الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النذر وقال: «إنه لا يأتي بخير وإنما يُسْتَخرج به من البخيل» [البخاري6693، 6694، مسلم2639] فإذا كان نذر الطاعات المعلقة بشرط لا فائدة فيه، ولا يأتي بخير، فما الظن بالنذر لما لا يضر ولا ينفع؟.
أسباب إجابة الدعاء عند القبور وغيرها:
وأما إجابة الدعاء، فقد يكون سببه اضطرار الداعي وصدقه، وقد يكون سببه مجرد رحمة الله له، وقد يكون أمرا قضاه الله لا لأجل دعائه، وقد يكون له أسباب أخرى، وإن كانت فتنة في حق الداعي.
فإنا نعلم أن الكفار قد يستجاب لهم فيُسْقَوْن، ويُنصرون ويُعانون، ويُرزقون، مع دعائهم عند أوثانهم وتوسلهم بها. وقد قال الله تعالى:{كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً} [الإسراء:20] وقال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [الجن:6] وأسباب المقدورات فيها أمور يطول تعدادها، ليس هذا موضع تفصيلها. وإنما على الخلق اتباع ما بعث الله به المرسلين، والعلم بأن فيه خير الدنيا والآخرة.
النوع الثاني من الأمكنة: ما له خصيصة لكن لا يقتضي اتخاذه عيداً، ولا الصلاة ونحوها من العبادات عنده: فمن هذه الأمكنة: قبور الأنبياء والصالحين، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والسلف، النهي عن اتخاذها عيداً، عموما وخصوصاً. وبينوا معنى العيد.
فأما العموم: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» . [أبو داود2042وصححه الألباني]
ووجه الدلالة: أن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل قبر على وجه الأرض، وقد نهى عن اتخاذه عيداً. فقبر غيره أولى بالنهي كائناً من كان، ثم إنه قَرَن ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:«ولا تتخذوا بيوتكم قبوراً» أي لا تعطلوها عن الصلاة فيها والدعاء والقراءة، فتكون بمنزلة القبور، فأمر بتحري العبادة في البيوت، ونهى عن تحريها عند القبور، عكس ما يفعله المشركون من النصارى ومن تشبه بهم. ثم إنه صلى الله عليه وسلم أعقب النهي عن اتخاذه عيداً بقوله:«صَلُّوا علي فإن صلاتَكم تبلغُني حيثما كنتم» يشير بذلك صلى الله عليه وسلم إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبعدكم منه فلا حاجة
بكم إلى اتخاذه عيداً.
والأحاديث عنه بأن صلاتنا وسلامنا تعرض عليه كثيرة. مثل ما روى أبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام» صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث على شرط مسلم. [أبو داود2041وحسنه الألباني] ومثل ما روى أبو داود أيضاً عن أوس بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة، فإن صلاتكم معروضة علي» ، قالوا: يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرِمْتَ؟ فقال: «إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء» . [أبو داود1047وصححه الألباني][أرم أي صار رميماً، أي عظماً بالياً]
وفي النسائي وغيرِه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن لله ملائكة سياحين في الأرض يُبَلَّغوني عن أمتي السلام» [النسائي1281وصححه الألباني] إلى أحاديث أُخَر في هذا الباب متعددة.
والعيد إذا جعل اسماً للمكان فهو المكان الذي يقصد الاجتماع فيه، وانتيابه (1) للعبادة عنده، أو لغير العبادة، كما أن المسجد الحرام
(1)(*) انتيابه: إتيانه مرة بعد مرة.
ومنى ومزدلفة وعرفة، جعلها الله عيداً، مثابة للناس، يجتمعون فيها، وينتابونها، للدعاء والذكر والنسك، وكان للمشركين أمكنة ينتابونها للاجتماع عندها. فلما جاء الإسلام محى الله ذلك كله.
وهذا النوع من الأمكنة يدخل فيه قبور الأنبياء والصالحين والقبور التي يجوز أن تكون قبوراً لهم، بتقدير كونها قبوراً لهم. بل وسائر القبور أيضاً داخلة في هذا. فإن قبر المسلم له من الحرمة ما جاءت به السنة، إذ هو بيت المسلم الميت، فلا يترك عليه شيء من النجاسات بالاتفاق ولا يُوطُأ ولا يُداس، ولا يُتَّكَأ عليه عندنا، وعند جمهور العلماء، ولا يجاور بما يؤذي الأموات، من الأقوال والأفعال الخبيثة، ويستحب عند إتيانه السلام على صاحبه، والدعاء له، وكلما كان الميت أفضل، كان حقه أوكد.
قال بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر، أن يقول قائلهم: السلام على أهل الديار وفي لفظ: السلام عليكم أهل الديار، من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية» [مسلم975]
وروى أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم
لاحقون». [مسلم249] وروى أيضاً عن عائشة رضي الله عنهما في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن جبريل أتاني فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع، فتستغفر لهم» قالت: قلت: كيف أقول يا رسول الله؟ قال: «قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون» . [مسلم974]
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت، وقف عليه فقال:«استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يُسْأل» [أبو داود3221وصححه الألباني] وقد روي حديث صححه ابن عبد البر أنه قال: «ما من رجل يمر بقبر رجل، كان يعرفه في الدنيا، فيسلم عليه، إلا رد الله عليه روحه، حتى يرد عليه السلام» . [ضعفه الألباني]
فهذا ونحوه مما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، ويأمر به أمته عند قبور المسلمين، عقب الدفن، وعند زيارتهم، والمرور بهم، إنما هو تحية للميت، كما يُحَيَّى الحيُّ، ودعاء له كما يُدعَى له، إذا صلى عليه قبل الدفن أو بعده، وفي ضمن الدعاء للميت، دعاء الحي لنفسه،
ولسائر المسلمين، كما أن الصلاة على الجنازة فيها الدعاء للمصلي، ولسائر المسلمين، وتخصيص الميت بالدعاء له، فهذا كله، وما كان مثله، من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه السابقون الأولون، هو المشروع للمسلمين في ذلك. وهو الذي كانوا يفعلونه عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وغيره.
وروى ابن بطة في الإبانة، بإسناد صحيح، عن معاذ بن معاذ، حدثنا ابن عون، قال: سأل رجل نافعاً فقال: هل كان ابن عمر يسلم على القبر، فقال: نعم، لقد رأيتُه مائة أو أكثر من مائة مرة، كان يأتي القبر، فيقوم عنده فيقول:«السلام على النبي، السلام على أبي بكر، السلام على أبِي» وفي رواية أخرى، ذكرها الإمام أحمد محتجاً بها:«ثم ينصرف» .
وزيارة القبور جائزة في الجملة، حتى قبور الكفار، فإن في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:«زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: «استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور، فإنها تذكر الموت» . [مسلم976]
وفي صحيح مسلم عن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نهيتكم