الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحرير، أو غير ذلك من المنهي عنه في الشرع وترك السنن من جنس فعل البدع، فينبغي إقامة المواسم على ما كان السابقون الأولون يقيمونها، من الصلاة والخطبة المشروعة، والتكبير والصدقة في الفطر، والذبح في الأضحى. فإن من الناس من يقصر في التكبير المشروع. ومن الأئمة من يترك أن يخطب للرجال والنساء. كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الرجال ثم النساء.
ومنهم من لا يذكر في خطبته ما ينبغي ذكره، بل يعدل إلى ما تقل فائدته، ومنهم من لا ينحر بعد الصلاة بالمصلى وهو ترك للسنة، إلى أمور أخرى من السنة، فإن الدين هو فعل المعروف والأمر به، وترك المنكر والنهي عنه.
أقسام الأعياد المكانية
وأما الأعياد المكانية فتنقسم أيضاً كالزمانية - ثلاثة أقسام:
أحدهما: ما لا خصوص له في الشريعة.
والثاني: ما له خصيصة لا تقتضي قصده للعبادة فيه.
والثالث: ما يشرع العبادة فيه، لكن لا يتخذ عيداً.
والأقسام الثلاثة جاءت الآثار بها. مثل قوله صلى الله عليه وسلم للذي نذر أن
ينحر ببوانة: «أَبِهَا وثنٌ من أوثان المشركين، أو عيد من أعيادهم؟» قال: لا. قال: «فأوف بنذرك» . [أبو داود3313، وصححه الألباني] ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا قبري عيداً» . [أبو داود2042وصححه الألباني] ومثل نهي عمر عن اتخاذ آثار الأنبياء أعياداً.
فهذه الأقسام الثلاثة:
أحدها: مكان لا فضل له في الشريعة أصلاً، ولا فيه ما يوجب تفضيله، بل هو كسائر الأمكنة، أو دونها، فقَصْد ذلك المكان، أو قصد الاجتماع فيه ـ لصلاة أو دعاء، أو ذكر، أو غير ذلك ـ ضلال بيِّن. ثم إن كان به بعض آثار الكفار، من اليهود أو النصارى أو غيرهم، صار أقبح وأقبح، ودخل في هذا الباب وفي الباب قبله، في مشابهة الكفار، وهذه أنواع لا يمكن ضبطها، بخلاف الزمان، فإنه محصور. وهذا الضَّرب (1) أقبح من الذي قبله، فإن هذا يشبه عباده الأوثان أو هو ذريعة إليها، أو نوع من عبادة الأوثان، إذ عُبَّاد الأوثان كانوا يقصدون بقعة بعينها لتمثال هناك أو غير تمثال، يعتقدون أن ذلك يقربهم إلى الله تعالى.
(1)(*) الضَّرب: النوع والصنف.
ولما كان للمشركين شجرة يعلقون عليها أسلحتهم، ويسمونها ذات أنواط، فقال بعض الناس: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط. فقال:«الله أكبر، قلتم كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، إنها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم» . [الترمذي2285، المسند21794وصححه الألباني] فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم مجرد مشابهتهم للكفار في اتخاذ شجرة يعكفون عليها، معلقين عليها سلاحهم. فكيف بما هو أعظم من ذلك من مشابهتهم المشركين، أو هو الشرك بعينه؟
فمن قصد بقعة يرجو الخير بقصدها، ولم تَستحب الشريعة ذلك، فهو من المنكرات، وبعضه أشد من بعض، سواء كانت البقعة شجرة أو عين ماء أو قناة جارية، أو جبلاً، أو مغارة، وسواء قصدها ليصلي عندها، أو ليدعو عندها، أو ليقرأ عندها، أو ليذكر الله سبحانه عندها، أو ليتنسك عندها، بحيث يخص تلك البقعة بنوع من العبادة التي لم يشرع تخصيص تلك البقعة به لا عيناً ولا نوعا. وأقبح من ذلك أن ينذر لتلك البقعة دهناً لِتُنَوَّرَ به، ويقال: إنها تقبل النذر، كما يقول بعض الضالين. فإن هذا النذر نذر
معصية باتفاق العلماء، ولا يجوز الوفاء به، بل عليه كفارة عند كثير من أهل العلم، منهم أحمد في المشهور عنه، وعنه رواية هي قول أبي حنيفة والشافعي وغيرهما: أنه يستغفر الله من هذا النذر، ولا شيء عليه.
وكذلك إذا نذر طعاماً من الخبز أو غيره للحيتان التي في تلك العين، أو البئر. وكذلك إذا نذر مالاً من النقد أو غيره للسدنة، أو المجاورين العاكفين بتلك البقعة، فإن هؤلاء السدنة فيهم شبه من السدنة التي كانت لللات والعزى ومناة، يأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله، والمجاورون هناك فيهم شبه من العاكفين الذين قال لهم إبراهيم الخليل إمام الحنفاء، صلى الله عليه وسلم:{مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [سورة الأنبياء:52] وقال: {أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:75 - 77] والذين أتى عليهم موسى عليه السلام وقومه، كما قال تعالى:{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ} [الأعراف:138]
فالنذر لأولئك السدنة والمجاورين في هذه البقاع التي لا فضل
في الشريعة للمجاور بها، نذر معصية، وفيه شبه من النذر لسدنة الصلبان والمجاورين عندها.
ثم هذا المال المنذور، إذا صرفه في جنس تلك العبادة من المشروع، مثل أن يصرفه في عمارة المساجد، أو للصالحين من فقراء المسلمين، الذين يستعينون بالمال على عبادة الله وحده ـ لا شريك له ـ كان حسناً.
فمن هذه الأمكنة ما يظن أنه قبر نبي، أو رجل صالح، وليس كذلك، أو يظن أنه مقام له، وليس كذلك. وهذا باب واسع أذكر بعض أعيانه.
فمن ذلك: عدة أمكنة بدمشق، مثل مشهد لأُبَيّ بن كعب خارج الباب الشرقي، ولا خلاف بين أهل العلم، أن أبي بن كعب إنما توفي بالمدينة، لم يمت بدمشق. والله أعلم قبر من هو، لكنه ليس بقبر أُبَيّ بن كعب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا شك.
وكذلك مكان بالحائط القبلي، بجامع دمشق، يقال إن فيه قبر هود عليه السلام، وما علمت أحداً من أهل العلم ذكر أن هوداً النبي مات بدمشق، بل قد قيل إنه مات باليمن، وقيل بمكة، فإن مبعثه كان
باليمن، ومهاجره بعد هلاك قومه كان إلى مكة، فأما الشام فلا داره ولا مهاجره، فموته بها والحال هذه مع أن أهل العلم لم يذكروه، بل ذكروا خلافه، في غاية البعد.
وكذلك مشهد خارج الباب الغربي من دمشق، يقال إنه قبر أويس القرني، وما علمت أن أحدا ذكر أن أويساً مات بدمشق، ولا هو متوجه أيضاً، فإن أويساً قدم من اليمن إلى أرض العراق. وقد قيل إنه قتل بصفين، وقيل إنه مات بنواحي أرض فارس، وقيل غير ذلك. فأما الشام فما ذكر أنه قدم إليها فضلا عن الممات بها.
ومن ذلك أيضاً، قبر يقال له: قبر أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ولا خلاف أنها رضي الله عنها ماتت بالمدينة لا بالشام، ولم تقدم الشام أيضا. فإن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، لم تكن تسافر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك: مشهد بقاهرة مصر يقال إن فيه رأس الحسين رضي الله عنه، وأصله أنه كان بعسقلان مشهد يقال إن فيه رأس الحسين، فحمل ـ فيما قيل ـ الرأس من هناك إلى مصر، وهو باطل باتفاق أهل العلم، لم يقل أحد من أهل العلم إن رأس الحسين كان بعسقلان، بل فيه أقوال ليس هذا منها، فإنه حُمل رأسه إلى قدام عبيد الله بن زياد
بالكوفة، حتى روى له عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يغيظه. وبعض الناس يذكر أن الرواية كانت أمام يزيد بن معاوية بالشام، ولا يثبت ذلك، فإن الصحابة المسمين في الحديث إنما كانوا بالعراق.
وكذلك مقابر كثيرة لأسماء رجال معروفين، قد علم أنها ليست مقابرهم.
فهذه المواضع ليست فيها فضيلة أصلاً، وإن اعتقد الجاهلون أن لها فضيلة، اللهم إلا أن يكون قبراً لرجل مسلم فيكون كسائر قبور المسلمين، ليس لها من الخصيصة ما يحسبه الجُهّال، وإن كانت القبور الصحيحة لا يجوز اتخاذها أعياداً، ولا أن يفعل ما يفعل عند هذه القبور المكذوبة، أو تكون قبرا لرجل صالح غير المسمى، فيكون من القسم الثاني.
ومن هذا الباب أيضاً مواضع يقال إن فيها أثر النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره، ويضاهي بها مقام إبراهيم الذي بمكة، كما يقول الجُهّال في الصخرة التي ببيت المقدس، من أن فيها أثراً من وطء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغني أن بعض الجُهّال يزعم أنها من وطء الرب سبحانه وتعالى! فيزعمون أن ذلك الأثر موضع القدم. وفي مسجد قبلي دمشق ـ
يسمى مسجد القَدَم ـ أثر أيضاً يقال إن ذلك أثر قدم موسى عليه السلام، وهذا باطل لا أصل له. ولم يقْدُم موسى دمشق ولا ما حولها.
وكذلك مشاهد تضاف إلى بعض الأنبياء أو الصالحين بناء على أنه رُؤِى في المنام هناك، ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم أو الرجل الصالح في المنام ببقعة لا يوجب لها فضيلة تُقْصد البقعة لأجلها، وُتتَّخذ مُصَلَّى، بإجماع المسلمين. وإنما يفعل هذا وأمثاله أهل الكتاب، وربما صُوِّر فيها صورة النبي أو الرجل الصالح أو بعض أعضائه، مضاهاة لأهل الكتاب، كما كان في بعض مساجد دمشق، مسجد يسمى مسجد الكف، فيه تمثال كف يقال إنه كف علي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى هدم الله ذلك الوثن. وهذه الأمكنة كثيرة موجودة في أكثر البلاد.
وفي الحجاز مواضع، كغار عن يمين الطريق وأنت ذاهب من بدر إلى مكة يقال إنه الغار الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وإنه الغار الذي ذكره الله في قوله تعالى:{ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَار} [سورة التوبة:40] ولا خلاف بين أهل العلم أن الغار المذكور في القرآن إنما هو غار بجبل ثور، قريب من مكة، معروف عند أهل مكة إلى
اليوم.
فهذه البقاع التي يعتقد لها خصيصة ـ كائنة ما كانت ـ فإن تعظيم مكان لم يعظمه الشرع شر من تعظيم زمان لم يعظمه، فإن تعظيم الأجسام بالعبادة عندها أقرب إلى عبادة الأوثان من تعظيم الزمان، حتى أنه ينبغي تجنب الصلاة فيها، وإن كان المصلي لا يقصد تعظيمها، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى تخصيصها بالصلاة فيها، كما ينهى عن الصلاة عند القبور المحققة، وإن لم يكن المصلي يقصد الصلاة لأجلها. وكما ينهى عن إفراد الجمعة بالصوم، وإن كان الصائم لا يقصد التخصيص بذلك الصوم، فإن ما كان مقصودا بالتخصيص، مع النهي عن ذلك، ينهى عن تخصيصه أيضاً بالفعل.
وما أشبه هذه الأمكنة بمسجد الضرار الذي أسس على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم. فإن ذلك المسجد لما بُنِي ضراراً وكفراً، وتفريقا بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل، نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيه، وأمر بهدْمه.
وهذه المشاهد الباطلة، إنما وضعت مضاهاة لبيوت الله،
وتعظيماً لما لم يعظمه الله، وعكوفاً على أشياء لا تنفع ولا تضر، وصداً للخلق عن سبيل الله، وهي عبادته وحده لا شريك له بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، واتخاذها عيداً هو الاجتماع عندها واعتياد قصدها، فإن العيد من المعاودة.
ويلتحق بهذا الضَّرب ـ لكنه ليس منه ـ مواضع يدعى لها خصائص لا تثبت، مثل كثير من القبور التي يقال إنها قبر نبي، أو قبر صالح، أو مقام نبي، أو صالح، ونحو ذلك، وقد يكون ذلك صدقاً، وقد يكون كذباً. وأكثر المشاهد التي على وجه الأرض من هذا الضَّرب. فإن القبور الصحيحة والمقامات الصحيحة قليلة جداً. وكان غير واحد من أهل العلم يقول: لا يثبت من قبور الأنبياء إلا قبر نبينا صلى الله عليه وسلم. وغيره قد يثبت غير هذا أيضاً مثل: قبر إبراهيم الخليل عليه السلام، وقد يكون عُلم أن القبر في تلك الناحية لكن يقع الشك في عينه، ككثير من قبور الصحابة التي بباب الصغير من دمشق، فإن الأرض غُيِّرت مرات، فتعيين قبر أنه قبر بلال أو غيره لا يكاد يثبت، إلا من طريق خاصة، وإن كان لو ثبت ذلك لم يتعلق به حكم شرعي مما قد أُحدِث عندها. ولكن الغرض أن نبين هذا
القسم الأول، وهو تعظيم الأمكنة، التي لا خصيصة لها: إما مع العلم بأنه لا خصيصة لها، أو مع عدم العلم بأن لها خصيصة، إذ العبادة والعمل بغير علم منهي عنه، كما أن العبادة والعمل بما يخالف العلم منهيٌّ عنه، ولو كان ضبط هذه الأمور من الدين لما أُهمل، ولما ضاع عن الأمة المحفوظِ دينُها، المعصومةِ عن الخطأ.
وأكثر ما تجد الحكايات المتعلقة بهذا عند السدنة والمجاورين لها الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله. وقد يحكي من الحكايات التي فيها تأثير، مثل أن رجلاً دعا عندها فاستُجيب له، أو نذر لها إن قضى الله حاجته فقضيت حاجته، ونحو ذلك. وبمثل هذه الأمور كانت تُعبد الأصنام فإن القوم كانوا أحياناً يخاطبون من الأوثان، وربما تقضي حوائجهم إذا قصدوها، وكذلك يجري لأهل الأبداد (1) من أهل الهند وغيرهم. وربما قيست على ما شرع الله تعظيمه من بيته المحجوج، والحجر الأسود الذي شرع الله استلامه وتقبيله، كأنه يمينه، والمساجد التي هي بيوته.
وإنما عبدت الشمس والقمر بالمقاييس، وبمثل هذه الشبهات حدث الشرك في أهل الأرض. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن
(1)(*) الأبداد: بيوت الأصنام.