الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا اليوم عيداً محدثٌ لا أصل له، فلم يكن في السلف ـ لا من أهل البيت ولا من غيرهم ـ مَن اتخذ ذلك اليوم عيداً، حتى يحدث فيه أعمالاً. إذ الأعياد شريعة من الشرائع، فيجب فيها الاتباع، لا الابتداع. وللنبي صلى الله عليه وسلم خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة: مثل يوم بدر، وحنين، والخندق، وفتح مكة، ووقت هجرته، ودخوله المدينة، وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين. ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ أمثال تلك الأيام أعياداً. وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعياداً، أو اليهود، وإنما العيد شريعة، فما شرعه الله اتُّبِع. وإلا لم يُحْدَث في الدين ما ليس منه.
اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً مضاهاة للنصارى في عيد ميلاد عيسى عليه السلام
-:
ما يحدثه بعض الناس ـ إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيماً. والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع ـ من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً. مع اختلاف الناس في مولده. فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي
له وعدم المانع منه لو كان خيراً. ولو كان هذا خيراً محضًا، أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص. وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته باطناً وظاهراً، ونشر ما بُعِث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان. فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان.
وأكثر هؤلاء الذين تجدهم حراصاً على أمثال هذه البدع، مع ما لهم من حسن القصد، والاجتهاد الذي يرجى لهم بهما المثوبة، تجدهم فاترين في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، عما أمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يحلّي المصحف ولا يقرأ فيه، أو يقرأ فيه ولا يتبعه وبمنزلة من يزخرف المسجد، ولا يصلي فيه، أو يصلي فيه قليلاً، وبمنزلة من يتخذ المسابيح والسجادات المزخرفة. وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع، ويصحبها من الرياء والكبر، والاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها.
واعلم أن من الأعمال ما يكون فيه خير، لاشتماله على أنواع من
المشروع، وفيه أيضاً شر، من بدعة وغيرها، فيكون ذلك العمل خيراً بالنسبة إلى ما اشتمل عليه من أنواع المشروع وشراً بالنسبة إلى ما اشتمل عليه من الإعراض عن الدين بالكلية كحال المنافقين والفاسقين. وهذا قد ابتلى به أكثر الأمة في الأزمان المتأخرة.
فعليك هنا بأدبين: أحدهما: أن يكون حرصك على التمسك بالسنة باطناً وظاهراً، في خاصتك وخاصة من يطيعك. وأعرف المعروف وأَنْكِر المنكر.
الثاني: أن تدعو الناس إلى السنة بحسب الإمكان فإذا رأيت من يعمل هذا ولا يتركه إلا إلى شر منه، فلا تدعو إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر منه، أو بترك واجب أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه، ولكن إذا كان في البدعة من الخير، فعوِّض عنه من الخير المشروع بحسب الإمكان، إذ النفوس لا تترك شيئاً إلا بشيء، ولا ينبغي لأحد أن يترك خيراً إلا إلى مثله أو إلى خير منه.
النوع الثالث من الأعياد الزمانية: ما هو معظَّم في الشريعة، كيوم عاشوراء، ويوم عرفة، ويومَي العيدين، والعشر الأواخر من شهر رمضان، والعشر الأول من ذي الحجة، وليلة الجمعة
ويومها، والعشر الأول من المحرم، ونحو ذلك من الأوقات الفاضلة. فهذا الضَّرب قد يحدث فيه ما يُعتقَد أن له فضيلة، وتوابع ذلك ما يصير منكراً يُنهى عنه: مثل ما أحدث بعض أهل الأهواء (1)، في يوم عاشوراء، من التعطش، والتحَزّن والتجمع، وغير ذلك من الأمور المحدثة التي لم يشرعها الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من السلف، لا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من غيرهم، لكن لما أكرم الله فيه سبط نبيه، أحد سيدي شباب أهل الجنة، وطائفة من أهل بيته، بأيدي الفجرة الذين أهانهم الله، وكانت هذه مصيبة عند المسلمين، يجب أن تُتَلقَّى بما يُتَلقَّى به المصائب، من الاسترجاع المشروع، فأحدث بعض أهل البدع، في مثل هذا اليوم خلاف ما أمر الله به عند المصائب، وضموا إلى ذلك من الكذب والوقيعة في الصحابة، البُرَآء من فتنة الحسين رضي الله عنه، وغيرها، أموراً أخرى، مما يكرهها الله ورسوله. وأما اتخاذ أمثال أيام المصائب مآتم فهذا ليس في دين المسلمين، بل هو إلى دين الجاهلية أقرب.
ثم فَوّتُوا بذلك ما في صوم هذا اليوم من الفضل، وأحدث بعض الناس فيه أشياء مستندة إلى أحاديث موضوعة، لا أصل لها، مثل:
(1)(*) الشيعة.
فضل الاغتسال فيه، أو التكحل، أو المصافحة وهذه الأشياء ونحوها، من الأمور المبتدعة، كلها مكروهة. وإنما المستحب صومه.
وقد رُوي في التوسيع على العيال في آثار معروفة، أعلى ما فيها حديث إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه قال:«بلَغَنا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنَتِه» رواه عنه ابن عيينة. وهذا بلاغ منقطع لا يعرف قائله. والأشبه أن هذا وُضِعَ لما ظهرت العصبية بين الناصبة، والرافضة، فإن هؤلاء اتخذوا يوم عاشوراء مأتماً، فوضع أولئك فيه آثاراً تقتضي التوسع فيه، واتخاذه عيداً، وكلاهما باطل. وهؤلاء فيهم بدع وضلال، وأولئك فيهم بدع وضلال وإن كانت الشيعة أكثر كذباً وأسوأ حالاً.
لكن لا يجوز لأحد أن يغير شيئاً من الشريعة لأجل أحد، وإظهار الفرح والسرور يوم عاشوراء، وتوسيع النفقات فيه، هو من البدع المحدثة المقابلة للرافضة. وقد وضعت في ذلك أحاديث مكذوبة في فضائل ما يصنع فيه من الاغتسال، والاكتحال وغير ذلك. وليس فيها ما يصح. وقد يكون سبب الغلو في تعظيمه من بعض المنتسبة لمقابلة الروافض، فإن الشيطان قصده أن يحرف الخلق