الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في اللغة وأعربوا القرآن، فإنه عربي»، وفي حديث آخر عن عمر رضي الله عنه أنه قال:«تعلموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم» وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية وفقه الشريعة، يجمع ما يحتاج إليه؛ لأن الدين فيه أقوال وأعمال، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السنة هو فقه أعماله.
رابعًا: وأما الاعتبار في مسألة العيد فمن وجوه:
أحدها: أن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك، التي قال الله سبحانه:{لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج:67] كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد، موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه: موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر، وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه.
وأما مبدؤُها فأقل أحواله: أن تكون معصية وإلى هذا
الاختصاص أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «إن لكل قومٍ عيداً وإن هذا عيدُنا» [البخاري952، 949، مسلم892] وهذا أقبح من مشاركتهم في لبس الزنار ونحوه من علاماتهم، لأن تلك علامة وضعية ليست من الدين، وإنما الغرض بها مجرد التمييز بين المسلم والكافر، وأما العيد وتوابعه، فإنه من الدين الملعون هو وأهله، فالموافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه.
ثم كل ما يختص به ذلك ـ من عبادة وعادة ـ فإنما سببه هو كونه يوماً مخصوصاً، وإلا فلو كان كسائر الأيام لم يختص بشيء، وتخصيصه ليس من دين الإسلام في شيء بل كفر به.
الوجه الثاني: أن ما يفعلونه في أعيادهم معصية لله؛ لأنه إما محدث مبتدع، وإما منسوخ، وأحسن أحواله ـ ولا حسن فيه ـ أن يكون بمنزلة صلاة المسلم إلى بيت المقدس.
هذا إذا كان المفعول مما يُتَدَيَّنُ به، وأما ما يتبع ذلك ـ من التوسع في العادات من الطعام واللباس، واللعب والراحة ـ فهو تابع لذلك العيد الديني، كما أن ذلك تابع له في دين الله: الإسلام، فيكون بمنزلة أن يتخذ بعض المسلمين عيداً مبتدعاً يخرج فيه إلى
الصحراء، ويفعل فيه من العبادات والعادات من جنس المشروع في يومي الفطر والنحر، أو مثل أن ينصب بِنْيَة يُطاف بها وتُحج ويُصنع لمن يفعل ذلك طعاماً، ونحو ذلك، فلو كره المسلم ذلك، لكن غير عادته ذلك اليوم، كما يغير أهل البدعة عادتهم في الأمور العادية أو في بعضها، بصنعة طعام وزينة لباس، وتوسيع في نفقة، ونحو ذلك، من غير أن يتعبد بتلك العادة المحدثة ـ ألم يكن هذا من أقبح المنكرات؟ فكذلك موافقة هؤلاء المغضوب عليهم والضالين وأشد.
نعم: هؤلاء يُقَرّون على دينهم المبتدع، والمنسوخ، مُسْتَسِرِّين به، والمسلم لا يُقَرُّ على مبتدع ولا منسوخ، لا سراً ولا علانية، وأما مشابهة الكفار فكمشابهة أهل البدع وأشد.
الوجه الثالث: أنه إذا سوغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير، ثم إذا اشتهر الشيء دخل فيه عوام الناس، وتناسوا أصله حتى يصير عادة للناس، بل عيداً، حتى يُضَاهَى بعيد الله، بل قد يُزاد عليه، حتى يكاد أن يُفْضِي إلى موت الإسلام وحياة الكفر، كما قد سوَّله الشيطان لكثير ممن يدعي الإسلام، فيما يفعلونه في أواخر
صوم النصارى، من الهدايا والأفراح، والنفقات وكسوة الأولاد، وغير ذلك، مما يصير به مثل عيد المسلمين، بل البلاد المصاقبة (1) للنصارى، التي قل علم أهلها وإيمانهم، قد صار ذلك أغلب عندهم وأبهى في نفوسهم من عيد الله ورسوله، على ما حدثني به الثقات. (2)
الوجه الرابع: أن الأعياد والمواسم في الجملة، لها منفعة عظيمة في دين الخلق ودنياهم، كانتفاعهم بالصلاة والزكاة والحج، ولهذا جاءت بها كل شريعة، كما قال تعالى:{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج:34]. وقال: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج:67]
ثم إن الله شرع على لسان خاتم النبيين من الأعمال ما فيه صلاح الخلق على أتم الوجوه، وهو الكمال المذكور في قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3] ولهذا أنزل الله هذه الآية في أعظم أعياد الأمة الحنيفية، فإنه لا عيد في النوع أعظم
(1)(*) المصاقبة: القريبة
(2)
(**) والناظر إلى حال المسلمين اليوم يجد كثيرًا منهم ـ للأسف ـ يتشبه بالكفار في أعيادهم كعيد رأس السنة الميلادية (الكريسماس) وعيد الغطاس وشم النسيم وعيد الأم وعيد الحب وعيد ميلاد الشخص وغيرها.
من العيد الذي يجتمع فيه المكان والزمان وهو عيد النحر، ولا عين من أعيان هذا النوع، أعظم من يوم كان قد أقامه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعامة المسلمين، وقد نفى الله تعالى الكفر وأهله.
والشرائع هي غذاء القلوب وقوتها، ومن شأن الجسد إذا كان جائعاً فأخذ من طعامٍ حاجته استغنى عن طعام آخر، حتى لا يأكله إن أكل منه إلا بكراهة، وتجشم، وربما ضرَّه أكلُه، أو لم ينتفع به، ولم يكن هو المغذي له الذي يقيم بدنه، فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته، قَلَّتْ رغبتُه في المشروع وانتفاعه به، بقدر ما اعتاض من غيره، بخلاف مَن صرف نهمته وهِمَّته إلى المشروع، فإنه تعظيم محبته له ومنفعته به ويتم دينه، ويكمل إسلامه.
ولذا تجد من أكثر من سماع القصائد لطلب صلاح قلبه تنقص رغبته في سماع القرآن، حتى ربما كرهه، ومن أكثر من السفر إلى زيارات المشاهد ونحوها لا يبقى لحج البيت الحرام في قلبه من المحبة والتعظيم ما يكون في قلب من وسعته السنة، ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم، لا يبقى
لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع، ومن أدمن قصص الملوك وسيرهم لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه ذاك الاهتمام، ونظير هذا كثير. ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:«ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع الله عنهم من السنة مثلها» رواه الإمام أحمد [المسند16907 وضعفه الألباني]
وهذا أمر يجده من نفسه من نظر في حاله من العلماء، والعباد، والأمراء والعامة وغيرهم، ولهذا عظمت الشريعة النكير على من أحدث البدع، وكرهَتْها؛ لأن البدع لو خرج الرجل منها كفافاً لا عليه ولا له لكان الأمر خفيفاً، بل لابد أن يوجب له فساداً، منه نقص منفعة الشريعة في حقه، إذ القلب لا يتسع للعوض والمعوض منه.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في العيدين الجاهليين: «إن الله قد أبدلكم بهما يومين خيراً منهما» [أبو داود1134وصححه الألباني] فيبقى اغتذاء قلبه من هذه الأعمال المبتدعة مانعاً من الاغتذاء، أو من كمال الاغتذاء بتلك الأعمال الصالحة النافعة الشرعية، فيفسد عليه حاله من حيث لا يشعر، كما يفسد جسد المغتذي بالأغذية الخبيثة من حيث لا
يشعر، وبهذا يتبين لك بعض ضرر البدع.
إذا تبين هذا فلا يخفى ما جعل الله في القلوب من التشوق إلى العيد والسرور به والاهتمام بأمره، اتفاقاً واجتماعات وراحة، ولذة وسروراً، وكل ذلك يوجب تعظيمه لتعلق الأغراض به، فلهذا جاءت الشريعة في العيد، بإعلان ذكر الله تعالى فيه، حتى جعل فيه من التكبير في صلاته وخطبته، وغير ذلك ما ليس في سائر الصلوات، وأقامت فيه من تعظيم وتنزيل الرحمة فيه خصوصاً العيد الأكبر، ما فيه صلاح الخلق، كما دل عليه قوله تعالى:{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج:27] فصار ما وُسِّع على النفوس فيه من العادات الطبيعية عوناً على انتفاعها بما خُصَّ به من العبادات الشرعية، فإذا أعطيت النفوس في غير ذلك اليوم حظها، أو بعضه الذي يكون في عيد الله فترت عن الرغبة في عيد الله، وزال ما كان له عندها من المحبة والتعظيم، فنقص بسبب ذلك تأثير العمل الصالح فيه، فخسرت النفوس خسراناً مبيناً، وأقل الدرجات: أنك لو فرضت رجلين: أحدهما قد اجتمع اهتمامه بأمر
العيد على المشروع، والآخر مهتم بهذا وبهذا، فإنك بالضرورة تجد المتجرد للمشروع، أعظم اهتماماً به من المشرك بينه وبين غيره ومن لم يدرك هذا فلغفلته أو إعراضه، وهذا أمر يعلمه من يعرف بعض أسرار الشرائع.
وأما الإحساس بفتور الرغبة، فيجده كل أحد، فإنا نجد الرجل إذا كسا أولاده، أو وسع عليهم في بعض الأعياد المسخوطة، فلابد أن تنقص حرمة العيد المرضي من قلوبهم.
الوجه الخامس: أن مشابهتهم في بعض أعيادهم يوجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، خصوصاً إذا كانوا مقهورين تحت ذل الجزية والصغار، فرأوا المسلمين قد صاروا فرعاً لهم في خصائص دينهم، فإن ذلك يوجب قوة قلوبهم وانشراح صدورهم، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص، واستذلال الضعفاء، وهذا أيضاً، أمر محسوس، لا يستريب فيه عاقل فكيف يجتمع ما يقتضي إكرامهم بلا موجب مع شرع الصغار في حقهم؟
الوجه السادس: أن مما يفعلونه في عيدهم: ما هو كفر، وما هو حرام، وما هو مباح لو تجرد عن مفسدة المشابهة، ثم التمييز بين
هذا وهذا يظهر غالباً، وقد يخفى على كثير من العامة، فالمشابهة فيما لم يظهر تحريمه للعالم، يوقع العامي في أن يشابههم فيما هو حرام، وهذا هو الواقع.
الوجه السابع: أن الله تعالى جبل بني آدم بل سائر المخلوقات، على التفاعل بين الشيئين المتشابهين، وكلما كانت المشابهة أكثر كان التفاعل في الأخلاق والصفات أتَمَّ، حتى يؤول الأمر إلى أن لا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالعين فقط. فالمشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة، توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي.
وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين، هم أقل كفراً من غيرهم، كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى، هم أقل إيماناً من غيرهم ممن جرد الإسلام، والمشاركة في الهدي الظاهر توجب أيضاً مناسبة وائتلافاً، وإن بَعُد المكان والزمان فهذا أيضاً أمر محسوس، فمشابهتهم في أعيادهم ـ ولو بالقليل ـ هو سبب لنوع ما من اكتساب أخلاقهم التي هي ملعونة، وما كان مظنة لفساد خفي غير منضبط، علق الحكم به، وأدير
التحريم عليه، فنقول: مشابهتهم في الظاهر سبب ومظنة لمشابهتهم في عين الأخلاق والأفعال المذمومة، بل في نفس الاعتقادات وتأثير ذلك لا يظهر ولا ينضبط، ونفس الفساد الحاصل من المشابهة قد لا يظهر ولا ينضبط، وقد يتعسر أو يتعذر زواله بعد حصوله، لو تفطن له، وكل ما كان سبباً إلى مثل هذا الفساد فإن الشارع يحرمه، كما دلت عليه الأصول المقررة.
الوجه الثامن: أن المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة، وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة، حتى أن الرجلين إذا كانا من بلد واحد، ثم اجتمعا في دار غربة، كان بينهما من المودة، والائتلاف أمر عظيم، وإن كانا في مَصْرهما لم يكونا متعارفين، أو كانا متهاجرين، وذاك لأن الاشتراك في البلد نوع وصف اختصا به عن بلد الغربة، بل لو اجتمع رجلان في سفر، أو بلد غريب، وكانت بينهما مشابهة في العمامة أو الثياب، أو الشعر، أو المركوب ونحو ذلك ـ لكان بينهما من الائتلاف أكثر مما بين غيرهما، وكذلك تجد أرباب الصناعات الدنيوية يألف بعضهم بعضاً، ما لا يألفون
غيرهم.
فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية، تورث المحبة والموالاة لهم، فكيف بالمشابهة في أمور دينية؟ فإن إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ} [المائدة:51 - 53]
وقال تعالى فيما يذم بها أهل الكتاب: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا