المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تفسيرها هكذا، يذكر الرجل نوعاً من أنواع المسمى لحاجة المستمع - تهذيب اقتضاء الصراط المستقيم

[شحاتة صقر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التهذيب

- ‌كفر اليهود أصله عدم العمل بالعلم، وكفر النصارى أصله عملهم بلا علم

- ‌إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم أن أمته ستتبع سنن الأمم قبلها

- ‌الصراط المستقيم أمور باطنة في القلب، وأمور ظاهرة

- ‌لماذا الأمر بمخالفة اليهود والنصارى في الهدي الظاهر

- ‌أولاً: الاستدلال بالقرآن على النهي عن التشبه بالكافرين:

- ‌ثانياً: الاستدلال بالسنة على النهي عن التشبه بالكافرين:

- ‌ثالثاً: ذكر إجماع الصحابة والسلف على شرعية المخالفة للكفار

- ‌الأمر بمخالفة الشياطين:

- ‌أعمال الكفار والأعاجم ونحوهم تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

- ‌ موافقتهم في أعيادهم لا تجوز

- ‌الطريق الأول: هو ما تقدم من أن هذا موافقة لأهل الكتاب فيما ليس في ديننا

- ‌ الطريق الثاني ـ الخاص ـ في نفس أعياد الكفار: فالكتاب والسنة والإجماع والاعتبار

- ‌أولاً: الكتاب:

- ‌ثانيًا: السنة

- ‌ثالثًا: تقرير الإجماع على النهي عن مشابهة الكافرين في أعيادهم وما وراء ذلك من آثار: وأما الإجماع والآثار فمن وجوه:

- ‌كراهة السلف للرطانة وهي التشبه بالأعاجم في كلامهم:

- ‌رابعًا: وأما الاعتبار في مسألة العيد فمن وجوه:

- ‌مشابهتهم فيما ليس من شرعنا قسمان:

- ‌حريم العيد

- ‌هل يجب على المسلم أن يعرف أعياد الكفار

- ‌حكم إعانة المسلمين المتشبهين بالكفار في أعيادهم:

- ‌بيع المسلمين للكفار في أعيادهم، ما يستعينون به على عيدهم:

- ‌حكم قبول الهدية من أهل الذمة يوم عيدهم، وما ورد عن السلف في ذلك:

- ‌حكم ذبيحتهم يوم عيدهم:

- ‌صوم أعياد الكفار

- ‌هل في الإسلام بدعة حسنة

- ‌الوجه الثاني: في ذم المواسم والأعياد المحدثة: ما تشتمل عليه من الفساد في الدين

- ‌الأعياد الزمانية المبتدعة

- ‌اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً مضاهاة للنصارى في عيد ميلاد عيسى عليه السلام

- ‌ما أحدثه بعض الناس من البدع في شهر شعبان، خاصة ليلة النصف منه:

- ‌ما جاء في الصلاة الألفية المزعومة:

- ‌الأعياد المكانية المبتدعة

- ‌أقسام الأعياد المكانية

- ‌أسباب إجابة الدعاء عند القبور وغيرها:

- ‌حكم السفر لزيارة القبور

- ‌من المحدثات الصلاة عند القبور واتخاذها مساجد والبناء عليها:

- ‌الأبنية المقامة على القبور تتعين إزالتها، لاشتمالها على أنواع من المحرمات:

- ‌سبب كراهية الصلاة في المقبرة:

- ‌حكم الصلاة في المقبرة:

- ‌حديث الاستعانة بأهل القبور كذب

- ‌سائر العبادات لا تجوز عند القبور:

- ‌حكم الذبح عند القبور:

- ‌العكوف عند القبور، والمجاورة عندها، وسدانتها، من المحرمات

- ‌أقوال العلماء في مقامات الأنبياء وحكم قصدها. وبيان القول الصحيح وأدلته:

- ‌شبهات والرد عليها:

- ‌خطأ أصحاب المناسك في ذكرهم للمزارات المبتدعة

- ‌المساجد التي تشد إليها الرحال هي المساجد الثلاثة فقط

- ‌بناء القبة عند الصخرة حدث في عهد عبد الملك بن مروان

- ‌الصلاة عند الصخرة بدعة:

- ‌أصل دين المسلم: أنه لا تخص بقعة بقصد العبادة إلا المساجد

- ‌أقوال الناس في الشفاعة:

- ‌تحقيق الشهادتين وما يتضمنه

الفصل: تفسيرها هكذا، يذكر الرجل نوعاً من أنواع المسمى لحاجة المستمع

تفسيرها هكذا، يذكر الرجل نوعاً من أنواع المسمى لحاجة المستمع إليه، أو لينبِّه به على الجنس، كما لو قال العجمي: ما الخبز؟ فيعطى رغيفاً ويقال له: هذا، بالإشارة إلى الجنس، لا إلى عين الرغيف.

ولكن قد قال قوم: إن المراد: شهادة الزور التي هي الكذب، وهذا فيه نظر، فإنه تعالى قال:{لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} ولم يقل: لا يشهدون بالزور.

والعرب تقول: شهدت كذا: إذا حضرته، كقول ابن عباس: شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم [البخاري962] وأما (شهدت بكذا) فمعناه: أخبرت به.

وأعياد المشركين إذا كان الله قد مدح ترك شهودها، الذي هو مجرد الحضور، برؤية أو سماع، فكيف بالموافقة بما يزيد على ذلك، من العمل الذي هو عمل الزور، لا مجرد شهوده؟

‌ثانيًا: السنة

الوجه الأول: روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: «ما هذان

ص: 71

اليومان؟» قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر» [أبو داود1134، وصححه الألباني]

فوجه الدلالة: أن العيدين الجاهليين لم يقرُّهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال:«إن الله قد أبدلكم بهما يومين آخرين» ، والإبدال من الشيء، يقتضي ترك المبدل منه، إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه، ولهذا لا تستعمل هذه العبارة إلا فيما ترك اجتماعهما، كقوله سبحانه:{أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} [الكهف:50] وقوله: {وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ:16]

فقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أبدلَكم بهما خيراً منهما» يقتضي ترك الجمع بينهما لا سيما وقوله: «خيراً منهما» يقتضي الاعتياض بما شرع لنا، عما كان في الجاهلية.

وأيضاً ـ فقوله لهم: «إن الله قد أبدلكم» ، لما سألهم عن اليومين فأجابوه: بأنهما يومان كانوا يلعبون فيهما في الجاهلية، دليل

ص: 72

على أنه نهاهم عنهما اعتياضاً بيومي الإسلام، إذ لو لم يقصد النهي لم يكن ذكر هذا الإبدال مناسباً، إذ أصل شرع اليومين الإسلاميين كانوا يعلمونه، ولم يكونوا ليتركوه لأجل يومي الجاهلية.

وفي قول أنس: ولهم يومان يلعبون فيهما وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أبدلكم بهما يومين خيراً منهما» دليل على أن أنساً رضي الله عنه فهم من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أبدلكم بهما» تعويضاً باليومين المبدلين.

وأيضاً ـ فإن ذينك اليومين الجاهليين قد ماتا في الإسلام، فلم يبق لهما أثر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عهد خلفائه ولو لم يكن قد نهى الناس عن اللعب فيهما، ونحوه مما كانوا يفعلونه لكانوا قد بقوا على العادة، إذ العادات لا تغيَّر إلا بمغيِّر يزيلها، ولاسيما وطباع النساء والصبيان، وكثير من الناس متشوفة إلى اليوم الذي يتخذونه عيداً للبطالة واللعب، ولهذا قد يعجز كثير من الملوك والرؤساء عن نقل الناس عن عاداتهم في أعيادهم، لقوة مقتضيها من نفوسهم، وتوفر همم الجماهير على اتخاذها، فلولا قوة المانع من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانت باقية، ولو على وجه ضعيف، فعلم أن المانع القوي منه كان

ص: 73

ثابتاً، وكل ما منع النبي منعاً قوياً كان محرماً إذ لا يعني بالمحرم إلا هذا.

وهذا أمر بيِّن لا شبهة فيه؛ فإن مثل ذينك العيدين، لو عاد الناس إليهما بنوع مما كان يفعل فيهما ـ إن رخص فيه ـ كان مراغمة بينه وبين ما نهى عنه، فهو المطلوب.

والمحذور في أعياد أهل الكتابين التي نقرهم عليها، أشد من المحذور في أعياد الجاهلية التي لا نقرهم عليها، فإن الأمة قد حذروا مشابهة اليهود والنصارى، وأخبروا أن سيفعل قوم منهم هذا المحذور، بخلاف دين الجاهلية، فإنه لا يعود إلا في آخر الدهر، عند اخترام أنفس المؤمنين عموماً، ولو لم يكن أشد منه، فإنه مثله على ما لا يخفى، إذ الشر الذي له فاعل موجود، يخاف على الناس منه أكثر من شر لا مقتضى له قوي.

الوجه الثاني: عن ثابت بن الضحاك قال: «نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ينحر إبلا ببوانة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد؟» قالوا: لا، قال:«فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟» قالوا: لا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَوْفِ

ص: 74

بنَذْرك، فإنه لا وفاءَ لنذرٍ في معصية الله، ولا فيما لا يملكُ ابنُ آدم» [أبو داود3313 وصححه الألباني]

فوجه الدلالة: أن هذا الناذر كان قد نذر أن يذبح نعما: إما إبلا، وإما غنما، وإما كانت قضيتين، بمكان سماه، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان بها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قال: لا، قال: فهل كان بها عيد من أعيادهم؟ قال: لا، فقال: أوف بنذرك، ثم قال: لا وفاء لنذر في معصية الله».وهذا يدل على أن الذبح بمكان عيدهم ومحل أوثانهم ـ معصية لله، وإذا كان الذبح بمكان عيدهم منهياً عنه، فكيف بالموافقة في نفس العيد بفعل بعض الأعمال التي تعمل بسبب عيدهم؟

يوضح ذلك: أن العيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، عائد: إما بعود السنة، أما بعود الأسبوع، أو الشهر، أو نحو ذلك. فالعيد: يجمع أموراً:

* منها: يوم عائد، كيوم الفطر، ويوم الجمعة.

* ومنها: اجتماع فيه.

* ومنها: أعمال تتبع ذلك: من العبادات والعادات، وقد

ص: 75

يختص العيد بمكان بعينه، وقد يكون مطلقاً، وكل من هذه الأمور قد يسمى عيداً.

فالزمان كقوله صلى الله عليه وسلم ليوم الجمعة: «إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين» . [ابن ماجه1097، وحسنه الألباني] والاجتماع والأعمال: كقول ابن عباس: شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. [البخاري962، مسلم884] والمكان: كقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا قبري عيداً» . [أبو داود2042، وصححه الألبانى]

وقد يكون لفظ: العيد اسماً لمجموع اليوم والعمل فيه، وهو الغالب، كقوله صلى الله عليه وسلم:«دعْهُما يا أبا بكر فإن لكل قومٍ عيداً وإن هذا عيدُنا» [البخاري952، مسلم892] فقول النبي صلى الله عليه وسلم: «هل بها عيد من أعيادهم؟» ، يريد اجتماعاً معتاداً من اجتماعاتهم التي كانت عيداً، فلما قال: لا، قال له:«أَوْفِ بنذرك» ، وهذا يقتضي أن كون البقعة مكاناً لعيدهم مانع من الذبح بها ـ وإن نذر، كما أن كونها موضع أوثانهم كذلك، وإلا لما انتظَم الكلام، ولا حَسُنَ الاستفصال.

فإذا كان صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يُذبح في مكان كان الكفار يعملون فيه عيداً وإن كان أولئك الكفار قد أسلموا وتركوا ذلك العيد،

ص: 76

والسائل لا يتخذ المكان عيداً، بل يذبح فيه فقط: فقد ظهر أن ذلك سَدٌّ للذريعة إلى بقاء شيء من أعيادهم، خشية أن يكون الذبح هناك سبباً لإحياء أمر تلك البقعة، وذريعة إلى اتخاذها عيداً، مع أن ذلك العيد إنما كان يكون ـ والله أعلم ـ سوقاً يتبايعون فيها، ويلعبون، كما قالت له الأنصار: يومان كنا نلعب فيهما في الجاهلية. لم تكن أعياد الجاهلية عبادة لهم ولهذا فرق صلى الله عليه وسلم بين كونها مكان وثن، وكونها مكان عيد. وهذا نهي شديد عن أن يفعل شيء من أعياد الجاهلية على أي وجه كان.

وأعياد الكفار: من الكتابِيِّين والأميين، في دين الإسلام، من جنس واحد، كما أن كفر الطائفتين سواء في التحريم، وإن كان بعضه أشد تحريماً من بعض، ولا يختلف حكمهما في حق المسلم، لكن أهل الكتابين أُقِرُّوا على دينهم، مع ما فيه من أعيادهم، بشرط: أن لا يظهروها، ولا شيئاً من دينهم، وأولئك لم ُيقَرُّوا، بل أعياد الكتابيين ـ التي تتخذ دينا وعبادة ـ أعظم تحريماً من عيد يتخذ لهواً ولعباً، لأن التعبد بما يسخطه الله ويكرهه أعظم من اقتضاء الشهوات بما حرمه، ولهذا كان الشرك أعظم إثماً من الزنا.

ص: 77

وإذا كان الشارع قد حسم مادة أعياد أهل الأوثان خشية أن يتدنَّس المسلم بشيء من أمر الكفار ـ الذين قد يئس الشيطان أن يقيم أمرهم في جزيرة العرب ـ فالخشية من تدنسه بأوضار (1) الكتابيين الباقين أشد، والنهي عنه أوْكد، كيف وقد تقدم الخبر الصادق بسلوك طائفة من هذه الأمة سبيلهم؟.

الوجه الثالث من السنة: أن هذا الحديث وغيره، قد دل على أنه كان للناس في الجاهلية أعياد يجتمعون فيها، ومعلوم أنه بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، محى الله ذلك عنه، فلم يبق شيء من ذلك.

ومعلوم أنه لولا نَهْيه ومنعه لما ترك الناس تلك الأعياد، لأن المقتضي لها قائم من جهة الطبيعة التي تحب ما يصنع في الأعياد، خصوصاً أعياد الباطل، من اللعب واللذات، ومن جهة العادة التي ألفت ما يعود من العيد، فإن العادة طبيعة ثانية، وإذا كان المقتضي قائماً قوياً، فلولا المانع القوي، لما درست تلك الأعياد.

وهذا يوجب العلم اليقيني، بأن إمام المتقين صلى الله عليه وسلم كان يمنع أمته منعاً قوياً عن أعياد الكفار، ويسعى في دروسها، وطمسها بكل

(1)(*) أوضار: أوساخ.

ص: 78

سبيل، وليس في إقرار أهل الكتاب على دينهم، إبقاء لشيء من أعيادهم في حق أمته، كما أنه ليس في ذلك إبقاء في حق أمته، لما هم عليه في سائر أعمالهم، من سائر كفرهم ومعاصيهم، بل قد بالغ صلى الله عليه وسلم في أمر أمته بمخالفتهم في كثير من المباحات، وصفات الطاعات، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى موافقتهم في غير ذلك من أمورهم، ولتكون المخالفة في ذلك حاجزاً ومانعاً عن سائر أمورهم، فإنه كلما كثرت المخالفة بينك وبين أصحاب الجحيم، كان أبعد عن أعمال أهل الجحيم.

فليس بعد حرصه على أمته ونصحه لهم غاية ـ بأبي هو وأمي ـ وكل ذلك من فضل الله عليه وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

الوجه الرابع من السنة: في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنهما قالت: دخل عليّ أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاوَلَتْ به الأنصار، يوم بُعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر رضي الله عنه:أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وذلك يوم عيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا»

ص: 79

وفي رواية: «يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وإن عيدنا هذا اليوم» . وفي الصحيحين أيضاً - أنه قال: «دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد» ، وتلك الأيام أيام منى. [البخاري987، 3931، 952، مسلم892]

فالدلالة من وجوه: 1 - قوله: «إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا» ، فإن هذا يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم، كما أن الله سبحانه لما قال:{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة:148] وقال: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} [المائدة48] أوجب ذلك اختصاص كل قوم بوجهتهم وبشرعتهم، وذلك أن اللام تورث الاختصاص، فإذا كان لليهود عيد، وللنصارى عيد، كانوا مختصين به فلا نشركهم فيه، كما لا نشركهم في قبلتهم وشرعتهم. وكذلك ـ أيضاً ـ على هذا: لا ندعهم يشركوننا في عيدنا.

2 -

قوله: «وهذا عيدنا» فإنه يقتضي حصر عيدنا في هذا، فليس لنا عيد سواه، وكذلك قوله:«وإن عيدنا هذا اليوم» ، فإن التعريف باللام والإضافة يقتضي الاستغراق، فيقتضي أن يكون جنس عيدنا منحصراً في جنس ذلك اليوم.

وكذا قوله: «وإن هذا اليوم» . أي: جنس هذا اليوم، كما يقول

ص: 80

القائل لما يعاينه من الصلاة: هذه صلاة المسلمين، ويقول لمخرج الناس إلى الصحراء وما يفعلونه من التكبير والصلاة ونحو ذلك: هذا عيد المسلمين ونحو ذلك.

ومن هذا الباب: حديث عقبة عامر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«يوم عرفة ويوم النحر، وأيام التشريق، عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب» [أبوداود2419وصححه الألباني] فإنه دليل مفارقتنا لغيرنا في العيد، والتخصيص بهذه الأيام الخمسة؛ لأنه يجتمع فيها العيداًن: المكاني والزماني، ويطول زمنه، وبهذا يسمى العيد الكبير.

3 -

أنه رخص في لعب الجواري بالدف، وتغنيهن، معللاً بأن لكل قوم عيداً، وأن هذا عيدنا، وذلك يقتضي: أن الرخصة معللة بكونه عيد المسلمين، وأنها لا تتعدى إلى أعياد الكفار، وأنه لا يرخص في اللعب في أعياد الكفار، كما يرخص فيه في أعياد المسلمين. فلا يجوز لنا أن نفعل في كل عيد للناس من اللعب ما نفعل في عيد المسلمين، وهذا فيه دلالة على النهي عن التشبه بهم في اللعب ونحوه.

ص: 81

الوجه الخامس من السنة: أن أرض العرب ما زال فيها يهود ونصارى، حتى أجلاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته، وكان اليهود بالمدينة كثيراً في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد هادَنهم حتى نقضوا العهد، طائفة بعد طائفة، وما زال بالمدينة يهود، وإن لم يكونوا كثيراً، فإنه صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عد يهودي، وكان في اليمن يهود كثير، والنصارى بنجران وغيرها، والفرس بالبحرين، ومن المعلوم: أن هؤلاء كانت لهم أعياد يتخذونها، ومن المعلوم ـ أيضاً ـ أن المقتضي لما يفعل في العيد ـ من الأكل والشرب، واللباس والزينة، واللعب والراحة، ونحو ذلك ـ قائم في النفوس كلها إذا لم يوجد مانع، خصوصاً في نفوس الصبيان والنساء، وأكثر الفارغين من الناس.

ثم من كانت له خبرة بالسيرة، علم يقيناً أن المسلمين على عهده صلى الله عليه وسلم ما كانوا يشركونهم في شيء من أمرهم، ولا يغيرون لهم عادة في أعياد الكافرين، بل ذلك اليوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسائر المسلمين يوم من الأيام لا يخصونه بشيء أصلاً إلا ما قد اختلف فيه من مخالفتهم فيه، كصومه.

ص: 82

فلولا أن المسلمين كان دينهم الذي تلقوه عن نبيهم منع من ذلك وكف عنه، لوجب أن يوجد من بعضهم فِعْلُ بعضِ ذلك، لأن المقتضي إلى ذلك قائم، كما تدل عليه الطبيعة والعادة، فلولا المانع الشرعي لوجد مقتضاه، ثم على هذا جرى عمل المسلمين، على عهد الخلفاء الراشدين.

الوجه السادس من السنة: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بَيْد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم، فاختلفوا فيه فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع: اليهود غداً والنصارى بعد غد» . [البخاري 238، مسلم855]

وفي لفظ صحيح: «بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له» . [مسلم 855] وعن أبي هريرة، وحذيفة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن

ص: 83

الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة المقضي لهم ـ وفي رواية ـ بينهم قبل الخلائق». [مسلم856] وقد سمّى النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة: عيداً في غير موضع ونهى عن إفراده بالصوم لما فيه من معنى العيد.

ثم إنه في هذا الحديث ذكر أن الجمعة لنا، كما أن السبت لليهود، والأحد للنصارى، واللام تقتضي الاختصاص، فإذا نحن شاركناهم في عيدهم يوم السبت، أو عيد يوم الأحد، خالفنا هذا الحديث، وإذا كان هذا في العيد الأسبوعي، فكذلك في العيد الحَوْلي، إذ لا فرق، بل إذا كان هذا في عيد يعرف بالحساب العربي، فكيف بأعياد الكافرين العجمية التي لا تعرف إلا بالحساب الرومي القبطي، أو الفارسي أو العبري، ونحو ذلك.

والمعنى والله أعلم: أي نحن الآخرون في الخلق، السابقون في الحساب والدخول إلى الجنة، كما قد جاء في الصحيح أن هذه الأمة أول من يدخل الجنة من الأمم، [مسلم855] وأن محمداً صلى الله عليه وسلم أول من يفتح له باب الجنة، [مسلم197] وذلك لأنا أوتينا الكتاب من بعدهم، فهُدِينا لما اختلفوا فيه من العيد السابق للعيدين الآخرين،

ص: 84

وصار عملنا الصالح قبل عملهم، فلما سبقناهم إلى الهدى والعمل الصالح، جعلنا سابقين لهم في ثواب العمل الصالح.

الوجه السابع من السنة: ما روى كريب مولى ابن عباس رضي الله عنهما قال: أرسلني ابن عباس وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة رضي الله عنهما، أسألها: أي الأيام كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها صياماً؟ قالت: كان يصوم يوم السبت، ويوم الأحد، أكثر ما يصوم من الأيام، ويقول: إنهما يوما عيد للمشركين؛ فأنا أحبُّ أن أخالفَهم».رواه أحمد. [المسند26629، وقال محققه: إسناده صحيح]

وهذا نص في شرع مخالفتهم في عيدهم، وإن كان على طريق الاستحباب. وسنذكر حديث نهيه عن صوم يوم السبت، وتعليل ذلك أيضاً بمخالفتهم، ونذكر حكم صومه مفرداً عند العلماء، وأنهم متفقون على شرع مخالفتهم في عيدهم، وإنما اختلفوا: هل مخالفتهم يوم عيدهم بالصوم لمخالفة فعلهم فيه، أو بالإهمال حتى لا يقصد بصوم ولا بفطر، أو يفرق بين العيد العربي، والعيد العجمي؟ على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.

ص: 85