الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم ذبيحتهم يوم عيدهم:
ما ذبحه أهل الكتاب لأعيادهم، وما يتقربون بذبحه إلى غير الله ـ نظير ما يذبح المسلمون هداياهم، وضحاياهم متقربين بها إلى الله تعالى. وذلك مثل: ما يذبحون للمسيح والزهرة ـ عن أحمد روايتان: أشهرهما في نصوصه: أنه لا يباح أكله، وإن لم يسم عليه غير الله تعالى. ونقل النهي عن ذلك، عن عائشة وعبد الله بن عمر.
صوم أعياد الكفار
صوم أيام أعياد الكفار مفردة بالصوم، كصوم يوم النيروز والمهرجان- وهما يومان يعظمهما الفرس- قد اختلف فيهما؛ لأجل أن المخالفة تحصل بالصوم، أو بترك تخصيصه بعمل أصلاً.
صوم يوم السبت: عن عبد الله بن بسر السلمي، عن أخته الصماء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِض عليكم وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب، أو عود شجرة ـ وفي لفظ: إلا عود عنب أو لحاء شجرة ـ فليمضغه» [أبوداود2421 وصححه الألباني]
وقد اختلف الأصحاب وسائر العلماء فيه. قال أبو بكر الأثرم:
وسمعت أبا عبد الله يُسْأل عن صيام يوم السبت يفترد به. فقال: أما صيام يوم السبت يفترد به فقد جاء في ذلك الحديث حديث الصماء، يعني حديث ثور عن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر، عن أخته الصماء، عن النبي صلى الله عليه وسلم «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم» ، قال أبو عبد الله:«وكان يحيى بن سعيد يتَّقيه، وأبَى أن يحدثني به، وقد كان سمعه من ثور. قال: فسمعتُه من أبي عاصم. قال الأثرم: وحجة أبي عبد الله في الرخصة في صوم يوم السبت: أن الأحاديث كلها مخالفة لحديث عبد الله بن بسر. منها حديث أم سلمة حين سئلت: أي الأيام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صياماً لها. فقالت: السبت والأحد» . [ابن خزيمة 2167وقال الألباني: إسناده حسن] ومنها حديث جويريةأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يوم الجمعة: «أصُمْتِ أمس؟» قالت: لا، قال:«تريدين أن تصومي غداً؟» [البخاري1986] فالغد هو يوم السبت.
وحديث نَهْى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة، إلا بيوم قبله أو يوم بعده. [البخاري1985،مسلم1144] فاليوم الذي بعده هو يوم السبت. ومنها أنه أمر بصوم المحرم، [مسلم1163] وفيه يوم السبت،
وقال: «من صام رمضان، وأتبعه بست من شوال» . [مسلم1164] وقد يكون فيها السبت.
وأمر بصيام البيض، [البخاري1981] وقد يكون فيها السبت. ومثل هذا كثير. فهذا الأثرم، فهم من كلام أبي عبد الله، أنه توقف عن الأخذ بالحديث، وأنه رخص في صومه، حيث ذكر الحديث الذي يحتج به في الكراهة، وذكر أن الإمام في علل الحديث، يحيى بن سعيد، كان يتقيه، وأبَى أن يحَدِّث به، فهذا تضعيف للحديث. واحتج الأثرم بما دل من النصوص المتواترة، على صوم يوم السبت ولا يقال: يحمل النهي على إفراده، لأن لفظه:«لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم» والاستثناء دليل التناول، وهذا يقتضي أن الحديث عمَّ صومه على كل وجه، وإلا لو أُريدَ إفرادُه لمَا دخل الصوم المفروض ليُستَثْنَي فإنه لا إفراد فيه؛ فاستثناؤه دليل على دخول غيره، بخلاف يوم الجمعة، فإنه بين أنه إنما نهى عن إفراده. وعلى هذا، فيكون الحديث: إما شاذاً غير محفوظ، وإما منسوخاً. وهذه طريقة قدماء أصحاب أحمد الذين صحبوه، كالأثرم وأبي داود.
وأما أكثر أصحابنا ففهموا من كلام أحمد الأخذ بالحديث وحمله على الإفراد، فإنه سئل عن عين الحكم. فأجاب بالحديث، وجوابه بالحديث يقتضي اتباعه. وما ذكره عن يحيى إنما هو بيان ما وقع فيه من الشبهة، وهؤلاء يكرهون إفراده بالصوم، عملاً بهذا الحديث، لجودة إسناده، وذلك موجب للعمل به، وحملوه على الإفراد كيوم الجمعة، وشهر رجب.
وعلى هذا، فيكون قوله صلى الله عليه وسلم:«لا تصوموا يوم السبت» أي لا تقصدوا صومه بعينه إلا في الفرض، فإن الرجل يقصد صومه بعينه، بحيث لو لم يجب عليه إلا صوم يوم السبت، كمن أسلم ولم يبق من الشهر إلا يوم السبت، فإنه يصومه وحده.
وأيضاً فقَصْدُه بعينه في الفرض لا يكره، بخلاف قصده بعينه في النفل، فإنه يكره، ولا تزول الكراهة إلا بضَمّ غيره إليه أو موافقته عادة، فالمزيل للكراهة في الفرض، مجرد كونه فرضاً، لا المقارنة بينه وبين غيره. وأما في النفل فالمزيل للكراهة ضم غيره إليه، أو موافقته عادة، ونحو ذلك. وقد يقال: الاستثناء أخرج بعض صور الرخصة، وأخرج الباقي بالدليل.
صوم النيروز والمهرجان ونحوها من أعياد المشركين
وأما النيروز والمهرجان ونحوهما من أعياد المشركين، فمن لم يكره صوم يوم السبت من الأصحاب وغيرهم، قد لا يكره صوم ذلك اليوم، بل ربما يستحبه لأجل مخالفتهم وكرههما أكثر الأصحاب.
وعللوا ذلك بأنهما يومان تعظمهما الكفار، فيكون تخصيصهما بالصيام دون غيرهما موافقة لهم في تعظيمهما، فكره، كيوم السبت. قال الإمام أبو محمد المقدسي: وعلى قياس هذا، كل عيد للكفار، أو يوم يفردونه بالتعظيم. وقد يقال: يكره صوم يوم النيروز والمهرجان، ونحوهما من الأيام التي لا تعرف بحساب العرب. بخلاف ما جاء في الحديث من يوم السبت والأحد لأنه إذا قصد صوم مثل هذه الأيام العجمية، أو الجاهلية، كان ذريعة إلى إقامة شعار هذه الأيام وإحياء أمرها، وإظهار حالها بخلاف السبت والأحد، فإنهما من حساب المسلمين. فليس في صومهما مفسدة، فيكون استحباب صوم أعيادهم المعروفة بالحساب العربي الإسلامي، مع كراهة الأعياد المعروفة بالحساب الجاهلي العجمي، توفيقاً بين الآثار. والله أعلم.
الأعياد والمواسم المبتدعة
ومن المنكرات في هذا الباب: سائر الأعياد والمواسم المبتدعة، فإنها من المنكرات المكروهات، سواء بلغت الكراهة التحريم أو لم تبلغه. وذلك أن أعياد أهل الكتاب والأعاجم نهي عنها لسببين: أحدهما: أن فيها مشابهة الكفار. والثاني: أنها من البدع. فما أحدث من المواسم والأعياد هو منكر، وإن لم يكن فيها مشابهة لأهل الكتاب، لوجهين:
أحدهما: أن ذلك داخل في مسمى البدع المحدثات، فيدخل فيما رواه مسلم في صحيحه، عن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش .. يقول: صبحكم ومساكم، ويقول:«بعثت أنا والساعة كهاتين» ـ ويقرن بين أصبعيه: السبابة والوسطى ـ ويقول: «أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة» . [مسلم867]
وفيما رواه أيضاً في الصحيح عن عائشة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدّ» [مسلم1718] وفي
لفظ في الصحيحين: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» . [البخاري2697،مسلم1718] وفي الحديث الصحيح عن العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة» . [أبو داود4607، ابن ماجه42وصححه الألباني]
وهذه قاعدة قد دلت عليها السنة والإجماع، مع ما في كتاب الله من الدلالة عليها أيضاً. قال الله تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللهُ} [الشورى:22] فمن ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله، أو أوجبه بقوله أو بفعله، من غير أن يشرعه الله؛ فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله. ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذه شريكاً لله شرع من الدين ما لم يأذن به الله.
نعم، قد يكون متأولاً في هذا الشرع، فيُغفَر له لأجل تأويله، إذا كان مجتهداً الاجتهاد الذي يعفى معه عن المخطئ ويثاب أيضاً على اجتهاده، لكن لا يجوز اتباعه في ذلك، كما لا يجوز اتباع سائر من قال أو عمل، قولاً أو عملاً، قد علم الصواب في خلافه، وإن
كان القائل أو الفاعل مأجوراً أو معذوراً.
وقد قال سبحانه: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلَاّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لَاّ إِلَهَ إِلَاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:31] قال عدي بن حاتم للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، ما عبدوهم. قال:«ما عبدوهم، ولكن أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم، وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم» ، [الترمذي 3306، البيهقي 10/ 116وحسنه الألباني] فمن أطاع أحداً في دين لم يأذن به الله في تحليل أو تحريم أو استحباب أو إيجاب فقد لحقه من هذا الذم نصيب، كما يلحق الآمر الناهي أيضاً نصيب. ثم قد يكون كل منهما معفواً عنه لاجتهاده، ومثاباً أيضاً على الاجتهاد، فيتخلف عنه الذم لفوات شرطه، أو لوجود مانعه، وإن كان المقتضي له قائماً. ويلحق الذم مَنْ تَبَيَّنَ له الحق فتركه، أو من قصّر في طلبه حتى لم يتبين له، أو أعرض عن طلب معرفته لهوى، أو لكسل، أو نحو ذلك.
وأيضاً: فإن الله تعالى عاب على المشركين شيئين:
أحدهما: أنهم أشركوا به ما لم ينزل به سلطاناً، والثاني: تحريمهم
ما لم يحرمه عليهم.
وبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فيما رواه مسلم عن عياض بن حمار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالَتْهم الشياطين، وحرمَتْ عليهم ما أحلَلْتُ لهم، وأمرَتْهُم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً» . [مسلم2865]
قال سبحانه: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ} [الأنعام:148] فجمعوا بين الشرك والتحريم، والشرك يدخل فيه كل عبادة لم يأذن الله بها، فإن المشركين يزعمون أن عبادتهم: إما واجبة، وإما مستحبة، وأن فعلها خير من تركها.
ثم مِنهم مَن عبد غير الله، ليتقرب بعبادته إلى الله. ومنهم من ابتدع ديناً عبدوا به الله، في زعمهم، كما أحدثته النصارى من أنواع العبادات المحدثة.
وأصل الضلال في أهل الأرض إنما نشأ من هذين:
1 -
إما اتخاذ دين لم يشرعه الله. 2 - أو تحريم ما لم يحرمه الله.
ولهذا كان الأصل الذي بنى الإمام أحمد وغيره من الأئمة عليه