الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المساجد التي تشد إليها الرحال هي المساجد الثلاثة فقط
المساجد التي تشد إليها الرحال، هي المساجد الثلاثة، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا» [البخاري1189، مسلم1397] فالسفر إلى هذه المساجد الثلاثة للصلاة فيها والدعاء، والذكر والقراءة والاعتكاف، من الأعمال الصالحة. وما سوى هذه المساجد لا يشرع السفر إليه باتفاق أهل العلم، حتى مسجد قباء يستحب قصده من المكان القريب كالمدينة ولا يشرع شد الرحال إليه فإن في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:«كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء كل سبت ماشياً وراكباً» ، وفي لفظ لمسلم:«فيصلي فيه ركعتين» وكان ابن عمر يفعله. [البخاري1193، مسلم1399]
المشاهد وغيرها هي في معنى مسجد الضرار:
وذلك أن الله تعالى نهاه عن القيام في مسجد الضرار فقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَاّ الْحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ
أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ، فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ *لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَاّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة107 - 110] وكان مسجد الضرار قد بُني لأبي عامر الفاسق، الذي كان يقال له: أبو عامر الراهب، وكان قد تنصر في الجاهلية، وكان المشركون يعظمونه فلما جاء الإسلام حصل له من الحسد ما أوجب مخالفته للنبي صلى الله عليه وسلم فقام طائفة من المنافقين يبنون هذا المسجد، وقصدوا أن يبنوه لأبي عامر هذا، والقصة مشهورة في ذلك، فلم يبنوه لأجل فِعل ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، بل لغير ذلك.
فدخل في معنى ذلك: من بَني أبنية يضاهي بها مساجد المسلمين لغير العبادات المشروعة، من المشاهد وغيرها. ـ لا سيما إذا كان فيها من الضرار والكفر والتفريق بين المؤمنين، والإرصاد لأهل النفاق والبدع المحادين لله ورسوله ـ ما يقوى بها شبهها كمسجد الضرار، فلما قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ} وكان مسجد قباء أسس على
التقوى، ومسجده أعظم في تأسيسه على التقوى من مسجد قباء، كما ثبت في الصحيح عنه: أنه سئل عن المسجد أسس عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال: «مسجدي هذا» [مسلم1398] فكلا المسجدين أُسس على التقوى ولكن اختُص مسجده بأنه أكمل في هذا الوصف من غيره فكان يقوم في مسجده يوم الجمعة، ويأتي مسجد قباء يوم السبت.
وفي السنن عن أسيد بن ظهير الأنصاري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«صلاة في مسجد قباء كعمرة» [ابن ماجه1411وصححه الألباني] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء، فصلى فيه صلاة، كان له كأجر عمرة» [ابن ماجه1412وصححه الألباني] قال بعض العلماء: قوله: «من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء» تنبيه على أنه لا يشرع قصْده بشد الرحال، بل إنما يأتيه الرجل من بيته الذي يصلح أن يتطهر فيه ثم يأتيه فيقصده كما يقصد الرجل مسجد مصره دون المساجد التي يسافر إليها.
وأما المساجد الثلاثة: فاتفق العلماء على استحباب إتيانها للصلاة ونحوها، ولكن لو نذر ذلك هل يجب النذر؟ فيه قولان
للعلماء: أحدهما: أنه لا يجب بالنذر إلا إتيان المسجد الحرام خاصة، وهذا أحد قولي الشافعي، وهو مذهب أبي حنيفة، وبناه على أصله في أنه لا يجب بالنذر إلا ما كان من جنسه واجب بالشرع.
والقول الثاني: وهو مذهب مالك وأحمد وغيرهما: أنه يجب إتيان المساجد الثلاثة بالنذر. لكن إن أتى الفاضل أغناه عن إتيان المفضول فإذا نذر إتيان مسجد المدينة، ومسجد إيلياء (1)، أغناه إتيان المسجد الحرام. وإن نذر إتيان مسجد إيلياء أغناه إتيان أحد مسجدي الحرمين.
وذلك أنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه» [البخاري6700] وهذا يعم كل طاعة، سواء كان جنسها واجبا، أو لم يكن. وإتيان الأفضل إجْراءً للحديث الوارد في ذلك. (2) والمقصود أنه لا يشرع السفر إلى مسجد غير الثلاثة، ولو نذر ذلك لم يجب عليه فعله بالنذر
(1)(*) المسجد الأقصى.
(2)
(**) عن جابر بن عبد الله ط أن رجلاً قام يوم الفتح فقال: «يا رسول الله، إني نذرت لله إن فتح الله عليك مكة، أن أصلي في بيت المقدس ركعتين» ،قال:«صلّ هاهنا» ثم أعاد عليه فقال: «صلّ هاهنا» ،ثم أعاد عليه، فقال:«شأنك إذن» . [رواه أبو داود (3305) وصححه الألباني]
باتفاق الأئمة.
وهل عليه كفارة يمين؟ على قولين مشهورين.
وليس بالمدينة مسجد يشرع إتيانه إلا مسجد قباء، وأما سائر المساجد فلها حكم المساجد، ولم يخصها النبي صلى الله عليه وسلم بإتيان، ولهذا كان الفقهاء من أهل المدينة لا يقصدون شيئا من تلك الأماكن، إلا قباء خاصة.
فإذا كان هذا في المساجد التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وُبنيت بإذنه، ليس فيها ما يشرع قصده بخصوصه من غير سفر إليه، إلا مسجد قباء، فكيف بما سواها.
وأما المسجد الأقصى: فهو أحد المساجد الثلاثة، التي تشد إليها الرحال، وكان المسلمون لما فتحوا بيت المقدس على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ـ حين جاء عمر إليهم، فسلم النصارى إليه البلد ـ دخل إليه فوجد على الصخرة زبالة عظيمة جداً، كانت النصارى قد ألقتها عليها، معاندة لليهود الذين يعظمون الصخرة، ويصلون إليها، فأخذ عمر في ثوبه منها، واتبعه المسلمون في ذلك. وهو الذي يسميه كثير من العامة اليوم: الأقصى. والأقصى اسم للمسجد كله،
ولا يسمى هو ولا غيره حرماً، وإنما الحرم بمكة والمدينة خاصة.
فبنى عمر المصلَّى الذي في القبلة. ويقال: إن تحته درجاً كان يصعد منها إلى ما أمام الأقصى، فبناه على الدرج، حيث لم يُصَلّ أهل الكتاب، ولم يُصَلّ عمر ولا المسلمون عند الصخرة، ولا تمسحوا بها، ولا قبّلوها.
وقد ثبت أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: كان إذا أتى بيت المقدس دخل إليه، وصلى فيه، ولا يقرب الصخرة ولا يأتيها، ولا يقرب شيئا من تلك البقاع، وكذلك نقل عن غير واحد من السلف المعتبرين: كعمر بن عبد العزيز، والأوزاعي، وسفيان الثوري، وغيرهم. وذلك أن سائر بقاع المسجد لا مزية لبعضها على بعض، إلا ما بناه عمر رضي الله عنه لمصلَّى المسلمين.
وإذا كان المسجد الحرام، ومسجد المدينة، اللذان هما أفضل من المسجد الأقصى بالإجماع، فأحدهما قد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام» [البخاري1190] والآخر هو المسجد الذي أوجب الله حجه والطواف فيه، وجعله قبلة لعباده المؤمنين، ومع هذا، فليس