الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بخلاقهم في الدنيا، أو مما يعتاده الكفار لذلك.
كما أنه في الحديث قال: يستمتعون بآنية الذهب والفضة في الدنيا، وهي للمؤمنين في الآخرة، ولهذا كان العلماء، يجعلون اتخاذ الحرير وأواني الذهب والفضة، تشبهاً بالكفار.
ثالثاً: ذكر إجماع الصحابة والسلف على شرعية المخالفة للكفار
والإجماع من وجوه:
الوجه الأول: أن أمير المؤمنين، عمر في الصحابة رضي الله عنهم، ثم عامة الأئمة بعده، وسائر الفقهاء ـ جعلوا في الشروط المشروطة على أهل الذمة من النصارى وغيرهم، فيما شرطوه على أنفسهم: أن نوَقِّر المسلمين، ونقوم لهم من مجالسنا، إذا أرادوا الجلوس، ولا نتشبه بهم في شيء، من لباسهم: قلنسوة، أو عمامة أو نعلين، أو فرق شعر، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نكتني بكناهم، ولا نركب السروج، ولا نتقلد السيوف، ولا نتخذ شيئاً من السلاح، ولا نحمله، ولا ننقش خواتيمنا بالعربية، ولا نبيع الخمور، وأن نجز مقادم رؤوسنا، وأن نلزم زينا حيثما كان، وأن نشد الزنانير (1)، وأن
(1)(*) الزنار: حزام يشده النصارى على أوساطهم.
لا نظهر الصليب على كنائسنا، ولا نظهر صليباً، ولا كتباً (1)، في شيء من طرق المسلمين، ولا أسواقهم، ولا نضرب بنواقيسنا في كنائسنا إلا ضرباً خفياً، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر النيران معهم في شيء من طرق المسلمين. رواه حرب (2) بإسناد جيد.
وفي رواية أخرى رواها الخلال: وأن لا نضرب بنواقيسنا إلا ضرباً خفياً، في جوف كنائسنا، ولا نظهر عليها صليباً، ولا نرفع أصواتنا في الصلاة، ولا القراءة في كنائسنا، فيما يحضره المسلمون، وأن لا نخرج صليباً، ولا كتاباً في سوق المسلمين، وأن لا نخرج باعوثاً ـ والباعوث: يخرجون يجتمعون كما يخرج يوم الأضحى والفطر ـ ولا شعانينا، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر النيران معهم في أسواق المسلمين، وأن لا نجاورهم بالخنازير، ولا نبيع الخمور ـ إلى أن قال: وأن نلزم زينا حيثما كنا، وأن لا نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة ولا عمامة، ولا نعلين، ولا فَرْق شعر، ولا في مراكبهم، ولا نتكلم بكلامهم ولا نكتني بكناهم، وأن نجز
(1)(**) أي: من كتب دينهم.
(2)
(
…
) هو حرب بن إسماعيل الكرماني، رجل جليل من أتباع الإمام أحمد بن حنبل.
مقادم رؤوسنا، ولا نفرق نواصينا، ونشد الزنانير على أوساطنا.
وهذه الشروط أشهر شيء في كتب الفقه والعلم، وهي مجمَع عليها ـ في الجملة ـ بين العلماء من الأئمة المتبوعين، وأصحابهم، وسائر الأئمة، ولولا شهرتها عند الفقهاء لذكرنا ألفاظ كل طائفة فيها، وهي أصناف: 1 - ما مقصوده التمييز عن المسلمين، في الشعور واللباس والأسماء والمراكب والكلام، ونحوها، ليتميز المسلم عن الكافر، ولا يتشبه أحدهما بالآخر في الظاهر، ولم يرض عمر رضي الله عنه والمسلمون بأصل التمييز، بل بالتمييز في عامة الهدي، على تفاصيل معروفة في غير هذا الموضع. وذلك يقتضي: إجماع المسلمين على التمييز عن الكفار ظاهراً، وترك التشبه بهم.
كذلك الشروط التي شرطها عمر بن عبد العزيز تقتضي منعهم من التشبه بالمسلمين. وكذلك فعل جعفر بن محمد بن هارون المتوكل بأهل الذمة في خلافته، واستشار في ذلك الإمام أحمد بن حنبل، وغيره، وعهوده في ذلك، وجوابات أحمد بن حنبل له معروفة.
2 -
ما يعود بإخفاء منكرات دينهم، وترك إظهارها، كمنعهم من إظهار الخمر والناقوس، والنيران والأعياد، ونحو ذلك.
3 -
ما يعود بإخفاء شعار دينهم، كأصواتهم بكتابهم.
فاتفق عمر رضي الله عنه ـ والمسلمون معه، وسائر العلماء بعدهم ومن وفقه الله تعالى من ولاة الأمور ـ على منعهم من أن يُظهِروا في دار الإسلام شيئاً مما يختصون به، مبالغة في أن لا يظهروا في دار الإسلام خصائص المشركين، فكيف إذا عملها المسلمون وأظهروها؟.
4 -
ما يعود بترك إكرامهم، وإلزامهم الصغار الذي شرعه الله تعالى.
ومن المعلوم: أن تعظيم أعيادهم، ونحوها ـ بالموافقة فيها ـ نوعٌ من إكرامهم، فإنهم يفرحون بذلك، ويُسَرّون به، كما يغتمّون بإهمال أمر دينهم الباطل.
الوجه الثاني من دلائل الإجماع: أن هذه القاعدة، قد أمر بها غير واحد، من الصحابة والتابعين، في أوقات متفرقة، وقضايا متعددة، وانتشرت ولم ينكرها منكر:
1 -
عن قيس بن أبي حازم قال: «دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه،
على امرأة من أحمس، يقال لها زينب فرآها لا تتكلم، فقال: ما لها لا تتكلم؟ قالوا: حجت مصمتة، فقال لها تكلمي، فإن هذا لا يحِلّ، هذا عمل الجاهلية، فتكلمت» [البخاري3834] فأخبر أبو بكر: أن الصمت المطلق لا يحل، وعقَّب ذلك بقوله: هذا من عمل الجاهلية، قاصداً بذلك عيب هذا العمل، وذمه.
وتعقيب الحكم بالوصف: دليل على أن الوصف علة، ولم يشرع في الإسلام؛ فيدخل في هذا: كل ما اتخذ من عبادة، مما كان أهل الجاهلية يتعبدون به، ولم يشرع الله التعبد به في الإسلام، وإن لم ينوِّهْ عنه بعينه، كالمكاء والتصدية، فإن الله تعالى قال عن الكافرين:{وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَاّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً} [الأنفال: 35] والمكاء: الصفير ونحوه. والتصدية: التصفيق. فاتخاذ هذا قربة وطاعة من عمل الجاهلية، الذي لم يشرع في الإسلام.
وكذلك: بروز المُحرِم وغيرُه للشمس، حتى لا يستظل بظل، أو ترك الطواف بالثياب المتقدمة، أو ترك كل ما عمل في غير الحرم، ونحو ذلك من أمور الجاهلية التي كانوا يتخذونها عبادات، وإن كان قد جاء نهي خاص في عامة هذه الأمور، بخلاف السعي
بين الصفا والمروة، وغيره من شعائر الحج، فإن ذلك من شعائر الله، وإن كان أهل الجاهلية قد كانوا يفعلون ذلك في الجملة.
2 -
روى مسلم في صحيحه، عن عمر بن الخطاب: أنه كتب إلى المسلمين المقيمين ببلاد فارس: إياكم وزيّ أهل الشرك. [مسلم2069]
3 -
روى ابن أبي عاصم أن معاوية قال: إن تسوية القبور من السنة، وقد رفعت اليهود والنصارى، فلا تشبهوا بهم. [قال الألباني: إسناده صحيح]
يشير معاوية إلى ما رواه مسلم في صحيحه، عن فضالة بن عبيد: أنه أمر بقبر فسُوّي، ثم قال:«سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها» [مسلم 968]
4 -
روى البخاري عن مسروق عن عائشة رضي الله عنهما:أنها كانت تكره أن يجعل يده في خاصرته، وتقول:«إن اليهود تفعله» . [البخاري3458] وهذا الباب فيه كثرة عن الصحابة.
وهذه القضايا التي ذكرناه: بعضها في مظنة الاشتهار، وما علمنا أحداً خالف ما ذكرناه عن الصحابة رضي الله عنهم من كراهة التشبه بالكفار والأعاجم في الجملة.