الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيهما ما يقبل بالفم ولا يستلم باليد، إلا ما جعله الله في الأرض بمنزلة اليمين (1)، وهو الحجر الأسود، فكيف يكون في المسجد الأقصى ما يستلم أو يقبل؟
بناء القبة عند الصخرة حدث في عهد عبد الملك بن مروان
وكانت الصخرة مكشوفة، ولم يكن أحد من الصحابة، لا ولاتهم ولا علماؤهم يخصها بعبادة، وكانت مكشوفة في خلافة عمر وعثمان رضي الله عنهما، مع حكمهما على الشام. وكذلك في خلافة علي رضي الله عنه، وإن كان لم يحكم عليها، ثم كذلك في إمارة معاوية، وابنه، وابن ابنه. فلما كان في زمن عبد الملك وجرى بينه وبين ابن الزبير من الفتنة ما جرى، كان هو الذي بنى القبة على الصخرة.
الصلاة عند الصخرة بدعة:
ولا ريب أن الخلفاء الراشدين لم يبنوا هذه القبة، ولا كان الصحابة يعظمون الصخرة، ويتحرون الصلاة عندها، حتى ابن عمر رضي الله عنهما مع كونه كان يأتي من الحجاز إلى المسجد الأقصى، كان لا يأتي الصخرة. وذلك أنها كانت قبلة، ثم
(1)(*) سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن حديث «الحجر الأسود يمين الله في الأرض» فقال: رُوي عن النبي ث بإسناد لا يثبت. [مجموع الفتاوى6/ 397] وضعفه الإمام السيوطي والشيخ الألباني [ضعيف الجامع الصغير2772]
نسخت. وهي قبلة اليهود. فلم يبق في شريعتنا ما يوجب تخصيصها بحكم، كما ليس في شريعتنا ما يوجب تخصيص يوم السبت. وفي تخصيصها بالتعظيم مشابهة لليهود.
اليمن لا تغلظ بالحلف عند المشاهد
وقد ذكر طائفة من متأخري الفقهاء، من أصحابنا وغيرهم: أن اليمين تُغَلَّظ ببيت المقدس، بالتحليف عند الصخرة، كما تغلظ في المسجد الحرام، بالتحليف بين الركن والمقام، وكما تغلظ في مسجده صلى الله عليه وسلم بالتحليف عند قبره ولكن ليس لهذا أصل في كلام أحمد ونحوه من الأئمة، بل السنة أن تغلظ اليمين فيها كما تغلظ في سائر المساجد عند المنبر، ولا تغلظ اليمين بالتحليف عند ما لم يشرع للمسلمين تعظيمه، كما لا تغلظ بالتحليف عند المشاهد ومقامات الأنبياء، ونحو ذلك. ومن فعل ذلك فهو مبتدع ضال، مخالف للشريعة.
الآثار المنقولة عن بني إسرائيل في فضائل بيت المقدس
وقد صنف طائفة من الناس، مصنفات في فضائل بيت المقدس، وغيره من البقاع التي بالشام، وذكروا فيها من الآثار
المنقولة عن أهل الكتاب ـ وعمن أخذ عنهم ـ ما لا يحل للمسلمين أن يبنوا عليه دينهم.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تصدِّقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم» [البخاري4485]، ومن العجب أن هذه الشريعة المحفوظة المحروسة مع هذه الأمة المعصومة التي لا تجتمع على ضلالة: إذا حدَّث بعض أعيان التابعين عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث ـ كعطاء بن أبي رباح والحسن البصري، وأبي العالية ونحوهم، وهم من خيار علماء المسلمين وأكابر أئمة الدين ـ توقف أهل العلم في مراسيلهم، فمنهم من يرد المراسيل مطلقا، ومنهم من يقبلها بشروط، ومنهم من يميز بين مَن عادته لا يرسل إلا عن ثقة، كسعيد بن المسيب، وإبراهيم النخعي، ومحمد بن سيرين، وبين من عُرف عنه أنه قد يرسل عن غير ثقة: كأبي العالية والحسن وهؤلاء ليس بين أحدهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلا رجل أو رجلان، أو ثلاثة مثلاً، وأما ما يوجد في كتب المسلمين في هذه الأوقات من الأحاديث التي يذكرها صاحب الكتاب مرسلة، فلا يجوز الحكم بصحتها، باتفاق أهل العلم، إلا أن يعرف أن ذلك من نقل أهل
العلم بالحديث، الذين لا يحدثون إلا بما صح، كالبخاري في المعلقات التي يجزم فيها بأنها صحيحة عنده، وما وقفه كقوله: وقد ذكر عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ونحو ذلك، فإنه حسن عنده. هذا وليس تحت أديم السماء بعد القرآن كتاب أصح من البخاري، فكيف بما ينقله كعب الأحبار وأمثاله عن الأنبياء؟ وبين كعب، وبين النبي الذي ينقل عنه ألف سنة، وأكثر وأقل، وهو لم يسند ذلك عن ثقة بعد ثقة، بل غايته أن ينقل عن بعض الكتب التي كتبها شيوخ اليهود، وقد أخبر الله بتبديلهم وتحريفهم فكيف يحل للمسلم أن يصدق شيئاً من ذلك، بمجرد هذا النقل؟ بل الواجب أن لا يصدق ذلك ولا يكذبه أيضاً إلا بدليل يدل على كذبه، وهكذا أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم.وفي هذه الإسرائيليات، مما هو كذب على الأنبياء، أو ما هو منسوخ في شريعتنا، ما لا يعلمه إلا الله.
ومعلوم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من السابقين الأولين، والتابعين لهم بإحسان، قد فتحوا البلاد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وسكنوا بالشام والعراق ومصر، وغير هذه الأمصار وهم كانوا أعلم بالدين، وأتبع له ممن بعدهم فليس لأحد أن يخالفهم فيما كانوا
عليه.
فما كان من هذه البقاع لم يعظموه، أو لم يقصدوا تخصيصه بصلاة أو دعاء، أو نحو ذلك ـ لم يكن لنا أن نخالفهم في ذلك، وإن كان بعض من جاء بعدهم من أهل الفضل والدين فعل ذلك؛ لأن اتباع سبيلهم أولَى من اتباع سبيل من خالف سبيلهم، وما من أحد نقل عنه ما يخالف سبيلهم إلا وقد نقل عن غيره، ممن هو أعلم وأفضل منه، أنه خالف سبيل هذا المخالف وهذه جملة جامعة لا يتسع هذا الموضع لتفصيلها.
وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى بيت المقدس ليلة الإسراء صلى فيه ركعتين [مسلم162] ولم يُصَلّ بمكان غيره ولا زاره. وحديث المعراج فيه ما هو في الصحيح، وفيه ما هو في السنن والمسانيد، وفيه ما هو ضعيف، وفيه ما هو من الموضوعات المختلقات، مثل ما يرويه بعضهم فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له جبريل: هذا قبر أبيك إبراهيم، انزل فصَلّ فيه، وهذا بيت لحم مولد أخيك عيسى انزل فصل فيه.
وأعجب من ذلك، أنه روي فيه: قيل له في المدينة: انزل فصَلّ
هنا قبل أن يبني مسجده، وإنما كان المكان مقبرة للمشركين، والنبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إنما نزل هناك لما بركت ناقته هناك ـ فهذا ونحوه من الكذب المختلق باتفاق أهل المعرفة. وبيت لحم كنيسة من كنائس النصارى ليس في إتيانها فضيلة عند المسلمين، سواء كان مولد عيسى أو لم يكن، بل قبر إبراهيم الخليل لم يكن في الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان من يأتيه للصلاة عنده، ولا الدعاء، ولا كانوا يقصدونه للزيارة أصلاً.
وقد قدم المسلمون إلى الشام غير مرة مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واستوطن الشام خلائق من الصحابة، وليس فيهم من فعل شيئاً من هذا، ولم يبن المسلمون عليه مسجداً أصلاً، لكن لما استولى النصارى على هذه الأمكنة في أواخر المائة الرابعة، لما أخذوا البيت المقدس، بسبب استيلاء الرافضة (1) على الشام، لما كانوا ملوك مصرـ والرافضة أمة مخذولة، ليس لها عقل صريح، ولا نقل صحيح ولا دين مقبول، ولا دنيا منصورة ـ قويت النصارى، وأخذت السواحل وغيرها من الرافضة، وحينئذ نقبت النصارى
(1)(*) الشيعة. (والمقصود هنا العُبَيديون الفاطميون الذين ادعوا الانتساب إلى فاطمة م خداعاً للمسلمين).