
: «والصّفر مخصوصة باليهود ولا سبيل إلى يهودي أن يتعمم البتة» .
وقال ابن الخطيب
(5)
: «وقد أجبرهم السلطان إسماعيل بن فرج على وضع شارة تميزهم عن المسلمين» .
أما المجتمع من حيث تركيبه الطبقي فكان مكونا من الأحرار والعبيد، وقد أوجدت الزراعة فئة الملاكين الغنية القابضة على زمام الاقتصاد، وفئة الفلاحين التابعين للأرض التي يعملون فيها. وهناك التجار الذين جمعوا الأموال وابتنوا المنازل الفخمة وارتفعوا عن العامة، وكانوا يشكلون مع كبار الملاكين طبقة أعيان المملكة المتقدمة نفوذا ومكانة، لكنهم ظلوا دون الخاصة وأبناء الحكم مكانة. وكانت العامة تتألف من الحرفيين الصغار ومن العمال والأجراء والعاطلين عن العمل والعبيد، وهي تشكل القسم الأكبر من السكان
(6)
.
(1)
الإحاطة: 1/ 107.
(2)
غرناطة في ظل بني الأحمر للدكتور يوسف فرحات: 110.
(3)
نهاية الأندلس: 73.
(4)
نفح الطيب: 1/ 223.
(5)
اللمحة البدرية: 84.
(6)
غرناطة في ظل بني الأحمر: (118، 119).
أما المرأة الغرناطية في ذلك العصر فقد كانت ملتزمة بأحكام دينها من حيث تمسكها بالحجاب الشرعي، وعدم مخالطتها للرجال وعدم خروجها من منزلها إلا عند الضرورة. لكنها لم تكن بمعزل تام عن مجتمعها، فقد عرف مجتمع بني الأحمر عددا من النساء اشتهرت أسماؤهن في ميادين السياسة والعلم والأدب، منهن على سبيل المثال: مريم أم إسماعيل التي كانت محظية لدى السلطان يوسف بن إسماعيل وكان لها التأثير البارز في خلع السلطان محمد بن يوسف ومن النساء اللواتي اشتهرن في حقلي الطب والأدب أم الحسن بنت أبي جعفر الطنجالي
(1)
.
وكان مجتمع الدولة النّصرية - في ذلك العصر - غارقا في الفساد واللهو وبخاصة الأغنياء منهم، وكان الغناء والموسيقى وشرب الخمر واتخاذ الجواري منتشرة بين كثير من أفراد المجتمع الغرناطي. حتى في الظروف السياسية الخطيرة التي كانت تمر بها مملكة بني نصر.
وشهد المجتمع إزاء هذا التيار المنحرف حركة تدعو إلى التزام وتطبيق أحكام الشريعة، وإلى البعد عن الفساد عامة.
فبرز عدد من العلماء لمواجهة هذا التيار المنحرف ومقاومة الفساد ومحاربة البدع المستحدثة في الدين وفي مقدمتهم الإمام الشاطبي رحمه الله الذي صنّف كتابه الشهير «الاعتصام» الذي يعتبر من أجلّ الكتب حيث تناول فيه مؤلفه موضوع البدع بالتفصيل وحرر الكلام فيها وذلك بعرضها على الأدلة الشرعية وبيّن الفرق بينها وبين المصالح المرسلة.
وقد تعرّض الإمام الشاطبي بسبب هذا الموقف لمضايقات كثيرة وقد وصف ذلك قائلا
(2)
: «قامت عليّ القيامة، وتواترت عليّ الملامة وفوّق إليّ العتاب سهامه، ونسبت إلى البدعة والضّلالة، وأنزلت منزلة أهل الغباوة والجهالة
…
).
(1)
نفح الطيب: 4/ 318، وغرناطة في ظل بني الأحمر:122.
(2)
الإفادات والإنشادات: 36، وانظر: الاعتصام: (1/ 27، 28).